المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تحضير العينة لإجراء التحليل
2024-02-01
{اني لاجد ريح يوسف}
2024-07-20
الأمل في عاشوراء
2024-08-13
الزكاة ـ بحث روائي
21-1-2016
null (adj.)
2023-10-18
الهداية الى الصرط المستقيم
2023-05-19


الصنعة في الخطابة الجاهلية  
  
8438   03:55 مساءً   التاريخ: 6-9-2016
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : الفن ومذاهبه في النثر العربي
الجزء والصفحة : ص33-37
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / النثر /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-9-2019 3669
التاريخ: 17-9-2019 4708
التاريخ: 25-12-2015 9649
التاريخ: 25-12-2015 30456

إن الصفات التي تميز عرب الجاهلية  كثيرة منها أنهم كانوا يحبون البيان، والطلاقة والتحبير والبلاغة، ودفعهم ذلك إلى الاحتفال بخطابتهم احتفالا شديدا، لا من حيث الصقل، وتجديد الألفاظ فحسب، بل أيضا من حيث مخارج الكلم، ولعلهم من أجل ذلك كانوا يتزيدون في جهارة الأصوات، كما كانوا ينتحلون سعة الأشداق، وهدل الشفاه(1)، حتى إن فريقا منهم كانوا يتخللون كلامهم بألسنتهم تخلل البقرة الكلأ بلسانها(2)، ومن لم يصنع ذلك عمد إلى ضروب من التقعير والتمطيط والجهورة والتفخيم(3)
وليس بين أيدينا نصوص وثيقة نستطيع بها أن نحكم أحكاما دقيقة على خطابتهم وصناعتهم فيها، وحقا نجد بعض خطب مبثوثة في الطبري، والأغاني والأمالي والعقد الفريد، ولكن هذه الخطب جميعا ينبغي أن نتلقاها بشيء من الاحتراس، وخاصة ما رواه الكتاب الأخير من خطب طويلة لهم في وفودهم على كسرى وغير كسرى، فإن الانتحال ظاهر فيها، أما الخطب الأخرى، فأكبر الظن أن الرواة جمعوا بعض شظايا وقطع للقوم، وزادوا عليها من خيالهم، ومن ثم لا يصح الاستدلال بهذه الخطب جميعا على أنها تمثل الخطابة الجاهلية تمثيلا صحيحا، وهذا الجاحظ على كثرة ما روى في بيانه من خطب لم يستطع الاستشهاد للجاهليين، إلا بجمل وصيغ متفرقة لا تكون خطبة
كاملة.
ومهما يكن فنحن نؤمن بأن أكثر ما يروى من الخطابة الجاهلية لا يصح الاطمئنان إليه من الوجهة التاريخية لطول المسافة بين روايته وكتابته، وإن كان ذلك لا يمنعنا من تسجيل بعض الظواهر، والخصائص لتلك الخطابة، فإن من يرجع إلى ما روي منها من كتب الأدب والتاريخ يلاحظ أن أغلب ما روي من خطب القوم روي مسجوعا، ويؤكد الجاحظ أن النبي صلى الله عليه  و[آله]وسلم هو الذي روى خطبة قس بن ساعدة الإيادي في سوق عكاظ، ويقول: إنه إسناد تعجز عنه الأماني، وتنقطع دونه الآمال، ومع ذلك لم يستطع روايتها كاملة إنما روى أجزاء منها، هي قوله:
"
أيها الناس اسمعوا وعوا. من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. آيات محكمات، مطر ونبات، وآباء وأمهات، وذاهب وآت، ضوء وظلام، وبر وآثام، لباس ومركب، ومطعم ومشرب، ونجوم تمور(4)، وبحور لا تغور، وسقف مرفوع، ومهاد موضوع، وليل داج، وسمات ذات أبراج، مالي أرى الناس يموتون ولا يرجعون، أرضوا فأقاموا، أم حبسوا فناموا".
وروى له الجاحظ أيضا قطعة من خطبة أخرى على هذا النحو: "يا معشر إياد، أين ثمود وعاد، وأين الآباء والأجداد، أين المعروف الذي لم يشكر، والظلم الذي لم ينكر"(5).
وواضح أن هذه القطع من خطابة قس بنيت على السجع، وقد روى الطبري كلمة لنفيل بن عبد العزوى في منافرة عبد المطلب بن هاشم، وحرب بن أمية، وهي مسجوعة(6) كما روى أبو عبيدة في النقائض منافرة جرير بن عبد الله البجلي، وخالد بن أرطاة الكلبي إلى الأقرع بن حابس، وهي مسجوعة أيضا(7)، وبنيت على السجع كذلك منافرة علقمة بن علاثة، وعامر بن الطفيل(8).
ولم نسق ذلك لنسلم بصحة هذه المرويات من المنافرات وصحة صياغتها، ولكنا سقناه لتخلص منه إلى أنه ثبت عند من كانوا يروون المنافرات والخطب الجاهلية أنها كانت تعتمد اعتمادا شديدا على السجع، ويؤيد ذلك قول الجاحظ: إن "ضمرة بن ضمرة وهرم بن قطبة، والأقرع بن حابس ونفيل بن عبد العزى كانوا يحكمون وينفرون بالأسجاع، وكذلك ربيعة بن حذار"(9)، وقد اشتمل هذا النص على خطباء من تميم، وأسد وفزارة وقريش، وفي ذلك ما يدل على شيوع السجع في الخطابة الجاهلية. وما من شك في أن صناعة السجع تحتاج إلى قيم موسيقية كثيرة، حتى تتم معادلاته الصوتية وموازناته الإيقاعية، وكانوا يدمجون كثيرا من الصور والتشبيهات والاستعارات في هذا السجع، كما كانوا يدمجون كثيرا من التجويد والتحبير، ويشهد لهم الجاحظ بما كانوا يعانونه في خطبهم وخاصة الطويلة منها إذ يقول: "لم نرهم يستعملون مثل تدبيرهم في طوال القصائد، وفي صنعة طوال الخطب ... وكانوا إذا احتاجوا إلى الرأي في معاظم التدبير، ومهمات الأمور ميثوه(10) في صدورهم، وقيدوه على أنفسهم، فإذا قومه الثقات وأدخل الكير وقام على الخلاص أبرزوه محككا منقحا، ومصفى من الأدناس مهذبا"(11)، وقد عبر العرب أنفسهم في شعرهم بصور مختلفة عن مدى تجويدهم في خطابتهم، وانظر إلى لبيد يقول لهرم بن قطبة في حكومته بين علقمة بن علاثة، وعامر بن الطفيل(12):
إنك قد أوتيت حكما معجبا ... فطبق المفصل واغنم طيبا
يقول له: احكم بين الرجلين بكلمة فصل تفصيل بها بين الحق، والباطل كما يفصل الجزار الحاذق مفصل العظمين.
ويقول لبيد عن نفسه مدلا ببيانه وبراعته، وما أوتي من حسن الجدل والعلو على خصومه(13):
ومقام ضيق فرجته ... ببيان ولسان وجدل
ويقول قيس بن عاصم المنقري التميمي واصفا ما فيه قومه من الخطابة والفصاحة، وإحسان هذا الجانب من البيان والبلاغة(14):
إني أمرؤ لا يعتري خلقي ... دنس يفنده ولا أفن(15).
من منقر في بيت مكرمة ... والأصل ينبت حوله الغصن
خطباء حين يقوم قائلهم ... بيض الوجوه مصاقع لسن
وعلى نحو ما وصفوا الخطيب بأنه مصقع، ولسن وصفوه بأنه مدره، يقول زهير بن أبي سلمى في مديح هرم بن سنان(16):
ومدره حرب جميعا يتقى به ... شديد الرجام باللسان وباليد
وواضح أنه يشبه ما يلقيه من لسانه كلاما بما يلقيه من يده سهامًا.
وقد وصفوا اللسان بأنه عصب وقاطع وجارح، كما وصفوا الخطيب بأنه لوذعي، يقول شاعرهم(17):
هو الشجاع والخطيب اللوذعي ... والفارس الحازم والشهم الأبي
ولعل من الطريف أننا نجدهم يصفون خطابهم بأنها كالوشي المنمق، ففيها تدبيح، وتزيين يشبه ما يجدونه في الثياب اليمانية الموشاة، يقول أبو قرد ودة الطائي في رثاء ابن عمار خطيب طيئ، وقد مات مقتولًا(18):
يا جفنة كإزاء الحوض قد هدموا ... ومنطقا مثل وشي اليمنة الحبرة(19)
ويقول فيه أيضًا:
ومنطق خرق بالعواسل ... لذ كوشي اليمنة المراحل(20)
فأبو قردودة يحس في خطب ابن عمار ما يحسه في وشي الحلل المنمقة، وهو إحساس بالغ، عبر به هو وأضرابه عن عنايتهم بخطابتهم، ومقدار ما كانوا يحققون لها من مهارة وصنعة، وبلغ من جمال بعض خطبهم أن اقترحوا لها أسماء، وإن كانوا يحفظونها ويتوارثونها، لروعة بيانها وجودة فصاحتها وبلاغتها، يقول الجاحظ: "ومن خطب العرب العجوز، وهي خطبة لآل رقبة، ومتى تكلموا فلا بد لهم منها، أو من بعضها ومنها العذراء، وهي خطبة قيس بن خارجة في حرب داحس والغبراء، سميت بذلك؛ لأنه كان أبا عذرها(21).
والحق أن خطباء العصر الجاهلي نهضوا بخطابتهم نهضة واسعة، ولذلك لم يكن غريبا أن يستمع الرسول صلى الله عليه و[آله]وسلم إلى بعضهم وهو يخطب، فيقول: "إن من البيان لسحرا" (22). ولم يكن هذا البيان الساحر شيئا خاصا بهذا الخطيب، بل كان شيئا عاما بين الخطباء، إذ ذهبوا جميعا مذهب التجويد والتحبير، حتى يستميلوا الأسماع ويخلبوا الألباب.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- البيان والتبيين 1/ 13-14.
2- البيان والتبيين 1/ 271. 

3-راجع البيان والتبيين في مواضع متفرقة وانظر 1/ 120، وما بعدها.
4-تمور: تذهب وتجيء. 

5- انظر هذه القطع من خطابة قس في البيان والتبيين 1/ 308-309.
6- الطبري، القسم الأول ص1091.
7-النقائض لأبي عبيدة 1/ 141.
8- أغاني "طبعة الساسي" 15/ 15.
9- البيان والتبيين 1/ 290.
10- ميثوه: ذللوه وأعدوه.

  11-البيان والتبيين 2/ 14.
12- نفس المصدر 1/ 109.
13- البيان والتبيين 1/ 265.
14- البيان والتبيين 1/ 219.
15- يفند: ينقض ويضعف، والأفن: ضعف الرأي.
16- ديوان زهير "طبعة دار الكتب" ص 233. والمدره: الذي يدافع عن قومه، الرجام: المراماة في القتال.                                                                                                         17- أغاني "طبعة دار الكتب" 11/ 150.
18- انظر في التبيين التاليين البيان والتبيين 1/ 349.
19- الإزاء في البيت: مصب الماء في الحوض، واليمنة: ضرب من برود اليمن.
20-العواسل: الرماح، المراحل: جمع مرحل، وهو ما نقش فيه تصاوير الرحال.
21- انظر البيان والتبيين 1/ 348.
22- نفس المصدر 1/ 53.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.