أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014
1440
التاريخ: 18-11-2014
1145
التاريخ: 30-04-2015
1383
التاريخ: 2023-12-03
1180
|
كانت ولا تزال قراءة عاصم ـ برواية حفص ـ هي القراءة المفضّلة ، والتي تقبّلها جمهور المسلمين في جميع الأدوار والأعصار ، وفي جميع البلدان والأمصار ؛ وذلك لميّزات كانت فيها .
الميّزات أهمّها :
إنّ عاصماً جمعَ بين الفصاحة والإتقان والتحرير والتجويد ... الأمر الذي خُصَّ به الوصفُ في كتُب تراجم القرّاء (1) ... كما اختصّ بعلوّ الإسناد وارتفاعه إلى الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بواسطة واحدة ، هو التابعيّ الكبير أبو عبد الرحمان عبد الله بن حبيب السلمي ... وكانت قراءة الإمام هي قراءة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) بلا شكّ ، عن جبرئيل عن الله عزّ وجلّ ، فكانت هي الحجّة المعتبرة .
وحفصٌ كان أتقن أصحاب عاصم وأعلمهم بقراءته ... قال ابن معين : الرواية الصحيحة التي رُويت من قراءة عاصم ، رواية حفص بن سليمان (2) .
قال الشاطبي : ... وحفصٌ ... وبالإتقان كان مفضّلاً (3) .
وفي العَرْض التالي مقارنة نموذجيّة بين هذه القراءة وسائر القراءات التي تخالفها ؛ ليتبيّن مدى قوّتها وإتقانها حسب المقاييس أيضاً ، فضلاً عن قوّة السند وإتقان المأخذ كما عرفت .
ملتقطات في هذه المقارنة
وإليك ملتقطات من ذلك حسب ترتيب السوَر :
فمِن سورة الفاتحة :
{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة : 4] .
قرأ عاصم والكسائي : ( مالك ) بالألف ، وقرأ الباقون بغير ألف .
وهكذا روى العيّاشي بإسناده إلى الحلبي : أنّ الإمام أبا عبد الله الصادق ( عليه السلام ) كان يقرأ ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) . والظاهر أنّه ( عليه السلام ) كان ذلك دأبه ، نعم ، كان كثيراً ما يقرأ بغير ألف أيضاً ؛ لِمَا رواه العيّاشي بإسناده عن داود بن فرقد ، قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقرأ ما لا أُحصي ( مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) بغير ألف (4) .
غير أنّ في نسبة ( مَلك ) بغير ألف إلى الإمام ( عليه السلام ) نوع خفاء ، إذ لعلّه كان يميل بالألف ، كما هي عادة العرب في اللهج بالألِفات المشالة غير المقلوبة عن الواو أن يتلفّظوا ممالةً إلى الياء تقريباً ، بحيث ربّما لا يُحسُّ بقراءة الألف عند السامع ، فحسب الراوي أنّه ( عليه السلام ) قرأ بغير ألف .
والظاهر جواز القراءة بالوجهين ، وإن كان الأرجح قراءة الألف ؛ لكونها هي المحفوظة في صدور المسلمين عامّتهم وخاصّتهم ، ممّا يدلّ على أنّها هي الأصل المأثور متواتراً ... ولأنّ الإمام ( عليه السلام ) كان يتداوم عليها ، وإن كان قد يقرأ بغير ألف أحياناً ، ولعلّ الثانية كانت للموافقة مع قرّاء الحجاز ( مكّة والمدينة ) آنذاك (5) .
وقد رجّح الأخفش قراءة الألف ؛ لأنّ ( مالكاً ) يضاف في اللّفظ إلى سائر المخلوقات ( أي جميعها ) يقال : مالك الناس والجنّ والحيوان ، ومالك الرياح والطير وسائر الأشياء ، ولا يقال مَلك ... قال : فلمّا كان ذلك كذلك كان الوصف بالمِلك ـ بكسر الميم ـ أعمّ من الوصف بالمُلك ـ بضمّ الميم ـ ؛ لأنّه يملك جميع ما ذكرنا وتحيط به قدرته .
قال أبو زرعة ـ تعقيباً على هذا الكلام ـ : قال علماؤنا : إنّما يكون المِلك ـ بالكسر ـ أبلغ في المدح فيما أُضيف إلى الله ، ممّا أُضيف إلى المخلوقين ؛ لأنّ أحدهم إنّما يملك شيئاً دون شيء ، والله يملك كلّ شيء (6) .
قلت : المُلك ـ بالضمّ ـ هو السلطة ، والأكثر كونها في السياسة الإداريّة لأُمّة أو رقعة من الأرض ، ومن ثمّ كان ملكوت السماوات والأرض بيده تعالى { لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } (7) .
والمِلك ـ بالكسر ـ أعمّ وأشمل ، وهو أساس المُلك ـ بالضمّ ـ ومنشأُه الأوّل ، وهو في المخلوق عرضيّ اعتباريّ ، وفيه تعالى أصيل حقيقيّ ؛ لأنّه تعالى إنّما مَلك الأشياء كلّها مُلكاً حقيقياً ، وفي غيره اعتباريّ محْض .
قال الراغب : المُلك ـ بالضمّ ـ ضبط الشيء المتصرّف فيه بالحُكم ، والمِلك ـ بالكسر ـ كالجنس للمُلك ـ بالضمّ ـ فكلّ مُلكٍ مِلكٌ ، وليس كلُّ مِلكٍ مُلكاً ، قال تعالى : {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ } [آل عمران : 26] ، {وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا} [الفرقان : 3] ، وقال : {أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ } [يونس : 31] ، {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا } [الأعراف : 188] ، وفي غيرها من الآيات .
ورُجّح ( مالِك ) على ( مَلِك ) بوجوه :
قال تغلب : إنّ مالكاً أبلغ من مَلِك ؛ لأنّه قد يكون المُلك على مَن لا يُملَك ، كما يقال مَلِك الروم وإن كان لا يملِكهم ، ولا يكون مالكاً إلاّ على ما يُملَك .
وقال آخر : إنَّ مالكاً أبلغ في المدح للخالق من مَلِك ، أبلغ في مدح المخلوقين من مالك ؛ لأنّ مالكاً من المخلوقين يكون غير مَلك إلاّ واحداً في كثير ، وإذا كان الله مالكاً فهو مَلِك إطلاقاً .
قال الشيخ : والأقوى أن يكون ( مالِك ) أبلغ في المدح فيه تعالى ؛ لأنّه ينفرد بالمِلك ويملك جميع الأشياء فكان أبلغ (8) .
وقال أبو علي الفارسي : يشهد لِمن قرأ ( مالك ) من التنزيل قوله تعالى : {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [الانفطار : 19]؛ لأنّ قولك : ( الأمر له ) و( هو مالك الأمر ) بمعنى ، ألا ترى أنّ لام الجرّ معناها المِلك والاستحقاق (9) .
ومن سورة البقرة :
{وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة : 9].
قرأ نافع وراوِياه : ( قالون ، وورش ) ، وابن كثير ، وأبو عمرو { وَمَا يخادعُونَ } ، واحتجّ أبو عمرو بأنّ الرجُل إنّما يخادع نفسه ولا يخدعها ، أي يحاول ذلك ولا يتحقّق منه .
وقرأ عاصم وراوِياه : ( شعبة ، وحفْص ) وسائر الكوفيّين وغيرهم : { وَمَا يَخْدَعُونَ } ، وحجّتهم في ذلك : أنّ الله أخبر عن المنافقين أنّهم يخادعون الله والذين آمنوا ... بقولهم : {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة : 8] فأثبتَ لهم مخادعتهم الله والمؤمنين .
فلو كان عقَّبه بأنّهم لا يخادعون الله والمؤمنين ، وإنّما يخادعون أنفسهم كان ذلك تنافياً في الكلام ، إذ كان قد نفى في آخر الكلام ما أثبته لهم في أوّله .
أمّا لو قُرئ بغير ألف كان قد أخبر أنّ المخادعة من فِعلهم ، لكنّ الخدع إنّما يحيق بهم خاصّة دون غيرهم من المؤمنين (10) .
توضيح ذلك : إنّ المخادعة هي محاولة الخدْع ، يجوز أن يقع ويجوز أن لا يقع ، قال تعالى : {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ} [الأنفال : 62] ، أمّا الخدع فهو تعبير عن تحقّقه ووقوع تأثير الخداع ، الأمر الذي ينفيه تعالى بالإضافة إلى نفسه والمؤمنين ، وإنّما يحيق المكر السيّئ بأهله .
وبذلك يتبيّن وَهْن احتجاج أبي عمرو ؛ لأنّهم لم يحاولوا خداع أنفسهم ، وإنّما وقع تأثير الخداع بأنفسهم من غير أن يكونوا أرادوه ، قال تعالى : {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ } [فاطر : 43] .
قال مكّي بن أبي طالب : وقراءة مَن قرأ بغير ألف أقوى في نفسي ؛ لأنّ الخِداع فِعل أنفسهم قد يقع وقد لا يقع ، والخدع فِعل وقع بلا شكّ ، فإذا قرأت : ( وما يخدعون ) أخبرتَ عن فِعلٍ وقع بهم بلا شكّ ، وأمّا إذا قرأت : ( وما يخادعون ) جاز أن يكون لم تقع بهم المخادعة ، فـ( يخدعون ) أمكَن في المعنى ....
قال أبو حاتم : العامّة عندنا على قراءة ( وما يخدعون ) (11) .
***
{وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة : 10].
قرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : ( يكذبون ) بالتخفيف ، وقرأ الباقون بالتشديد .
وقراءة التخفيف هي الأشبه بسياق الآية ؛ لأنّهم إنّما عوتبوا على كِذبهم ونِفاقهم ، ولم يكن ثمّة تكذيب في ظاهر الكلام {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } [المنافقون : 1] ، فقد صحّت قراءة التخفيف ؛ ليكون الكلام على نظام واحد (12) .
* * *
{وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة : 61].
قرأ نافع وراوِياه ( قالون ، وورش ) : ( النبيئين ) بالهمز ... وهو من النبْر في القرآن المنهيّ صريحاً عن النبي ( صلّى الله عليه وآله ) .
روي أنّ رجلاً قال للنبي ( صلّى الله عليه وآله ) : يا نبيء الله ، فنهرَه وقال : ( لست نبيء الله ولكنّي نبيّ الله ) ، وفي رواية : ( إنّا معشر قريش لا ننبر ) .
ولمّا حجّ المهديّ العبّاسيّ قدّم الكسائي يصلّي بالناس ، فهمَز ، فأنكر عليه أهل المدينة وقالوا : إنّه ينبُر في مسجد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) بالقرآن !! (13) .
وقد روى الصدوق بإسناده عن الصادق ( عليه السلام ) عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : ( قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : تعلّموا القرآن بعربيّته ، وإيّاكم والنبْر فيه ـ يعني الهمْز ـ ) (14) .
قال الصادق ( عليه السلام ) : الهمز زيادة في القرآن ، إلاّ الهمز الأصلي مثل قوله تعالى : {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ} [النمل : 25] وقوله : {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} [النحل : 5] وقوله : {فَادَّارَأْتُمْ} [البقرة : 72]) (15) .
وقرأ عاصم وسائر القرّاء : ( النبيّين ) على الأصل المعهود من لُغة قريش .
قال أبو محمّد مكّي بن أبي طالب : قرأ نافع وحده : النبئ ، والنبوءة ، والأنبئاء ، والنبيئين ـ بالهمز ـ في جميع القرآن ، إلاّ في موضعين من سورة الأحزاب (16) ، فإنّ قالون لم يهمزهما (17) ، وهذا الكلام يستدعي أنّ ورشاً تتبّع نافعاً في الهمز بالجميع .
وهذا غريب ، كيف أنّ نافعاً قارئ المدينة يخالف رأي نبيّها وأهلها والمسلمين في النبْر في القرآن ؟! .
قال سيبويه : ليس أحد من العرب إلاّ ويقول : تنبّأ مسيلمة ، بالهمز ، غير أنّهم تركوا الهمز في النبيّ كما تركوه في الذرّية والبرية والخابية ، إلاّ أهل مكّة فإنّهم يهمزون هذه الأحرف الثلاثة ولا يهمزون غيرها ، ويخالفون العرب في ذلك (18) .
إذاً كانت قراءة عاصم وفْق لُغة قريش الذين نزل القرآن بلُغتهم ، كما كانت متوافقة مع الفصيح من لغة العرب جميعاً ، وقد نزل القرآن عربيّاً وعلى لُغتهم ولهْجتهم ،... سوى أنّ ( ورشاً ) وشيخه ( نافعاً ) خالفا قريشاً وسائر العرب أجمعين .
وقد قال تعالى : {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء : 193 - 195] .
* * *
{قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} [البقرة : 67] .
قرأ نافع ( هُزْء ) والباقون ( هُزُء ) ، وقرأ حفص ( هزواً ) بغير همز وضمّتين ؛ لأنّه كره الهمز بعد ضمّتين في كلمة واحدة فليّنها ، وهي المتوافقة مع لغة العرب الفصحى السَلِسة ، وهي القراءة المعروفة عند عامّة المسلمين .
قال مكّي : (هزواً ، وكفواً ، وجزءً ) قرأ حمزة بإسكان الزاي والفاء ، وضمّها الباقون ، وكلّهم همزَ إلاّ ( حفْصاً ) ، فإنّه أبدلَ من الهمزة واواً مفتوحةً على أصل التخفيف (19) .
* * *
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة : 119].
قرأ نافع ( ولا تَسأل ) نهْياً ... ولا وجه له ... إلاّ على مذهب فاسد تركناه (20) .
وقرأ عاصم والباقون ( ولا تُسأل ) أي لست مسؤولاً عنهم ، كما في قوله تعالى : { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ }[ الغاشية : 21 ـ 22] ، ونظيرها من آيات نزلت تسلية لخاطره ( صلّى الله عليه وآله ) ، كانت نفسه الكريمة تذهب عليهم حسرات أن لا يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً ... ولعلّه ( صلّى الله عليه وآله ) كان يخشى المسؤوليّة التي جاءت الإشارة إليها في قوله تعالى : {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف : 6].
* * *
{وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [البقرة : 165] .
قرأ نافع وابن عامر ( ولو ترى ) خطاباً إلى النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ، وعليه فجواب الشرط محذوف مقدّر ، أي لرأيت أمراً فظيعاً ... وهكذا يبقى ( أنّ القوّة ...) بلا محلّ للإعراب ، إلاّ بتقدير ( لأنّ القوّة ...) ،... وهذا كلّه تكلّف (21) .
وقرأ عاصم والباقون ( ولو يرى ) جرْياً مع ظاهر الكلام من غير تكلّفِ تقدير .
* * *
{فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة : 186] .
قرأ ورش عن نافع ( الداعي ) بالياء ؛ لأنّه الأصل (22) .
وقرأ عاصم والباقون ( الداع ) بغير ياء ، وحجّتهم : أنّ ذلك في المصحف كذلك بغير ياء ، فلا ينبغي أن يخالف رسم المصحف (23) .
* * *
{ وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ ...}[ البقرة : 214] .
قرأ نافع ( حتّى يقولُ ) بالرفع ، زعماً أنّها بمعنى ( قال ) على الماضي (24) .
وقرأ عاصم والباقون بالنصب على الأصل ؛ لأنّ مدخول ( حتّى ) غاية للزلزال ، وتكون ( حتّى ) هنا بمعنى ( إلى أن ) .
* * *
{قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا} [البقرة : 246] .
قرأ نافع ( هل عسِيتم ) بكسر السين ، لغة رديئة ، وقرأ عاصم والباقون بالفتح ، لغة فصحى .
قال أبو عبيد : القراءة عندنا هي الفتح ؛ لأنّها أعرف اللغَتين ، ولو كان الكسر صحيحاً لقُرئ ( عَسَى رَبُّنَا...)[ القلم : 32] بكسر السين ، وقد أجمعوا هناك على الفتح لا غير ...
قال مكّي : والفتح في السين هي اللغة الفاشية ، وعليها أجمع القرّاء ، ونافع معهم في غير ما هنا ... .
قال : وهو الاختيار ؛ لإجماع القرّاء عليه مع المضمر والمظهر ، وإنّما خالفهم نافع وحده مع المضمر . وقد قال أبو حاتم : ليس للكسر وجه (25) .
* * *
{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا} [البقرة : 282].
قرأ عاصم ( تجارةً ) بالنصب خبراً ، والاسم مضمر ، والمعنى : ( إلاّ أن تكون المعاملة تجارة حاضرة ) ، وقرأ الباقون ( تجارةٌ ) بالرفع ، على أن تكون ( كان ) تامّة ، قياساً على قوله : {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة : 280] قبلها .
لكنّ الرفع هناك كان لأجل الدلالة على عموم الحُكم ، يشمل كلّ مُعسر ، وليس مخصوصاً بالمتبايعَين فحسب ، ومن ثمّ أجمعوا على الرفع هناك ، فلا موضع للقياس عليه (26) .
* * *
{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } [البقرة : 283] .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ( فرُهُن ) بضمّ الراء والهاء ، جمع رَهن ، مثل : سَقف وسُقُف ، وقرأ عاصم والباقون ( فرهان ) ؛ لأنّ جَمع فَعْل على فِعال أقيَس في العربيّة ، نحو : بحر وبِحار وعبد وعِباد ، وكعب وكِعاب ، ونعل و نِعال .
قال مكّي : جمع فَعْل على فِعال كثير ، وجمع فَعل على فُعُل قليل ، وإنّما أتى منه أشياء نوادر في الكلام ... فيحمل القرآن على الكثير الفاشي وهو فعال ، وهو الاختيار (27) .
ومن سورة آل عمران :
{فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} [آل عمران : 13].
وقرأ نافع ( ترونهم ) بالتاء بناء منه على أنّ الخطاب مع اليهود (28) ، وقرأ عاصم
والباقون بالياء ، قال أبو عمرو : لو كانت بالتاء لكانت ( مثلَيكم ) ، قال مكّي : وقد كان يَلزم مَن قرأ بالتاء أن يقرأ ( مثليكم ) وذلك لا يجوز ، لمخالفة الخطّ (29) .
* * *
{فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} [آل عمران : 20].
قرأ نافع وأبو عمرو ( ومَن اتّبعني ) بالياء على خلاف مرسوم الخط ، وقرأ عاصم والباقون وفْق رسم خطّ المصحف الشريف (30) .
* * *
{قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} [آل عمران : 36].
قرأ ابن عامر ( بما وضعتُ ) بضمّ التاء وقرأ عاصم ـ برواية حفْص والباقون ـ بسكون التاء ، إذ لو كان ذلك من كلامها لكان الأليَق أن يكون : ربّ إنّي وضعتها أنثى وأنت أعلم بما وضعتُ (31) .
ومن سورة النساء :
{نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء : 31].
قرأ نافع ( مَدخلاً ) بفتح الميم مصدراً ثلاثياً (32) .
وقرأ عاصم والباقون بالضمّ ؛ ليتوافق المصدر مع الفعل ، كما في سورة الإسراء {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} [الإسراء : 80] مصدراً مزيداً باتّفاق القرّاء .
* * *
{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء : 43] .
قرأ حمزة والكسائي ( أو لمَستم ...) بغير ألف ، وقرأ عاصم والباقون بالألف ، وحجّتهم : ما روي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قوله : ( ( أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء ) أي جامعتم ، ولكنّ الله يُكنّي ) (33) .
ومن سورة المائدة :
{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة : 6] .
قرأ عاصم برواية حفص ( أرجُلَكم ) بالنصب ، وهكذا قرأ نافع ، وابن عامر ، والكسائي .
وقرأ برواية شعبة بالخفْض ، وهكذا ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة (34) .
وقد تكلّمنا عن قراءة النصب وكونها هي المختارة وفْق المذهب الصحيح في مسْح الأرجُل (35) .
ومن سورة الأنعام :
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام : 90].
قرأ حمزة والكسائي ( اقتَدِ ) ، وقرأ عاصم والباقون ( اقتده ) بهاء السكت وصلاً ، وحجّتهم : أنّها مثبتة في المصحف ، فكرهوا إسقاط حرف من المصاحف (36) .
* * *
{وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام : 137].
قرأ ابن عامر ( شركائهم ) بإضافة القتْل إلى الشركاء مع فصل المفعول به ، وقد خطّأه الأئمّة وسائر العلماء .
وقرأ عاصم والباقون ( شركاؤهم ) بإضافة القتْل إلى الأولاد ، ورفْع الشركاء فاعلاً للمصدر ، وقد بحثنا عن ذلك سابقاً (37) .
ومن سورة الأعراف :
{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف : 57].
( بُشراً ) بالباء ، وكذا في سورَتي : الفرقان (38) ، والنمل (39) ، هذه هي قراءة عاصم وحده . قال أبو زرعة : وحجّته قوله تعالى : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الروم : 46] ، وذلك أنّ الريح تبشّر بالمطر . قال : وكان عاصم يُنكر أن تكون الريح تنشر ، وكان يقول : المطر ينشر ، أي يُحيي الأرض بعد موتها ، يقال : نشرَ وأنشر إذا أحيى (40) .
وقرأ حمزة ، والكسائي ( نَشْراً ) ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ( نُشُراً ) ، وقرأ ابن عامر ( نُشْراً ) ، ودلائلهم في ذلك غير وافية (41) .
ومن سورة هود :
{يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ } [هود : 42] .
قرأ عاصم وحده ( يا بنيّ ) بفتح الياء ، وقرأ الباقون بالكسر ، ويأتي نظيره في سورة لقمان .
ومن سورة النحل :
{ إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل : 37].
قرأ عاصم وحمزة والكسائي ( لا يَهدي ) بفتح ياء المضارعة وكسر الدال ، وقرأ نافع والباقون ( لا يُهدى ) بضمّ الياء وفتح الدال ، بمعنى أنّ الذي أضلّه الله فلا هادي له (42) ، لكن يبقى ربط الكلام غير منسجم ! .
ومن سورة الكهف :
{وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} [الكهف : 34] .
{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} [الكهف : 42] .
قرأ عاصم وحده ( ثَمر ) ( بثَمَره ) (43) بفتحتين ، وقرأ أبو عمَر ( ثُمر ) ( بثُمره ) بالضمّ فسكون ، وقرأ الباقون ( ثُمُر ) ( بثُمُره ) بضمّتين .
والقياس مع عاصم بدليل { كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا...}[ الكهف : 32] والأكل هو الثمر (44) ، فضلاً عن موافقة جمهور المسلمين .
* * *
{وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} [الكهف : 59].
قرأ حفص وحده ( لِمَهلِكهم ) على وزان مجلس بكسر اللام ، وقرأ شعبة بفتح اللام ، وقرأ نافع والباقون ( لمُهلَكهم ) بضم الميم وفتح اللام (45) .
ومن سورة مريم :
{تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } [مريم : 90].
قرأ نافع والكسائي ( يكاد ) بالياء ، وقرأ عاصم والباقون ( تكاد ) بالتاء (46) ، وهو الأنسب ؛ لأنّ الاسم جمع مؤنث سالم بالألف والتاء ، ولاسيّما وضمير الجمع المؤنّث العائد عليها ، ولا كذلك لو كان جمع مكسّر ولو كان مؤنثاً حقيقيّاً ، كما في {وَقَالَ نِسْوَةٌ} [يوسف : 30].
ومن سورة طه :
{طه} [طه : 1].
قرأ أبو عمرو ( طاء هِـ ) بكسر الهاء ، وقرأ حمزة والكسائي ( طِ ، هـِ ) بالكسر فيهما ، وقرأ حفص والباقون ( طا ، ها ) . قال أبو زرعة : وهو الأصل ؛ لأنّ العرب تقول : طاء ، هاء .. (47) .
* * *
{قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه : 63] .
وقرأ أبو عمرو ( هذين ) بالتشديد والياء ، وقرأ عاصم والباقون ( هذان ) بالتخفيف والألف ؛ لأنّه الموافق لرسم المصحف الإمام (48) .
وقد تكلّمنا عن تفصيل ذلك في مجاله (49) . ولأبي زرعة أيضاً كلام حول ذلك فراجع .
ومن سورة الأنبياء :
{وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء : 88] .
قال الفرّاء : القرّاء يقرأونها بنونَين ، وكتابتها بنون واحدة ؛ وذلك أنّ النون الأُولى متحرّكة والثانية ساكنة ، فلا تظهر الساكنة على اللسان ، فلمّا خَفيت حُذفت (50) .
فقد قرأ عاصم برواية حفص ، وكذلك سائر القرّاء ، بنونَين مع إخفاء الثانية ، وفْق المعهود من لهجة العرب عند النُطق بالنون الساكنة في الحالة السادسة ، ممّا ذكره أئمّة القراءة ، منهم : مكّي بن أبي طالب فراجع (51) .
هذا ، ولكن ابن عامر وكذا شعبة قرأ ( نُجّي ) بتشديد الجيم وسكون الياء .
قال الفرّاء : ولا نعلم لها جهة إلاّ احتمال اللَحن ؛ لأنّ ما لم يسمّ فاعله إذا خلا باسم ، رَفَعَهُ . قال أبو زرعة : وقالوا أيضاً : ( نجّي ) فعل لم يسمّ فاعله وكان الواجب أن تكون الياء مفتوحة كما في ( عُزيّ وقُضي ) (52) .
قال مكيّ بن أبي طالب : وحجّة مَن قرأ بنون واحدة أنّه بنى الفعل للمفعول فأضمر المصدر ( أي نُجّي النجاء المؤمنين ) ؛ ليقوم المصدر مقام الفاعل ، ونصب ( المؤمنين ) على أنّه مفعول به ، قال : وفيه بُعدٌ من وجهين :
أحدهما : أنّ الأصل أن يقوم المفعول مقام الفاعل دون المصدر ، فكان يجب رفع ( المؤمنين ) ، وذلك مخالف للخطّ .
والوجه الثاني : أنه كان يجب أن تفتح الياء من ( نجّي ) ؛ لأنّه فعل ماضٍ ، كما تقول : ( رمى ) و( كلّم ) فأسكن الياء وحقّها الفتح ، فهذا الوجه بعيد في الجواز .
قيل : إنّ هذه القراءة على طريق إخفاء النون الثانية في الجيم ، قال مكّي : وهذا أيضاً بعيد ؛ لأنّ الرواية بتشديد الجيم والإخفاء لا يكون معه تشديد .
وقيل : أُدغم النون في الجيم ، قال : وهذا أيضاً لا نظير له ، لا تُدغم النون في الجيم في شيء من كلام العرب لبُعد ما بينهما .
قال : وإنّما تعلّق مَن قرأ هذه القراءة أنّ هذه اللفظة في أكثر المصاحف بنون واحدة ، فهذه القراءة إذا قُرئت ( بتشديد الجيم ، وضمّ النون ، وإسكان الياء ) غير متمكّنة في العربية (53) .
ومن سورة الشعراء :
{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء : 193].
قرأ حفص ، وأبو عمرو ، وابن كثير ، ونافع ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ ) بتخفيف ( نزل ) ورفع ( الروح ) .
وقرأ الباقون ( نَزَّلَ بِهِ الرُّوحَ الأَمِينُ ) بالتشديد والنصب (54) ، أي نزّل الله الروح بالقرآن ، ولا يخفى ما فيه من التعسّف ؟! .
ومن سورة الروم :
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم : 22] .
قرأ حفص وحده ( للعالمين ) بكسر اللام ، أي العلماء جمع العالِم ، وهي القراءة المعروفة لدى الجمهور . قال أبو زرعة : وهو المتناسب مع ما قبل الآية { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (55) وما بعدها : {لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم : 24] (56) .
ومن سورة لقمان :
{يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان : 13] .
قرأ حفص وحده ( يا بنيّ ) بفتح الياء في جميع القرآن (57) ، وقرأ الباقون بكسرها في الجميع أيضاً .
وأراد حفص ( يا بنيّاه ) فرخّم ... وهو الأصوب في لسان العرب ، والأسلس تعبيراً في الكلام (58) .
ومن سورة الصافّات :
{وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات : 123] .
قرأ ابن عامر بغير همْز في ( الياس ) ؛ زعماً منه أنّ اسمه كان ( ياس ) فدخلت عليه الألف واللام (59) .
والصحيح : قراءة الباقين بالهمز ؛ بدليل ما بعدها {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} [الصافات : 130]. (60) .
ومن سورة النجم :
{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى} [النجم : 50] .
قرأ نافع وأبو عمرو ( عاد لُوّلَى ) فأدغم نون التنوين من ( عاداً ) في اللام من ( الأُولى ) .
قال أبو عثمان المازني : أساء عندي أبو عمرو في قراءته ؛ لأنّه أدغمَ النون في لام المعرفة ،
واللام إنّما تحرّكت بحركة الهمزة وليس بحركة لازمة ( أي ليست هي متحرّكة بذاتها ) (61) .
ومن سورة الواقعة :
{ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ ـ إلى قوله ـ وَحُورٌ عِينٌ }[ الواقعة : 17 ـ 22] .
قرأ حمزة والكسائي ( وحورٍ عينٍ ) بالخفْض ، وقرأ عاصم والباقون بالرفْع ، قال الزجّاج : الرفْع أحسن الوجهين .
وقد اختلف الأئمّة في وجه إعراب ذلك خفْضاً ورفْعاً ، ولهم في ذلك تفصيل عريض ، فليراجع (62) .
ومن سورة المعارج :
{كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} [المعارج : 15، 16] .
قرأ حفص وحده ( نزّاعةً ) بالنصب ، وقرأ الباقون ( نزّاعةٌ ) بالرفع :
فالنصب على أنّه حال ، وهو ظاهر معروف .
أمّا الرفع فقد اختلفوا فيه ، قال الفرّاء : إنّه بدل من ( لظى ) . وقال الزجّاج : إنّه خبر بعد خبر بلا فصل عاطف ، كما تقول : إنّه حلوٌ حامض (63) .
وقد ذكر مكّي للرفع وجوهاً خمسة (64) ، الأمر الذي يُنبئك عن ضعفه .
* * *
ومن سورة المدّثّر :
{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } [المدثر : 5] .
قرأ حفص وحده ( والرُجز ) بضمّ الراء ، يعني الصنم .
وقرأ الباقون ( الرِجز ) بالكسر ، يعني العذاب (65) أي موجِبه ، وهو تكلّف .
ومن سورة القيامة :
{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة : 1].
قرأ ابن كثير ( لأقسِمُ ) بلام تأكيد ، وعليه فيبقى عطف { وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } عطف نفي على إثبات ، وهو كما ترى ؟! .
وقرأ عاصم والباقون ( لا أُقسم ...) كما هو المعروف (66) .
* * *
{وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } [القيامة : 27].
وقرأ حفص وحده ( مَن راق ) بإظهار النون ، إعلاماً بانفصالها من الراء ... وقرأ الباقون بالإدغام .
* * *
{أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} [القيامة : 37].
قرأ حفص وحده ( يُمنى ) بالياء ؛ لأنّ الضمير يعود على المنيّ ، وقرأ الباقون بالتاء بالعود على النطفة ، وهو بعيد (67) .
ومن سورة المطفّفين :
{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [المطففين : 14] .
قرأ حفص وحده ( بل ران ) بإظهار اللام ؛ لأنّها من كلمة ، و ( ران ) كلمة أخرى ، وعليه قراءة الجمهور ، وأدغمَ الباقون (68) .
* * *
{وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} [المطففين : 31] .
وأيضاً قرأ حفص وحده ( فكهين ) ، وقرأ الباقون ( فاكهين ) .
لكن قياس باب فَعِل يَفعل ـ كفرِح يفرح ـ لازماً ، هو مجيء الصفة على فَعِل مكسور العين كفَرِح ، ولا يقاس على ( حَذِر وحاذَر ) ، أو ( طمِع وطامع ) (69) ؛ لأنّهما متعدّيان .
ومن سورة المَسد :
{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد : 4].
قرأ عاصم وحده بنصب ( حمّالةَ ) قطعاً على الذمّ ؛ لأنّها نكرة لا تقع وصفاً للمعرفة ـ كما قاله الفرّاء ـ (70) .
وقرأ الباقون بالرفع خبراً أو نعتاً ، وفيه ضعف وبحاجة إلى تكلّف ، فراجع .
* * *
ومن سورة الإخلاص :
{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص : 4].
قرأ حفص وحده ( كُفُواً ) بضمّتين فالواو المفتوحة ، وقرأ حمزة ( كُفئا ) بالضمّ فالسكون مهموزاً ، وقرأ الباقون ( كُفُئاً ) بضمّتين مع الهمز .
وقراءة حفص هي المتوافقة مع خطّ المصحف الشريف بالواو (71) ، فضلاً عن موافقة الجمهور .
قال أبو زرعة : وتبع في ذلك قول العرب : ( ليس لفلان كفوٌ ، ولا مِثل ، ولا نظير ) ، والله جلّ وعزّ لا نظير له ولا مِثل (72) .
هذا آخر ما أردنا ثبْته في هذا المجال ، ولم تكن الغاية الاستقصاء ، والحمد لله وسلام على رسوله والأئمّة الميامين .
________________________
(1) راجع ابن الجزري في شرح طيبة النشر : ص 9 ، والمكرّر لسراج الدين الأنصاري : ص5 .
(2) المصدرين السابقين .
(3) سراج القارئ ( شرح الشاطبية ) : ص 14 .
(4) تفسير العيّاشي : ج1 ، ص22 ـ 23 .
(5) ابن كثير قارئ مكّة من السبعة مات سنة (120هـ) ، ونافع قارئ المدينة مات سنة (169 هـ ) ، وعاش الإمام جعفر بن محمّد الصادق ( عليه السلام ) (83 ـ 148هـ) .
(6) حجّة القراءات : ص79 .
(7) جاءت في عشرة مواضع من القرآن .
(8) تفسير التبيان : ج1 ، ص35 .
(9) مجمع البيان : ج1 ، ص24 .
(10) حجّة القراءات : ص 87 .
(11) الكشف : ج 1 ص 225 ـ 227 .
(12) راجع حجّة القراءات : ص 89 ، والكشف : ج 1 ص 228 .
(13) نهاية ابن الأثير : ج 5 ص 7 . وراجع التمهيد : ج 2 ص 69 الطبعة الثانية .
(14) في نسخة الوسائل ( النبز ) بالزاي ، وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه بالراء المهملة .
(15) وسائل الشيعة : باب 30 من أبواب قراءة القرآن ح 1 ، ج 4 ، ص 865 .
(16) الآية : 50 و 53 .
(17) الكشف : ج 1 ص 243 ـ 244 .
(18) نهاية ابن الأثير : ج 5 ص 4.
(19) راجع الكشف : ج 1 ص 247 . وحجّة القراءات : ص 101 .
(20) راجع حجّة القراءات : ص 111 .
(21) راجع حجّة القراءات : ص 119 .
(22) راجع حجّة القراءة : ص 127 .
(23) راجع حجّة القراءات : ص 127 .
(24) حجّة القراءات : ص 131 .
(25) راجع حجّة القراءات : ص 140 . والكشف : ج 1 ص 303 .
(26) الكشف : ج 1 ص 322 .
(27) الكشف : ج 1 ص 323 .
(28) حجّة القراءات : ص 154 .
(29) الكشف : ج 1 ص 436 .
(30) حجّة القراءات : ص 158 .
(31) حجّة القراءات : ص 161 .
(32) حجّة القراءات : ص 199 .
(33) حجّة القراءات : ص 205 .
(34) حجّة القراءات : ص 223 .
(35) راجع صفحة 381 ـ 383 .
(36) حجّة القراءات : ص 260 .
(37) راجع صفحة : 246 و 268 و 357 و 376 من هذا الجزء .
(38) الفرقان : 48 .
(39) النمل : 63 .
(40) حجّة القراءات : ص 286 .
(41) راجع الكشف : ج 1 ص 465 .
(32) حجّة القراءات : ص 340 .
(43) الكهف : 34 .
(44) حجّة القراءات : ص 388 .
(45) حجّة القراءات : ص 416 .
(46) حجّة القراءات : ص 421 .
(47) حجّة القراءات : ص 450 .
(48) حجّة القراءات : ص 454 .
(49) راجع ص 364 من هذا الجزء .
(50) أي فلمّا خفيَت لسانا حذفت خطّاً ، وذلك في العهد الأوّل عندما الخطّ عند العرب في بدايته .
(51) الكشف : ج 1 ص 166 .
(52) راجع معاني القرآن للفرّاء : ج 2 ص 210 ، وحجّة القراءات لأبي زرعة : ص 469 ـ 470 .
(53) الكشف : ج 2 ص 113 .
(54) حجّة القراءات : ص 520 .
(55) الروم : 21 .
(56) حجّة القراءات : ص 558 .
(57) وجاءت في ستّة مواضع من القرآن .
(58) راجع الحجّة في القراءات لأبي زرعة : ص 564 ، وأيضاً : ص 340 .
(59) معاني القرآن : ج 2 ص 392 .
(60) حجّة القراءات : ص 610 .
(61) حجّة القراءات : ص 687 .
(62) مجمع البيان : ج 9 ص 216 . والكشف : ج 2 ص 304 . وحجّة القراءات : ص 695.
(63) حجّة القراءات : ص 723 ـ 724 .
(64) الكشف : ج 2 ص 336 .
(65) حجّة القراءات : ص 733 . والكشف : ج 2 ص 347 .
(66) حجّة القراءات : ص 735 .
(67) حجّة القراءات : ص 737 .
(68) حجّة القراءات : ص 754 .
(69) راجع معاني القرآن : ج 3 ص 249 . والكشف : ج 2 ص 366 ، وحجّة القراءات : ص 755 .
(70) معاني القرآن : ج 3 ص 298 .
(71) التيسير : ص 226 .
(72) حجّة القراءات : ص 777 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|