أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2015
5724
التاريخ: 16-10-2015
3574
التاريخ: 19-05-2015
3271
التاريخ: 10-8-2016
2824
|
لم يحصل المأمون من بيعته للإمام الرضا ( عليه السّلام ) إلّا على بعض الامتيازات والمكاسب والتي منها ايقاف العمليات العسكرية المسلحة ، وقطع علاقة الإمام ( عليه السّلام ) بأغلب قواعده الشعبية المقيمة في العراق وفي الحجاز واليمن ، وأمّا الإمام ( عليه السّلام ) ومنهج أهل البيت ( عليهم السّلام ) فقد حصلا على امتيازات واسعة ، واستثمر الإمام ( عليه السّلام ) الفرصة للقيام بأداء دوره الاصلاحي والتغييري بشكل كبير ، وتتحدد معالم هذه المرحلة بالمظاهر والممارسات التالية :
افشال خطط المأمون
أراد المأمون ان يجعل الإمام ( عليه السّلام ) وسيلة لاضفاء الشرعية على حكمه ، وايقاف نشاط الحركات الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر ، وقد طلب من الإمام ( عليه السّلام ) أن يولّي أحد أتباعه على البلدان التي تمرّدت على حكمه ، ولكي يوقف تمرّدها حينما يكون الوالي من أنصار واتباع الإمام ( عليه السّلام ) ، أو يجعل المعارضة وجها لوجه أمام بعضها البعض .
ولكنّ الإمام ( عليه السّلام ) افشل خطة المأمون بهدوء طبقا للشروط التي اشترطها ، كما روي عنه ( عليه السّلام ) أنه قال : « قال لي المأمون : يا أبا الحسن انظر بعض من تثق به تولّيه هذه البلدان التي فسدت علينا ، فقلت له : تفي لي وأفي لك ، فإنّي انما دخلت فيما دخلت على أن لا آمر فيه ولا أنهى ولا أعزل ولا اولّي ولا اسيّر ، حتى يقدمني اللّه قبلك ، فو اللّه انّ الخلافة لشيء ما حدّثت به نفسي ، ولقد كنت بالمدينة أتردّد في طرقها على دابّتي ، وان أهلها وغيرهم يسألوني الحوائج فأقضيها لهم ، فيصيرون كالأعمام لي ، وانّ كتبي لنافذة في الأمصار ، وما زدتني في نعمة هي عليّ من ربي ، فأجابه المأمون : أفي لك » .
ولم يراجعه المأمون في نفس القضية بعد ذلك ، وليس أمامه إلّا اصلاح الأوضاع العامة لتجنّب الثورات والتمرّدات المسلّحة .
ولم يتدخل الإمام ( عليه السّلام ) في تعيين مسؤولي سائر المناصب كالقضاة وامراء الجيش وأصحاب بيوتات الأموال ، وتجنب جميع التصريحات والمواقف التي تمنح الشرعية لحكم المأمون ، ولم يتدخل إلّا في اصلاح المفاهيم والقضايا القضائية ، وكل ما فيه مصلحة للاسلام والمسلمين .
إصلاح القضاء
كان المأمون يجلس في ديوان المظالم يوم الاثنين ويوم الخميس ، ويجلس الإمام ( عليه السّلام ) إلى جانبه الأيمن ، فرفع اليه أن صوفيا من أهل الكوفة سرق ، فأمر باحضاره فرأى عليه سيماء الخير فقال : سوءا لهذه الآثار الجميلة بهذا الفعل القبيح ، فقال الرجل : فعلت ذلك اضطرارا لا اختيارا ، وقد منعت من الخمس والغنائم ، فمنعتني حقي وأنا مسكين وابن السبيل وأنا من حملة القرآن .
فقال المأمون : لا اعطل حدا من حدود اللّه وحكما من أحكامه في السارق من أجل أساطيرك هذه .
قال : فابدأ أوّلا بنفسك فطهرها ثم طهّر غيرك ، وأقم حدود اللّه عليها ثم على غيرك .
فالتفت المأمون إلى الإمام ( عليه السّلام ) فقال : ما تقول ؟
فقال ( عليه السّلام ) : « انه يقول سرقت فسرق » .
فغضب المأمون ثم قال : واللّه لأقطعنك .
قال الرجل : أتقطعني وأنت عبد لي ؟ أليس أمك اشتريت من مال الفيء ، فأنت عبد لمن في المشرق والمغرب من المسلمين حتى يعتقوك وانا منهم وما أعتقتك ، والأخرى ان النجس لا يطهر نجسا إنّما يطهره طاهر ، ومن في جنبه حدّ لا يقيم الحدود على غيره حتى يبدأ بنفسه . . .
فالتفت المأمون إلى الإمام ( عليه السّلام ) فقال : ما تقول ؟
قال ( عليه السّلام ) : « ان اللّه عز وجل قال لنبيّه : قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ[1] وهي التي تبلغ الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه ، والدنيا والآخرة قائمتان بالحجة وقد احتج الرجل » .
فأمر المأمون باطلاق الرجل الصوفي[2].
وكان الإمام يتدخل في مثل هذه القضية دفاعا عن المظلومين والمحرومين ، وتطبيق احكام القضاء طبقا للمنهج الاسلامي السليم ، ففي أحد الأيام ادخل إلى المأمون رجل أراد ضرب عنقه والإمام ( عليه السّلام ) حاضر ، فقال له المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ؟
فقال : « أقول انّ اللّه لا يزيدك بحسن العفو الّا عزا » ، فاتبع المأمون قول الإمام ( عليه السّلام ) وعفى عنه[3].
واتي المأمون بنصراني قد فجر بهاشمية ، فلما رآه المأمون أسلم النصراني ؛ فغاضه ذلك ، وسأل الفقهاء فقالوا : أهدر الإسلام ما قبل ذلك ، فسأل المأمون الرضا ( عليه السّلام ) فقال : « اقتله ؛ لأنه اسلم حين رأى البأس ؛ قال اللّه عزّ وجلّ : فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ[4] » .
اصلاح الأعمال الإدارية
لم يتدخل الإمام ( عليه السّلام ) في الشؤون الإدارية إلّا في الحالات التي كان يجد فيها مصلحة اسلامية عامة تخص الاسلام والمسلمين ، وتمنع الأعداء من اختراق الجهاز الإداري أو الحكومي ، فكان يبدي نصائحه وتوجيهاته القيّمة في هذا المجال .
ومن هذه الشؤون ، تعيين الولاة الذين اسلموا حديثا ، ففي ذات مرّة دخل الفضل بن سهل على المأمون وقال له : قد وليت الثغر الفلاني فلانا التركي ، فسكت المأمون ، فقال الإمام ( عليه السّلام ) : « ما جعل اللّه تعالى لإمام المسلمين وخليفة ربّ العالمين القائم بأمور الدين ، أن يولي شيئا من ثغور المسلمين أحدا من سبي ذلك الثغر ، لأن الأنفس تحنّ إلى أوطانها ، وتشفق على أجناسها ، وتحب مصالحها ، وان كانت مخالفة لأديانها » ، فقال المأمون : اكتبوا هذا الكلام بماء الذهب[5].
فالإمام أعطى قاعدة كليّة في شؤون تعيين الولاة وامراء الثغور ، وليس ذلك اعترافا بإمامة المأمون ، وإنّما هو وضع قاعدة كلية لمطلق إمام المسلمين والذي ينصرف إلى الإمام العادل .
نشر الآراء السديدة في داخل البلاط
استثمر الإمام ( عليه السّلام ) فرصة وجوده في البلاط الحاكم لنشر الآراء السديدة في مختلف جوانب الفكر والعقيدة ، ليطّلع الحاكم ووزراؤه والمقربون اليه من قادة وامراء وفقهاء وخدم وبوّابين على آراء مدرسة أهل البيت ( عليهم السّلام ) ومتبنياتهم الفكرية والعقائدية ، وفضائلهم ومكارمهم .
وكان الإمام ( عليه السّلام ) يتحدث ابتداء حسب الظروف ، ويجيب في ظروف أخرى على الأسئلة الموجهة اليه .
سأل الفضل بن سهل الإمام ( عليه السّلام ) في مجلس المأمون فقال : « يا أبا الحسن ؛ الخلق مجبورون ؟ فقال ( عليه السّلام ) : اللّه أعدل أن يجبر ثم يعذّب ، قال :
فمطلقون ؟ قال ( عليه السّلام ) : اللّه احكم ، أن يهمل عبده ويكله إلى نفسه[6].
وقال له المأمون : يا أبا الحسن ؛ أخبرني عن جدك عليّ بن أبي طالب بأي وجه هو قسيم الجنة والنار ؟ فقال : . . . ألم ترو عن أبيك عن آبائه عن عبد اللّه بن عباس أنه قال : سمعت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) يقول : « حب علي ايمان وبغضه كفر » فقال بلى ، فقال الإمام ( عليه السّلام ) : فقسمة الجنة والنار إذا كانت على حبّه وبغضه ، فهو قسيم الجنة والنار » .
فقال المأمون : لا أبقاني اللّه بعدك يا أبا الحسن ، اشهد أنك وارث علم رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) »[7].
واستطاع الإمام ( عليه السّلام ) بفكره الثاقب وأسلوبه الواعي ان يجعل المأمون وغيره يبادلونه الأسئلة ، وأن يعترفوا بنفسهم بفضائل أهل البيت ( عليهم السّلام ) تقربا إليه ، وكان المأمون : يعقد مجالس النظر ويجمع المخالفين لأهل البيت ( عليهم السّلام ) ويكلمهم في امامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) وتفضيله على جميع الصحابة ، تقربا إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا[8].
ومن الطبيعي ان لا يعترض المخالفون على أقوال المأمون رغبة أو رهبة ، وهذا له تأثيره المباشر على من يحضر هذه المجالس ويرى سكوت الفقهاء وعدم اعتراضهم على الآراء المطروحة امّا لضعف الدليل أو استسلاما للمأمون .
فاستطاع الإمام ( عليه السّلام ) ان ينشر آراء أهل البيت ( عليهم السّلام ) في جميع الفرص المتاحة له .
نصائح الإمام الرضا ( عليه السّلام ) للمأمون
وكان الإمام ( عليه السّلام ) يكثر وعظ المأمون إذا خلا به ، ويخوفه باللّه ، ويقبّح ما يرتكبه به ، فكان المأمون يظهر قبول ذلك منه ، ويبطن كراهته واستثقاله[9].
ودخل عليه في أحد المرّات فرآه يتوضّأ ، والغلام يصبّ على يده الماء ، فقال ( عليه السّلام ) : « لا تشرك بعبادة ربّك أحدا » ، فصرف المأمون الغلام ، وتولّى إتمام وضوئه بنفسه[10].
وقال له يوما : « ما التقت فئتان قط إلّا نصر اللّه أعظمهما عفوا »[11].
ودخل عليه المأمون وقرأ عليه كتاب فتح بعض قرى كابل ، فلما فرغ ، قال له الإمام ( عليه السّلام ) : « وسرّك فتح قرية من قرى الشرك » ، فقال المأمون : أوليس في ذلك سرور ؟ فقال الإمام ( عليه السّلام ) : « . . . اتق اللّه في أمة محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) ، وما ولّاك اللّه من هذا الأمر ، وخصّك به ، فإنك قد ضيعت أمور المسلمين ، وفوضت ذلك إلى غيرك يحكم فيهم بغير حكم اللّه ، وقعدت في هذه البلاد وتركت بيت الهجرة ومهبط الوحي ، وان المهاجرين والأنصار يظلمون دونك ولا يرقبون في مؤمن إلّا ولا ذمة ، ويأتي على المظلوم دهر يتعب فيه نفسه ويعجز عن نفقته ولا يجد من يشكو اليه حاله ، ولا يصل إليك ، فاتق اللّه يا أمير المؤمنين في أمور المسلمين وارجع إلى بيت النبوة ومعدن المهاجرين والأنصار . . . » .
قال المأمون : يا سيدي فما ترى ؟
قال ( عليه السّلام ) : « أرى أن تخرج من هذه البلاد وتتحول إلى موضع آبائك وأجدادك ، وتنظر في أمور المسلمين ولا تكلهم إلى غيرك ، فإن اللّه سائلك عمّا ولّاك » .
فقال المأمون : نعم ما قلت يا سيدي ! هذا هو الرأي[12].
وقد وجد المأمون في هذه النصيحة أفضل المواقف السياسية التي كان لا بد من اتخاذها ، وبالفعل رجع إلى بغداد بعد هذه النصيحة .
الحفاظ على الوجود الاسلامي
من مسؤوليات الأئمة ( عليهم السّلام ) - بعد اقصائهم عن الخلافة - الحفاظ على الوجود الاسلامي وحمايته أمام مؤامرات الأعداء والطامعين ، فقد كانوا ( عليهم السّلام ) يبذلون ما بوسعهم من اجل ذلك ، ويقومون بحل المسائل المستعصية على الحكّام من اجل إدامة الوجود والكيان الاسلامي ، ومنعه من الانهيار والتفكك .
ومن ذلك كشف مؤامرة الفضل بن سهل ، حيث إنه أراد قتل المأمون ، فلم يسمع كلامه ولعنه وكان قصد الفضل هو السيطرة على الحكم ، واستغلال الإمام ( عليه السّلام ) لاسكات المسلمين ويبقى الإمام ( عليه السّلام ) حاكما محجورا عليه في البلاط ، ويكون الفضل هو الحاكم الفعلي ، إضافة إلى ذلك فان مثل هذا العمل يؤدّي إلى انقسام خطير في الكيان الاسلامي ، وتفتيت لوحدة الأمة والدولة ، فقام الإمام ( عليه السّلام ) بتحذير المأمون من الفضل وان يتعامل معه بحيطة وحذر[13] لأن المقصود هو الكيان الاسلامي وليس شخص المأمون .
وقال له ذات يوم : « ان العامّة تكره ما فعلت بي ، وان الخاصة تكره ما فعلت بالفضل بن سهل ، فالرأي لك أن تنحينا عنك حتى يصلح أمرك »[14].
واخبر المأمون بما فيه الناس من الفتنة والقتال منذ قتل أخوه ، وبما كان الفضل بن سهل يستر عنه من الاخبار ، وان الناس - خصوصا العباسيين - ينقمون عليك مكان الفضل وأخيه الحسن ، ومكاني ومكان بيعتك لي من بعدك[15].
وجاءت نصائح الإمام ( عليه السّلام ) له مطابقة للمصلحة الاسلامية الكبرى لانّ الكيان الاسلامي معرض للإنهيار والانحلال بإثارة الفتن الداخلية والحروب الدامية من اجل الحصول على كرسي الحكم .
وحينما قتل الفضل بن سهل اتهم رجاله المأمون بقتله ، فاجتمعوا على بابه فقالوا : اغتاله وقتله ، فلنطلبن بدمه ، فقال المأمون للإمام ( عليه السّلام ) : يا سيدي ترى أن تخرج إليهم وتفرقهم ، فخرج إليهم الإمام وقد اجتمعوا وجاءوا بالنيران ليحرقوا الباب ، فصاح الإمام ( عليه السّلام ) بهم ، وأومى إليهم بيده ، فتفرقوا ، واقبل الناس يقع بعضهم على بعض ، وما أشار إلى أحد إلّا هرب مسرعا ، ومرّ ولم يقف له أحد[16].
وقتل المأمون في تلك الظروف يعني انقسام الكيان الاسلامي إلى كيانات متعددة ، فأنصار الفضل سيكون لهم كيان في خراسان ، ويستقل الحسن ابن سهل بالبلاد التي بإمرته ، وسيبايع العباسيون لإبراهيم بن المهدي المغني الشهير ، إضافة إلى خلخلة أوضاع الجيش الذي يقطن في الثغور ، ولهذا قام الإمام ( عليه السّلام ) بمنع احراق بيت المأمون وقتله .
إظهار الكرامات واستثمارها في الإصلاح
وبعد البيعة ظهرت كرامات الإمام ( عليه السّلام ) فاستثمرها ( عليه السّلام ) في اصلاح الناس بارشادهم وتوجيههم ، ففي بداية ولاية العهد احتبس المطر ، فجعل بعض حاشية المأمون والمبغضين للإمام ( عليه السّلام ) يقولون : انظروا لمّا جاءنا علي بن موسى وصار ولي عهدنا ، حبس اللّه عنّا المطر ، وسمع المأمون بذلك فاشتدّ عليه ، وطلب من الإمام ( عليه السّلام ) ان يدعو اللّه لكي يمطر الناس ، فخرج ( عليه السّلام ) إلى الصحراء وخرج الناس ينظرون ، فصعد المنبر ، فحمد اللّه واثنى عليه ، ثم قال : « اللهم يا رب أنت عظّمت حقنا أهل البيت ، فتوسّلوا بنا كما أمرت وامّلوا فضلك ورحمتك وتوقّعوا احسانك ونعمتك ، فاسقهم سقيا نافعا عاما غير رايث ، ولا ضائر ، وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم ومقارّهم » .
ويقول الإمام محمد الجواد ( عليه السّلام ) راوي الخبر : « فوالذي بعث محمدا بالحق نبيا لقد نسجت الرياح في الهواء الغيوم وأرعدت وأبرقت وتحرك الناس كأنهم يريدون التنحي عن المطر » .
وأخبرهم الإمام ( عليه السّلام ) ان هذا السحاب هو للبلد الفلاني ، وهكذا إلى أن أقبلت سحابة حادية عشر ، فقال ( عليه السّلام ) : « أيها الناس هذه سحابة بعثها اللّه عز وجل لكم ، فاشكروا اللّه على تفضله عليكم وقوموا إلى مقاركم ومنازلكم فإنها مسامتة لكم ولرؤوسكم ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا إلى مقاركم ثم يأتيكم من الخير ما يليق بكرم اللّه تعالى وجلاله » .
فانصرف الناس ونزل المطر بكثافة فجعل الناس يقولون : هنيئا لولد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ، كرامات اللّه عزّ وجل .
ثم برز إليهم الإمام ( عليه السّلام ) بعد تجمعهم ثانية ، واستثمر هذه الكرامة للوعظ والارشاد ، لان الناس يتأثرون بمن له كرامة عند اللّه ويتقبلون ما يقوله ، فقام فيهم خطيبا وقال : « أيها الناس اتقوا اللّه في نعم اللّه عليكم ، فلا تنفروها عنكم بمعاصيه ، بل استديموها بطاعته وشكره على نعمه وأياديه ، واعلموا انكم لا تشكرون اللّه تعالى بشيء بعد الايمان باللّه وبعد الاعتراف بحقوق أولياء اللّه من آل محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) أحب إليه من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لهم إلى جنان ربهم ، فإنّ من فعل ذلك كان من خاصة اللّه تبارك وتعالى »[17] ثم حدثهم عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) بعض الأحاديث التربوية .
وظهرت للإمام ( عليه السّلام ) كرامات أخرى استثمرها الإمام ( عليه السّلام ) في التأثير على قلوب حاضريها ، ومن هذه الكرامات ان بعض افراد البلاط كانوا يخدمون الإمام ( عليه السّلام ) ويرفعون الستر عند مجيئه وعند خروجه ، فاتفقوا يوما على عدم رفع الستر له ، فلما جاء على عادته لم يملكوا أنفسهم ، وقاموا ورفعوا الستر على عادتهم ، فلما دخل لام بعضهم بعضا ، واتفقوا ثانية ، فلما كان اليوم الثاني نفّذوا ما اتفقوا عليه ولم يرفعوا له الستر ، فجاءت ريح شديدة فرفعته حين دخوله ، وحين خروجه ، فقال بعضهم لبعض : ان لهذا الرجل عند اللّه منزلة وله منه عناية ، انظروا إلى الريح كيف جاءت ورفعت له الستر عند دخوله وعند خروجه من الجهتين ارجعوا إلى ما كنتم عليه من خدمته[18].
وبما ان الكرامات أكثر ايقاعا في النفس الانسانية ، نجد ان الناس قد مالت إلى الإمام ( عليه السّلام ) عاطفيا ، حتى اننا نجد ان شعبية الإمام ( عليه السّلام ) قد اتسعت لتشمل حتى المنحرفين ، والشاهد على ذلك ان بعضهم قطع الطريق على دعبل الخزاعي ليأخذوا منه جبة الإمام ( عليه السّلام ) التي أهداها له ، لغرض التبرك بها[19] ، وفي رواية ارجعوا جميع أموال القافلة بعد ما عرفوا ان دعبل معهم[20].
تشجيع الشعراء الرساليين
ومن اجل نشر فضائل أهل البيت ( عليهم السّلام ) ودورهم الريادي في الأمة ، وتبيان مظلوميتهم على مرّ التاريخ ؛ شجّع الإمام ( عليه السّلام ) الشعراء على نظم الشعر في هذا الخصوص لأنه خير وسيلة اعلامية في ذلك العصر ، لسرعة انتشاره وسهولة حفظه وانشاده ، فقد دخل عليه الشاعر دعبل الخزاعي وانشده قصيدته التي جاء فيها :
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
لآل رسول اللّه بالخيف من منى * وبالبيت والتعريف والجمرات
ديار علي والحسين وجعفر * وحمزة والسجاد ذي الثفنات
منازل جبريل الأمين يحلها * من اللّه بالتسليم والرحمات
أئمة عدل يقتدى بفعالهم * ويؤمن فيهم زلة العثرات
أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم عن فيئهم صفرات
ثم بدأ بابراز مظلوميتهم وما جرى عليهم من قبل الحكّام المتعاقبين على الحكم ، ثم ختم القصيدة بخروج الإمام العادل الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا وهو الإمام المهدي الذي تنتظره الأمم والشعوب .
ولما فرغ من انشادها ، قام الإمام ( عليه السّلام ) وانفذ اليه صرة فيها مائة دينار[21] ، وقيل ستمائة دينار[22] فردها دعبل وقال : « واللّه ما لهذا جئت وانما جئت للسلام عليه والتبرك بالنظر إلى وجهه الميمون وإني لفي غنى فإن رأى أن يعطيني شيئا من ثيابه للتبرك فهو أحب اليّ » ، فأعطاه الإمام ( عليه السّلام ) جبة خز وردّ عليه الصرة[23].
[1] الأنعام ( 6 ) : 149 .
[2] عيون أخبار الرضا : 2 / 237 - 238 ، وفي مناقب آل أبي طالب : 4 / 398 - 399 ، بحار الأنوار : 49 / 288 .
[3] نثر الدر : 1 / 362 .
[4] سورة غافر ( 40 ) : 84 ، نثر الدر : 1 / 361 وعنه في بحار الأنوار : 49 / 173 .
[5] الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية : 219 - 220 عن الدرّ النظيم في مناقب الأئمة عليهم السّلام : 683 ، الباب العاشر ذكر مولانا علي بن موسى الرضا عليه السّلام .
[6] نثر الدر : 1 / 361 .
[7] نثر الدر : 1 / 364 .
[8] عيون أخبار الرضا : 2 / 184 - 185 .
[9] الارشاد : 2 / 269 .
[10] مجمع البيان : 6 / 771 وعنه في بحار الأنوار : 69 / 283 .
[11] تاريخ اليعقوبي : 453 .
[12] عيون أخبار الرضا : 2 / 159 - 160 .
[13] عيون أخبار الرضا : 2 / 167 .
[14] نثر الدر : 1 / 363 .
[15] تاريخ الطبري : 8 / 564 .
[16] عيون أخبار الرضا : 2 / 164 .
[17] عيون أخبار الرضا : 2 / 168 - 169 .
[18] الاتحاف بحب الاشراف : 157 .
[19] سير أعلام النبلاء : 9 / 391 .
[20] الفصول المهمة : 250 .
[21] الفصول المهمة : 249 .
[22] اختيار معرفة الرجال : 504 ح 970 ، الارشاد : 2 / 263 ، 264 وعنه في إعلام الورى : 2 / 66 - 68 وعيون أخبار الرضا : 2 / 263 - 266 ، وكمال الدين : 373 - 376 ، ودلائل الإمامة : 182 ، وسير أعلام النبلاء : 9 / 391 ، وانظر القصيدة في ديوان دعبل بن علي الخزاعي : 124 .
[23] الفصول المهمة : 249 - 250 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|