أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-2-2017
1418
التاريخ: 2-2-2017
1154
التاريخ: 20-12-2015
1421
التاريخ: 17-12-2015
1787
|
الفكرة الشائعة عن الثقب الأسود بأنه «يمتصُّ كل شيء» من الوسط المحيط به، ليست صحيحة إلَّا بالقُرب من أفق الحدث، وحتى في تلك الحالة، لا يحدث ذلك إِلَّا إذا كان الزخم الزاوي للمادة المنهارة المتساقطة نحوه ليس كبيرًا جدًّا. أما بعيدًا عن الثقب الأسود، فيكون مجال الجاذبية الخارجي مطابقًا لمجال الجاذبية الخارجي لأي جسم كروي آخر له الكتلة نفسها. ولذا يمكن لجسيم ما أن يدور حول ثقب أسود وفقًا لديناميكيات نيوتن، تمامًا كما سيدور حول أي نجمٍ آخر. فما الذي يمكن أن يحلَّ لغز هذا النمط من الدوران المستمر في دوائر أو قطوع ناقصة في (الواقع ويمهد الطريق لسلوك أغرب؟ الإجابة أنَّ الثقب الأسود دائمًا ما يدور حوله أكثر من جُسَيم واحد. إذ تُعد الظواهر الفيزيائية الفلكية التي نرصدها ثريةً لأنَّ الثقوب السوداء يدور حولها قدر كبير من المادة ولأن هذه المادة يُمكن أن تتفاعل مع نفسها. وفوق ذلك، فقانون الجاذبية ليس القانون الفيزيائي الوحيد الذي يجب الخضوع له، بل يجب الخضوع أيضًا لقانون حفظ الزخم الزاوي. ويؤدي تطبيق هذه القوانين على الكميات الكبيرة من المادة التي قد تنجذب نحو الثقب الأسود إلى ظهور ظواهر لافتة قابلة للرصد، وتتجسد بعض أبرز أمثلة هذه الظواهر في حالة أجسام غريبة تُسمى أشباه النجوم. تُعرف أشباه النجوم بأنها أجسام موجودة في مراكز المجرات تتضمَّن ثقباً أسود فائق الضخامة عند مركزها بالضبط، وبسبب تأثير هذا الثقب على المادة القريبة منه، يمكن أن يجعلها أشدَّ سطوعًا من كل الضوء المنبعث من جميع النجوم في إحدى تلك المجرات، عبر أجزاء المجال الكهرومغناطيسي كلها.
لا يمكن رصد ثُقب أسود منعزل مباشرة، لأنه ببساطة لن يبعث ضوءًا؛ بل كل ما يُمكن هو اكتشاف ثقب أسود عن طريق تفاعلاته مع مواد أخرى. فأي مادة تسقط نحو الثقب الأسود تكتسب طاقة حركة، وبسبب الحركة المضطربة، أي دورانها في مدار حلزوني عكس اتجاه دوران مادة ساقطة أخرى تسلك سلوكا مشابها، تُصبح ساخنة. ويُؤيِّن هذا التسخين الذرات، مؤديًا بذلك إلى انبعاث إشعاع كهرومغناطيسي. ومن ثُمَّ، فتفاعل الثقب الأسود مع المادة القريبة منه هو الذي يؤدي إلى انبعاث إشعاع من المنطقة المجاورة للثقب الأسود، وليس إشعاعًا مباشرًا من الثقب الأسود نفسه.
الثقوب السوداء ليست كيانات منعزلة وغير متفاعلة في الفضاء. بل إنَّ مجالات الجاذبية الموجودة لديها تجذب نحوها كل المواد، سواء أكانت غازات أم نجوما قريبة. ولأنَّ الشد الجذبي يزداد بقوة مع زيادة القُرب، تتفتّت النجوم تمامًا إذا كان حظها عثرًا بما يكفي ليجعلها تقترب من ثُقب أسود؛ ويُصوِّر شكل 7-1 مثالًا على ذلك. وثمة جزء معين من المادة المجذوبة سيبتلعه الثقب الأسود تمامًا أو سيراكمه. لا يقتصر ما يحدث على أنَّ المادة تهرع بوتيرة متسارعة إلى داخل الثقب الأسود، متحركة بسرعة بالغة عبر أفق الحدث. بل ينشأ شيء أشبه بطقوس تودُّد معقدة بينما تقترب المادة المجذوبة بتأثير الجاذبية من الثقب الأسود. ففي كثير جدا من الأحيان، وجد أنَّ المادة المتراكمة تتَّسم بشكل هندسي معين يُميزها؛ شكل قرص. وإذا كان مجال الجاذبية يتّسم بتماثل كروي، فلن يؤدي الثقب الأسود أي دور في تحديد المستوى الذي سيتراكم فيه الغاز ليُشكّل قرصا تراكميًّا، بل سيتحدد مستوى القرص وفق طبيعة الغاز المتدفّق بعيدًا عن الثقب الأسود. ولكن إذا كان الثقب الأسود ذا زخم زاوي، فسيستقر الغاز المتراكم في نهاية المطاف ضمن المستوى العمودي على محور دورانه، بغضّ النظر عن الكيفية التي يتدفق بها على بعد أنصاف أقطار أطول. وإذا كانت المادة المجذوبة تدور على الإطلاق، فيجب التفكير في ذلك من منظور الالتزام بقانون حفظ الزخم الزاوي. فالدوران يعني أنَّ المادة وهي تفقد طاقتها ستتبع مدارات (دائرية إلى حدٍّ كبير) لكنها في الواقع حلزونية متجهة نحو الداخل وبالقُرب من الثقب الأسود، يؤدي تأثير لينز - ثيرينج، إلى أنَّ القرص التراكمي ربما يُصبح محاذيًا للمستوى الاستوائي للثقب الأسود الدوار عند أنصاف الأقطار القصيرة. وفي هذا السياق، يُعرف هذا التأثير باسم تأثير باردين-بيترسون.
شكل 7-1: تصور فني عن قرص تراكمي تنبعث منه نفثة كما هو موضح) ونجمٍ مانح يُفتت بفعل قوى المد والجذر الناشئة عن الجاذبية من الثقب الأسود الواقع عند مركز القرص التراكمي.
وإذا كان الغاز يكون جزءًا كبيرًا من المادة المنهارة المتساقطة، فيمكن عندئذٍ أن تصطدم ذرات الغاز بجسيمات الغاز الأخرى في مداراتها الخاصة، وتؤدي هذه الاصطدامات إلى إثارة الإلكترونات في تلك الذرّات ورفعها إلى مستويات طاقة أعلى. وعندما تعود هذه الإلكترونات إلى مستويات الطاقة المنخفضة، تُطلق فوتونات ذات طاقة مساوية بالضبط للفرق بين مستوى الطاقة الأعلى الذي كان الإلكترون يشغله ومستوى الطاقة الأدنى الذي انخفض إليه. ويعني إطلاق الفوتونات أنَّ ثمة طاقة إشعاعية تترك سحابة الغاز المنهارة، وبذلك تفقد السحابة قدرًا من الطاقة. وبينما تتضمَّن هذه العمليات خروج طاقة، فإنها لا تتضمَّن خروج أي قدر من الزخم الزاوي. ولأن الزخم الزاوي يبقى في النظام، تُواصل المادة المتراكمة الدوران في أي مستوى يحافظ على اتجاه محصلة الزخم الزاوي الأصلية. ومن ثَم، دائمًا ما ستُكوّن المادة المجذوبة قرصًا تراكميا؛ وهو بمثابة حالة تظلُّ فيها المواد التي تدور حول الثقب الأسود معلقةً فترة طويلة بعض الشيء. واعتمادًا على مدى القُرب الذي يُمكن أن تبلغه المادة التي تدور حول الثقب الأسود منه، يمكن أن تُصبح المادة ساخنةً جدًّا لدرجة أنَّ الإشعاع المنبعث من القرص التراكمي يكون مكونا في الواقع من فوتونات الأشعة السينية، وهذا يكافئ درجات حرارة عالية تصل إلى 10 ملايين درجة (سواء أكانت وحدة القياس المستخدمة الكلفن أم الدرجات المئوية، فهذا ليس مهما عندما تكون درجات الحرارة مرتفعة للغاية هكذا).
يُظهر تحليل بسيط لبعض المعادلات المعروفة من فيزياء نيوتن أنَّ إطلاق طاقة الوضع القائمة على الجاذبية عند سقوط كمية معينة من الكتلة الساقطة يعتمد على نسبة كُتلتها مضروبة في نسبة كتلة الثقب الأسود الذي تدور حوله في مدار حلزوني، ومدى القُرب الذي يُمكن أن تبلغه الكتلة الساقطة من الثقب الأسود. في حالة جسم جاذب ذي كتلة معينة كالثقب الأسود، كلما اقتربت منه الكتلة الساقطة، زادت طاقة وضع الجاذبية التي تُطلِقها، كما يتّضح في المخطط المبسط في شكل 7-2. ويساوي مقدار الطاقة المتاح لتُطلقه المادة في صورة إشعاعات، الفرق بين الطاقة التي كانت موجودة لدى الكتلة الساقطة عندما كانت بعيدة قبل أن تُسرَّع (تُحسب باستخدام معادلة أينشتاين الشهيرة E = mc2، حيث يرمز E إلى الطاقة و m إلى الكتلة، وc إلى سرعة الضوء) والطاقة الموجودة لديها عند أقرب مدار دائري مستقر إلى الثقب الأسود.
ومع أنَّ الاندماج تُعلَّق عليه آمال كبيرة في أن يكون مصدرًا مُستقبليًّا لإمداد كوكب الأرض بالطاقة، فإنه لا يُنتِج . سوى 0.7% من الطاقة المتاحة وفق معادلة «E». وفي المقابل، يمكن إطلاق قدر أكبر بكثير من كتلة السكون المتاحة في صورة طاقة من المادة المتراكمة، عبر الإشعاع الكهرومغناطيسي أو أي نوع آخر من الإشعاع. يعتمد مدى القُرب الذي يُمكن أن تبلغه المادة المتراكمة في اقترابها من الثقب الأسود على مدى سرعة دوران الثقب الأسود. فإذا كان الثقب الأسود يدور بسرعة، فيمكن أن يدور القرص التراكمي على بعد مسافة أقصر بكثير من الثقب الأسود في مدارات أصغر بكثير. وفي الواقع، يُمثل تراكم الكتلة على ثقب أسود دوار الطريقة الأكثر فاعلية من بين الطرق المعروف أنها تستخدم الكتلة للحصول على طاقة. ويُعتقد أن هذه العملية هي الآلية التي تَستمدُّ بها أشباه النجوم وقودها. فأشباه النجوم تُعد بمثابة مواقع أقوى إطلاق للطاقة المستدامة في الكون.
شكل 7-2: مخطط بياني يُوضّح كيف تقلُّ طاقة وضع كتلة معينة (جسيم اختبار) مع انخفاض المسافة التي تبعدها عن ثقب أسود.
ذكرت بالفعل أنَّ الكتلة والطاقة بينهما تكافؤ، وفي حالة ثقب أسود من نوعية شفارتزشيلد (أي غير دوّار)، يمكن نظريًا إطلاق كمية من الطاقة تكافئ 6% من كتلته الأصلية، وأنَّ الحلول التي توصل إليها روي كير لمعادلات المجال التي وضعها أينشتاين تُظهر أنَّ طول نصف القُطر من آخر مدار دائري مستقر إلى الثقب الأسود الدوار يكون أقصر بكثير ممَّا لو كان المدار موجودًا حول ثقب أسود غير دوار له الكتلة نفسها. ومن حيث المبدأ، يمكن استخلاص قدر أكبر بكثير من طاقة الدوران من ثقوب «كير» السوداء، ولكن فقط إذا كانت المادة الساقطة تدور في نفس اتجاه دوران الثقب الأسود نفسه. أما إذا كانت المادة تدور عكس اتجاه دوران الثقب الأسود، أي في مدار عكسي، فيمكن إطلاق حوالي 4% من طاقة السكون في صورة إشعاع كهرومغناطيسي. ولكن إذا كانت المادة الساقطة باتجاه ثُقب أسود يدور بأقصى زخم زاوي تدور حوله في نفس اتجاه دورانه، فيمكن من حيث المبدأ إطلاق نسبة لافتة تبلغ 42% من طاقة السكون في صورة إشعاع، إذا كان من الممكن أن تفقد المادة قدرًا كافيًا من الزخم ليجعلها قادرة على الدوران حول الثقب الأسود في أقرب مدار دائري مباشر مستقر إلى مركزه.
يساوي معدل تراكم الثقب الأسود في مركز مجرتنا في منطقة الرامي أ*، جزءًا واحدًا من 100 مليون جزء من كتلة الشمس سنويًّا. ولا يبدو هذا الرقم كبيرًا جدًّا إلى أن تُدرك أنَّ هذا يكافئ التهام كتلة مقدارها 300 كتلة أرضية سنويا. ولتفسير مستويات شدة الإضاءة الهائلة التي عادةً ما تتّسم بها أشباه النجوم، يلزم أن تكون معدلات سقوط المادة مساويةً لكتلة شمسنا بضعة أضعاف في السنة الواحدة. وأما لتفسير شدة الإضاءة التي عادةً ما تتّسم بها أشباه النجوم الميكروية الأصغر حجما، ربما يلزم أن تكون معدلات سقوط المادة جزءًا واحدًا من مليون جزء من هذه القيمة.
ومن السياقات الأخرى التي قد يحدث فيها استخراج للطاقة على غرار هذه العملية دفقات أشعة جاما. وهي ومضات مفاجئة من حِزَمٍ مُكثفة من أشعة جاما تبدو مرتبطةً بانفجارات عنيفة في المجرات البعيدة. وقد رُصِدَت لأول مرة باستخدام أقمار صناعية تابعة للولايات المتحدة في أواخر ستينيات القرن الماضي، وكان يُحسَب في البداية أنَّ الإشارات المستقبلة صادرة من أسلحة نووية سوفيتية.
ونظرًا لأنَّ المادة التي تدور في مدار حلزوني متجه إلى داخل الثقب الأسود موجودة في كل مكان عبر القرص التراكمي، يجد الفيزيائيون أنه من المفيد إجراء حسابات بسيطة وتوضيحية مفيدة لفهم مقادير بعض الكميات الفيزيائية المهمة جيدًا؛ فعند اعتبار أنَّ المادة المتراكمة تأخذ شكلا كُرويًّا وليس شكل قرص، تظهر بعض الحدود المثيرة للاهتمام. ويكمن مثال توضيحي جدًّا على ذلك في عالم النجوم، التي تُعد أكثر شبهًا بكثير بكرات من البلازما مُقارنةً بالأقراص التراكمية. وقد أشار السير آرثر إدينجتون إلى أنَّ الإشعاع المنبعث من تصادم الإلكترونات المثارة بأيونات أخرى في الغاز الساخن لدى نجم ما سيؤثر بضغط إشعاعي على أي مادة يعترضها لاحقًا. ويمكن للفوتونات أن «تشتت» الإلكترونات الموجودة في البلازما المؤيَّنة الساخنة داخل النجم (وهذا يعني ببساطة أن تُعطيها طاقة وزخمًا). ويُوَصَّل هذا الضغط، الذي يؤثر من الداخل إلى الخارج، عبر قوى كهروستاتيكية وهي قوى مناظرة لقوى الجاذبية لكن الفرق أنها تحمل شحنات كهربائية) إلى الأيونات الموجبة الشحنة مثل أنوية الهيدروجين (المعروفة كذلك باسم البروتونات) وأنوية الهيليوم والعناصر الأثقل الأخرى الموجودة.
في حالة النجوم، تتَّجه محصلة الإشعاع النهائية نحو الخارج في اتجاه أنصاف الأقطار، وهذا الضغط الإشعاعي الناتج المتجه نحو الخارج يؤثر عكس اتجاه تأثير قوة الجاذبية التي تسحب المادة إلى الداخل نحو المركز. وفي حالة شكل النجوم شبه الكروي، يُوجد حد أقصى لمقدار الضغط الإشعاعي المتَّجه نحو الخارج، وعندما يتجاوز الضغط هذا الحد، يفوق قوة الجاذبية المتجهة نحو الداخل، ويُفجر النجم نفسه ببساطة. يُعرف هذا الضغط الإشعاعي الأقصى باسم حدّ إدينجتون. ومن المؤكد حتمًا أنَّ الضغط الإشعاعي الأعلى ينتج من مستوى أعلى من شدة إضاءة الإشعاع، ويمكن تقدير شدة إضاءة جسم معين من سطوعه إذا عرفنا المسافة إلى الجسم. ولذا يُمكن استنتاج مقدار الضغط الإشعاعي داخل جسم ما باستخدام بعض الافتراضات المبسّطة، بما فيها اعتبار القرص التراكمي شبه كروي. يُمكن استخدام هذه الطريقة البسيطة أحيانًا للتوصل إلى تقدير دلالي لكتلة الثقب الأسود؛ استنادًا إلى شدة الإضاءة المرصودة للإشعاع المنبعث من البلازما المحيطة، فإذا اعتبر أنها واصلة إلى الحد الأقصى المتمثل في «شدة إضاءة إدينجتون» (الذي ستؤدي شدة الإضاءة عند تجاوزه إلى ضغط إشعاعي عال بما يكفي ليفوق قوة الجاذبية الناتجة من الكتلة في الداخل وبذلك سيُفجِّر الجسم نفسه)، عندئذ يمكن تقدير الكتلة.
ويمكن التفكير في شدة إضاءة إدينجتون من منظور وجود مُعدَّلٍ أقصى يُمكن أن تتراكم به المادة، في حالة وضع افتراضات مناسبة عن مدى كفاءة عملية التراكم. يُعطي ذلك كمية تُسمَّى «مُعدل إدينجتون»، وهذا الحد يُعد قيمةً قصوى (في حالة الكفاءة المفترضة). وتُوجَد حالات يُكسر فيها هذا الحد الأقصى المعين، أهمها رفض افتراض أنَّ الجسم يتّسم بتماثل كروي (فهذا الافتراض مناسب في حالة النجوم، ولكن من الواضح أنَّه لا ينطبق على شكل القُرص الهندسي الذي تتخذه الأقراص التراكمية التي نحتاج إلى أخذها في الحسبان لفهم كيفية نمو الثقوب السوداء).
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|