المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9100 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تربية أنواع ماشية اللحم
2024-11-05
زكاة الذهب والفضة
2024-11-05
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05
أوجه الاستعانة بالخبير
2024-11-05
زكاة البقر
2024-11-05
الحالات التي لا يقبل فيها الإثبات بشهادة الشهود
2024-11-05

8- ايسن- لارسا
22-9-2016
آياتُ الله في حياة النحل‏
27-11-2015
مناجاة للتوفيق في إنجاز الوظائف الدينية والأخلاقية
12-12-2017
آداب الحج إلى بيت الله الحرام
22-6-2017
تصنيف الكاميرات الرقمية
5-12-2021
وسوسة الشيطان للإنسان
30-4-2017


نشاطات الإمام الرضا ( عليه السّلام ) بعد البيعة بولاية العهد  
  
1716   04:42 مساءً   التاريخ: 2023-03-17
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 10، ص145-156
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن موسى الرّضا / موقفه السياسي وولاية العهد /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2015 5724
التاريخ: 16-10-2015 3574
التاريخ: 19-05-2015 3271
التاريخ: 10-8-2016 2824

لم يحصل المأمون من بيعته للإمام الرضا ( عليه السّلام ) إلّا على بعض الامتيازات والمكاسب والتي منها ايقاف العمليات العسكرية المسلحة ، وقطع علاقة الإمام ( عليه السّلام ) بأغلب قواعده الشعبية المقيمة في العراق وفي الحجاز واليمن ، وأمّا الإمام ( عليه السّلام ) ومنهج أهل البيت ( عليهم السّلام ) فقد حصلا على امتيازات واسعة ، واستثمر الإمام ( عليه السّلام ) الفرصة للقيام بأداء دوره الاصلاحي والتغييري بشكل كبير ، وتتحدد معالم هذه المرحلة بالمظاهر والممارسات التالية :

افشال خطط المأمون

أراد المأمون ان يجعل الإمام ( عليه السّلام ) وسيلة لاضفاء الشرعية على حكمه ، وايقاف نشاط الحركات الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر ، وقد طلب من الإمام ( عليه السّلام ) أن يولّي أحد أتباعه على البلدان التي تمرّدت على حكمه ، ولكي يوقف تمرّدها حينما يكون الوالي من أنصار واتباع الإمام ( عليه السّلام ) ، أو يجعل المعارضة وجها لوجه أمام بعضها البعض .

ولكنّ الإمام ( عليه السّلام ) افشل خطة المأمون بهدوء طبقا للشروط التي اشترطها ، كما روي عنه ( عليه السّلام ) أنه قال : « قال لي المأمون : يا أبا الحسن انظر بعض من تثق به تولّيه هذه البلدان التي فسدت علينا ، فقلت له : تفي لي وأفي لك ، فإنّي انما دخلت فيما دخلت على أن لا آمر فيه ولا أنهى ولا أعزل ولا اولّي ولا اسيّر ، حتى يقدمني اللّه قبلك ، فو اللّه انّ الخلافة لشيء ما حدّثت به نفسي ، ولقد كنت بالمدينة أتردّد في طرقها على دابّتي ، وان أهلها وغيرهم يسألوني الحوائج فأقضيها لهم ، فيصيرون كالأعمام لي ، وانّ كتبي لنافذة في الأمصار ، وما زدتني في نعمة هي عليّ من ربي ، فأجابه المأمون : أفي لك » .

ولم يراجعه المأمون في نفس القضية بعد ذلك ، وليس أمامه إلّا اصلاح الأوضاع العامة لتجنّب الثورات والتمرّدات المسلّحة .

ولم يتدخل الإمام ( عليه السّلام ) في تعيين مسؤولي سائر المناصب كالقضاة وامراء الجيش وأصحاب بيوتات الأموال ، وتجنب جميع التصريحات والمواقف التي تمنح الشرعية لحكم المأمون ، ولم يتدخل إلّا في اصلاح المفاهيم والقضايا القضائية ، وكل ما فيه مصلحة للاسلام والمسلمين .

إصلاح القضاء

كان المأمون يجلس في ديوان المظالم يوم الاثنين ويوم الخميس ، ويجلس الإمام ( عليه السّلام ) إلى جانبه الأيمن ، فرفع اليه أن صوفيا من أهل الكوفة سرق ، فأمر باحضاره فرأى عليه سيماء الخير فقال : سوءا لهذه الآثار الجميلة بهذا الفعل القبيح ، فقال الرجل : فعلت ذلك اضطرارا لا اختيارا ، وقد منعت من الخمس والغنائم ، فمنعتني حقي وأنا مسكين وابن السبيل وأنا من حملة القرآن .

فقال المأمون : لا اعطل حدا من حدود اللّه وحكما من أحكامه في السارق من أجل أساطيرك هذه .

قال : فابدأ أوّلا بنفسك فطهرها ثم طهّر غيرك ، وأقم حدود اللّه عليها ثم على غيرك .

فالتفت المأمون إلى الإمام ( عليه السّلام ) فقال : ما تقول ؟

فقال ( عليه السّلام ) : « انه يقول سرقت فسرق » .

فغضب المأمون ثم قال : واللّه لأقطعنك .

قال الرجل : أتقطعني وأنت عبد لي ؟ أليس أمك اشتريت من مال الفيء ، فأنت عبد لمن في المشرق والمغرب من المسلمين حتى يعتقوك وانا منهم وما أعتقتك ، والأخرى ان النجس لا يطهر نجسا إنّما يطهره طاهر ، ومن في جنبه حدّ لا يقيم الحدود على غيره حتى يبدأ بنفسه . . .

فالتفت المأمون إلى الإمام ( عليه السّلام ) فقال : ما تقول ؟

قال ( عليه السّلام ) : « ان اللّه عز وجل قال لنبيّه : قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ[1] وهي التي تبلغ الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه ، والدنيا والآخرة قائمتان بالحجة وقد احتج الرجل » .

فأمر المأمون باطلاق الرجل الصوفي[2].

وكان الإمام يتدخل في مثل هذه القضية دفاعا عن المظلومين والمحرومين ، وتطبيق احكام القضاء طبقا للمنهج الاسلامي السليم ، ففي أحد الأيام ادخل إلى المأمون رجل أراد ضرب عنقه والإمام ( عليه السّلام ) حاضر ، فقال له المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ؟

فقال : « أقول انّ اللّه لا يزيدك بحسن العفو الّا عزا » ، فاتبع المأمون قول الإمام ( عليه السّلام ) وعفى عنه[3].

واتي المأمون بنصراني قد فجر بهاشمية ، فلما رآه المأمون أسلم النصراني ؛ فغاضه ذلك ، وسأل الفقهاء فقالوا : أهدر الإسلام ما قبل ذلك ، فسأل المأمون الرضا ( عليه السّلام ) فقال : « اقتله ؛ لأنه اسلم حين رأى البأس ؛ قال اللّه عزّ وجلّ : فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ[4] » .

اصلاح الأعمال الإدارية

لم يتدخل الإمام ( عليه السّلام ) في الشؤون الإدارية إلّا في الحالات التي كان يجد فيها مصلحة اسلامية عامة تخص الاسلام والمسلمين ، وتمنع الأعداء من اختراق الجهاز الإداري أو الحكومي ، فكان يبدي نصائحه وتوجيهاته القيّمة في هذا المجال .

ومن هذه الشؤون ، تعيين الولاة الذين اسلموا حديثا ، ففي ذات مرّة دخل الفضل بن سهل على المأمون وقال له : قد وليت الثغر الفلاني فلانا التركي ، فسكت المأمون ، فقال الإمام ( عليه السّلام ) : « ما جعل اللّه تعالى لإمام المسلمين وخليفة ربّ العالمين القائم بأمور الدين ، أن يولي شيئا من ثغور المسلمين أحدا من سبي ذلك الثغر ، لأن الأنفس تحنّ إلى أوطانها ، وتشفق على أجناسها ، وتحب مصالحها ، وان كانت مخالفة لأديانها » ، فقال المأمون : اكتبوا هذا الكلام بماء الذهب[5].

فالإمام أعطى قاعدة كليّة في شؤون تعيين الولاة وامراء الثغور ، وليس ذلك اعترافا بإمامة المأمون ، وإنّما هو وضع قاعدة كلية لمطلق إمام المسلمين والذي ينصرف إلى الإمام العادل .

نشر الآراء السديدة في داخل البلاط

استثمر الإمام ( عليه السّلام ) فرصة وجوده في البلاط الحاكم لنشر الآراء السديدة في مختلف جوانب الفكر والعقيدة ، ليطّلع الحاكم ووزراؤه والمقربون اليه من قادة وامراء وفقهاء وخدم وبوّابين على آراء مدرسة أهل البيت ( عليهم السّلام ) ومتبنياتهم الفكرية والعقائدية ، وفضائلهم ومكارمهم .

وكان الإمام ( عليه السّلام ) يتحدث ابتداء حسب الظروف ، ويجيب في ظروف أخرى على الأسئلة الموجهة اليه .

سأل الفضل بن سهل الإمام ( عليه السّلام ) في مجلس المأمون فقال : « يا أبا الحسن ؛ الخلق مجبورون ؟ فقال ( عليه السّلام ) : اللّه أعدل أن يجبر ثم يعذّب ، قال :

فمطلقون ؟ قال ( عليه السّلام ) : اللّه احكم ، أن يهمل عبده ويكله إلى نفسه[6].

وقال له المأمون : يا أبا الحسن ؛ أخبرني عن جدك عليّ بن أبي طالب بأي وجه هو قسيم الجنة والنار ؟ فقال : . . . ألم ترو عن أبيك عن آبائه عن عبد اللّه بن عباس أنه قال : سمعت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) يقول : « حب علي ايمان وبغضه كفر » فقال بلى ، فقال الإمام ( عليه السّلام ) : فقسمة الجنة والنار إذا كانت على حبّه وبغضه ، فهو قسيم الجنة والنار » .

فقال المأمون : لا أبقاني اللّه بعدك يا أبا الحسن ، اشهد أنك وارث علم رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) »[7].

واستطاع الإمام ( عليه السّلام ) بفكره الثاقب وأسلوبه الواعي ان يجعل المأمون وغيره يبادلونه الأسئلة ، وأن يعترفوا بنفسهم بفضائل أهل البيت ( عليهم السّلام ) تقربا إليه ، وكان المأمون : يعقد مجالس النظر ويجمع المخالفين لأهل البيت ( عليهم السّلام ) ويكلمهم في امامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) وتفضيله على جميع الصحابة ، تقربا إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا[8].

ومن الطبيعي ان لا يعترض المخالفون على أقوال المأمون رغبة أو رهبة ، وهذا له تأثيره المباشر على من يحضر هذه المجالس ويرى سكوت الفقهاء وعدم اعتراضهم على الآراء المطروحة امّا لضعف الدليل أو استسلاما للمأمون .

فاستطاع الإمام ( عليه السّلام ) ان ينشر آراء أهل البيت ( عليهم السّلام ) في جميع الفرص المتاحة له .

نصائح الإمام الرضا ( عليه السّلام ) للمأمون

وكان الإمام ( عليه السّلام ) يكثر وعظ المأمون إذا خلا به ، ويخوفه باللّه ، ويقبّح ما يرتكبه به ، فكان المأمون يظهر قبول ذلك منه ، ويبطن كراهته واستثقاله[9].

ودخل عليه في أحد المرّات فرآه يتوضّأ ، والغلام يصبّ على يده الماء ، فقال ( عليه السّلام ) : « لا تشرك بعبادة ربّك أحدا » ، فصرف المأمون الغلام ، وتولّى إتمام وضوئه بنفسه[10].

وقال له يوما : « ما التقت فئتان قط إلّا نصر اللّه أعظمهما عفوا »[11].

ودخل عليه المأمون وقرأ عليه كتاب فتح بعض قرى كابل ، فلما فرغ ، قال له الإمام ( عليه السّلام ) : « وسرّك فتح قرية من قرى الشرك » ، فقال المأمون : أوليس في ذلك سرور ؟ فقال الإمام ( عليه السّلام ) : « . . . اتق اللّه في أمة محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) ، وما ولّاك اللّه من هذا الأمر ، وخصّك به ، فإنك قد ضيعت أمور المسلمين ، وفوضت ذلك إلى غيرك يحكم فيهم بغير حكم اللّه ، وقعدت في هذه البلاد وتركت بيت الهجرة ومهبط الوحي ، وان المهاجرين والأنصار يظلمون دونك ولا يرقبون في مؤمن إلّا ولا ذمة ، ويأتي على المظلوم دهر يتعب فيه نفسه ويعجز عن نفقته ولا يجد من يشكو اليه حاله ، ولا يصل إليك ، فاتق اللّه يا أمير المؤمنين في أمور المسلمين وارجع إلى بيت النبوة ومعدن المهاجرين والأنصار . . . » .

قال المأمون : يا سيدي فما ترى ؟

قال ( عليه السّلام ) : « أرى أن تخرج من هذه البلاد وتتحول إلى موضع آبائك وأجدادك ، وتنظر في أمور المسلمين ولا تكلهم إلى غيرك ، فإن اللّه سائلك عمّا ولّاك » .

فقال المأمون : نعم ما قلت يا سيدي ! هذا هو الرأي[12].

وقد وجد المأمون في هذه النصيحة أفضل المواقف السياسية التي كان لا بد من اتخاذها ، وبالفعل رجع إلى بغداد بعد هذه النصيحة .

الحفاظ على الوجود الاسلامي

من مسؤوليات الأئمة ( عليهم السّلام ) - بعد اقصائهم عن الخلافة - الحفاظ على الوجود الاسلامي وحمايته أمام مؤامرات الأعداء والطامعين ، فقد كانوا ( عليهم السّلام ) يبذلون ما بوسعهم من اجل ذلك ، ويقومون بحل المسائل المستعصية على الحكّام من اجل إدامة الوجود والكيان الاسلامي ، ومنعه من الانهيار والتفكك .

ومن ذلك كشف مؤامرة الفضل بن سهل ، حيث إنه أراد قتل المأمون ، فلم يسمع كلامه ولعنه وكان قصد الفضل هو السيطرة على الحكم ، واستغلال الإمام ( عليه السّلام ) لاسكات المسلمين ويبقى الإمام ( عليه السّلام ) حاكما محجورا عليه في البلاط ، ويكون الفضل هو الحاكم الفعلي ، إضافة إلى ذلك فان مثل هذا العمل يؤدّي إلى انقسام خطير في الكيان الاسلامي ، وتفتيت لوحدة الأمة والدولة ، فقام الإمام ( عليه السّلام ) بتحذير المأمون من الفضل وان يتعامل معه بحيطة وحذر[13] لأن المقصود هو الكيان الاسلامي وليس شخص المأمون .

وقال له ذات يوم : « ان العامّة تكره ما فعلت بي ، وان الخاصة تكره ما فعلت بالفضل بن سهل ، فالرأي لك أن تنحينا عنك حتى يصلح أمرك »[14].

واخبر المأمون بما فيه الناس من الفتنة والقتال منذ قتل أخوه ، وبما كان الفضل بن سهل يستر عنه من الاخبار ، وان الناس - خصوصا العباسيين - ينقمون عليك مكان الفضل وأخيه الحسن ، ومكاني ومكان بيعتك لي من بعدك[15].

وجاءت نصائح الإمام ( عليه السّلام ) له مطابقة للمصلحة الاسلامية الكبرى لانّ الكيان الاسلامي معرض للإنهيار والانحلال بإثارة الفتن الداخلية والحروب الدامية من اجل الحصول على كرسي الحكم .

وحينما قتل الفضل بن سهل اتهم رجاله المأمون بقتله ، فاجتمعوا على بابه فقالوا : اغتاله وقتله ، فلنطلبن بدمه ، فقال المأمون للإمام ( عليه السّلام ) : يا سيدي ترى أن تخرج إليهم وتفرقهم ، فخرج إليهم الإمام وقد اجتمعوا وجاءوا بالنيران ليحرقوا الباب ، فصاح الإمام ( عليه السّلام ) بهم ، وأومى إليهم بيده ، فتفرقوا ، واقبل الناس يقع بعضهم على بعض ، وما أشار إلى أحد إلّا هرب مسرعا ، ومرّ ولم يقف له أحد[16].

وقتل المأمون في تلك الظروف يعني انقسام الكيان الاسلامي إلى كيانات متعددة ، فأنصار الفضل سيكون لهم كيان في خراسان ، ويستقل الحسن ابن سهل بالبلاد التي بإمرته ، وسيبايع العباسيون لإبراهيم بن المهدي المغني الشهير ، إضافة إلى خلخلة أوضاع الجيش الذي يقطن في الثغور ، ولهذا قام الإمام ( عليه السّلام ) بمنع احراق بيت المأمون وقتله .

إظهار الكرامات واستثمارها في الإصلاح

وبعد البيعة ظهرت كرامات الإمام ( عليه السّلام ) فاستثمرها ( عليه السّلام ) في اصلاح الناس بارشادهم وتوجيههم ، ففي بداية ولاية العهد احتبس المطر ، فجعل بعض حاشية المأمون والمبغضين للإمام ( عليه السّلام ) يقولون : انظروا لمّا جاءنا علي بن موسى وصار ولي عهدنا ، حبس اللّه عنّا المطر ، وسمع المأمون بذلك فاشتدّ عليه ، وطلب من الإمام ( عليه السّلام ) ان يدعو اللّه لكي يمطر الناس ، فخرج ( عليه السّلام ) إلى الصحراء وخرج الناس ينظرون ، فصعد المنبر ، فحمد اللّه واثنى عليه ، ثم قال : « اللهم يا رب أنت عظّمت حقنا أهل البيت ، فتوسّلوا بنا كما أمرت وامّلوا فضلك ورحمتك وتوقّعوا احسانك ونعمتك ، فاسقهم سقيا نافعا عاما غير رايث ، ولا ضائر ، وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم ومقارّهم » .

ويقول الإمام محمد الجواد ( عليه السّلام ) راوي الخبر : « فوالذي بعث محمدا بالحق نبيا لقد نسجت الرياح في الهواء الغيوم وأرعدت وأبرقت وتحرك الناس كأنهم يريدون التنحي عن المطر » .

وأخبرهم الإمام ( عليه السّلام ) ان هذا السحاب هو للبلد الفلاني ، وهكذا إلى أن أقبلت سحابة حادية عشر ، فقال ( عليه السّلام ) : « أيها الناس هذه سحابة بعثها اللّه عز وجل لكم ، فاشكروا اللّه على تفضله عليكم وقوموا إلى مقاركم ومنازلكم فإنها مسامتة لكم ولرؤوسكم ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا إلى مقاركم ثم يأتيكم من الخير ما يليق بكرم اللّه تعالى وجلاله » .

فانصرف الناس ونزل المطر بكثافة فجعل الناس يقولون : هنيئا لولد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ، كرامات اللّه عزّ وجل .

ثم برز إليهم الإمام ( عليه السّلام ) بعد تجمعهم ثانية ، واستثمر هذه الكرامة للوعظ والارشاد ، لان الناس يتأثرون بمن له كرامة عند اللّه ويتقبلون ما يقوله ، فقام فيهم خطيبا وقال : « أيها الناس اتقوا اللّه في نعم اللّه عليكم ، فلا تنفروها عنكم بمعاصيه ، بل استديموها بطاعته وشكره على نعمه وأياديه ، واعلموا انكم لا تشكرون اللّه تعالى بشيء بعد الايمان باللّه وبعد الاعتراف بحقوق أولياء اللّه من آل محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) أحب إليه من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لهم إلى جنان ربهم ، فإنّ من فعل ذلك كان من خاصة اللّه تبارك وتعالى »[17] ثم حدثهم عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) بعض الأحاديث التربوية .

وظهرت للإمام ( عليه السّلام ) كرامات أخرى استثمرها الإمام ( عليه السّلام ) في التأثير على قلوب حاضريها ، ومن هذه الكرامات ان بعض افراد البلاط كانوا يخدمون الإمام ( عليه السّلام ) ويرفعون الستر عند مجيئه وعند خروجه ، فاتفقوا يوما على عدم رفع الستر له ، فلما جاء على عادته لم يملكوا أنفسهم ، وقاموا ورفعوا الستر على عادتهم ، فلما دخل لام بعضهم بعضا ، واتفقوا ثانية ، فلما كان اليوم الثاني نفّذوا ما اتفقوا عليه ولم يرفعوا له الستر ، فجاءت ريح شديدة فرفعته حين دخوله ، وحين خروجه ، فقال بعضهم لبعض : ان لهذا الرجل عند اللّه منزلة وله منه عناية ، انظروا إلى الريح كيف جاءت ورفعت له الستر عند دخوله وعند خروجه من الجهتين ارجعوا إلى ما كنتم عليه من خدمته[18].

وبما ان الكرامات أكثر ايقاعا في النفس الانسانية ، نجد ان الناس قد مالت إلى الإمام ( عليه السّلام ) عاطفيا ، حتى اننا نجد ان شعبية الإمام ( عليه السّلام ) قد اتسعت لتشمل حتى المنحرفين ، والشاهد على ذلك ان بعضهم قطع الطريق على دعبل الخزاعي ليأخذوا منه جبة الإمام ( عليه السّلام ) التي أهداها له ، لغرض التبرك بها[19] ، وفي رواية ارجعوا جميع أموال القافلة بعد ما عرفوا ان دعبل معهم[20].

تشجيع الشعراء الرساليين

ومن اجل نشر فضائل أهل البيت ( عليهم السّلام ) ودورهم الريادي في الأمة ، وتبيان مظلوميتهم على مرّ التاريخ ؛ شجّع الإمام ( عليه السّلام ) الشعراء على نظم الشعر في هذا الخصوص لأنه خير وسيلة اعلامية في ذلك العصر ، لسرعة انتشاره وسهولة حفظه وانشاده ، فقد دخل عليه الشاعر دعبل الخزاعي وانشده قصيدته التي جاء فيها :

مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات

لآل رسول اللّه بالخيف من منى * وبالبيت والتعريف والجمرات

ديار علي والحسين وجعفر * وحمزة والسجاد ذي الثفنات

منازل جبريل الأمين يحلها * من اللّه بالتسليم والرحمات

أئمة عدل يقتدى بفعالهم * ويؤمن فيهم زلة العثرات

أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم عن فيئهم صفرات

ثم بدأ بابراز مظلوميتهم وما جرى عليهم من قبل الحكّام المتعاقبين على الحكم ، ثم ختم القصيدة بخروج الإمام العادل الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا وهو الإمام المهدي الذي تنتظره الأمم والشعوب .

ولما فرغ من انشادها ، قام الإمام ( عليه السّلام ) وانفذ اليه صرة فيها مائة دينار[21] ، وقيل ستمائة دينار[22] فردها دعبل وقال : « واللّه ما لهذا جئت وانما جئت للسلام عليه والتبرك بالنظر إلى وجهه الميمون وإني لفي غنى فإن رأى أن يعطيني شيئا من ثيابه للتبرك فهو أحب اليّ » ، فأعطاه الإمام ( عليه السّلام ) جبة خز وردّ عليه الصرة[23].

 

[1] الأنعام ( 6 ) : 149 .

[2] عيون أخبار الرضا : 2 / 237 - 238 ، وفي مناقب آل أبي طالب : 4 / 398 - 399 ، بحار الأنوار : 49 / 288 .

[3] نثر الدر : 1 / 362 .

[4] سورة غافر ( 40 ) : 84 ، نثر الدر : 1 / 361 وعنه في بحار الأنوار : 49 / 173 .

[5] الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية : 219 - 220 عن الدرّ النظيم في مناقب الأئمة عليهم السّلام : 683 ، الباب العاشر ذكر مولانا علي بن موسى الرضا عليه السّلام .

[6] نثر الدر : 1 / 361 .

[7] نثر الدر : 1 / 364 .

[8] عيون أخبار الرضا : 2 / 184 - 185 .

[9] الارشاد : 2 / 269 .

[10] مجمع البيان : 6 / 771 وعنه في بحار الأنوار : 69 / 283 .

[11] تاريخ اليعقوبي : 453 .

[12] عيون أخبار الرضا : 2 / 159 - 160 .

[13] عيون أخبار الرضا : 2 / 167 .

[14] نثر الدر : 1 / 363 .

[15] تاريخ الطبري : 8 / 564 .

[16] عيون أخبار الرضا : 2 / 164 .

[17] عيون أخبار الرضا : 2 / 168 - 169 .

[18] الاتحاف بحب الاشراف : 157 .

[19] سير أعلام النبلاء : 9 / 391 .

[20] الفصول المهمة : 250 .

[21] الفصول المهمة : 249 .

[22] اختيار معرفة الرجال : 504 ح 970 ، الارشاد : 2 / 263 ، 264 وعنه في إعلام الورى : 2 / 66 - 68 وعيون أخبار الرضا : 2 / 263 - 266 ، وكمال الدين : 373 - 376 ، ودلائل الإمامة : 182 ، وسير أعلام النبلاء : 9 / 391 ، وانظر القصيدة في ديوان دعبل بن علي الخزاعي : 124 .

[23] الفصول المهمة : 249 - 250 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.