أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-3-2017
1299
التاريخ: 4-1-2016
5746
التاريخ: 2023-04-01
1018
التاريخ: 7-11-2020
998
|
قبل أن أتكلم عن علاقة المادة بالإشعاع، سأوجز شيئًا عن كل منهما على انفراد. فالمادة كانت ولا تزال موضع درس العلماء، وكانت دراسات المادة حتى أواخر القرن الماضي تنقسم قسمين رئيسين: الدراسات الطبيعية التي كانت ترمي إلى تعرف أحوال المادة المختلفة الجامدة والسائلة والغازية، وتأثرها بالمؤثرات الطبيعية المختلفة كالحرارة والقوى الميكانيكية، وخصائصها الطبيعية كالمرونة والتوتر السطحي والدراسات الكيميائية التي كانت تبحث في التفاعلات الكيميائية بين المواد المختلفة وتكوين المركبات من العناصر وتحليلها إلى هذه العناصر؛ وكيف أن هذه العناصر يمكن أن تتحد بطرق مختلفة لتكوين مركبات مختلفة بعضها غير عضوي وبعضها عضوي. وقد أدت كل من الدراسات الطبيعية والدراسات الكيميائية للمادة إلى النتيجة الهامة الآتية وهي: أن المواد على اختلاف أنواعها وصورها مؤلفة من عدد محدود من العناصر (هذا العدد هو إلى حد علمنا الآن نحو 92 عنصرًا) كما أدت إلى أن العناصر المختلفة مؤلفة من ذرات مختلفة وبذلك تكون المواد جميعًا مؤلفة من نحو 92 نوعا مختلفا من الذرات. وفي أواخر القرن الماضي بدأت طائفة من المباحث الجديدة، قوامها البحث عن تركيب الذرة ذاتها، فوجد أن هناك جسيمات أصغر من الذرة وداخلة في تركيبها، ووسائل هذا البحث من الناحية التجريبية كانت في أول الأمر تكاد تكون محصورة في دراسة ما يحدث عندما نمرر تيارا كهربائيًا في غاز قليل الضغط، والقارئ خبير بالمظهر الخارجي لمرور الكهرباء في الغازات. فالإعلانات المختلفة التي كنا نراها قبل الحرب تتوهج بألوان مختلفة والتي تسمى في العرف التجاري »أنابيب النيون»، هذه العلامات المنيرة، كانت في أواخر القرن الماضي وأوائل القرن الحالي لا تكاد تُرَى إلا في معامل الطبيعة بالجامعات؛ وقد كانت ولا تزال وسيلة من أهم وسائل الكشف عن تركيب الذرة، وقد وجد أنه أيا كان الغاز الذي تحتويه هذه الأنابيب، فإن القطب السالب الكهربائي المثبت داخل الأنبوبة، تنبعث عنه جسيمات صغيرة تتحرك بسرعات تُقَدَّر بعشرات الألوف من الكيلومترات في الثانية الواحدة، وأن كل جسيم من هذه الجسيمات يحمل شحنة كهربائية سالبة ذات قدر معلوم، كما أن الجسيمات كلها متساوية الوزن ويساوي وزن كلٌّ منها نحو 11850 من وزن أخف ذرة نعرفها وهي ذرة الهيدروجين، وسُمِّيت هذه الجسيمات بالإلكترونات، ويرجع الفضل في الكشف عن الإلكترونات إلى ج. ج طومسون بإنجلترا ور. أ. مليكان بأمريكا وغيرهما وحوالي نفس الوقت في أواخر القرن الماضي اكْتُشفت ظاهرة النشاط الإشعاعي الذاتي في عنصر اليورانيوم وعنصر الراديوم وبعض العناصر الأخرى، ووُجِدَ أن هذه العناصر لها خاصية قوامها أن ذراتها تتكسر أو تتجزأ فتنبعث منها جسيمات صغيرة بعضها إلكترونات والبعض نوع آخر من الجسيمات يبلغ وزن كلٌّ منها نحو أربعة أمثال وزن ذرة الهيدروجين، وتحمل كلٌّ منها شحنة موجبة تعادل من حيث المقدار ضعف شحنة الإلكترون. هذه الجسيمات التي سُمِّيت جسيمات ألفا وجدت أنها عبارة عن ذرة من ذرات غاز الهليوم مجردة من الإلكترونين اللذين تحملهما. وعُثِرَ أيضًا على جسيمات أخرى سُمِّيَت برتونات وهي عبارة عن ذرات هيدروجين مجردة من إلكتروناتها. الجسيمات التي اكتشفت منذ سنة 1930م هي:
ومنذ سنة 1936م حدث تقدم كبير في استخدام النيوترونات لإحداث ما يسمى بالنشاط الإشعاعي الاصطناعي أو المكتسب، فقد وُجِدَ أن العناصر التي ليس لها نشاط إشعاعي ذاتي يمكن تحويلها إلى عناصر ذات نشاط إشعاعي مكتسب بتعريضها للنوترونات المتحركة ولا بأس من الإشارة هنا إلى ما حدث أخيرًا من التوصل إلى قسمة أو فلق ذرة اليورانيوم بتعريضها لنوترونات بطيئة فقد تمكن هاهن وشتراسمان في برلين من الحصول على عنصر الباريوم ووزنه الذري 137 من عنصر اليورانيوم الذي وزنه الذري 238 وحدث مثل ذلك لعنصر الثوريوم (232).
وخلاصة ما تقدم أن المادة مؤلفة من جسيمات. وأن أمامنا اليوم قائمة من هذه الجسيمات بعضها مشحون كهربائيًا وبعضها عديم الشحنة، وأننا في طريقنا إلى الحصول على الجسيمات الخفيفة من الجسيمات الثقيلة، وغاية ما يمكن أن نطمع فيه في هذا الدور من تطور العلم أن نرجع الجسيمات جميعًا إلى نوع واحد رئيسي أو نوعين من الجواهر الابتدائية؛ هذا عن المادة.
أما الإشعاع فكان فلاسفة الإغريق مختلفين في هل كانت رؤية الأشياء تنشأ عن خروج شعاعة من العين تصل إلى المرئي أو وصول شعاعة من المرئي إلى العين. وكان الرأي الغالب (قال به أقليدس وغيره) أن الرؤية تحدث بخروج شعاعة من العين إلى الجسم المرئي. ويرجع الفضل في وضع علم الضوء إلى العرب كما يثبت من الاطلاع على مؤلفات ابن الهيثم. وقد قال ابن الهيثم في أول رسالته في الضوء ما يأتي: «الكلام في ماهية الضوء من العلوم الطبيعية والكلام في كيفية إشراق الضوء محتاج إلى العلوم التعليمية من أجل الخطوط التي تمتد عليها الأضواء، وكذلك الكلام في ماهية الشعاع هو من العلوم الطبيعية، والكلام في شكله وهيئته هو من العلوم التعليمية، وكذلك الأجسام المشعة التي تنفذ الأضواء فيها، والكلام في ماهية شفيفها هو من العلوم الطبيعية، والكلام في كيفية امتداد الضوء فيها هو من العلوم التعليمية، فالكلام في الضوء وفي الشعاع وفي الشفيف، أن يكون مركبًا من العلوم الطبيعية والعلوم التعليمية.» وقد دل ابن الهيثم بذلك على إدراكه الفرق بين ما نسميه اليوم علم البصريات الطبيعية وعلم البصريات الهندسية، وقد عُرِفَ عن البصريات الهندسية الشيء الكثير في العصر العربي وفي العصور الحديثة الأولى. أما البصريات الطبيعية فلم تتقدم تقدُّمًا محسوسًا حتى أواخر القرن السابع عشر. ويقترن هذا التقدم بأسماء رومر الذي قاس سرعة الضوء سنة 1675م فوجدها ما يقرب من 300000 كيلومتر في الثانية الواحدة، وحققها بعد ذلك فيزو سنة 1849م وفوكو سنة 1862م وهو يجتز الذي أسس النظرية الموجية للضوء عام 1678م وينج وفرينل وأراجو وغيرهم. والنظرية الموجية للضوء هي بلا شك نظرية هامة أمكن بواسطتها تفسير معظم الخواص الطبيعية للضوء. وهذه النظرية تفرض أن الضوء حركة اهتزازية تنتقل من الجسم المضيء إلى ما حوله. وقد أمكن تفسير قوانين الانعكاس والانكسار بناءً على هذه النظرية، كما أمكن على وجه الخصوص تفسير ظواهر التدخل في الأمواج وقد وُجِدَ أنه عندما يمر الضوء في ثقب صغير، فإننا نحصل على مناطق مضيئة فمناطق مظلمة فمضيئة وهكذا مما يعزز النظرية الموجية وبواسطة النظرية الموجية صار في الوسع أن يُفَسَّر الاختلاف في الألوان على أنه اختلاف في الطول الموجي، كما أنه عممت فكرة الضوء بحيث شملت جميع الأشعة المرئية منها وغير المرئية. فأشعة اللاسلكي التي تبلغ طول الموجة فيها مئات الأمتار والأشعة الحرارية والأشعة المرئية والأشعة التي بعد البنفسجية والتي تقل طول الموجة فيها عن 1 1000 من السنتيمتر، وكذلك الأشعة السينية وأشعة غما والأشعة الكونية. جميع هذه تؤلف سلسلة تكاد تكون متصلة الحلقات من الأشعة تُطلق عليها جميعًا اسم الأشعة أو الأشعاع. وخلاصة القول إذن أن الأشعاع هو تموجات تنتقل بسرعة 300000 كيلومتر في الثانية الواحدة وتختلف في أطوال أمواجها.
وإذا كانت المادة عبارة عن جسيمات والأشعة عبارة عن تموجات، فإنه ربما ظهر لأول وهلة أن العلاقة بينهما تكاد تكون منعدمة. ولكن هناك أوجها للشبه بين المادة والأشعاع ألخصها فيما يلي:
أولا: إن الأشعة المختلفة إذا وقعت على سطح ينشأ عن وقوعها ضغط كما يحدث في حالة المادة. فالشعاع من الضوء الساقط على ورقة يضغط على سطح الورقة كما لو كان الشعاع مصنوعًا من المادة. وقد عُرِفَت هذه الظاهرة منذ القرن الثامن عشر، وسُمِّيَت بظاهرة ضغط الضوء أو ضغط الأشعاع. وهذا الضغط صغير جدا في الأحوال العادية؛ إذ لا يزيد ضغط أشعة الشمس على ميل مربع من سطح الأرض عن وزن ثلاثة أرطال. أما إذا ازدادت شدة الأشعة وقصرت موجتها فقد يزداد الضغط إلى أضعاف هذا المقدار.
ثانيًا: إن الأشعة لها خاصة الجسيمات أو الحبيبات كما لو كانت الأشعة مؤلفة من ذرات ضوئية. وقد سُمِّيَت هذه الذرات الضوئية بالفوتونات. وتظهر هذه الخاصة الذرية بصفة واضحة في بعض الظواهر مثل ظاهرة الكهربائية الضوئية التي تُسْتَخْدَم في بعض الأجهزة الكهربائية الحديثة كجهاز السينما الناطق. وتتلخص هذه الظاهرة في أن وقوع ضوء على بعض المواد كعنصر السيلنيوم مثلا ينشأ عنه تيارات كهربائية. وقد عرفت هذه الظاهرة منذ أوائل القرن الحالي وجاءت دراستها مؤيدة لمذهب الذرية الضوئية.
ثالثًا: إن المادة لها خواص موجية تشبه الخواص الموجية للضوء، ولم تكن هذه الخاصية الموجية للمادة معروفة حتى سنة 1927م أي منذ نحو 12 سنة فقط. ويرجع الفضل في الكشف التجريبي عنها إلى طومسن وريد بإنجلترا ودافيسون وجرمر بأمريكا.
ويتضح من أوجه الشبه التي ذكرتها أن كلا من المادة والأشعاع يمكن اعتباره مؤلفًا من جسيمات، كما أن كلا منهما يمكن اعتباره مؤلفًا من أمواج، والفرق الرئيسي بين المادة والأشعاع هو السرعة، فالفوتونات التي تتألف منها الأشعة تكون دائمًا متحركة بسرعة 300000 كيلومتر في الثانية الواحدة في حين أن الإلكترونات والبروتونات وما إليها من جسيمات المادة هي إما ساكنة وإما متحركة بسرعات تكون عادة صغيرة بالنسبة إلى سرعة الفوتونات.
وقد تقدمت أخيرًا ببعض آراء يُقْصَدُ منها التوفيق بين وجهتي النظر إلى كل من المادة والأشعاع. ولما كانت هذه الآراء قد عُلِّق عليها تعليقات مختلفة من بعض العلماء فلا بأس هنا بالإشارة إليها.
من المعلوم أن القوانين الكهربائية المغنطيسية تُصَاغ عادة في الصيغة التي تنسب إلى مكسويل، وفي هذه القوانين نستعمل عادة لغتين مختلفتين إحداهما للتعبير عن المادة، والأخرى للتعبير عن الأشعاع، فهل من الممكن استخدام قانون أكثر أساسية من قانون مكسويل، أي أن نوحد بين اللغتين، بحيث تنطبق العبارة الواحدة على كل من المادة والأشعاع ؟ هذا هو السؤال الذي وضعته لنفسي وحاولت الإجابة عنه.
وقد وجدت انه للاجابة على هذا السؤال يكون من المفيد ان نحول المعادىت بحيث تعبر عن وجهة نظر شخص متحرك بسرعة الضوء لكي يمكن مقابلة وجهة نظر هذا الشخص بوجهة نظرنا العادية. وإنني اخشى ان هذا التحويل الذي هو تحويل عادي جدا من الوجهة الرياضية، وقد استرعى انتباها اكثر مما يجب. فمثلاً قارن السير اولفر لودج في احد مؤلفاته بينين وبين سويفت واضعا كتاب رحلات جلفر المشهور ... ولكنني لا اعتقد مسوغا كبيرا لهذه المقارنة. فان كبلر عندما حول حركان الكواكب السيارة الى ما تظهر عليه اذا نظر اليها من وجهة نظر شخص على الشمس، لم يكن يتطلب منا أن ننتقل إلى الشمس نصطلي بسعيرها لكي ننظر إلى العالم وكذلك إذا أمكن تحويل معادلات مكسويل أو غيرها من القوانين بنسبتها إلى محاور متحركة بسرعة الضوء، فليس معنى هذا أن علينا أن نكون ملائكة مصنوعين من النور لكي يمكن لنا فهمها. كذلك قرأت للأستاذ هولدين مؤلفًا أشار فيه إلى آرائي هذه في علاقة المادة بالأشعاع على أنها تنطوي على مبدأ فلسفي جديد ولكنني أفضل أن ينظر إليها النظرة التي نظرها إليها السير جيمس جينزا أي على أنها محاولة للتوحيد بين لغتين وقانونين مختلفين: أ أحدهما يصلح للمادة، والآخر للإشعاع، وأن نجعل منها لغة واحدة وقانونًا واحدًا يصلح لكل من المادة والإشعاع.
هوامش
1- راجع كتاب «الكون الغامض الذي نشرت وزارة المعارف ترجمته إلى اللغة العربية، طبعة القاهرة، عام 1942م.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|