أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-7-2016
3011
التاريخ: 21-06-2015
3399
التاريخ: 30-12-2015
2970
التاريخ: 26-06-2015
4746
|
هو، أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي، المعروف باسم المعري والملقب بأبي العلاء، وقد ولد في معرة النعمان سنة ثلاثة وستين وثلثمائة(1)، والمعرة مدينة كبيرة بين حلب وحماة، وهو ينحدر من أسرة اشتهرت بالعلم، والشعر والقضاء، عرض ياقوت(2) وابن العديم(3) لهذه الأسرة، وتحدثا عن هذه الجوانب فيها، ويقول الرواة: إنه لم يبلغ الرابعة من عمره، حتى اعتل علة الجدري التي فقد فيها بصره، وقد ذكره ذلك في إحدى رسائله(4)، كما ذكر أنه لا يعرف من الألوان إلا الأحمر؛ لأنه ألبس في الجدري ثوبا مصبوغًا بالعصفر(5).
وقد أقبل أبو العلاء منذ نشأته على التعلم، والإلمام بالمعارف المختلفة، وقد أشاد ابن العديم بهذه الناحية فيه(6)، ويقول القفطي: لما كبر أبو العلاء، ووصل إلى سن الطلب أخذ العربية عن قوم من بلده كبني كوثر، أو من يجري مجراهم من أصحاب ابن خالويه وطبقته، وقيد اللغة عن أصحاب ابن خالويه أيضًا، وطمحت نفسه إلى الاستكثار من ذلك، فرحل إلى طرابلس الشام، وكانت بها خزائن كتب قد وقفها ذوو اليسار من أهله، فاجتاز باللاذقية، ونزل دير الفاروس، وكان به راهب يشدو شيئًا من علوم الأوائل، فسمع منه أبو العلاء كلامًا من أقوال الفلاسفة حصل به شكوك، فعلق بخاطره ما حصل به بعض الانحلال ... حتى فاه به في أول عمره، وأودعه أشعارًا له ثم ارعوى، ورجع واستغفر واعتذر! (7)، وتصوير القفطي لشكوك أبي العلاء في باكورة حياته، وتعليله لها بلقائه لراهب دير الفاروس، يغلب أن يكون قد أملاه عليه الخيال. وقد رحل أبو العلاء أيضًا إلى بغداد، وكانت سنه إذ ذاك نحو سبعة وثلاثين؛ ولم يرحل إليها طلبا للدرس على بعض الأساتذة هناك، وإنما رحل إليها طلبًا للاطلاع على بعض الكتب؛ وصرح بذلك في إحدى رسائله، إذ يقول: منذ فارقت العشرين من العمر، ما حدثت نفسي باجتداء علم من عراق ولا شآم.... والذي أقدمني تلك البلاد -يريد العراق- مكان دار الكتب فيها(8)، ومدح أبو العلاء بغداد بكثرة ما فيها من علم، إذ يقول في إحدى رسائله: وجدت العلم ببغداد أكثر من الحصى عند جمرة العقبة(9)، ويظهر أنه لم يطل مقامه بها، فقد رجع منها بعد قليل إلى موطنه، حيث اعتزل الناس عزلته المعروفة، التي استمرت نحو خمسين عامًا، وأخذ نفسه في هذه العزلة بقوانين صارمة في حياته، إذ عاش معيشة نباتية تعتمد على تحريم أكل اللحم والسمك وما يشتق منهما، ورد العرب هذه النباتية فيه إلى مذهب البراهمة! (10)، ومهما يكن مرجعها، فإنها تدل على أنه كان يأخذ نفسه بحياة زاهدة، أما ما يزعمه ناصر خسرو، من أنه كان واسع الثراء عنده كثير من العبيد(11)، فلا يقوم عليه دليل؛ لأنه يخالف كل ما جاء عنه، يقول القفطي:
كأن لأبي العلاء وقف يشاركه فيه غيره من قومه، وكانت له نفس تشرف عن تحمل المنن، فمشى حاله في قدر الموجود، فاقتضى ذلك خشن الملبوس والمأكل، والزهد في ملاذ الدنيا، وكان الذي يحصل له في السنة مقدار ثلاثين دينارًا، قدر منها لمن يخدمه النصف، وأبقى النصف الآخر لمؤونته، فكان أكله العدس، إذا أكل مطبوخًا، وحلاوته التين، ولباسه خشن الثياب من القطن، وفرشه من لباد في الشتاء، وحصيره من البردي في الصيف، وترك ما سوى ذلك(12)، ويقول أبو العلاء في إحدى رسائله إلى داعي الدعاة: إن الذي لي في السنة نيف وعشرون دينارًا، فإذا أخذ خادمي بعض ما يجب، بقي لي ما لا يعجب، فاقتصرت على فول وبلسن، وما لا يعذب على الألسن(13)، وكل ذلك ينقض كلام ناصر خسرو، كما ينقض ما زعمه نيكلسون من أن تلامذته الكثيرين الذين اجتذبتهم شهرته، كانوا يمدونه بشيء من المال(14).ظل أبو العلاء من عام 400هـ إلى عام 449، يأخذ نفسه بهذه الحياة الزاهدة الخشنة، على أن هذا لا يهمنا إنما يهمنا ما اتصف به من ذكاء، وثقافة كان لهما أثرهما في صناعته لنثره، أما ذكاؤه فإنهم يقولون: إنه كان آية في الذكاء المفرط، عجبًا في الحافظة(15)، ويزعمون أنه استمع إلى حديث بالأذربية(16)، وآخر بالفارسية فحفظهما(17)، ويقولون: إنه كان يحفظ المحكم والمخصص(18)، وإنه لما ذهب إلى بغداد طلب أن تعرض عليه الكتب، التي في خزائنها، فأدخل إليها، وجعل لا يقرأ عليه كتاب إلا حفظ منه جميع ما يقرأ عليه(19)، ويبالغ الرواة في وصف ذكائه، فيقولون: إنه كان يلعب بالنرد والشطرنج(20)، وما من ريب في أن أبا العلاء كان ذكيًا ذكاء شديدًا، كما قوي الحافظة قوة شديدة أيضًا، وقد كان -إلى ذلك- مثقفًا ثقافة واسعة جدًا، ومن يرجع إلى اللزوميات، والفصول والغايات يجد أبا العلاء يستغل هذه الثقافة استغلالًا واسعا، ففي كل جانب من الكتابين إشارات إلى معتقدات عصره، ومعارفه وكل ما اتصل به من ثقافة؟. على أن هناك جانبا في هذه الثقافة، هو الذي ينبغي أن نقف عنده؛ لأنه أثر في كتبه ونثره آثارًا خاصة، وهو جانب اللغة والتثقف بها أوسع ما يمكن من التثقيف، يقول تلميذه التبريزي: ما أعرف أن العرب نطقت بكلمة، ولم يعرفها المعري(21)، ويقول ابن فضل الله العمري: كان أبو العلاء مطلعًا على العلوم لا يخلو في علم من الأخذ بطرف، متبحرًا في اللغة، متسع النطاق في العربية(22)، ويقول البغدادي، إنه كان عالمًا باللغة حافظًا لها(23)، ويقول ابن الجوزي: إنه سمع اللغة، وأملى فيها كتبًا، وله بها معرفة تامة(24)، ويقول الذهبي: إنه كان عجبًا في الاطلاع الباهر على اللغة، وشواهدها (25)، ويقول له داعي الدعاة في إحدى رسائله: إنه جعل مواده كلها منصبة إلى أحكام اللغة العربية والتقعر فيها، واستيفاء أقسام ألفاظها ومعانيها(26)، وهذه كلها نصوص تشهد بثقافته الواسعة في اللغة، إذ لم تكن هناك شاذة، إلا وهو يعرفها ويعرف شواهدها من الشعر العربي قديمه وحديثه.
وأكبر الظن أن هذا الجانب في أبي العلاء، هو الذي جعل التلاميذ يقبلون عليه من جميع الآفاق(27)، وقد عقد لهم ابن العديم فصلا ذكر فيه مشاهيرهم(28)، ويقول ابن فضل الله العمري: أخذ عن أبي العلاء خلق لا يعلمهم إلا الله عز وجل، كلهم قضاة وأئمة وخطباء، وأهل تبحر وديانات ... وكان له أربعة من الكتّاب المجودين يكتبون عنه ما يكتبه إلى الناس، وما يمليه من النظم والنثر، والتصانيف، والإجازات والسماع لمن يسمع منه ويستجيزه، وغير هؤلاء من الكتاب الذين يغيبون ويحضرون، منهم جماعة من بني أبي هاشم(29).
ويظهر أن هؤلاء الكتاب لم يكونوا يتقاضون شيئًا على كتابتهم، فأبو العلاء يقول عن أحدهم إنه أفنى فيه زمنه، ولم يأخذ عما صنع ثمنه(30).
وعلى هذا النحو كان أبو العلاء يملأ فراغه الطويل في عزلته، التي امتدت نحو خمسين عامًا بالبحث، والدرس مع تلاميذه كما كان يملؤه بكتابة آثار فنية من شعر ونثر، وقد ذهب يغرب في هذه الكتابة أوسع ما يكون الإغراب، بل لقد ذب يعقد فيها أوسع ما يكون التعقيد، وكأنه كان يتخذ التعقيد غاية في نفسه ولنفسه، فهو يسرف أشد ما يكون الإسراف، وسنقف لتفسير ذلك في آثاره النثرية تفسيرًا واضحًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- معجم الأدباء طبع مصر 3/ 108.
2-نفس المصدر 3/ 108، وما بعدها.
3- تعريف القدماء بأبي العلاء طبع دار الكتب ص511.
4-معجم الأدباء 3/ 183.
5- بغية الوعاة للسيوطي طبع مطبعة السعادة ص136.
6-تعريف القدماء بأبي العلاء ص 514.
7- تعريف القدماء ص31.
8- رسائل أبي العلاء طبع مرجليوث ص32.
9-رسائل أبي العلاء ص 30.
10-انظر نزهة الألبا في طبقات الأدبا لابن الأنباري ص427، ولسان الميزان لابن حجر 1/ 204، وتاريخ أبي الفداء في حوادث 449.
11- الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجرة لآدم ميتز طبع لجنة التألف 2/ 110.
12-تعريف القدماء ص31.
13-معجم الأدباء 3/ 189.
14- انظر ترجمة أبي العلاء في دائرة المعارف الإسلامية.
15-تعريف القدماء ص285.
16-نفس المصدر ص14.
17- نفس المصدر ص224.
18-النور السافر للعيدروسي طبع بغداد ص441.
19- تعريف القدماء ص224.
20- نفس المصدر ص4.
21-أبو العلاء، وما إليه للراجكوتي ص53.
22-تعريف القدماء ص268.
23- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 4/ 240.
24- تعريف القدماء ص18.
25-تعريف القدماء ص190.
26- معجم الأدباء 3/ 177.
27- تعريف القدماء ص208.
28- نفس المصدر ص517.
29-نفس المصدر ص223.
30-معجم الأدباء 3/ 145.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
خدمات متعددة يقدمها قسم الشؤون الخدمية للزائرين
|
|
|