أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-31
868
التاريخ: 2023-09-14
1576
التاريخ: 10-9-2016
1451
التاريخ: 2023-08-03
1045
|
لو كان الإسلام كما ادعى ذلك الشعوبي الأخرق متعصبا جامدا، يسيء إلى من يخالفه، ولا يأتلف مع أحد، هل كانت تتم أعماله المدنية التي تجلت للعيان بدون بيان؟ بل لو كان الإسلام متعصبًا جامدا، هل كان على الأقل يُبقي على أحد ممن يخالف معتقده؟ وقد شاهدنا التعصب الديني في أوروبا لما اشتدت وطأته يقضي بجلاء جزء عظيم من حتى يسلم دين السواد الأعظم، كما وقع للإسبان فلم يرضوا بعد أن خضع العرب لسلطانهم إلا بتنصيرهم أو إجلائهم عن بلادهم، فخربت إسبانيا من أجل ذلك، وكذلك جلا البرتستانت من فرنسا إلى إنجلترا وهولاندة وألمانيا يوم اشتداد الثورة الدينية، فكان من ذلك أن فقدت البلاد عشرات الألوف من الأذكياء، وهاجر ألوف من الخلق من إنجلترا لأسباب دينية إلى أميركا الشمالية، ولقد كان الإسلام على العكس من كل هذا في معظم أيام عظمته يبر المخالفين ويقربهم، وينتفع بإحسان المحسن منهم، ويعدل فيهم عدلًا لم يُؤثر عن كسرى ولا قيصر، وما قامت حرب دينية قط في ربوع الإسلام قصد منها إبادة أعدائه، اللهم إلا حوادث عادية تقوم بين متخالفين فتطفئها الولاة لساعتها، وترد على كل الرعايا حرياتهم. ذكر ابن عساكر في سيرة ابن فاتك الذي شهد فتح دمشق أنه تولى قسمة الأماكن بين أهلها بعد الفتح، فكان يترك الرومي في العلو ويترك المسلم في أسفل لئلا يضر بالذمي، أهذا عمل من يسيء إلى من يخالفه، ولعل الشعوبيين يماحكون فيزعمون أن هذا من باب الضعف، وأين كانت قوة أهل الإسلام يوم عملوا هذا من قوة غيرهم من أهل الأديان الأخرى في الشرق والغرب؟ مثال آخر: لما (1) هرقل صاحب الروم جموعه للمسلمين ردوا على جمع من الروم ما كانوا أخذوا منهم من الخراج، وقالوا: قد شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم أهل حمص فأنتم على أمركم، فقال أهل حمص: لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم، ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم ونهض اليهود فقالوا: والتوراة لا يدخل عامل هرقل مدينة حمص إلا أن تُغلب ونجهد. مثال ثالث: مرَّ عمر بن الخطاب بباب قوم وعليه سائل يسأل، شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه، وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي، قال: فما ألجأك إلى ما أرى، قال: أسأله الجزية والحاجة والسن، قال: فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله، فرضخ (2) له بشيء مما في المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال، فقال: أنظر هذا وضرباءه، (3) فوالله ما أنصفناه، أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ)، والفقراء هم المسلمون وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه. خذ لك مثلا آخر من هذا التسامح الشريف: كتب الإمام الأوزاعي (4) إلى صالح بن علي بن عبد الله بن عباس لما قتل مقاتلة أهل لبنان، وأجلى بعضهم لما خرجوا على الخليفة: «وقد كان من إجلاء أهل الذمة من جبل لبنان ممن لم يكن ممالئًا لمن خرج على خروجه، ممن قتلت بعضهم، ورددت باقيهم إلى قراهم ما قد علمت ، فكيف تُؤخذ عامة بذنوب خاصة حتى يخرجوا من ديارهم وأموالهم، وحكم الله تعالى أن لا تزر وازرة وزر أخرى، وهو أحق ما وقف عنده واقتدى به، وأحق الوصايا أن تُحفظ وترعى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قال: من ظلم معاهدًا وكلفه فوق طاقته فأنا حجيجه . » (5) قال الجاحظ في معرض كلامه على أن المسلمين كانوا أعطف على النصارى من اليهود: إنهم نافسوا المسلمين في لباسهم ومركوبهم وألعابهم، وتسموا بالحسن والحسين والعباس والفضل وعلي واكتنوا بذلك أجمع ... فرغب إليهم المسلمون وترك كثير منهم عقد الزنانير، وعقدها آخرون دون ثيابهم وامتنع كثير من كبرائهم من إعطاء الجزية، وأنفوا مع اقتدارهم من دفعها، وسبوا من سبهم، وضربوا من ضربهم، وما لهم لا يفعلون ذلك وأكثر منه، وقضاتنا وعامتهم يرون أن دم الجاثِليق (6) والمطران والأسقف وفاء (7) بدم جعفر وعلي والعباس وحمزة قال: وكان منهم كتَّاب السلاطين وفراشو الملوك وأطباء الأشراف، ولم يكن اليهودي إلا صباعًا أو دباغًا أو حجامًا أو قصابًا أو شعابًا(8) وإذا كان الشعوبيون يشكون متعنتين في هذه الأخبار الصحيحة من مسامحة المسلمين في معظم أدوار عزهم، مع أنه لم يعو يعهد لأمة فيما نحسب أن دونت أيام سعادتها ما لها وما عليها، بمثل هذا التدقيق الذي اشتهر به علماء العرب، فما قولهم فيما كتبه عالم معاصر (9) من جامعة الجزائر ؟ قال: «لقد ثبت أن الفاتحين من العرب كانوا على غاية من فضيلة المسامحة لم تكن تتوقع من أناس يحملون دينًا جديدًا ... وما فكر العربي أشد أدوار تحمسه لدينه الجديد، أن يطفئ بالدماء دينًا منافسًا لدينه، وقد جاءنا العالم ميز في باب التسامح الإسلامي بتفاصيل أشد غرابة من هذه قال: إن من أعظم بواعث الاستغراب كثرة عدد غير المسلمين من رجال الأمر في الدول الإسلامية، وقد شوهد المسلم في بلاده يحكم عليه النصارى، وحدث مرتين في القرن الثالث للهجرة، أن كان من النصارى وزراء حرب، وكان على القواد حماة الدين أن يقبلوا أيدي الوزير، وينفذوا أمره، هذا والدواوين غاصة بالكتاب من النصارى.» هكذا عامل المسلمون أهل ذمتهم وهكذا عاملهم الخلفاء من الراشدين والأمويين والعباسيين، بل الخلفاء والأمراء في كل أرض انتصب عليها علم التوحيد، وكان الخلفاء بل من اشتهر منهم بتعصبه الديني يبوحون لأبناء الذمة بأسرارهم، ويطلعونهم على خويصة أنفسهم، ويوسدون إليهم مهمات أمورهم، ويأتمنونهم على حرمهم وأرواحهم، ويرفعون منازلهم، ويغدقون (10) عليهم إحسانهم، وهل عهدت مثل هذه المسامحة في بعض ممالك الغرب إلا بعد حروب طويلة وثورات مستديمة، ومجازر بشرية فظيعة؟ وذلك في العصر الأخير فقط. لما أراد المأمون تدوين العلوم في بغداد استدعى ثلاثمائة عالم من أهل كل دين وجنس، وحظر عليهم في اجتماعهم مسلمهم وغير مسلمهم أن لا يستشهدوا بآي القرآن والإنجيل والتوراة وأن لا يتعرضوا للأديان في مباحثهم، وقد وضع أبوه هرون الرشيد من قبله جميع المدارس تحت مراقبة يوحنا بن ماسويه، وكانت إدارة المدارس في بلاد العباسيين مفوضة إلى النسطوريين تارة وإلى اليهود أخرى، وجامعات قرطبة وغرناطة وغيرهما من المدن الكبرى في الأندلس كانت تدار في الغالب بأيدي اليهود على ما قال درابر، ولما خربت بغداد في القرن الرابع أمر عضد الدولة ابن بويه وزيره نصر بن هرون وكان نصرانيا بعمارة البيع والديرة وإطلاق الأموال الفقرائهم، فماذا يقول الشعوبيون بعد هذا من الباطل ليدحضوا به الحق؟ وهل من العدل في شيء أن يعتز الشعوبيون بقوة الغرب المادية؟ فيحطوا من قدر مدنية استغربوا كيف حملها الأجداد على ما يظهر. نشرت في العهد الأخير عدة كتب بلغات الأمم الكبرى في الغرب في موضوع الأديان البشرية، فغمز أكثرها الإسلام من طرف خفي أو جلي، فعجبنا كيف لم يرق البشر بمدنية القرن العشرين، ومن الغريب أن يكتب أبو الريحان البيروني في أديان الهند في القرن الخامس من الهجرة ، ولا يمس عاطفة أحد من أهلها ، كأنه إذا كتب في نحلة يوهمك أنه أحد أبناء تلك النحلة لتلطفه في وصف شعائرها، ويكتب علماء اليوم وينحون على من لا يدين بدينهم، ويمجدون دين السواد الأعظم وحده، إن مدنية هذا القرن لم تصف النفوس من الشوائب، فإذا ذكر حتى العظيم من المسلمين ذكر على الأغلب بتقزز ممقوت، وكراهية بادية، أما إذا كان الكلام في مجموع الأمة الإسلامية فإن تصويرهم لها يصدر من تصوراتهم وأوهامهم. رأينا كتاب العرب أيام قوتهم يذكرون جميع المخالفين لهم بكل حرمة، وفي كتاب طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، وفي طبقات الحكماء لابن القفطي، وفي طبقات الأدباء لياقوت، وفي الوافي بالوفيات للصفدي، وفي تاريخ حكماء الإسلام للبيهقي، وفي الجامع المختصر لابن الساعي مثال ظاهر من هذه المسامحة المحمودة، فقد ترجم هؤلاء المؤلفون للمسلم كما ترجموا للصابي واليهودي والسامري والمجوسي واليعقوبي وغيرهم كأنهم أبناء ملة واحدة، ونحن في هذا القرن وهو سيد القرون بتسامحه نرى الكاثوليكي إذا ترجم للبرتستانتي، أنحى عليه وثلمه والعكس بالعكس وهما في الحقيقة أبناء نبعة واحدة ، وكتاب واحد.
.........................................
1- فتوح البلدان للبلاذري، والخراج لأبي يوسف.
2- يقال: رضخ له من ماله رضخة، أي أعطاه قليلا من كثر.
3- الضريب: النظري، وضريب الشيء مثله وشكله: ج ضرباء.
4- فتوح البلدان للبلاذري.
5- الحجيج: المغالب بإظهار الحجة، والوزر: الإثم، ووزر يزر: أثم.
6- الجثليق والجاثليق، والجمع جثالقة: متقدم الأساقفة.
7- يقال: مات عن وفاء أي مات وترك ما لا يفي بما عليه.
8- الشعاب الذي يلئم الشعب أي الصدع، وحرفته الشعابة.
9- أخلاق المسلمين وعاداتهم لغوية. Gautier: Mœurs ET coutumes des musulmans.
10- تسامح العظماء للمؤلف، مجلس المقتبس م2 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|