أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-9-2019
2546
التاريخ: 8-4-2021
2780
التاريخ: 4-6-2017
13438
التاريخ: 8-10-2015
24453
|
الرسول صلى الله عليه و[آله]و سلم أخطب العرب قاطبة، وقد كان يخطب في قريش كثيرا يدعوها إلى دينه الحنيف(1)، والدخول في طاعة الله ومحبته، ولما هاجر إلى المدينة أصبحت الخطابة فريضة مكتوبة في صلاة الجمعة والعيدين. وبذلك عرف العرب ضربا منظما من الخطابة الدينية لم يكونوا يعرفونه في الجاهلية، إذ كانت خطابتهم -كما أسلفنا- اجتماعية، وكانت تدور غالبا على المنافرات والمفاخرات، وقد دعا الإسلام إلى نبذ التفاخر، والتكاثر بالأحساب والإنسان، ومن ثم اختفى من حياتهم هذا اللون من الخطابة.
وتحتفظ كتب الحديث الصحيحة(2) بتقاليد الرسول صلوات الله عليه في خطابته سواء في صلاة الجمعة، أو صلاة العيدين، إذ كان يخطب في الصلاتين خطبتين يجلس بينهما، وكانتا تدوران على تبيين ما شرع الله لعبادة في شئون دينهم ودنياهم، وما ينبغي أن يسود مجتمعهم من مثالية خلقية رفيعة، ومن روابط اجتماعية وثيقة، وبجانب ذلك كان الرسول يخطب في الأحداث، وعند المناسبات. ومن المحقق أنه خلف تراثا ضخما من الخطب، غير أن ما احتفظت به كتب الأدب والتاريخ من ذلك قليل، ولا ترجع قلته إلى قصر خطبه، فقد كان يطيل خطبه أحيانا، وفي بعض المناسبات إلى ساعات(3) يعظ الناس ويدعوهم إلى التفكر في الكون، وخالقه، ومدبره. وأكبر الظن أن خطبة أصابها ما أصاب خطب الجاهلية، فإنها لم تدون لحينها، وبعد العهد بين عصرها وعصر تدوينها، ومع ذلك فقد احتفظت ذاكرة الرواة ببقايا منها تحمل لنا خصائصها، من ذلك أنه خطب بعشر كلمات: حمد الله وأثنى عليه، ثم قال(4):
"أيها الناس! إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، إن المؤمنين بين مخافتين: بين عاجل قد مضى لا يدري ما الله صانع به، وبين آجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه. فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشيبة قبل الكبرة، ومن الحياة قبل الموت. فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار".
والخطبة على قصرها توضح لنا كيف كان الرسول يعظ أصحابه، ويدفعهم دفعا إلى العمل الصالح، قبل أن يلبوا داعي الموت، فتبور تجارتهم، ويذهب هباء عملهم، وإنهم لمعروضون على ربهم، فموفون حسابهم، فأما من اتبع هدى الإسلام، فمصيره الجنة التي وصفها القرآن الكريم فأسهب في وصفها، وأما من أعرض وتولى، ولم يذكر اسم ربه ولا صلى، ولا أخلص عمله لوجهه، فمصيره النار التي أطنب القرآن في بيان عذابها.
ولم تكن خطبه مواعظ فحسب، بل كانت أيضا تشريعا، وتنظيما لحياة هذه الأمة التي أخرجت للناس في خير مثال تأمر بالمعروف، وتتناهى عن المنكر، ويتعاون أفرادها على البر والخير مما فيه صلاحهم وصلاح مجتمعهم، ولعل خير خطبة تشريعية تصور كيف كان ينظم هذا المجتمع الروحي، ويرسي قواعد خطبته في حجة الوداع، وهي تمضي على هذا النحو(5):
"الحمد لله نحمده و نستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. أوصيكم، عباد الله، بتقوى الله وأحثكم على طاعته، وأستفتح بالذي هو خير، أما بعد، أيها الناس! اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا. أيها الناس! إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد".
فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى الذي ائتمنه عليها، وإن ربا الجاهلية موضوع(6)، وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب -وإن دماء الجاهلية موضوعة، وأول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب- وإن مآثر الجاهلية موضوعة، غير السدانة(7) والسقاية(8). والعمد قود(9)، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر، وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية.
أيها الناس! إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم. أيها الناس {إِنَّمَا النَّسِيءُ (10) زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ} . إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب الذي بين جمادى وشعبان، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.
أيها الناس! إن لنسائكم علكيم حقا، ولكم عليهن حق. لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم غيركم، ولا يدخلن أحدًا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، ولا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن (11)، وتهجروهن في المضاجع، وتضربوهن ضربا غير مبرح (12)، فإن انتهين وأطعنكم فعلكيم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما النساء عندكم عوان (13)، لا يملكن لأنفسهن شيئا، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله. فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيرا ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد".
أيها الناس! إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل لإمرئ مسلم مال أخيه إلا عن طيب نفس منه، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. فلا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله. ألا هل بغلت؟ اللهم اشهد، أيها الناس! إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير. وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. قالوا: نعم، قال: فليبلغ الشاهد الغائب.
"أيها الناس! إن الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، فلا تجوز وصية لوارث في أكثر من الثلث، والوالد للفراش وللعاهر الحجر (14). من ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف (15) ولا عدل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
وواضح أن الخطبة تبدأ بحمد الله، واستغفاره والتوبة إليه والاستعاذة من شرور النفس، وسيئات العمل ونقائصه، وتقترن بالشهادتين، وتوصية المسلمين بعبادة الله وطاعته، كما تقترن بكلمة "أما بعد". ويمضي الرسول عليه السلام فيبين أن دماء المسلمين حرام كأموالهم، فلا قتل ولا نهب ولا سلب، فقد انتهى قتل النفس المحرمة، وانتهى قطع الطرق، وانتهت الخيانات بجميع ضروبها، فمن كانت عنده أمانة لا يخنها، بل فليؤدها مستوفاة إلى صاحبها، إنه مجتمع ديني جديد، تتوثق فيه الروابط، فلا ربا ولا أخذ بثأر، وقد تداعت مآثر الجاهلية سوى سدانة الكعبة وسقاية الحجيج، فهما مأثرتان ضروريتان للجماعة، وهما لذلك باقيتان، أما شريعة الأخذ بالثأر التي كانت قوام حياتهم في الجاهلية، فقد قضى عليها الإسلام، إذ جعل حق الدم للدولة، فالقاتل المتعمد تقتله الدولة بصاحبه، أما من قتل خطأ فديته مائة ناقة لا تزيد. و يخوفهم الرسول من الشيطان، وما يدعو إليه من الشرور فقد انتهت عبادته، ولكن لم تنته أطماعه في تضليل الناس عن الجادة. وأيضا فإنه انتهى عهد التلاعب في الدين، وفي الأشهر الحرم.
ولا ينظم الرسول العلاقات بين الفرد، وجماعته الكبرى من الأمة فحسب، بل ينظمها أيضا بينه وبين جماعته الصغرى من الأسرة، فيدعو إلى رعاية حقوق المرأة، وأن يعاملها الرجل برفق ورحمة، وقد رفع الإسلام من شأنها، ووضعها في المكان اللائق بها، فكفل لها حرية التصرف في مالها كما كفل لها حق اختيار زوجها.
ويدعو الرسول إلى دعم الروابط بين أفراد الأمة، فالمسلمون جميعا إخوة متساوون في الحقوق والواجبات، لا غني ولا فقير ولا أسود ولا أبيض، ولا عربي ولا عجمي، فالجميع سواء، ولا فضل إلا بالتقوى والعمل الصالح. ويشير إلى ما شرعه القرآن من نظام التوريث الجديد، ويقرر أن المورث لا يحق له أن يحرم ورثته من ماله، ويعطيه شيئا من الحرية، فيجعل له الحق أن يوصي لورثته ببعض ماله، ولكن على أن لا يزيد عن ثلثه، ويعرض لمشكلة كبرى من مشاكلهم، هي الأبناء غير الشرعيين الذين ولدوا في الجاهلية، فينسبهم إلى أصحاب الفراش، وكان من عادتهم أن ينسبوا إلى غير آبائهم، فقضى على تلك العادة السيئة حفظا للأنساب.
وعلى شاكلة الخطبتين السالفتين كانت خطابة الرسول، فهي إما موعظة حسنة وترغيب وترهيب، وبيان لمسئولية المسلم الخلقية وأنه محاسب بين يدي ربه عن كل ما قدم في حياته، وهو يضح ذلك أمام عينيه ليصلحه، ويقوم نفسه ويسمو به في مراقي الكمال، وإما تشريع وتنظيم لمجتمعه، وما ينبغي أن يسود فيه من عوامل الخير ودواعيه، فالمسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا، فلا بغي ولا عدوان، بل تآزر وتعاون في قيام هذا المجتمع السليم.
ومن المحقق أن الرسول كان في خطابته -كما كان في حديثه- لا يستعين بخلابة ولا تزويق، وقد برئت ألفاظه من الإغراب والتعقيد والاستكراه، وهي مع ذلك ألفاظ جزلة لها بهاء ورونق، تعمر بها القلوب والصدور، وترتاح إليها الأسماع والأفئدة، فتجتمع لها النفوس المتباينة الأهواء، وتساق إليها بأزمتها، إذ تلتحم بمعانيهم وما تدعو إليه من سبيل الرشاد، وهي -بلا ريب- مثل أعلى في البراعة والدقة، ونقصد دقة الحس ولطف الشعور، ولعل مما يدل على ذلك قوله: "لا يقولن أحدكم: خبيث نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي"(16)، فقد كره أن يضيف المسلم الخبث إلى نفسه. ونؤمن بأن هذه العناية بحسن منطقه لم تكن نتاج تحبير، أو تكفير إنما طانت نتاج ما خوله الله من نعمته في بيانه الرائع.
__________
1- السيرة الحلبية 1/ 379.
2- انظر كتاب الجمعة في صحيحي البخاري، ومسلم والتنبيه للشيرازي "طبعة ليدن" ص40.
3- إعجاز القرآن للباقلاني ص64.
4-انظر كتاب البيان والتبيين 1/ 302.
5- نفس المصدر 2/ 31، وانظر كتاب الجمعة في صحيح البخاري، والسيرة لابن هشام "طبعة الحلبي" 4/ 250، والعقد الفريد "طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر" 4/ 59. 6- موضوع: ساقط، ومحرم.
7-السدانة: خدمة الكعبة.
8-السقاية: سقاية قريش للحجاج.
9- العمد: القتل المتعمد، القود: قتل القاتل بقاتله.
10-النسيء: شهر المحرم كانوا يحرمونه عاما، وعاما يحلونه إذا أرادوا الإغارة، فيقولون: إنه بعد صفر ويؤجلونه.
11-تعضلوهن: تضيقوا عليهن.
12- الضرب غير المبرح: الضرب الخفيف.
13-عوان: جمع عانية، وهي الأسيرة أي هن عندكم بمنزلة الأسرى.
14- للفراش أي لصاحبه، فهو ينسب إليه، وللعاهر الحجر، أي رغم أنفها، أو لعله يشير إلى رجمها.
15- صرف: انصراف، عدل: عدول. أي لا يقبل منه شيء.
16-الحيوان للجاحظ 1/ 335، ولقست النفس: غثت.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|