أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-13
225
التاريخ: 16-10-2014
2993
التاريخ: 2024-09-15
192
التاريخ: 14-11-2014
12277
|
أسلم قديماً، وهاجر الهجرتين إلى الحبشة والمدينة، وشهد بدراً والمشاهد بعدها لازم النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) وكان صاحب نعليه.. وقال له في أول الإسلام: إنك لغلام معلم. [1] وهو أول من جهر بالقرآن في قريش وقرأ سورة الرحمن[2]. ويدل ذلك على شجاعته في نشر القرآن الذي أخذهُ من فم رسول الله واصفاً طريقة تعلمه للقرآن قال: (كنا إذا تعلمنا من النبي(صلى الله عليه واله وسلم ) عشر آيات من القرآن لم نتعلم العشر التي نزلت بعدها، حتى نعلم ما فيها[3]. وهذا المشهد نُقل بكثرة في المصادر عن ابن مسعود[4].
وكان يدون ما تعلمه من العلم والعمل فدون القرآن وتفسيرهُ واشتهر أنه من جُماع المصاحف واشتهر بقراءتِه حتى قال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم ): استقرئوا القرآن من أربعة: عبد الله بن مسعود – فبدأ به – وأُبي بن كعب ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة)[5].
ومدح رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم ) قراءتهُ ووصفها بالغضة (من سرهُ أن يقرأ القرآن غضاً كما أُنزل فليقرأهُ بقراءته – يعني ابن مسعود – نقل ابن عساكر ثلاثين حديثاً بهذا المضمون بطرق مختلفة[6] حتى أصبح ابن مسعود من التلامذة البارزين ومن الأساتذة المشهورين للقرآن إذ ينقل عنه الطبري بسنده قال: كان عبد الله يقرأ علينا السورة ثم يحدثنا فيها ويفسرها عامة النهار)[7] وكان ابن مسعود معلماً حريصاً ومتابعاً لتلامذتهِ بشكل دقيق، فإنه إذا أصبح خرج، أتاهُ الناس إلى دارهِ فيقول: على مكانكم، ثم يمر الذين يُقرئهم القرآن، فيقول يا فلان بأي سورة أنت؟ فيخبرهُ)[8] ، ومن أخباره بعد وفاة النبي(صلى الله عليه واله وسلم ) أنه بعث معلماً في زمن عمر إلى الكوفة، ثم إنه علم الناس على قراءتهِ مما أزعج سلطة عثمان فعزله واستدعاهُ وقال ابن مسعود لأهل الكوفة (إني غال مصحفي ومن استطاع أن يغل مصحفاً فليغل)[9] وقال لهم: (أكتموا المصاحف التي عندكم)[10] ونتيجة إصرارهِ على هذا الأمر قُتل إثر ضربه في مسجد النبي(صلى الله عليه واله وسلم ) فمات من علتهِ، أصبح ابن مسعود من مؤسسي مدرسة الكوفة التفسيرية، وعرف عنه تفسير كثير وصل إلينا بعدة طرق أهمها أربعة طريق الأعمش عن أبي الضحى وطريق الأعمش عن أبي وائل، وطريق مجاهد عن أبي معمر، وطريق ابن جُرير.
منهجية التفسير عند ابن مسعود:
1- معرفته بالمصطلحات القرآنية:
حيث ورد عنه قولهُ: (المحكمات: الناسخات التي يُعمل بهن، المتشابهات: المنسوخات)[11] وهذه الرواية نقلت عن ابن عباس أيضاً كثيراً وعن جمع من الصحابة وهي تدل على ترادف واضح لا يمكن تجاهلهُ، نعم كل مصطلح له مدلوله الخاص.
2- التقسيم السباعي:
فعن ابن مسعود: إن القرآن نزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف: (حلال وحرام، محكم ومتشابه، ضرب أمثالٍ، وأمر وزجر) فأحل حلاله وحرم حرامهُ وأعمل بمحكمهِ وقف عنده متشابهه، واعتبر أمثاله، فإن كلاً من عند الله وما يتذكر إلا أولو الألباب)[12].
فإنه عرَّف هذه المصطلحات وأعطى المنهجية في التعاطي معها، وقد بيّنا ذلك في القسمة السباعية عند الإمام علي(عليه السلام).
3-من القواعد المنقولة عنه:
(ليس من الخطأ أن تقرأ بعض القرآن في بعض، وإنما الخطأ أن تقرأ ما ليس فيه)[13]
وهي دعوة واضحة لعدم التقييد بترتيب القرآن في سورهِ وآياتهِ. الذي كان حاجزاً عن التفكر في التحرر من هذه القيود، التي حجبت العقول عن ملاحقة موضوع ما في القرآن. فالملاحظ الممارسة العملية في القراءة الموضوعية عند الصحابة كما وجدت عندهم بعض التجارب، ولعلهُ في السياق نفسه نفهم ما ورد عنه أيضاً: (من أراد العلم فليثور القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين)[14] (والثور والثوران هو الهيجان، ثور الأرض: حرثها، ثوَّر القرآن بحث عن علمهِ)[15] وكأنه يثور هذا الترتيب ويعيد تنسيقهُ من جديد على أساس موضوعي ليعطي معنى القراءة الحرة للنص وفق سياق البحث. وإليك نماذج من إستقراءهِ الموضوعي الذي يدل على إلتزامهِ. بمنهج حرية قراءة النص، ولكن على وفق نظرة موضوعية:
قال ابن مسعود، قال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم ): (من أَعطى أربعاً أُعطيَّ أربعاً وتفسير ذلك في كتاب الله: من أعطى الذكر ذكرهُ الله لأن الله يقول {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُم ْ}[16] ، ومن أَعطى الدعاء أُعطي الإجابة لأن الله يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم}[17]، ومن أعطى الشكر أُعطي الزيادة، لأن الله يقول:{لئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[18]، ومن أُعطي الإستغفار أُعطي المغفرة، لأن الله يقول:{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارا ً}[19] [20]. وهذا الحديث يوقفنا على السنن القرآنية التي لا تتخلف ولا تتبدل (من أعطى كذا أُعطي كذا) وهذه قراءة موضوعية واعية وكما نلاحظ لا تلتزم بالترتيب المعهود ولو التزمت لما وصلت إلى هذه النتيجة، لقد تعلم ابن مسعود هذه القاعدة وأخذ يُطبقها فقال:
(الشفاء شفاءان: إن العسل فيه شفاء من كل داء، والقرآن شفاءٌ لما في الصدور[21] ويدل هذا الحديث على استقرائه الكامل في القرآن لمادة شفاء فوجد أن القرآن يصف نفسه بأنه شفاء {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[22] وقوله تعالى:{يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}[23]. ومن كثرة قراءته وخبرته في القرآن صار ابن مسعود قادراً على استجلاء موضوعات محددة متكاملة وهناك نماذج مشابهة كالفتنة[24] وغيرها.
نفهم من هذا أن ابن مسعود يلتزم بمضمون قاعدة (المنقطع والمعطوف) التي يمارسها الإمام علي(عليه السلام) بأزمانها الثلاثة. ويقرأ القرآن قراءة موضوعية.
4- التأويل عند ابن مسعود:
نفهم من (التأويل) عند ابن مسعود هو ما يغطي الأحداث الخارجية والمصاديق المنطبقة على المفاهيم القرآنية، ولابد أن نعير إهتماماً بما ذهب إليه لسببين الأول: كونه من معاصري الرسول ونزول القرآن وعارف بالقرائن الحالية والمقالية وثانياً: إن مفهوم التأويل عند القرآن نفسه ما يغطي الأحداث الخارجية فلنستمع لما قال: (إن القرآن حيثُ أُنزل ومنه آيٌ قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلهن، ومنه ما وقع تأويلهن على عهد رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم ) ، ومنه ما يقع تأويلهن بعد رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم ) بسنين، ومنه آيٌ يقع تأويلهن بعد يوم، ومنه آيٌ يقع تأويلهن عند الساعة ومنه آيٌ يقع تأويلهن عند الحساب والجنة والنار)[25] وهو كما نرى أن تأويل القرآن يغطي الأحداث الخارجية بأزمانها الثلاث (الماضي، الحاضر، المستقبل) ولم يكتفِ ابن مسعود بإلقاء النظرية فحسب بل أعطي نماذج تطبيقية له في زمن الرسول حتى أمتدحهُ(صلى الله عليه واله وسلم ) قائلاً: (من أراد أن يأخذ القرآن رطباً كما أنزل فليأخذه من ابن أم عبد) [26].
وهو يقرأ القرآن ويفسرهُ تفسيراً حياً منها: عندما قَتل الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) عمرو بن ود العامري وانكسر جيش قريش والأحزاب قرأ هذه الآية: (وكفى الله المؤمنين القتال – بعلي بن أبي طالب – وكان الله قوياً عزيزاً)[27] وهذا مما تأويله في زمن رسول الله، وقد تعلم ذلك من رسول الله(عليه السلام) حيث كان يأخذ التنزيل والتأويل، قال ابن مسعود كنا نقرأ على عهد رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم ): (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك – أن علياً مولى المؤمنين – وإن لم تفعل فما بلغت رسالتهُ والله يعصمك من الناس)[28]. وعندما رأى ابن مسعود ناساً من أهل السوق سمعوا الأذان، فتركوا أمتعتهم وقاموا إلى الصلاة فقال هؤلاء الذين قال الله فيهم: {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ}[29][30].
وكذلك عندما فسر آية الغل[31] لما طُلب منه أن يُسلم مصحفه فأبى وقال: إني غالٍ بمصحفي، فإنه من غل جاء يوم القيامة بما غل، ونعم الغل المصحف) مشيراً إلى هذه الآية {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[32]. أي أنه أخفى مصحفه حتى يجئ به يوم القيامة.
وهذا المفهوم للتأويل وجد عند الإمام علي(عليه السلام) أيضاً.
5- العرض على كتاب الله:
كان ابن مسعود كما وصفهُ علي بن أبي طالب عالماً بالسنة وقراءة القرآن[33] فكان من حفاظ القرآن والحديث وكان قادراً على تمييز الحديث صحيحه من سقيمه من خلال القاعدة الذهبية (العرض على القرآن) وكان يقول لتلامذتهِ: (إذا حدثتكم بحديث أنبأتكم بتصديق ذلك من كتاب الله)[34].
لقد فعَّل ابن مسعود هذه القاعدة في زمن كثر الكذب على رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم ) وفتحت قنوات أهل الكتاب، ولقد تصدى لذلك بقوله: (لا تسألوا أهل الكتاب عن شيءٍ فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، لتكذبوا بحق وتصدقوا بباطل فإن كنتم سائليهم لا محالة، فانظروا ما واطأ كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه)[35] وهذه دعوى لمنع الأخذ عن أهل الكتاب وعرض المشكوك على كتاب الله، كما أنه رفض التفسير بالرأي[36] لو بحثوا في تفسيره لوجدوهُ تفسيراً استنباطياً وفق منهجية علمية شرعية أكثرها من تفسير القرآن بالقرآن أو تطبيق المصاديق الخارجية كعملية تأويلية متحركة مع النص. لكنهم لما لم يبحثوا عن الآية الأخرى المفسّرة لهذه الآية قالوا إنه تفسير بالرأي.
6- الإشتقاقات اللغوية من القرآن:
أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال: نحن أعلم الناس من أين تسمت اليهود باليهودية من كلمة موسى {إنا هُدنا إليك}[37]، ولِمَ تسمت النصارى بالنصرانية من كلمة عيسى {كونوا أنصار الله}[38] [39] وهذا باب قل من سلكه يفتح أمامنا آفاق البحث اللغوي في القرآن إذ اعتمد على القرآن نفسه في إستخراج المعنى ولم يعتمد على المعاجم اللغوية أو الأشعار العربية، وهذه ترجمة ذكية للقرآن تثبت على أن القرآن يفسر بعضهُ بعضاً.
[1] ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تميز الصحابة 4/199.
[2] ابن هشام، السيرة النبوية 1/341.
[3] السيوطي، الدر المنثور 1/349.
[4] راجع تفسير الطبري 1/42، ابن عساكر، تاريخ دمشق 42/401،
[5] ابن عساكر، تاريخ دمشق 7/226-227.
[6] ابن عساكر، تاريخ دمشق 35/42، مسند أحمد 1/7، 36.
[7] تفسير الطبري 1/42.
[8] عبد الرزاق، المصنف 3/366، الهيثمي، مجمع الزوائد 7/167.
[9] اليعقوبي، التاريخ 2/170.
[10] ابن عساكر، تاريخ دمشق 35/97.
[11] السيوطي، الدر المنثور 2/4، الطبري في تفسيره الآية ( )من سورة آل عمران.
[12] السيوطي، الدر المنثور، 2/6.
[13] الصنعاني، المصنف، 3/364.
[14] السيوطي، الدر المنثور 4/127.
[15] الرازي، مختار الصحاح، مادة ثور.
[16] البقرة /152.
[17] غافر /60.
[18] إبراهيم /7.
[21] السيوطي، الدر المنثور 4/123.
[22] الإسراء /82.
[23] النحل /69.
[24] راجع السيوطي، الدر المنثور 3/178
[25] السيوطي، الدر المنثور 2/339.
[26] مستدرك الأحكام 3/318، الفضل بن شاذان، الإيضاح 223/236، الإصابة في تميز الصحابة 4/199.
[27] السيوطي، الدر المنثور 5/192، الأحزاب /25.
[30] تاريخ اليعقوبي، 2/170.
[31] الغَل: أصل الغلول من الغلل وهو دخول الماء في خلل الشجرة يقال أنغل الماء في أصول الشجر.
[32] آل عمران /161.
[33] عندما سألوا الإمام علي8 عن ابن مسعود قال8: عَلِم السُنة، وقرأ القرآن وكفى به علماً، المحمودي، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة 2/630.
[34] السيوطي، الدر المنثور 4/311.
[35] السيوطي، الدر المنثور، 5/147.
[36] قال ابن مسعود: إياكم (وأرأيت) فإنما هلك من كان قبلكم (بأ رأيت) ولا تقيسوا الشيء بالشيء فتزل قدم بعد ثبوتها، وإذا سئل أحدكم مما لا يعلم فليقل لا أعلم فإنه ثلث العلم)، السيوطي، الدر المنثور 4/130.
[37] الاعراف / 156
[38] الصف /14.
[39] السيوطي، الدر المنثور 1/14.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|