المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



البحتري  
  
5157   01:49 مساءً   التاريخ: 7-10-2015
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : الفن ومذاهبه في الشعر العربي
الجزء والصفحة : ص188-193
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-08-2015 2192
التاريخ: 27-09-2015 3536
التاريخ: 12-08-2015 2022
التاريخ: 20-6-2019 2674

هو أبو عبادة الوليد بن عبيد، غلب عليه اسم البحتري نسبة إلى عشيرته الطائية بُحْتُر، وقد وُلد بمنبج قريبًا من حلب سنة 204 للهجرة، وقيل بل بقرية تجاورها. ولا نعرف شيئًا واضحًا عن نشأته الأولى، وفي أخباره ما يدل على أن ملكته الأدبية تفتحت في سن مبكرة، وحدث أن التقى بأبي تمام في حمص، فأعجب كل منهما بصاحبه، ويقال إن أبا تمام سنَّ له -بوصية- كيف ينظم الشعر وكيف يحسنه(1)، كما يقال إنه كتب إلى أشراف -معرة النعمان- يوصيهم به فأغدقوا عليه من أموالهم(2).
وليس بين أيدينا شعر يصور هذه المرحلة من حياته، فأقدم أشعاره يتصل بالفترة التالية، وهي فترة نجده فيها يمدح أبا سعيد الثغري وغيره من الشخصيات الطائية الممتازة مثل بني حميد. وقدم إلى بغداد لعهد الخليفة الواثق، فامتدح وزيره ابن الزيات، وأخذ يتصل منذ هذا التاريخ بكبار رجال الدولة العباسية. ولا نكاد نمضي في عصر المتوكل حتى يصبح شاعر البلاط الرسمي، ونراه يكثر من مديحه، ومديح وزيره الفتح بن خاقان، وقد قدم إليه فيما يقال كتابه "الحماسة" الذي صنعه محاكاة لحماسة أبي تمام. وهو يدل على ثقافته الواسعة بالشعر القديم وأنه كان يضع أبا تمام نصب عينيه؛ فهو يحاكيه حتى في التأليف، أما في الشعر فكان يستظهر قصائده وينقل معانيها إلى أشعاره، ولاحظ القدماء ذلك فوقفوا كثيرًا عند سرقاته منه، وأفردوها بالتأليف.
وهو يسجل لنا الأحداث لعهد المتوكل من مثل ثورة أرمينية كما يسجل أعمال هذا الخليفة من مثل تشييده لبعض القصور. وذكر في رثائه أنه حضر مصرعه ومصرع وزِيرِهِ(3) الفتح. وفارق بغداد إلى المدائن؛ فوصف إيوان كسرى متحسرا على أيام الفرس، وكأنه يأسى لما صارت إليه الأمور حين أمسك الترك بزمام الحكم. ويظهر أنه ولَّى وجهه نحو موطنه "منبج"؛ غير أنه لم يلبث أن عاد إلى بغداد فمدح المنتصر، وعاد له مركزه في البلاد لعهد خلفائه: المستعين والمعتز والمهتدي والمعتمد.
وعلى هذا النحو ظل أكثر من أربعين عامًا الشاعر الرسمي للخلفاء العباسيين يدوِّن أعمالهم وما يشيدونه من قصور، كما يدون حروبهم مع الثائرين عليهم في الداخل من مثل الزنج في ثورتهم المشهورة لعهد الموفق، وكذلك حروبهم في الخارج. وله قصيدة يصور فيها تصويرًا رائعًا أسطول أحمد بن دينار الذي غزا به بلاد الروم(4). وجعلته مكانته في البلاط العباسي يتصل بالوزراء وكبار رجال الدولة ويمدحهم، وديوانه من هذه الناحية سجلٌ حافل بأسمائهم وأسماء كثير من أعيان بغداد وعلمائها من مثل المبرد وابن خرداذبه وعلي بن المنجم.
وهذه الصلة المستمرة بالخلفاء والوزراء والموظفين الكبار والأسر الغنية في بغداد ملأت حجره بالأموال حتى يقال إنه كان يمشي في موكب من عبيده، وكانت له ضياع كثيرة، وفي ديوانه شكوى دائمة من عمال الخراج، ونراه يتوسل إليهم كي يخففوا عنه ما يطالبونه به أو يسقطوه إسقاطًا. وكان فيه حرص شديد، ويؤثر عنه أنه كان يتخذ طريقة غريبة في ابتزاز الأموال من أصدقائه؛ إذ كان له عبد يسمى نسيمًا يبيعه لهم، وسرعان ما ينشئ قصائد يظهر فيها الندم على بيعه؛ فكانوا يردونه إليه(5). ولم يكتف بشراء الضياع في العراق؛ فقد كانت له ضياع في بلدته منبج. ونراه يَحِنُّ إليها في أواخر حياته، فيرحل إليها، ويقال بل لقد اضطر إلى هذا الرحيل؛ إذ قال في بعض شعره واصفًا الدنيا:
تراها عيانًا وهي صنعةُ واحدٍ ... فتحسبها صنعى حكيم وأخرق
فتشنع عليه بعض أعدائه بأنه ثنوي، وكانت العامة غالبة حينئذ على بغداد فخاف على نفسه، وخرج إلى بَلَدِهِ(6)؛ غير أن المقام فيها لم يَطُلْ به إذ وافته منيَّتُه سنة 284 للهجرة.
والبحتري بدون شك من أكبر الشعراء الذين ظهروا في القرن الثالث الهجري وهو يجيد إجادة بديعة في مدائحه واعتذاراته، كما يجيد في غزله، واشتهر بأنه أحب في مطالع حياته امرأة تسمَّى علوة من قرية بجوار حلب تسمى بطياس، وله فيها غزل كثير؛ إذ كان دائم الصبابة بها، وظلت لا تغيب عن ذاكرته مددًا متطاولة، وإن كنا نجد في ديوانه قصيدة يهجوها بها(7)؛ غير أن هذا الهجاء كان سحابة عارضة، فقد رجع يتغنى بها طويلًا، وتلك طريقة تكثر عنده؛ فقد هجا غير ممدوح، وهي سُنة معروفة عند بعض الشعراء، يهجون أحيانًا ممدوحيهم ليخيفوهم ويجزلوا لهم في العطاء. ولم يكن بارعًا في الهجاء، فهجاؤه ضعيف، ويقال إنه أمر ابنه أن يحرق أشعاره فيه حين حضرته الوفاة(8)، ولم يكن يخشى أحدًا كما كان يخشى كبار الهجائين في عصره من أمثال دعبل وابن الرومي، وكان الأخير خاصة يتعرض له فيلوذ بالصمت، وربما كان أروع موضوع عنده هو الوصف فقد كان يجيد وصف القصور والبرك والحيوان من أَسَد وغير أسد، وقصيدته في وصف إيوان كسرى من دُرره، وكذلك قصيدته في وصف أسطول ابن دينار.
وعلى الرغم من لقائه لأبي تمام وروايته لشعره نجده يقف في الصف المقابل له في صناعة الشعر وفهمه؛ فقد كان يقف في صف الصانعين الذين التقينا بهم في القرن الثاني من أمثال بشار وأبي نواس؛ بينما كان أبو تمام يقف في صف الصانعين من أمثال مسلم بن الوليد، بل لقد بلغ عنده مذهب التصنيع غايته من التنميق العقلي والتأنق اللفظي، وكأن البحتري لم يستطع أن ينهض بما أداه أبو تمام للشعر من تصنيع وزخرف، ولعل ذلك يرجع في بعض أسبابه إلى أنه نشأ نشأة بسيطة في عشيرة بحتر الطائية؛ فلم يتثقف بالثقافات الفلسفية وغير الفلسفية التي عاصرته، وظل ذوقه في جملته لا يأبَه للتنميق المسرف، كما ظل يفهم الشعر على أنه طبع وموهبة، وعبر الآمدي في كتابه الموازنة الذي عقده للمقارنة بينه وبين أبي تمام عن ذلك بقوله: "إنه أعرابي الشعر مطبوع، وعلى مذهب الأوائل وما فارق عمود الشعر المعروف"(9)
وقال: إنه نشأ في البادية؛ فهو ليس مثل أبي تمام الذي نشأ في دمشق، وعاش في المدن(10). وهي مقارنة طريفة أقامها الناقد بين شاعر بدوي وشاعر حضري لا عهد له بالبادية ولا صلة، وقد مثَّل كل منهما طريقة في صناعة الشعر وحرفته؛ فأما أبو تمام فحضري مثقف ثقافة واسعة، وهو لذلك يأخذ تصنيع مسلم ويعقده تعقيدًا شديدًا، أما البحتري فشاعر بدوي، وهو لذلك لا يستطيع أن ينهض بم ينهض به أبو تمام من التعبير عن الرقي العقلي الذي صادف العقل الحضري وصناعة الشعر الحضرية.
ومعنى ذلك أن البحتري اتصل بأبي تمام، وعرف المناهج الجديدة؛ ولكنه لم يستطع أن يجاريه في صناعته؛ فهو أعرابي من أهل البادية، ومثله لا يستطيع أن ينتقل دفعة واحدة من القديم إلى الجديد، فوقف تأثره بأبي تمام عند الجوانب الظاهرة، ولم يستطع أن يتغلغل إلى أعماق شعره، ولذلك قالوا: إنه حافظ على الأساليب الموروثة، أو كما قال الآمدي على عمود الشعر العربي؛ فصناعته أقرب ما تكون إلى صناعة البادية، ليس فيها تجديد ولا خروج على التقاليد، ومن أين يجيئه ذلك وهو ليس من أهل المدن ولا من ثقافتهم وعقليتهم؟
من أجل ذلك كله اعتبر النقاد البحتري مصورًا للمذهب القديم؛ ولكن ينبغي أن نحترس من هذا الرأي، فقد تحضر البحتري، وغيَّر كنيته إذ كان يكنى أبا عبادة، ولما دخل العراق تكنى أبا الحسن ليزيل العنجهية والأعرابية، ويساوي في مذاهبه أهل الحاضرة(11)، وهو كذلك في شعره وصناعته قد حاول أن يغيِّر فيها وأن يبدل، كما غير في كنيته وبدَّل، حتى يساوي في مذاهب صناعته أهل الحاضرة، ولعله من أجل ذلك اتصل بأبي تمام حتى يعرف مذاهب الحاضرة في حرفة الشعر، ويحاكي نماذجها، وإذن فينبغي أن نتلقى كلام الآمدي بشيء من الاحتراس؛ فليس البحتري بدويًّا خالصًا ولا أعرابيًّا خالصًا. هو بدوي أعرابي؛ ولكنه يأخذ بحظ من الحضارة، فقد تحضر وتحضرت صناعته معه، وحاول أن يخرج نماذج تَنْفُق في سوق الحاضرة، وتتصف بصفة الجمال الحضري المعروف لعهدها. وإن من الخطأ أن نقطع بأن البحتري على مذهب الأوائل، ولم يفارق عمود الشعر المعروف، إلا إذا خصصنا هذا الكلام بعض التخصيص؛ فقد كان يحافظ على الأساليب الموروثة، ولكن ليس معنى ذلك أنه يمكن إخراجه من دائرة العباسيين إلى دائرة القدماء، فكلمة الأوائل تحتاج شيئًا من التحقيق، وأكبر الظن أن الآمدي كان مسرفًا فيها بعض الشيء.
على أن هناك جماعة من النقاد سلكته في طائفة المصنعين من أمثال مسلم وأبي تمام. يقول ابن رشيق عنه وعن أبي تمام: "وقد كانا يطلبان الصنعة ويولعان بها؛ فأما حبيب فيذهب إلى عزوبة اللفظ وما يملأ الأسماع منه مع التصنيع المحكم طوعًا وكرهًا، يأتي للأشياء من بعد ويطلبها بكلفة ويأخذها بقوة؛ وأما البحتري؛ فكان أملح صنعة وأحسن مذهبًا في الكلام، ويسلك منه دماثة وسهولة مع إحكام الصنعة وقرب المأخذ، لا يظهر عليه كلفة ولا مشقة"(12).
ونحن لا نغلو غلو ابن رشيق فنسلكه مع أبي تمام في طائفة واحدة، كما لا نغلو غلو الآمدي فنخرجه من دائرة الشعراء العباسيين إلى دائرة الأوائل فهو بدوي كما لاحظ؛ ولكنه تحضر، وتحضرت معه صناعته، وخلع عليها ألوانًا من الجمال الحضري الذي تلقفه من أبي تمام وغير أبي تمام، وإن لم يستطع أن يجاريه وأن يأتي بنماذج على غرار نماذجه، وهذا نفسه ما يلاحظه ابن رشيق؛ إذ يقول إنه كان يطلب الصنعة ويولع بها، وكلمة الصنعة عنده تعني البديع، وهذا الجمال الحضري الحديث؛ فالبحتري كان يحتفل بهذا البديع أو بهذه الألوان من الجمال الحضري، وهو لذلك ينفصل قليلًا عن منهج الصانعين في القرن الثاني أو هو يعقِّد في هذا المنهج؛ إذ كان يدخل فيه وسائل حديثة من وسائل المصنعين بخلاف أسلافه في القرن الثاني؛ إذ كانوا لا يهتمون بألوان البديع إلا في حدود التشبيه والاستعارة، وقلما عنوا بالجناس والطباق وما يضرب إليهما؛ أما البحتري فقد طلب هذه الألوان وجعلها -إلى حد ما- من أصول صناعته ومواد حرفته، وخاصة لون الطباق الذي شغف به كما يقول الباقلاني(13)

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- زهر الآداب للحصري 1/ 208. وانظر الأغاني "طبعة الساسي" 18/ 168.
2-أغاني 18/ 169.   

3- الديوان "طبعة القسطنطينية" 1/ 28.
4- الديوان 1/ 257.     

5- أغاني "طبعة الساسي" 18/ 171.
6- أمالي المرتضي 2/ 299 وانظر الموشح ص342.
7- الديوان 2/ 109.
8- أغاني "ساسي" 18/ 167.    

9- الموازنة بين الطائِيَّينِ ص2.
10-الموازنة ص12.





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.