يقول تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40]

يخاطب الله سبحانه وتعالى اليهود والنصارى من دون واسطة مستخدماً عبارة "يا بني إسرائيل" كلقب تشريفي داعياً إياهم إلى الأصول الثلاثة: التوحيد ، والنبوة، والمعاد.

إن التذكير بنعم الله وانعامه يعد - من باب - ان جميع النعم، ماديها ومعنويها، هي من عند الله "دعوة إلى التوحيد" وأن طلب الوفاء بعهد الله، الذي من أجلى صوره الدين وطيَّ الصراط المستقيم في ظل هداية الأنبياء والعقل، هو "دعوة إلى الوحي والنبوة"، كما أن التطرق إلى الترهيب من الله يمثل "دعوة إلى المعاد" أيضاً.

إن خالق النعمة ومسبغها على الإنسان هو الله تعالى. لذا فإن الإنسان المتذكر بالنعم المادية والمعنوية الوافرة لا يرى نفسه صاحباً لتلك النعم من جهة، ولا يعرف لها وليّاً إلا الله من جهة أخرى. وعلى هذا الأساس فإن تذكر النعمة يشكل أرضيّة لذكر ولي تلك النعمة، وشكرها، واستخدامها في سبيل الحق، وبالنتيجة فإنه يكون سبباً للسعادة.

إن المراد من عهد الله الذي يكون الوفاء به شرطاً لوفاء الله عزّ وجل بعهد بني إسرائيل هو العهد التشريعي؛ أي مجموعة الوحي والقوانين التي نزلت من جانب الله تعالى على بني إسرائيل، وهو ضمن نطاق التكليف. والمصداق الكامل لهذا العهد هو الإيمان بالرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) ، وإن محور تعهد الله هو فيضه الواقع في مرحلة فعل الواجب تعالى، لا في مقام الذات ولا الوصف الذاتي. إن للوفاء بعهد الله بعداً إيجابياً وهو "الوعد"، وآخر سلبيّاً وهو "الوعيد". فإنه يتعين على الإنسان أن يكون موحداً في الخوف، فيخاف من الله تعالى وحده، ولا يخشى غيره؛ كما أنه، على أساس التوحيد في الرجاء والشعور بالأمن، لا ينبغي أن يكون راجياً من غير الله فمن دون هذين الجناحين يستحيل الطيران؛ وذلك لأن الخائف المحض ناقص، وحاله حال الراجي الصرف.

إن ثمرة الرهبة والخشية من الله هي تذكر نعمه، والالتفات إليها، والوفاء بعهد الله عز وجل الذي سيتبعه حتماً وفاء الله بعهده هو تجاه عباده.