أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-17
701
التاريخ: 2023-07-18
665
التاريخ: 2023-07-08
798
التاريخ: 2023-07-08
676
|
يعود أقدم نص عربي وصلنا عن الطواحين التي استخدمت طاقة المد والجزر إلى القرن العاشر للميلاد، وهذا يعني أن هذه الطواحين كانت موجودةً على الأقل منذ ذلك القرن، إن لم يكن أبكر من ذلك. فنحن نعلم أن مدينة البصرة قد بناها عتبة بن غزوان في عهد الخليفة الثاني سنة 14 هـ وقيل 15 هـ عند ملتقى نهري دجلة والفرات، 2 أي منذ القرن السابع للميلاد.
يروي لنا محمد بن أحمد بن أبي بكر البناء المقدسي البشاري (توفي نحو 380 هـ / نحو 990 م) كيف استفاد أهل البصرة من ظاهرة المد والجزر واستغلُّوا طاقتها، من خلال وضع طواحين مائية عند مخرج المد، بحيث إنه يُديرها. ويُشير هذا إلى أن مستوى المد كان يصل إلى مترين. 3
قال المقدسي البشاري: «قل في البصرة ما شئتَ من مياهها وبِرَكها ومدها وجزرها ... والجزر والمد أعجوبة على أهل البصرة ونعمة؛ يزورهم الماء في كل يوم وليلة مرتين ويدخل الأنهار ويسقي البساتين ويحمل السفن إلى القرى، فإذا جزر أفاد أيضًا عمل الأرحية لأنها على أفواه الأنهار فإذا خرج الماء أدارها. ويبلغ المد إلى حدود البطائح وله وقت يدور مع دور الأهلة». 4
وقد ذكر مؤرّخ التكنولوجيا المعروف ر. ج. فوربيس R. J. Forbes أن: «البصرة تقع على الخليج العربي وقد كان فيها طواحين مد وجزر معظمها من أجل طحن الذرة.» 5 طبعًا يمكن استخدام الطاحونة لطحن أي نوع من الحبوب، سواء قمح أو شعير، ولا يُمكننا الجزم بشكل قاطع أنها استُخدِمت فقط من أجل الذرة.
يبدو أن هذا النوع من الطواحين قد انتشر واستُخدم بكثرة في البصرة لكلفته الرخيصة وكفاءته العالية طوال أيام السنة، مقارنةً بالطواحين المائية التي تعتمد على حركة التيار المائي فقط التي تتأثر بين الصيف والشتاء. وهو ما قد يفسر لنا لماذا حظيت البصرة فقط بظهور هذا النوع من الطواحين دون غيرها من المدن العراقية أو حتى العربية الأخرى التي تقع على ضفاف الأنهار.
كما تحدث سراج الدين أبو حفص عمر بن المظفر بن الوردي (توفي 852 هـ / 1447 م) عن تحكُّم أهل البصرة بالمد والجزر عن طريق حاجز (غالبًا خشبي) فقال: «وقال الحافظ في المد والجزر بالبصرة: ما قولكم وظنُّكم بقومٍ يأتيهم الماء صباحًا ومساء فإن شاءوا أذنوا له وإن شاءوا حجبوه.» 6
ونستدلُّ من كلام ابن الوردي على أمر آخر هو أن اختيار موقع طاحونة المد والجزر كان يتم اختياره بعناية كبيرة، خصوصًا من ناحية صلابة الأرضية التي ستُوضع عليها. لا تزال ظاهرة المد والجزر تحدث عند شط العرب في البصرة كما يقول أنشتاس ماري الألياوي الكَرْمِلي: «ومن أجلَّ نِعَم الله تعالى على البصريين هي وجود «المد والجزر» في شط العرب فإن ماء «المد» يزورها كل أربع وعشرين ساعة مرتين فيسقي النخيل والأراضي (بدون استعمال آلات السقي أو نصب الكرود) وبعد أن تأخذ تلك البقاع قسطها من الري بفضل تلك النعمة الجليلة يرجع الماء من حيث أتى ثم يعود بعد اثنتي عشرة ساعة وأربع وعشرين دقيقة، فسبحان من تحيرت في صنعه العقول.» 7
ويبدو من كلام الكرملي أنه في أواخر القرن 19 م لم يعد هناك أي ذكر لأي طاحونة تدار أو تستفيد من طاقة المد والجزر المهدورة هناك.
شكل 1: لم يكن هناك تفصيل كافٍ في رواية المقدسي البشاري حول الطاحونة ومبدأ عملها؛ لذلك فإننا نُرجّح أن البصريين استخدموا طريقة التدفق السفلي كونها أسهل في البناء وتأمين عودة مياه الجزر.
شكل 2: بناءً على المعلومة التي أضافها إلينا ابن الوردي، فإننا نتوقع أن يكون تصميم طاحونة المد والجزر في البصرة وفق هذا الشكل التخيُّلي. حيث (1) حاجز مياه المد. (2) قناة تصريف فرعية لتصريف الماء الفائض. (3) الناعورة ذات العنفات. (4) مكان الطاحونة. (5) جدار استنادي لمحور الناعورة. (6) قناة تصريف مياه المد بعد خروجها من الناعورة.
____________________________________________________
هوامش
(2) العباسي، عبد القادر باش أعيان البصرة في أدوارها التاريخية، مطبعة دار البصري، بغداد، 1961 م، ص 14.
(3) Minchinton, W. E., Early Tide Mills: Some Problems, Technology and Culture, p. 777
(4) المقدسي البشاري، أبو عبد الله محمد بن أحمد، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ص 124-125.
(5) Singer, Charles, et al., A History of Technology, volume 2, Oxford, Oxford University Press, 1957, p. 614
(6) ابن الوردي، سراج الدين أبو حفص عمر بن المظفر، خريدة العجائب وفريدة الغرائب، ص 368.
(7) مجلة لغة العرب، العدد 26، ج 3، صاحب امتيازها أنستاس ماري الألياوي الكرملي، وزارة الإعلام، الجمهورية العراقية مديرية الثقافة العامة، مطبعة الآداب، بغداد، 1913م، ص 59.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|