المبحث الثاني : التحليل الاقتصادي الساكن والمتحرك :

تمثل النظرية الاقتصادية مجموعة نماذج يسعى كل منها الى تقديم تفسير علمي لموضوع اقتصادي معين ومحاولة التنبؤ باحتمالات مساراته. ويمكن التمييز بين هذه النماذج استناداً الى مؤشر الزمن ومستوى الالمام بظروف البيئة اي مدى التأكد.

واستناداً الى هذا المعيار ينشأ لدينا نمطين رئيسيين من التحليل الاقتصادي هما :

التحليل الساكن والتحليل المتحرك . فنحن نصف ثمة وضع اقتصادي بانه في حالة سكون او ركود ، اذا كان يظل على حاله من نقطة زمنية الى نقطة زمنية اخرى ، اي ان حالة السكون او الركود تكرر نفسها عبر الزمن ... الى ان يحصل اقلاق لها من الخارج . ففي النموذج الساكن او (الاستاتيكي) تكون المتغيرات - بالتعريف- مستقلة عن عنصر الزمن. اي ان النموذج الساكن يبحث في تلك المجموعة من العلاقات بين العناصر المختلفة التي متى ما تحققت فانها ستميل الى الاستمرار ما دامت محددات الوضع ثابتة لا تتغير. والواقع ان التحليل الاقتصادي في مجال نظرية الاسعار، كان بصورة تقليدية، يميل بطبيعته إلى التحليل او النموذج الساكن.

ومن المفيد الاشارة هنا الى ان فكرة التوازن، قد لعبت - وماتزال - دوراً مهماً في  النظرية الاقتصادية. وقد انتقد بعض الاقتصاديين فكرة التوازن باعتبارها تمثل فكرة سكون خالص لا تتصل بالعالم المتغير الذي نعيش فيه. ولكننا حين نمعن النظر، سنجد بأن فكرة التوازن تمثل اداة لا غنى عنها في النظرية الاقتصادية . فحتى عند تحليل اوضاع اللاتوازن disequilibrium نجد اننا غالباً ما نحتاج الى فكرة التوازن كأساس مرجعي.  

ويشير التحليل الساكن - بصورة غير مباشرة - الى العملية التي يتحقق بها التوازن، كما يصف الاختلاف بين توازن وآخر، يتم الوصول اليه بعد حصول تغير معين في المحددات ..... ويسمى هذا الاسلوب الاخير بـ «التحليل الساكن المقارن». لكن النموذج الساكن، في معظمه، يعالج اوضاع وشروط التوازن. وهذا يعني انه بالامكان استعمال نموذج ساكن للحالتين التاليتين : ا- وصف حالة سكونية . ب - تحليل الفروقات بين حالات سكونية بديلة ، وهذه الاخيرة تسمى بوضع السكون المقارن Comparative  Static .

ومن امثلة التحليل الساكن قولنا بانه : اذا ارتفع سعر ثمة سلعة فان الكمية المطلوبة منها سوف تنخفض او اننا نتوقع ان تنخفض. 

اما النموذج المتحرك (اي الدايناميكي)، فهو الذي يدخل فيه عنصر الزمن بشكل اساسي، بحيث ان المتغيرات تعتمد ـ بالفرضية ـ على الامتداد الزمني. اي ان - المتغيرات ، وكذا أقيامها التوازنية ، تعتبر ممكنة التحقيق فعلاً . وان اقيام المتغيرات في اية لحظة زمنية معينة ، يفترض ان تعتمد - جزئياً - على اقيامها في لحظات زمنية ماضية. وهكذا يصبح الزمن، عنصراً اساسياً في النظام مع التوكيد على سياقات التكييف اكثر من محددات التوازن .     

ونلاحظ ان النموذج المتحرك يكون ضرورياً في بعض جوانب التحليل الاقتصادي ، وخاصة في دراسة مشاكل الدخل القومي والنمو الاقتصادي، وليس هناك ما يمنع ان نجد في نموذج متحرك ، ان بعض او كافة المتغيرات ثابتة خلال الامتداد الزمني. والسبب هو ان النموذج المتحرك قد يكون له في النهاية - ما يسمى بالحل المستقر Stationery Solution وهذا يعني ان ثمة مجموعة من الاعداد تكون ذات خاصية معينة .. ، بحيث انها اذا اتصلت بمتغيرات النموذج ، فان هذا النموذج سوف يتكرر عبر الزمن بصورة غير محددة اي انه سوف يعبر عن حالة سكون . ويوصف النموذج المتحرك بانه مستقر في حالتين هما :

أ- اذا كان ينطوي على حل سكوني.  

ب- اذا كان سيصل في النهاية الى الحل السكوني او يقترب منه .. ، بصرف النظر عن القيم المبدئية لمتغيرات النموذج . 

ومن امثلة التحليل المتحرك قولنا بأنه اذا ارتفع سعر سلعة معينة ، فانه من المتوقع انخفاض الكمية المطلوبة بعد فترة زمنية معينة. حيث نلاحظ هنا عدم وجود تأكيد على ان ارتفاع سعر السلعة سيؤدي حتماً الى انخفاض الكمية المطلوبة. فالتوقع هنا يعني ان ارتفاع سعر السلعة قد لا يؤدي حتماً الى انخفاض الكميات المطلوبة.  فقد يؤدي الارتفاع الكبير في الدخول الى ازالة أثر ارتفاع الاسعار. اذ قد لا تتأثر الكميات المطلوبة اذا كان اثر ارتفاع الدخول مكافئاً لاثر ارتفاع سعر السلعة. بل ان الكميات المطلوبة قد تزداد اذا كان اثر ارتفاع دخول الافراد اكبر من اثر ارتفاع سعر السلعة . وهذا يعني ان الامتداد الزمني يمكن ان يقلل من درجة اليقين او التأكد.

ومن الممكن استعمال النموذج المتحرك لأغراض :

أ- وصف المسار الزمني للمتغيرات الاقتصادية .

ب- تحليل الفروقات بين مسارات زمنية بديلة، وهو ما يسمى بالتحليل الحركي المقارن.

جـ - وصف الحل المستقر لنموذج متحرك .

د - تحليل الفروقات بين حالات استقرار بديلة . ويكون هذا ممكناً حين يتوفر للنموذج المتحرك ، حلاً مستقراً.

وبناءً على ذلك، فان حالة استقرار معينة قد يمكن تشخيصها باستخدام نموذج ساكن ، او باستخدام نموذج متحرك مواز يكون له حل مستقر.