أحوال عدد من رجال الأسانيد / محمد بن عيسى بن عبيد اليقطينيّ (القسم الأوّل). |
1384
11:14 صباحاً
التاريخ: 2023-04-17
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-7-2017
1122
التاريخ:
2708
التاريخ:
1848
التاريخ: 29-8-2016
1318
|
محمد بن عيسى بن عبيد اليقطينيّ (1):
هو أحد رواة الحديث من الطبقة السابعة، وقد عدّ من أصحاب أربعة من الأئمة هم الرضا والجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام) (2)، وكان من خواص تلامذة يونس بن عبد الرحمن، وقد أكثر الرواية عنه حتى إنه توجد له المئات من الروايات المروية عنه في جوامع الحديث الواصلة إلينا. وكان يونس صاحب مدرسة فكرية في الكلام والفقه، وذكر النجاشي (3) أن الإمام الرضا (عليه السلام) كان يشير إليه في العلم والفتيا وأن له مدائح كثيرة.
وأمّا تلميذه محمد بن عيسى بن عبيد فقد اختلفوا في شأنه، فمنهم من بنى على وثاقته وقبول رواياته، ومنهم من بنى على خلاف ذلك، ومنهم من فصّل بين ما رواه عن يونس وبين ما رواه عن غيره.
ومنشأ ذلك هو ما ورد في حقه من كلام لأبي جعفر محمد بن الحسن بن الوليد أستاذ شيخنا الصدوق (قُدِّس سرُّهما)، فقد اختلف أعلام الفن (قدّس الله أسرارهم) فيما يستفاد منه وفيما يترتب على ذلك من قبول روايته وعدمه.
والملاحظ أن معظم المتأخرين قد التزموا بوثاقته واعتماد رواياته مطلقاً وبنوا ذلك على عدم دلالة كلام ابن الوليد على القدح فيه، وهناك نادر بنى على عدم ثبوت وثاقته كبعض تلامذة السيد الأستاذ (قدس سره) في جملة من كتبه (4) حيث ردّ العشرات من روايات محمد بن عيسى ولم يعمل بها على أساس تعارض الجرح والتعديل في حقه. ولما كان المختار هو ثبوت وثاقته لا لعدم استفادة القدح من كلام ابن الوليد بل اطمئناناً بما دل على وثاقته اقتضى ذلك التعرض لهذا البحث لإثبات هذا المدعى، فأقول: إنّ ما ذكره ابن الوليد بشأن محمد بن عيسى بن عبيد يتضمن استثناء ما رواه من كتب يونس بن عبد الرحمن وما رواه بإسناد منقطع مما أورده عنه محمد بن أحمد بن يحيى في كتابه نوادر الحكمة، وسيأتي نصّ كلام ابن الوليد في الموردين، ولكن ينبغي أولاً الإشارة إلى مواقف الأعلام (قدّس الله أسرارهم) فيما استفيد من كلامه، وهنا اتجاهان:
الاتجاه الأول: دلالة كلامه على الطعن في وثاقة محمد بن عيسى، ومن تبنوا هذا الاتجاه على قسمين:
القسم الأول: من وافقوا ابن الوليد على الخدش في وثاقة محمد بن عيسى، ومن هؤلاء شيخنا الصدوق (قدس سره) ــ كما يظهر ذلك مما سيأتي من كلام الشيخ في الفهرست والنجاشي في رجاله ــ ومنهم الشيخ حيث ضعّفه في كتاب الرجال (5) وفي الفهرست والاستبصار، قائلاً في الفهرست (6): (ضعيف استثناه أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه عن رجال نوادر الحكمة، وقال: لا أروي ما يختص برواياته). وقال في الاستبصار (7) بشأن بعض الأخبار: (إن هذا الخبر مرسل منقطع وطريقه محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس وهو ضعيف، وقد استثناه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه (رحمه الله) من جملة الرجال الذين روى عنهم صاحب نوادر الحكمة، وقال: ما يختص بروايته لا أرويه، ومن هذه صورته في الضعف لا يعترض بحديثه).
قال السيد الأستاذ (قدس سره) (8): (إنّ تضعيف الشيخ كما هو صريح كلامه هنا وفي فهرسته مبني على استثناء الصدوق وابن الوليد إياه من جملة الرجال الذين روى عنهم صاحب نوادر الحكمة).
ولكن هذا الكلام غير واضح، فإنّه لا صراحة في كلام الشيخ (قدس سره) في استناده في تضعيف محمد بن عيسى إلى استثناء الصدوق إيّاه من رجال نوادر الحكمة، بل يمكن أن يمنع ظهوره في هذا المعنى أيضاً، فإنه ضعف الرجل ثم عقّب ذلك بذكر الاستثناء ولم يعلله به لكي يقال بظهوره في الاستناد إليه.
نعم هو لا يخلو من إشعار بذلك، بل هو غير بعيد بالنظر إلى ما يظهر من العبارة الآتية للنجاشي ــ المعاصر للشيخ ــ من ذهاب عامة الأصحاب إلى وثاقة محمد بن عيسى، فيستبعد أن يكون للشيخ (قدس سره) مستند آخر غير عبارة الصدوق في الحكم بضعفه، فليتأمّل.
هذا وتجدر الإشارة إلى أنه قد ورد في الطبعة الأخيرة لرجال الشيخ الطوسي المطبوعة على نسخة عتيقة جداً مؤرخة في عام (533) قول الشيخ (قدس سره) عند عدّ محمد بن عيسى بن عبيد من أصحاب الهادي (عليه السلام) (9): (يونسي ضعيف على قول القميين). وهذه العبارة إن صحت فهي تدل على أمور:
أحدها: أنه لم يكن للشيخ (قدس سره) مستند آخر غير قول القميين في ضعف محمد بن عيسى.
ثانيها: أنه لم يكن جازماً بصحة قولهم، ولذلك علّق عليه الحكم بضعفه.
ثالثها: أن ابن الوليد وتلميذه الصدوق اللذين هما من كبار القميين لم ينفردا بتضعيف محمد بن عيسى بل كان معهما بقيتهم.
وعلى هذا يظهر الخدش فيما أفاده السيد الأستاذ (قدس سره) في بعض كلماته (10) من (أن ما يوجد في بعض الكلمات من نسبة تضعيف محمد بن عيسى إلى القميين في غير محله)، فإن مقتضى العبارة المتقدمة كون النسبة المذكورة تامة.
بل يمكن أن يقال: إنّها تامة وإن لم يثبت اشتمال رجال الشيخ على العبارة المذكورة، فإن مقتضى بعض القرائن والشواهد أن ما يسمى بمستثنيات نوادر الحكمة ــ التي منها روايات محمد بن عيسى بن عبيد كما مرّ ــ كان مما اتفق عليها أصحابنا القميون، ولذلك نجد أن ابن الغضائري ينسب إليهم الاستثناء في غير واحد من أولئك الرجال.
قال في محمد بن موسى السمان (11): (تكلم القميون فيه بالردّ فأكثروا، واستثنوا من كتاب نوادر الحكمة ما رواه). وقال في محمد بن أحمد الجاموراني (12): (ضعفه القميون واستثنوا من كتاب نوادر الحكمة ما رواه). وقال في يوسف بن السخت (13): (ضعيف مرتفع القول استثناه القميون من نوادر الحكمة).
فيلاحظ أنه ينسب إلى القميين عامة ما نسب في كلمات الشيخ والنجاشي إلى ابن الوليد والصدوق في مستثنيات نوادر الحكمة، مما يكشف عن عدم كون الاستثناء من هذين العلمين بالخصوص بل من عامة أتباع المدرسة القمية آنذاك.
ومهما يكن فإن اشتمال رجال الشيخ على جملة (على قول القميين) في الموضع المذكور غير ثابت، فإن النسخة التي اعتمدت في الطبعة المشار إليها وإن كانت قديمة جداً وعليها إجازات جمع من العلماء ولكن الملاحظ..
أولاً: أن النسخ الأخرى ــ التي تيسر لي الاطلاع عليها ــ خالية جميعاً من تلك الإضافة (14)، ومنها عدد من النسخ المخطوطة وبعضها مستنسخة من نسخ قديمة، وأيضاً لم ترد تلك الإضافة في الكتب الرجالية التي تعنى بنقل ما ورد في رجال الشيخ كنقد الرجال للتفريشي ومجمع الرجال للقهبائي ومنتهى المقال لأبي علي الحائري ومنهج المقال للأسترآبادي وغيرها.
وثانياً: أن تلك الزيادة من حيث دلالتها على عدم جزم الشيخ بضعف محمد بن عيسى لا تناسب ما ذكره في موضع آخر من كتاب الرجال وفي الفهرست وفي الاستبصار من الحكم بضعفه من دون تردد.
ويقرب في النظر أن الإضافة المذكورة كانت في الأصل تعليقة من بعض العلماء في هامش نسخة الرجال للشيخ ثم أدرجت في المتن من قبل بعض من استنسخ عليها كما لوحظ مثل ذلك في موارد أخرى من إدراج التعاليق في المتن بتوهم أنها جزء منه.
والحاصل: أنه لا سبيل إلى البناء على اشتمال رجال الشيخ (قدس سره) في الموضع المذكور على الإضافة المتقدمة، فالصحيح أن الشيخ (طاب ثراه) هو ممن ضعّف محمد بن عيسى من غير تردد، ولا يبعد كونه مستنداً في ذلك إلى كلام الصدوق تبعاً لابن الوليد كما مرّ.
وممن التزم أيضاً بمثل ذلك من المتأخرين المحقق الحلي والسيد ابن طاووس والشهيد الأول والشهيد الثاني والسيد صاحب المدارك (قدّس الله أسرارهم) (15) وآخرون.
القسم الثاني: من لم يوافقوا ابن الوليد في الطعن في محمد بن عيسى بل
رجّحوا وثاقته، ومن هؤلاء ابن نوح كما حكاه عنه النجاشي حيث أورد ما ذكره ابن الوليد فيما يستثنى من روايات محمد بن أحمد بن يحيى وعقّبه بقوله (16): (قال أبو العباس بن نوح: وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كله ــ وتبعه أبو جعفر بن بابويه (رحمه الله) على ذلك ــ إلا في محمد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رابه (17) فيه، لأنه كان على ظاهر العدالة والثقة).
وهذه العبارة ظاهرة الدلالة على أن ابن نوح قد استفاد من كلام ابن الوليد الطعن في وثاقة محمد بن عيسى وعدالته ولكنه لم يوافقه على ذلك. ومن الغريب ما ذكره الشيخ عبد الله المامقاني (18) من أنها نصّ في أنه لم يفهم الجرح في الرجل!! وممّن استفاد الطعن في محمد بن عيسى من كلام ابن الوليد ولم يوافقه عليه هو النجاشي، فقد قال في ترجمته ما نصّه (19): (وذكر أبو جعفر بن بابويه عن ابن الوليد أنه قال: ما تفرد به محمد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه. ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول ويقولون: من مثل أبي جعفر محمد بن عيسى؟!) ثم أورد ما حكي عن الفضل بن شاذان من الثناء على محمد بن عيسى وقال: (وبحسبك هذا الثناء من الفضل (رحمه الله) )، وقال قبل ذلك: (جليل في أصحابنا ثقة عين). ويستفاد من قوله: (ورأيت أصحابنا..) أن عامة أصحابنا البغداديين كانوا قد استفادوا الطعن في محمد بن عيسى من كلام ابن الوليد وكانوا ينكرون عليه ذلك.
وممّن قال بمثل ذلك من المتأخرين العلامة (قدس سره) حيث ذكر اختلاف الأصحاب في شأنه وعقّبه بقوله (20): (والأقوى عندي قبول روايته). وهكذا المحقق الأردبيلي (قدس سره) (21) حيث رجح صحة حديثه بعد حكاية طعن الصدوق فيما رواه عن يونس.
الاتجاه الثاني: عدم دلالة كلام ابن الوليد على الطعن في وثاقة محمد بن عيسى، ومن تبنوا هذا الاتجاه على قسمين أيضاً:
القسم الأول: من استفادوا من كلامه عدم اعتبار خصوص ما تفرد به محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن دون سائر رواياته فإنها معتبرة.
ومن هؤلاء المولى محمد تقي المجلسي والسيد محمد باقر الشفتي والشيخ عبد الله المامقاني والسيد الأستاذ (قدّس الله أسرارهم)، وستأتي جملة من كلماتهم في ذلك.
وقد اختلف هؤلاء في وجه عدم قبول ابن الوليد لخصوص روايات محمد بن عيسى عن يونس:
فقال بعضهم: إن الوجه فيه هو أن محمد بن عيسى كان أصغر سناً من أن يدرك يونس ويتلقى الحديث منه، فرواياته عنه مع الواسطة وهي غير معروفة فلا حجية لها.
ويناسب هذا الوجه ما ذكره ابن داود قائلاً (22): (لا يستلزم عدم الاعتماد على ما تفرد به محمد بن عيسى عن يونس الطعن في محمد بن عيسى، لجواز أن تكون العلة في ذلك أمراً آخر كصغر السن المقتضي للواسطة بينهما، فلا تنافي بين قول ابن بابويه وقول من عداه).
وقال بعضهم: إنّ الوجه فيه هو أن محمد بن عيسى كان صغير السن عند تحمله الحديث من يونس فلم يكن يدرك ما رواه عنه، ولذلك لا يعتمد عليه.
وهذا ما ذكره المولى محمد تقي المجلسي قائلاً (23): (الذي يخطر ببالي أن تضعيف ابن الوليد لكون اعتقاده أنه يعتبر في الإجازة أن يقرأ على الشيخ ويكون السامع فاهماً لما يرويه وكان لا يعتبر الإجازة المشهورة، وكان محمد بن عيسى صغير السن في زمان يونس ولا يعتمدون على فهمه حين القراءة، ولا على إجازة يونس له).
وهذا الوجه مما مال إليه المحدث النوري (24) واحتمله السيد الأستاذ (قدس سره) في بعض كلماته في كتاب الطهارة (25).
وقال بعضهم: إن الوجه في تخصيص عدم القبول بخصوص روايات محمد بن عيسى عن يونس غير ظاهر، وهذا ما ورد في كلام السيد محمد باقر الشفتي (26) ونصّ عليه السيد الأستاذ في المعجم قائلاً (27): (إن الاستثناء غير مبتنٍّ على تضعيف محمد بن عيسى بن عبيد نفسه، وإنما هو لأمر يختص برواياته عن يونس، وهذا الوجه مبني على اجتهاد ابن الوليد ورأيه، ووجهه عندنا غير ظاهر).
أقول: لو بني على أنّ عدم قبول روايات محمد بن عيسى يختص بما تفرد به عن يونس فلعل الأقرب أن يكون لأحد وجهين:
1 ــ إن محمد بن عيسى لمزيد اختصاصه بيونس اطلع على بعض مؤلفاته التي لم يصححها فكانت أشبه بالمسودة ولذلك لم يخرجها إلى تلامذته ولكن رواها عنه محمد بن عيسى، كما نجد نظير ذلك في زماننا هذا حيث يقوم البعض بنشر ما يقع في يده من مؤلفات بعض العلماء مما لم يقم هو في حياته بتصحيحه والتدقيق فيه ولا يحرز كون ما يشتمل عليه موضع رضاه وقبوله.
2 ــ إن الثقة إذا تفرد بخبر أو نحوه عمن تكون رواياته معروفة وعلمه مبثوثاً بين الناس لكثرة تلامذته أو لانتشار كتبه فإنه لا يقبل منه، لأنه لا يحصل الوثوق النوعي بمثله، فإن العبرة في حجية خبر الثقة ــ كما عليه الأكثر ــ هي بحصول الوثوق النوعي به، وهو مما لا يحصل عند تفرد الثقة بخبر عمن يكون على الوصف المتقدم بخلاف ما إذا لم يكن كذلك.
مثلاً: إذا تفرد بعض تلامذة المحقق النائيني (قدس سره) بنقل رأي له في مسألة أصولية لا يحصل الوثوق النوعي بنقله وإن كان الناقل ثقة ثبتاً، لأن آراء المحقق النائيني (قدس سره) في الأصول معروفة محررة في تقريرات غير واحد من تلامذته وما من شاردة ولا واردة منها إلا وقد ضبطت في كتبهم فلا يحصل الوثوق عادة بما يتفرد بعضهم بنقله، وهذا بخلاف ما إذا تفرد بعض تلامذة السيد أبو الحسن الأصفهاني (قدس سره) بنقل رأي له في مسألة أصولية فإنه يعتمد على نقله إذا كان ثقة لحصول الوثوق النوعي به، فإن آراء السيد (قدس سره) في الأصول غير معروفة في معظمها لعدم انتشارها بالرغم من أنه درّس أكثر من دورة أصولية وكتب تقريراته بعضهم كالشيخ حسين الحلي (طاب ثراه).
وبالجملة: إذا كان المناط في حجية خبر الثقة هو الوثوق النوعي فإنه يمكن البناء على عدم حجيته فيما إذا تفرد الثقة بنقله مع كونه بحيث لو كان له واقع لما اختص ذلك الثقة بنقله عادة بل نقله غيره أيضاً، ومن ذلك ما إذا أسند رواية إلى بعض مشايخه ممن له تلامذة كثيرون قد بثوا علمه ونشروا رواياته، ولعل هذا محمل ما ذكره الشيخ الصدوق (قدس سره) في موضع من الفقيه (28) حيث إنه أورد رواية لزرارة تدل على اشتمال صلاة الجمعة على قنوتين وصلاة الظهر من يوم الجمعة على قنوت واحد في الركعة الأولى ثم عقّب عليها بقوله: (تفرد بهذه الرواية حريز عن زرارة. والذي أستعمله وأفتي به ومضى عليه مشايخي (رحمة الله عليهم) هو أن القنوت في جميع الصلوات في الجمعة وغيرها في الركعة الثانية بعد القراءة وقبل الركوع).
فيلاحظ أنه (قدس سره) استخدم التعبير بـ(تفرد) للإشارة إلى أن المعنى المذكور لم ينقله عن زرارة سائر تلامذته وهم كثيرون، وبالفعل يلاحظ أن عمر بن أذينة (29) إنما روى عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أن ((القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع)) ولم ينقل هو ولا غيره عن زرارة استثناء صلاة الجمعة وصلاة الظهر من يوم الجمعة عن الكلية المذكورة، مما يمنع من حصول الوثوق النوعي برواية حريز المذكورة.
وحيث إن يونس بن عبد الرحمن مثل زرارة في كثرة التلامذة بالإضافة إلى كونه صاحب كتب كثيرة معروفة فلو تفرد عنه محمد بن عيسى برواية لم يعتمد عليها بالرغم من وثاقته لعدم حصول الوثوق النوعي بمثلها، فليتأمل.
القسم الثاني: من استفادوا من كلام ابن الوليد أن بناءه على عدم اعتبار روايات محمد بن عيسى لا يختص بما كانت عن يونس بن عبد الرحمن بل يعم كل ما تفرد به عن أيّ كان، أو كل ما رواه بإسناد منقطع إما في خصوص رواياته المذكورة في كتاب نوادر الحكمة أو مطلقاً.
والظاهر أنه يتعين أن يكون الوجه في عدم اعتبار ما تفرد به محمد بن عيسى عن يونس أو عن غيره بالرغم من البناء على وثاقته هو كونه فاسد العقيدة من وجهة نظر ابن الوليد، فإنه يظهر من جميع علمائنا السابقين عدم العمل بما يتفرد به فاسد العقيدة من الروايات وإن كان متحرزاً عن الكذب. وهذا ما حكاه الشيخ (قدس سره) عنهم في موضع من الاستبصار بشأن عمار الساباطي قائلاً (30): (إن جماعة من أهل النقل ذكروا أن ما يتفرد بنقله لا يعمل عليه، لأنه كان فطحياً فاسد المذهب) وهو (قدس سره) وإن لم يوافقهم على ذلك في هذا الموضع قائلاً: (إنا لا نطعن في النقل عليه بهذه الطريقة، لأنه وإن كان كذلك فهو ثقة في النقل لا يطعن عليه) ولكن الذي يظهر منه في غير موضع من التهذيبين (31) هو عدم العمل بما يتفرد به فاسد المذهب وإن كان ثقة.
وذكر في أصوله (32) أن في روايات فاسدي المذهب وجهين:
أحدهما: أنّه يجوز العمل بها إذا كانوا ثقات في النقل وإن كانوا مخطئين في الاعتقاد.
وثانيهما: أنّ جميع ما يختص هؤلاء بروايته لا يعمل به وإنّما يعمل به إذا انضاف إلى روايتهم رواية من هو على الطريقة المستقيمة والاعتقاد الصحيح.
وبالجملة: الظاهر أن الوجه في ردّ ما تفرد به محمد بن عيسى هو الذهاب إلى عدم العمل بما تفرد به فاسد العقيدة وإن كان ثقة والبناء على كون محمد بن عيسى من هذا القبيل.
ويشهد لذلك قول الشيخ (33) في حقه: (يونسي)، وليس المراد به مجرد كونه من تلامذة يونس (34) كما ذكره المحدث النوري والشيخ المامقاني (35)، بل المراد أنه كان يتبع مدرسة يونس الفكرية، فإن يونس كما مرّ آنفاً كان صاحب مدرسة خاصة في الكلام والفقه وكان أصحابنا القميون يطعنون فيه ويضعفونه (36) من أجل ذلك.
وقد ذكرت اليونسية في عداد فرق الشيعة حتى في كتب الجمهور كما في المواقف للأيجي والأنساب للسمعاني (37)، قال في الأخير: (اليونسية طائفة من غلاة الشيعة نسبوا إلى يونس بن عبد الرحمن القمي مولى آل يقطين).
وبذلك يظهر الوجه فيما ذكره الشيخ في الفهرست (38) بقوله: (قيل: إنه ــ أي محمد بن عيسى ــ كان يذهب مذهب الغلاة).
هذا ما يمكن أن يذكر في وجه عدم اعتبار خصوص ما يتفرد به محمد بن عيسى بالرغم من البناء على وثاقته.
وأما الوجه في عدم اعتبار خصوص ما رواه بإسناد منقطع ــ كما بنى على ذلك الوحيد البهبهاني (قدس سره) (39) ــ فربما يقال ــ كما أفاده السيد الأستاذ (قدس سره) في بعض كلماته (40) ــ: إنه من جهة عدم اعتبار أية رواية منقطعة السند وإن كان الراوي في أعلى درجات الوثاقة ولا خصوصية لمحمد بن عيسى في ذلك.
ولكن هذا الكلام لا يمكن المساعدة عليه، إذ لو كان الأمر كذلك لما خصّ ابن الوليد ما استثناه من روايات نوادر الحكمة بما رواه محمد بن عيسى بإسناد منقطع بل استثنى كل رواية مقطوعة الإسناد في ذلك الكتاب وهي غير منحصرة بمقطوعات هذا الراوي، كما يظهر ذلك بملاحظة أسانيد ما ابتدأ فيه الشيخ في التهذيبين باسم محمد بن أحمد بن يحيى فإنها مأخوذة منه كما هو ظاهر.
والأولى أن يقال: إن القطع في السند إذا كان منشؤه الراوي ــ لا سقوط اسم الواسطة عن قلم الناسخ ونحو ذلك ــ فإنه يكون على نحوين، إذ تارة يقع من جهة نسيان الراوي لوجود الواسطة بين شخصين أو نسيانه لاسم الواسطة فيروي مرفوعاً، وتارة أخرى يقع من جهة تعمد الراوي حذف الواسطة وإيراد الرواية مرفوعة أو مرسلة بحذف اسم الوسيط وذلك فيما إذا كان مشهوراً بالكذب والوضع، فلا يذكر اسمه حتى لا ينقص من قيمة الرواية بل يوهم
القارئ أو المستمع أنه لا مطعن في سندها، وهذا الثاني يعدّ ضرباً من التدليس وهو وإن كان لا يوجب الخدش في وثاقة الراوي ولكنه يمنع عند بعضهم من الاعتماد التام على رواياته.
فلو كان ابن الوليد قد خصّ عدم اعتبار روايات محمد بن عيسى بما إذا كانت مقطوعة الإسناد فربما يكون ذلك من جهة الاعتقاد بكون القطع في رواياته من النحو الثاني، فليتأمّل.
[كان] هذا استعراض لمواقف الأعلام (قدّس الله أسرارهم) فيما يستفاد من كلام ابن الوليد بشأن محمد بن عيسى بن عبيد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|