أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-9-2020
1293
التاريخ: 10-9-2016
1891
التاريخ: 19-8-2017
1953
التاريخ: 22-10-2017
1798
|
زكريا المؤمن (1):
روى الشيخ بإسناده المعتبر عن موسى بن القاسم عن زكريا المؤمن عن معاوية بن عمار (2) قال: قال: إن امرأة هلكت فأوصت بثلثها ليتصدق به عنها... الحديث.
ويمكن الخدش في سند هذه الرواية من جهتين:
الجهة الأولى: إن زكريا المؤمن هو زكريا بن محمد أبو عبد الله المؤمن، ولم يوثق في كتب الرجال، بل ذكر النجاشي (3) أنّه (حكي عنه ما يدلُّ على أنه كان واقفاً، وكان مختلط الأمر في حديثه. له كتاب منتحل الحديث).
وهذا الكلام يدل على القدح فيه، فالسند إذاً مخدوش من جهته.
ولكن قد يجاب عنه بوجهين:
الوجه الأول: ما أفاده السيد الأستاذ (قدس سره) (4) من أن ما ذكره النجاشي من أنه كان مختلط الأمر في حديثه لا يدل على الضعف، وإنما يدل على أنه كان يروي عن الضعفاء. والرجل ثقة لكونه من رجال كامل الزيارات.
أقول: أما كونه من رجال كامل الزيارات فقد مرَّ مراراً أنه لا يقتضي وثاقته، وقد رجع السيد الأستاذ (قدس سره) عن هذا المبنى في أواخر حياته المباركة.
نعم ذُكر زكريا بن محمد في سند رواية في التفسير المنسوب إلى علي بن إبراهيم (5)، والسيد الأستاذ (قدس سره) كان يبني على وثاقة رجال هذا التفسير، ولما لم يكن (قدس سره) يفرَّق بين من ورد اسمه في الأصل الذي هو لعلي بن إبراهيم ومن ورد اسمه في الزيادات التي هي لغيره فالأولى على مسلكه (قدس سره) أن يستدل على وثاقة زكريا المؤمن بذلك، وإن كان اسم الرجل مذكوراً في قسم الزيادات لا الأصل، بملاحظة الابتداء في سند روايته بمن هو ليس من مشايخ علي بن إبراهيم.
ولكن قد مرّ في محله أنه لا أساس لوثاقة رجال التفسير المنسوب إلى القمي وإن كان يصرّ عليه السيد الأستاذ (قدس سره) إلى آخر عمره الشريف، فهذا الوجه غير تام أيضاً.
وأمّا ما أفاده (قدس سره) من أن قول النجاشي في حق زكريا المؤمن أنه كان مختلط الأمر في حديثه لا يدل على الضعف وإنما يدل على أنه كان يروي عن الضعفاء فلا يمكن المساعدة عليه، بل ظاهر كلام النجاشي إرادة أنه كان يروي الغث والسمين وما يعرف وما ينكر، مما يثير الريب في وثاقته بطبيعة الحال (6).
وأمّا الرواية عن الضعفاء فلا يعدُّ تخليطاً في الحديث، وقلّ ما يوجد راوٍ لا يروي عن بعض الضعفاء إلا من تعهد بعدم الرواية عنهم كابن أبي عمير والبزنطي وصفوان بن يحيى.
وبالجملة: معنى ما ذكره النجاشي هو ما تقدم ويظهر ذلك من قول الشيخ (7) في ترجمة إسماعيل بن علي بن رزين أنه: (كان مختلط الأمر في الحديث يعرف منه وينكر)، وقول ابن الغضائري (8) في شأن خلف بن حمّاد: (أمره مختلط، يعرف حديثه تارة وينكر أخرى، ويجوز أن يخّرج شاهداً).
ثم إنّ قول النجاشي: (له كتاب منتحل الحديث) يمكن أن يُقرأ على وجهين:
أحدها: ما يظهر من المحقق الشيخ آغا بزرك الطهراني (طاب ثراه) (9) من جعل قوله: (منتحل الحديث) اسماً للكتاب، قال (قدس سره): (منتحل الحديث لأبي عبد الله المؤمن) فكأنّ الرجل ألّف كتاباً في الأحاديث المنتحلة، فكان ذلك اسماً لكتابه بلحاظ كونه موضوعه.
ثانيها: ما ربما يظهر من المحقق التستري (قدس سره) (10) من كون قوله: (منتحل الحديث) وصفاً للكتاب، ليكون المقصود أنه انتحل أحاديث غيره في هذا الكتاب، يقال: انتحل الشعر ادعاه لنفسه وهو لغيره، وكذلك الحديث ونحوه. وهذا الوجه هو الأقرب.
وعليه فما ذكره النجاشي يدل على قدح كبير في الرجل، فليلاحظ.
والحاصل: أنه لا سبيل إلى إثبات وثاقة زكريا المؤمن، بل يمكن البناء على ضعفه.
الوجه الثاني: ما أفاده المحدث النوري (11) من أن من المحتمل قوياً أن يكون المراد من زكريا المؤمن متى ما أطلق هو زكريا بن آدم الثقة الجليل المعروف الذي قال الرضا (عليه السلام) بشأنه أنه: ((المأمون على الدين والدنيا))، لا زكريا بن محمد.
واستند (قدس سره) في ذلك إلى ما ورد في سند رواية أوردها الشيخ في موضع من أماليه، قال (رحمه الله): (ففي آخر الجزء الخامس عشر من أمالي أبي علي الطوسي (12) عن والده عن الغضائري عن التلعكبري عن ابن عقدة قال: حدثنا محمد بن خالد البرقي (13) قال: حدثنا زكريا المؤمن ــ وهو ابن آدم القمي الأشعري ــ عن إسحاق بن عبد الله بن سعيد بن مالك الأشعري قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام).. ومنه يظهر أن هذا اللقب له ــ أي لابن آدم ــ حيث يطلق.. ويؤيده أن الغالب في الأسانيد التعبير عن الأول بزكريا بن محمد أو مع الأزدي أو أبي عبد الله المؤمن، والطبقة أيضاً لا تنافي ذلك، والله العالم).
ومفاد كلامه (قدس سره) أن مقتضى ما ورد في الأمالي أنه متى ما ورد زكريا المؤمن مطلقاً أي من غير التقييد بكونه ابن محمد أو مكنى بأبي عبد الله فالمراد به هو ابن آدم الأشعري القمي، وحيث إنه ورد في سند روايتنا المبحوث عنها بهذا العنوان (زكريا المؤمن) فيحمل على الأشعري الثقة لا الأزدي الضعيف، فلا إشكال من جهته في سند الرواية.
أقول: إن زكريا المؤمن ــ بهذا العنوان ــ قد ورد في موارد كثيرة، والراوي عنه في جملة منها محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني (14)، واليقطيني هو راوي كتاب زكريا بن محمد كما عن النجاشي وفهرست الشيخ، ووردت روايته عنه في جوامع الحديث في موارد شتى بعنوان (أبي عبد الله المؤمن) (15) وليس له رواية عن زكريا بن آدم.
فيظهر بذلك أن المراد بـ(زكريا المؤمن) هو زكريا بن محمد أبو عبد الله المؤمن لا غير.
وأيضاً الراوي عن زكريا المؤمن في جملة من الموارد الأخرى هو الحسن بن يوسف، وهو الحسن بن علي بن يوسف ابن البقاح (16) وقد روى عن زكريا بن محمد وعن أبي عبد الله المؤمن (17) في موارد متعددة ولم يرو عن زكريا بن آدم في شيء منها.
فهذا شاهد آخر على أن المراد بزكريا المؤمن هو زكريا بن محمد أبو عبد الله المؤمن.
وأيضاً الراوي عن زكريا المؤمن في جملة من الموارد هو محمد بن بكر، وهو محمد بن بكر بن جُناح (18) وهذا الرجل يروي عن زكريا بن محمد (19) لا عن زكريا بن آدم.
ويضاف إلى ذلك كله أنه لم يرد توصيف زكريا بن آدم الأشعري بالمؤمن لا في تراجمه ولا في شيء من رواياته مع أنها غير قليلة، فكيف يكون هذا لقبه ولا يوصف به إلا حينما يذكر اسمه مجرداً عن اسم أبيه وعن سائر ألقابه كما هو مقتضى كونه هو المراد بزكريا المؤمن متى ما أطلق؟!
فالنتيجة: أنه لا مجال للشك في أن المراد بـ(زكريا المؤمن) هو زكريا بن محمد أبو عبد الله المؤمن، لا زكريا بن آدم الأشعري.
وأمّا ما ورد في ذلك الموضع الذي حكاه المحدث النوري (رحمه الله) من الأمالي ففيه غلط قطعاً، والملاحظ أن جملة: (وهو ابن آدم القمي الأشعري) لم ترد في البحار (20) حيث أورد العلامة المجلسي الحديث عن زكريا المؤمن من دون إيراد تلك الجملة.
ولم يعلم هل أن ذلك كان اختصاراً منه (قدس سره) كما هو دأبه ــ مع أن مثله ليس مورداً للاختصار ــ أو أن نسخته من الأمالي لم تكن مشتملة على الجملة المذكورة.
وأمّا صاحب الوسائل (21) فأورد الرواية عن (زكريا بن آدم القمي) بهذا العنوان، والظاهر أنه اختصار منه لما كان في نسخته مطابقاً لنسخة المحدث النوري، فبدلاً عن أن يذكر (زكريا المؤمن وهو ابن آدم القمي الأشعري) اختصره بلفظ (زكريا بن آدم القمي).
وكيف كان فمن المقطوع به إن النسخ المتداولة من الأمالي ــ المطابقة لنسخة العلامة النوري ــ تشتمل على نحو من التحريف أو الغلط، فإن هنا احتمالين:
أ ــ أن يكون الراوي عن إسحاق بن عبد الله في سند الرواية هو زكريا بن آدم القمي الأشعري، ويناسبه كون الراوي عنه هو محمد بن خالد البرقي الذي يروي عن زكريا بن آدم في موارد متعددة (22) ولم تلاحظ روايته عن زكريا المؤمن أصلاً، وعلى ذلك يحتمل أن يكون لفظة (المؤمن) محرفة عن لفظة أخرى ــ وإن لم أتوصل إلى لفظة مناسبة تكون تحريفاً لها (23) ــ كما يحتمل أن تكون من إضافات بعض النساخ في هذا الموضع، أي كان المذكور في الأصل اسم (زكريا) فقط فأضيفت لفظة (المؤمن) إليه بملاحظة ورود رواية أخرى عن زكريا المؤمن قبل هذا الموضع بعدة صفحات (24) فتوهم بعضهم أن زكريا هذا هو ذاك فأضاف لفظة (المؤمن) إلى اسمه.
ب ــ أن يكون الراوي هو زكريا المؤمن، ولا ينافي ذلك عدم العثور على رواية البرقي عنه في غير هذا الموضع، وعلى ذلك تكون جملة (وهو ابن آدم الأشعري القمي) من إضافة بعض النسّاخ أو أضرابهم فتكون غلطاً.
وعلى كل حال فلا إشكال في وقوع غلط أو تحريف في هذا الموضع من كتاب الأمالي، ولا محل للاستشهاد به على أن زكريا المؤمن متى أطلق يراد به ابن آدم الأشعري القمي كما بنى عليه المحدث النوري (رحمه الله).
فظهر أن الإشكال في سند الرواية من الجهة الأولى تام.
الجهة الثانية: إن رواية موسى بن القاسم عن زكريا المؤمن وإن كانت
ممكنة بحسب الطبقات فإن موسى من السابعة وزكريا من السادسة، إلا أن الملاحظ أن الوارد في التهذيب في كتاب الحج ــ الذي من أهم مصادره كتاب الحج لموسى بن القاسم ــ أن رواية موسى بن القاسـم عن زكـريا المـؤمن تكون مع الواسطة لا بدونها، والواسطة في أحد الموارد (25) هو محمد البزاز، أو الخراز، أو الخزاز (26) وفي مورد ثان (27) ذكر محمد بلا تعريف هكذا: (موسى بن القاسم عن محمد عن زكريا المؤمن). وفي مورد ثالث (28) ذكر محمد بن أبي بكر هكذا: (موسى بن القاسم عن محمد بن أبي بكر عن زكريا عن معاوية بن عمار).
وذكر العلامة المجلسي أن محمد البزاز في المورد الأول هو محمد بن زياد البزاز أي ابن أبي عمير.
ولكن هذا احتمال بعيد، فإنه ــ مضافاً إلى أنه لم ترد رواية ابن أبي عمير عن زكريا المؤمن في شيء من الموارد بل لا يبعد كونه أقدم منه في الجملة ــ لم يلاحظ أن موسى بن القاسم يعبر عن ابن أبي عمير بمحمد البزاز أو محمد بن زياد البزاز أو نحو ذلك، نعم التعبير عنه بمحمد بن زياد ونحوه متداول على لسان الواقفة كالحسن بن محمد بن سماعة، وأما أصحابنا فيعبرون عنه بمحمد بن أبي عمير عادة كما عبر عنه بذلك موسى بن القاسم في سائر الموارد.
وأمّا محمد بن أبي بكر المذكور في المورد الثالث فيحتمل أن يكون المراد به هو محمد بن بكر بن جناح وتكون لفظة (أبي) حشواً، وقد روى الرجل عن زكريا المؤمن مكرراً، ولكن لم أجد رواية موسى بن القاسم عنه (29).
فالنتيجة: أن هناك وسيطاً بين موسى بن القاسم وزكريا المؤمن غير معروف لدينا فالرواية مخدوشة من جهته أيضاً.
لا يقال: لماذا لا يبنى على كون موسى بن القاسم قد روى عن زكريا المؤمن في هذا الموضع بلا واسطة، بعد مساعدة الطبقة على ذلك، مثل ما وقع في موارد أخرى حيث يلاحظ أن أحدهم يروي عن شخص تارة مع الواسطة وأخرى بدونها، والطبقات لا تقتضي خلاف ذلك؟
فإنّه يقال: إنّ هذا الاحتمال ضعيف في المقام، لما نبّه عليه المحقق الشيخ حسن صاحب المعالم من وقوع السقط في أسانيد التهذيب على هذا النحو كثيراً، وخصوصاً في نقله عن كتاب موسى بن القاسم، فقد لوحظ في موارد كثيرة أن الشيخ (قدس سره) قد غفل عن كون السند معلقاً على اسم راوٍ سابق، فسقط عنه اسم الوسيط بين موسى بن القاسم وبين من روى عنهم من مشايخ مشايخه فصار كأنه يروي عنهم مباشرة.
ولا بأس بإيراد عبارة المحقق الشيخ حسن (رضوان الله عليه) في المقام (30) لسبقه في التنبه لهذه النكتة حيث قال (قدس سره): (اعلم أنه اتفق لبعض الأصحاب توهم الانقطاع في جملة من أسانيد الكافي، لغفلتهم عن ملاحظة بنائه لكثير منها على طرق سابقه، وهي طريقة معروفة بين القدماء.. وسيرد عليك في تضاعيف الطرق أغلاط كثيرة نشأت من إغفال هذا الاعتبار عند انتزاع الأخبار من كتب السلف وإيرادها في الكتب المتأخرة، فكان أحدهم يأتي بأول الإسناد صحيحاً لتقرره عنده ووضوحه، وينتهي فيه إلى مصنف الكتاب الذي يريد الأخذ منه، ثم يصل الإسناد الموجود في ذلك الكتاب بما أثبته هو أولاً، فإذا كان إسناد الكتاب مبنياً على إسناد سابق، ولم يراعه عند انتزاعه حصل الانقطاع في أثناء السند. وما رأيت من أصحابنا من تنبه لهذا، بل شأنهم الأخذ بصورة السند المذكور في الكتب، ولكن كثرة الممارسة والعرفان بطبقات الرجال تطلع على هذا الخلل وتكشفه، وأكثر مواقعه في انتزاع الشيخ (رحمه الله) وخصوصاً روايته عن موسى بن القاسم في كتاب الحج).
هكذا أفاد (قدس سره) وهو متين جداً وكم له نظيره من تحقيقات أنيقة والتفاتات رائعة، شكر الله سعيه وأجزل مثوبته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|