أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-06-18
562
التاريخ: 2023-03-02
1074
التاريخ: 2023-11-15
1052
التاريخ: 2023-11-14
1248
|
إلى الآن كنت أستخدم كلمة «الجسيم» بمعناها العام، دون ذكر أي شيء بخصوص حجمه أو شكله. لكن يجب الآن مواجهة هذه القضية. كيف يمكننا أن نتصور، مثلا، الإلكترون؟ من المغري أن نفكر فيه ككرة صغيرة ذات شحنة كهربية موزعة في أرجائه. لكن لو كان الإلكترون على هذه الصورة فسيفتح هذا الباب أمام أسئلة مربكة على غرار ما المادة الموجودة داخل الإلكترون، وكيف تتماسك بعضها مع بعض، خاصة وأن الشحنة الكهربية متنافرة وستحاول تمزيق هذه الكرة إربا؟ ومن البديهي أنه لو كان بالإمكان تقسيم الإلكترون لوحدات أصغر فلن يعد وقتها عنصرًا أوليا من الأساس.
من سبل تجاوز هذه المشكلة التفكير في الإلكترون بوصفه كرة مصمتة تماما ككرة الجولف، فهذا سيجعله غير قابل للتقسيم. إلا أن هناك مشكلة تقابل ذلك الاقتراح، وهي تتعلق بنظرية النسبية (التي تنطبق حتى على مستوى الجسيمات دون الذرية). تخيل أنك ضربت كرة جولف بمضرب مرسلًا إياها في الهواء. لأنها مصمتة بالكامل فستتحرك كرة الجولف دون أي تغير في شكلها؛ بحيث تبدأ جميع أجزاء الكرة في التحرك معا، لكن هنا ستقابلنا عقبة: لا يمكن لقوة أن تتحرك بسرعة تتجاوز سرعة الضوء، وبهذا فإن الضربة الموجهة لأحد جوانب الكرة لا يمكن الشعور بها من الجانب الآخر إلا على الأقل بعد الوقت الذي يستغرقه الضوء في التحرك من طرف الكرة للطرف الآخر. من ثم سيبدأ الطرف الذي تلقى الضربة بالتحرك قبل الطرف المقابل، وهذا سيجعل شكل الكرة يتغير إذ ستكون أكثر انضغاطاً. يستتبع هذا أن الكرة المصمتة يجب أن تتمتع بقابلية معينة للانضغاط؛ يعني هذا أن الأجسام المصمتة تمامًا لا تتفق مع نظرية النسبية. لكن لو أمكن للإلكترون أن ينضغط يمكن بالتالي أن يتمدد، ويمكن أيضًا، إذا تعرض لقوة كافية، أن يتمزق إربا. لذا لا يمكن للإلكترون إذا كان على شكل كرة الجولف الصغيرة أن يكون جسيمًا أوليا هو الآخر.
لكن ماذا لو تخيلنا أن الكرة الصغيرة انكمشت إلى نقطة وحيدة؟ هنا لن يأخذ الضوء أي وقت للانتقال عبر محيطها (البالغ صفرًا). لسوء الحظ يحل هذا التصور مشكلة ويخلق أخرى، فهناك شحنة كهربية موزعة في أرجاء الكرة الصغيرة. الآن تخيل أنك تحاول تقليص الكرة، مع شحنتها الكامنة، إلى قطر أقل وأقل. يتطلب ضغط الشحنة الكهربية إلى أحجام أصغر وأصغر بذل المزيد من الطاقة للتغلب على قوى التنافر الكهربي. ووفق قانون التربيع العكسي للقوى الكهربية المكتشف في القرن الثامن عشر على يد شارل كولوم،4 فإن التنافر بين أجزاء الكرة سيرتفع دون حدود كلما صارت الشحنة محصورة في حجم أصغر وأصغر. سنحتاج كمية طاقة لانهائية لضغط الكرة إلى قطر الصفر، وهذه الطاقة ستكون مخزنة داخل الإلكترون بالوضع في الاعتبار معادلة أينشتاين «الطاقة = الكتلة × مربع سرعة الضوء» سيكون للطاقة الداخلية غير المحدودة للإلكترون نتيجة سخيفة مفادها أن الإلكترون نفسه سيكون له كتلة غير محدودة. وهكذا تواجهنا هذه المعضلة: لا يمكن أن يكون الإلكترون نقطة أو كرة محددة دون أن يتعارض ذلك بشكل صارخ مع الواقع.
قد تظن أن ميكانيكا الكم ستهب لإنقاذنا من هذه الورطة، فمن خلال عدم التحديد الدقيق للحيز المكاني للجسيم الشبيه بالنقطة، قد نتمكن من الالتفاف حول مشكلة تجمع جميع أجزاء الشحنة الكهربية في نقطة واحدة. لكن ميكانيكا الكم، في الواقع، تزيد المشكلة سوءا. لمعرفة السبب وراء ذلك تذكر الكيفية التي تنتقل بها القوى في ميكانيكا الكم من خلال تبادل الفوتونات. نفس هذه القوى ستعمل بين الأجزاء المتعددة للشحنة الموزعة في أرجاء الكرة الصغيرة، وهو ما يعني وجود حشد من الفوتونات الافتراضية التي تحيط بالإلكترون وتخترقه تظهر الحسابات أن قوة هذا الحشد تزيد مع صغر حجم الإلكترون؛ لأن الفوتونات الافتراضية الأقرب تكون أنشط. ترتفع الطاقة الكلية للحشد بصورة لانهائية مع انكماش قطر الإلكترون إلى الصفر. لا يهم أن يكون الحيز المكاني للإلكترون غير محدد بدقة؛ فمهما يكن مكانه فإن السحابة هناك تغلفه بكميات هائلة من الطاقة، ومن ثم المادة.
ما الذي نستنتجه من كل هذا؟ باستخدام الحيل الرياضية يستطيع علماء الفيزياء الالتفاف حول الكميات اللانهائية واستخدام نظرية الديناميكا الكهربية الكمية للحصول على إجابة معقولة عن الأسئلة المتعلقة بكتلة الجسيمات ومستويات الطاقة وعمليات التشتت وغيرها. تظل النظرية ناجحة لحد بعيد، لكن حقيقة وجود الكميات اللانهائية تشير إلى أن شيئًا ما خطأ، وأن شيئًا ما بحاجة للإصلاح.
يمكن تطبيق نفس التحليل الأساسي على مجال الجاذبية، فتقليص الكرة إلى قطر الصفر سيعني وجود طاقة جاذبية لانهائية. من منظور ميكانيكا الكم تنتقل قوة الجاذبية من خلال الجرافيتونات، ويمكن تصور نطاق الجاذبية المحيط بالجسيم على صورة سحابة من الجرافيتونات الافتراضية. ومثل الحالة الكهرومغناطيسية سنواجه بحالة من اللانهائية. لكن مع الجرافيتونات تكون المشكلة مضاعفة، فأي جسيم أشبه بالنقطة (على سبيل المثال، الإلكترون) سيكون محاطا بسحابة من الجرافيتونات الافتراضية تحتوي على طاقة لانهائية، لكن لأن الطاقة مصدر للجاذبية فإن الجرافيتونات نفسها تسهم في مجال الجاذبية الإجمالي. ومن ثم تولد الجاذبية مزيدًا من الجاذبية. وبهذا يملك كل جرافيتون افتراضي في السحابة المحيطة بالجسيم الأساسي، سحابته الخاصة من الجرافيتونات المتجمعة حوله، وهكذا إلى ما لا نهاية؛ سحب تغلف سحبا تغلف سحبًا وكل واحدة تحتوي على طاقة لانهائية هذه المرة لا يمكن التغاضي عن مشكلة الطاقات اللانهائية بسهولة. إن الوصف الكمي المباشر لمجال الجاذبية ينتج متوالية غير محدودة من اللانهائيات، وهذا يقضي على أي أمل في التوصل لتنبؤات معقولة من واقع هذه النظرية.5
هوامش
(4) This law has the same general form as gravitation, as shown in Figure 1-1.
(5) The technical term given to this difficulty is non-renormalizability.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|