شرح (اللّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ ﭐلذّنُوبَ الّتي تَهْتِكُ ﭐلعِصَمَ). |
1914
11:31 صباحاً
التاريخ: 2023-07-19
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-31
1441
التاريخ: 18-1-2023
1472
التاريخ: 18-3-2020
2136
التاريخ: 2023-11-27
1069
|
الغفران والمغفرة: الستر، ومنه قولهم: جاؤوا الجمّ الغفير، أي الجمع الستير، يعني: لكثرتهم كأنهم ستروا وجه الأرض من جوانبه. وهو تعالى غفور وغفّار، أي ستّار للجرائم والخطيئات الشرعية، والنقائص الإمكانيّة، بذيل رحمته الرحمانية ورحمته الرحيمية.
نقل كلام المحقّق السبزواري:
و(الذنوب) جمع (الذنب)، وهو الإثم والجريمة.
الذنوب والكبائر:
والذنب والخطيئة كما قال صدر المتألّهين قدس سره، نقلاً عن كلمات الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ: «تنقسم إلىٰ ما هو ذنب وخطيئة بالنسبة إلىٰ أصل الشرع، كشرب الخمر والميسر، وغيرهما من الماهيات الشرعية، وإلى ما يصير ذنباً بالنية والعزم، كالتزيين للزنا، والأكل للتقوي علىٰ المعصية، وإلى ذنب الجوارح وذنب القلوب، وكل منهما إلىٰ الصغيرة والكبيرة» (1).
نقل الأقوال في تعيين الكبيرة:
ثمّ قال: «واختلفت آراء الأكابر في الكبائر علىٰ أقوال شتى، وليس للقلب اطمئنان علىٰ أدلّتهم، ولعل في اختفائها حكمة، وهي الاجتناب عن جميع المعاصي، مخافة من الوقوع فيها. فقال قوم: هي كلّ ذنب توعّد الله تعالى عليه في الكتاب المجيد بالعذاب والوعيد (2).
وقال بعضهم: هي كلّ ذنب رتّب عليه الشارع جدّاً، أو نصّ فيه بالعقاب (3).
وقالت فرقة: إنّها كلّ خطيئة تؤذن بأنّ فاعلها قليل الاعتناء في دين الله تعالى.
وقال جماعة: إنّها كلّ ذنب ثبت حرمته بالبرهان.
وقالت طائفة: هي كلّ ذنب أوعد الله تعالى فاعلها في القرآن الحكيم بالعذاب الأليم، أو أوعد حججُه تعالى في سنّتهم السديدة بالعقوبة الشديدة (4).
وعن عبد الله بن مسعود أنّه قال: اقرؤوا من أوّل سورة النساء إلىٰ قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31]، فكلّ ما نهي عنه في هذه السورة إلىٰ هذه الآية فهو كبيرة.
وقالت الطائفة: الذنوب كلّها كبائر؛ لاشتراكها في مخالفة الأمر والنهي، لكن قد يطلق الصغيرة والكبيرة علىٰ الذنب بالإضافة إلىٰ ما فوقه وما تحته، كما أنَّ القُبلة بالنسبة إلىٰ الزنا صغيرة، وبالنسبة إلىٰ النظر بالشهوة كبيرة.
قال الشيخ الجليل أمين الإسلام أبو علي الطبرسي ـ طاب ثراه ـ في مجمع البيان بعد نقل هذا القول: «وإلى هذا ذهب أصحابنا ـ رضي الله عنهم ـ فإنّهم قالوا: المعاصي كلّها كبيرة، لكنَّ بعضها أكبر من بعض، وليس في الذنوب صغيرة، وإنّما تكون صغيرة بالإضافة إلىٰ ما هو أكبر، ويستحق العقاب عليه أكثر» (5).
انتهى كلامه (قدس سره).
وفي مجمع البحرين: قال: الذنوب تتنوع إلىٰ: مالية وبدنية، وإلى: قولية وفعلية، والفعلية تختلف باختلاف الآلات التي تفعل بها، إلىٰ غير ذلك.
فمنها: ما يغيّر النعم، ومنها: ما يُنزل النقم ومنها: ما يقطع الرجاء، ومنها: ما يديل الأعداء، ومنها: ما يردُّ الدعاء، ومنها: ما يستحق بها نزول البلاء، ومنها ما يحبس
غيث السماء، ومنها: ما يكشف الغطاء، ومنها: ما يعجّل الفناء، ومنها: ما يُظلم الهواء، ومنها: ما يورث الندم، ومنها: ما يهتك العصم، ومنها: ما يدفع القسم، إلىٰ غير ذلك
ثمّ قال: «واعلم أنَّ جميع الذنوب منحصرة في أربعة أوجه لا خامس لها: الحرص، والحسد، والشهوة، والغضب، هكذا روي عنهم (عليهم السلام)» (6) انتهى.
أقول: لعل مراده بالانحصار في الأوجه الأربع أنَّ أسباب الذنب منحصرة في هذه الأوجه، بل منحصرة في الشهوة والغضب فقط؛ لأنَّ الحرص والحسد من صفات الشهوة والغضب، وخواصّهما: الهتك والمزق والخرق.
بيان العصمة:
و(العِصَم): جمع «عصمة»، كـ «نِعَم»: جمع «نعمة»، وهي لغةً (7): المنع. وفي اصطلاح الفقهاء والحكماء: كيفيّة روحانية يمتنع بها صدور الخطأ عن صاحبها؛ لعلمه بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات.
فإذا بلغ الكلام إلىٰ هذا المقام، فالأنسب أن نفصّل العصمة بأنّها ما هي وفيمن هي؟ وفي كم هي؟ ومتى هي؟ وعمّ هي؟ ولِمَ هي؟
أما الأوّل: فقد ذكرتها.
وأمّا الثاني: فهي في الأنبياء والأئمة الاثني عشر، وفي الملائكة.
والظاهريون الذين قالوا: إنّ الملائكة أجسام لطيفة هوائية، تقدر علىٰ التشكّل بأشكال مختلفة، مسكنها السماوات، وفيهم داعية الشهوة والغضب، يجوّزون عليهم المعصية، واختلفوا في عصمتهم.
وعمدة ما أوقعهم في الشبهة والاختلاف في عصمة الملائكة أمران:
أحدهما: الاستثناء في قوله تعالى: {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ}.
والثاني: حكاية هاروت وماروت، فإنّهما كانا ملكين ففسقا عن أمر ربهما.
واُجيب عن الأول: أنّه بني علىٰ التغليب، أو يكون المستثنىٰ فيه منقطعاً.
وعن الثّاني بأنّها مؤوّلة، وقد أوّلها العلّامة، في التفسير الصافي (8)، عند تفسير قوله تعالى: {وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ}، بعد ذكر أحاديث كثيرة مختلفة الورود في قصتهما عن الأئمة (عليهم السلام). والآيات الدالّة علىٰ عصمتهم في القرآن الحكيم كثيرة جداً.
وأمّا الثالث، فجميع الفقهاء والحكماء والمتكلمين مطبقون علىٰ وجوب عصمة الأنبياء في اعتقاداتهم، وقائلون بأنّهم معصومون عن الكفر، إلّا الخوارج ـ لعنهم الله ـ فإنّهم يقولون: من صدر عنه الخطيئة فهو كافر (9)، ويجوّزون صدور الذنب عن النبيين (عليهم السلام).
وأمّا الرابع، قال كثير من المعتزلة (10)، وجمّ غفير من الأشاعرة (11): إنّ العصمة مخصوصة بزمان البعثة في الأنبياء، ولا يجب قبلها.
وأمّا الخامس ـ يعني العصمة عن الصغيرة والكبيرة، عمدهما أو سهوهما ـ ففيه أقوال ومذاهب (12):
فالحشويّة قد جوّزوا تعمّد الصغيرة والكبيرة علىٰ الأنبياء، وكثير من المعتزلة جوّز تعمّد الصغيرة، بشرط عدم خساستها، كسرقة اللقمة وتطفيف الكيل، وأمثال ذلك.
والحنابلة قالوا: جاز صدور الذنب عن الأنبياء علىٰ سبيل الخطأ في التأويل.
والأشاعرة قالوا بصدور الصغيرة عنهم سهواً لا عمداً. وغيرها من أباطيلهم التي ما لاقت بالذكر.
فالمذهب الذي هو أحقّ وأليق بالذكر ما ذهب إليه الإمامية، من وجوب العصمة في الأنبياء والأوصياء والملائكة مطلقاً، وفي تمام عمرهم، سواء كان في الاعتقاديات، أو في التبليغ، أو في الفتوى، أو في الأحوال والأفعال، صغائر كانت الذنوب أم كبائر، ولا يجوز السهو والنسيان عليهم (عليهم السلام).
وأمّا السادس ـ أي الدليل عليها ـ فكما قالوا من أنَّ صحة الوجوب علىٰ الله كالوجوب من الله، وقد تقرر عند المحقّقين من أهل الكلام (13) أنّ اللطف علىٰ الله واجب، ومن هنا وجب علىٰ الله بعث النبي ونصب الإمام. قالوا: لا شكَّ أنَّ العصمة علىٰ الوجه المذكور أدخل وأمدّ في اللطف، ولهذا يجب تنزّههم عن العيوب والنقائص الخُلقية كالخَلقية، فلا يجوز علىٰ الحكيم الإخلال به.
وعن علي بن الحسين (عليهما السلام): (الإمام منّا لا يكون إلّا معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فتعرف). قيل: فما معنى المعصوم؟ قال (عليه السلام): (المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن، فلا يفترقان إلىٰ يوم القيامة) (14).
ثمّ المراد بالعصمة في قول السائل معناها اللغوي، وهو زجر العقل ومنع النفس من الوقوع في المعصية.
و(الذنوب التي تهتك العصم) ـ علىٰ ما روي (15) عن الصّادق (عليه السلام) ـ هي: شرب الخمر واللعب والقمار، وفعل ما يضحك الناس من المزاح واللهو، وذكر عيوب الناس، ومجالسة أهل الريب. فليتجنب عن جميعها؛ لئلا يهتك العصمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) «شرح الأسماء» ص 116، بتفاوت.
(2) «كتاب الكبائر» ص 8؛ «الجامع لأحكام القرآن» ج 5، ص 159.
(3) «التفسير الكبير» ج 10، ص 61، حكاه عن ابن عباس.
(4) «التفسير الكبير» ج 10، ص 61.
(5) «مجمع البيان» ج 3، ص 51.
(6) «مجمع البحرين» ج 2، ص 61.
(7) «لسان العرب» ج 9، ص 244، مادة «عصم».
(8) «التفسير الصافي» ج 1، ص 170 ـ 172.
(9) انظر: «شرح المقاصد» ج 5، ص 49 ـ 50، «مناهج اليقين» ص 279.
(10) انظر: «تنزيه الأنبياء» ص 16.
(11) انظر: «قواعد المرام» ص 125.
(12) انظر: «شرح المقاصد» ج 5، ص 49 ـ 51، «كشف المراد» ص 349، «الذخيرة في علم الكلام» للمرتضى، ص 338، «مناهج اليقين» ص 280.
(13) «قواعد المرام» ص 118؛ «إرشاد الطالبين» ص 277.
(14) «بحار الأنوار» ج 25، ص 194، ح 5.
(15) «بحار الأنوار» ج 70، ص 375.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|