ثالثاً : أقسام ميزان المدفوعات :-

تقوم الدول فيما بينها بتبادل عدد كبير من السلع والخدمات والأصول المالية، ويقوم الاقتصاديون بتجميع هذه المعاملات حسب نوعها (by type) وهناك فئات مختلفة لكل نوع من تلك المعاملات، وكل مجموعة من الفئات تشكل بمجموعتها نوعاً معيناً من حسابات الميزان التي يمكن تقسيمها إلى:

1- الحساب الجاري (The current account) المعاملات الجارية، ويضم⁽³⁾:-

أ- الميزان التجاري Commercial Balance: يقيس لنا صادرات و واردات الدولة للسلع الملموسة (tangible) ويضم التجارة في المواد الغذائية، المواد الصناعية، السلع الرأسمالية (الآلات) السيارات، سلع المستهلك ( consumer goods)، مواد اولية..... الخ، وتسمى عمليات التصدير والاستيراد هذه بالعمليات (المنظورة او المرئية) لكونها ملموسة وتمر عبر الكمارك، ودقة تسجيل تلك العمليات يعتمد على درجة تطور النظام الكمركي وكفاءة اجهزته الإدارية والفنية والاستقرار السياسي والأمني الذي يقلل من عمليات التهريب.

ان تعليمات (IMF) ولإغراض القيود تبين ان صادرات البضائع يجب ان تقيم FoB) (free on Bord)) عند الحدود حيث تقوم ادارة الكمارك باحتساب الصادرات FoB (بمعنى الصادرات المحملة على ظهر السفينة عند الحدود الكمركية في ميناء التصدير بدون تكاليف النقل والتامين)، كما ان قيمة الواردات تحسب) CIF) (cost insurance and fraight) اي كلفتها FoB مضافة اليها كلفة النقل والتأمين، ويدون تصدير أي نوع من السلع قيداً دائناً حيث يترتب عليها توليد عملة اجنبية لداخل البلد وتقيد بعلامة الاضافة (+) plus sign ، اما استيرادات السلع فتدون في الجانب المدين وتقيد بعلامة سالبة (-) negative sign لأنها تتطلب مدفوعات بالعملة الأجنبية للخارج.

كما يطلق على المقارنة بين قيمة الصادرات والواردات اسم الميزان التجاري ويكون في صالح الدولة اذا كانت الصادرات اكبر من الواردات، وبالعكس في غير صالح الدولة اذا كانت الاستيرادات اكبر من الصادرات.

فلو قام العراق بتصدير سلعة (كبريت مثلاً) بقيمة 500 مليون دولار للخارج فأن ذلك يسجل (دائن) في حقل الصادرات في الميزان التجاري ، بتعبير آخر أن الصادرات الوطنية التي يترتب عليها تسلم عملة اجنبية او تكون طلباً على العملة المحلية في سوق الصرف الأجنبي تسجل (دائن) ، في حين ان الاستيرادات التي ينجم عنها مدفوعات بالعملة الوطنية للأجانب أو تكون طلباً على العملات الأجنبية في سوق الصرف تسجل (مدين) ، اذن الميزان التجاري يتعلق بعمليات التجارة الخارجية والخاصة بتصدير واستيراد السلع بكافة انواعها ( مواد اولية، منتجات زراعية وصناعية، سلع مصنعة، سلع نصف مصنعة، سلع استهلاكية ، ...... الخ.

ب- ميزان الخدمات Services Balance

ويظم عدة معاملات غير منظورة كونها لا تمر عبر اجهزة الكمارك، ويشار ايضاً إلى صعوبة قياسها عند مقارنتها مع المعاملات المنظورة، ويتكون هذا الميزان من البنود الآتية :

* خدمات غير منظورة ( صادرات) (دائن (+) وتشمل:ـ

- ايرادات النقل والاتصالات التي انتفع بها الأجانب (نقل المسافرين والسلع عبر الخطوط البرية، وخدمات الاتصالات عبر الهاتف والتلكس والاقمار الصناعية ...الخ).

- ايرادات شركات التأمين الوطنية.

- ايرادات المؤسسات المالية المصرفية بأنواعها.

- ايرادات هيئات الموانئ الوطنية والنقل الجوي وشركات الملاحة.

- ايرادات السفر والسياحة من الاجانب، وتظم ايضاً ايرادات العلاج الطبي ونفقات الدراسة والسياحة غير الواردة في الفقرات السابقة ، ارباح الاستثمارات الوطنية بالخارج .

- ايرادات استثمارية (الفوائد المتحققة من القروض، ايرادات اسهم، ارباح موزعة) وتسجل جميع هذه البنود في الجانب الدائن(+) من ميزان الصادرات غير المنظورة (خدمات غير منظورة)، أن عائد رأس المال والذي يقصد به الفوائد والارباح التي ينتجها راس المال الموظف أو المستثمر، فلو كان رأس المال موظفاً في شراء سندات حكومية فانه ينتج فائدة، اما اذا كان موظفاً في استثمار مباشر في أي مشروع فانه ينتج ربحاً.

* خدمات غير منظورة (استيرادات) (مدين - ) : ـ وتشمل جميع البنود السابقة والتي يحصل بموجبها الوطنيون خدمات من الأجانب والتي تتيح عنها مدفوعات للخارج. 

ويذكر أن ميزان الخدمات يحتل مكانة هامة في موازين مدفوعات بعض الدول، حيث نجد ان دول معينة اصبح عائد العمل يشكل مورداً هاماً للنقد الاجنبي مثل (مصر ،الفلبين بنغلادش، الهند ، اسبانيا)، كما نجد ان ميزان الخدمات في بعض الدول يحقق فائضاً يسد عجز الميزان التجاري.

جـ - التحويلات من طرف واحد:ـ  وتتمثل بالتحويلات من طرف واحد وبدون مقابل مثل الهدايا والمنح والمساعدات والاعانات التي تقدمها الدول الغنية للدول الفقيرة، اضافة إلى تحويلات العاملين الى ذويهم ،مساعدات هيئة الصليب الأحمر التي ترسل مساعدات إنسانية للمنكوبين من الحوادث او غيرها، سواء كانت تلك التحويلات حكومية أو خاصة أو شخصية ، لقد اصبح عائد عنصر العمل يشكل مورداً هاماً للعملات الأجنبية في العديد من الدول كمصر وبنغلادش ولبنان واسبانيا وغيرها من الدول، وأصبحت الأموال التي يرسلها المهاجرون إلى بلدهم تشكل جزء هام للحصول على العملات الصعبة، فمثلاً عندما تقدم حكومة العراق بتقديم معونة الى الصومال (مليون دولار) فهذا يعني خروج نوع معين من الأصول إلى الخارج، وعليه تدون هذه العملية في الجانب (المدين) اصول بالعملات الصعبة، في حين تسجل مقابلها (دائن) تحت باب تحويلات دون مقابل والصفقات المجانية هذه لا يوجد لها مقابل وللحفاظ على مبدأ التوازن المحاسبي تم التوافق على القيد المزدوج لكل صفقة مجانية كالاتي. 

القيد الأول: يتم على أساس التدفق الحاصل لصالح المقيمين او غير المقيمين.

القيد الثاني: وهو القيد الموازن والذي يظهر في حساب خاص يسمى التحويلات بدون مقابل.

2- حساب رأس المال (العمليات الرأسمالية) The Capital Account

يدون هذا الحساب المعاملات الرأسمالية بشكل عام والتي تصنف إلى معاملات مالية طويلة الأجل وأخرى قصيرة الأجل.

أ- المعاملات طويلة الاجل: ـ هي تدفقات مالية من البلد إلى بلدان أخرى أو بالعكس والتي مدتها تزيد عن السنة وتقسم إلى:

* الاستثمار الأجنبي المباشر (راس المال طويل الاجل).

* القروض متوسطة وطويلة الاجل

* اقساط سداد القروض.

ان الاستثمارات الأجنبية التي يأتي بها الاجانب لتوظيفها في بلد ما غير بلدها الاصلي تسجل في الجانب (الدائن) في حساب رأس المال لأنها ارصدة من النقد الاجنبي تتدفق إلى داخل البلد المعني، في حين تسجل الاستثمارات المباشرة التي يقيمها المواطنين أو الحكومة او الشركات خارج بلدهم تقيد في الجانب (المدين) في نفس الحساب.

اما القروض والتي غالباً ما تكون من مصادر خاصة أو حكومية وكذلك من المؤسسات المالية الدولية والاقليمية، فالقروض الرأسمالية الأجنبية واقساط سداد القروض الوطنية المستلمة من الاجانب تسجل في الجانب (الدائن) كونها تدفقات إلى داخل البلد، في حين تسجل القروض الوطنية الممنوحة إلى الاجانب وأقساط تسديد القروض المسلمة من جانب الوطنيين او الحكومة إلى الأجانب في الجانب (المدين) كونها تدفقات إلى خارج البلد.  

وبشكل عام أن تدفق رأس المال الى الداخل يقيد دائناً في حساب رأس المال لأنه يتضمن مقبوضات نقدية بالنسبة إلى المواطنين او الحكومة، في حين ان تدفق رأس المال إلى الخارج يقيد في الجانب المدين لأنه يمثل مدفوعات نقدية إلى الأجانب، واحياناً يشار إلى تدفق رؤوس الأموال للخارج على انه (تصدير رأس المال) في حين تدفقه للداخل على انه استيراد رأس المال⁽⁴⁾.   

ب- اما المعاملات المالية قصيرة الأجل :ـ  فتشمل رؤوس الاموال المحمولة إلى او من الخارج بقصد الاستثمار قصير الأجل لمدة تقل عن السنة ⁽⁵⁾، وتشمل التحويلات في  التغيرات التي تطرأ على اجمالي الحقوق المالية القصيرة الأجل، التي يحتفظ بها المقيمون على الاجانب، وعلى الحقوق المالية التي يحتفظ بها الاجانب على المقيمين، وتتخذ هذه الحقوق أشكالاً عدة منها (العملات، الودائع المصرفية، اذونات الخزينة ،اوراق تجارية قصيرة الأجل، اعتمادات مصرفية، كمبيالات..... الخ ) وتمتاز هذه الحقوق المالية بالحركة السهلة وسيولتها العالية عندما تنتقل من دولة الى أخرى⁽⁶⁾،  ورؤوس الأموال هذه عندما تتدفق من الخارج إلى الداخل يؤدي إلى نقصان الاصول الأجنبية او زيادة الالتزامات الخارجية قصيرة الأجل للمقيمين وتسجل في الجانب (الدائن) لكونها يترتب عليها استلام مدفوعات، وعندما تتدفق من الداخل إلى الخارج تؤدي إلى زيادة الأصول الأجنبية او نقصان الالتزامات الخارجية القصيرة الأجل للمقيمين، وتسجل في الجانب (المدين) لحساب رأس المال.

فمثلاً عندما يشتري أجنبي اسهماً عراقية أو عندما يبيع عراقي اسهماً اجنبية، في هذه الحالة يترتب استلام مدفوعات من الاجانب (ثمن شراء الاسهم وكذلك بيعها) وتسجل  في حساب (الدائن) لكونها حقوق على الخارج، بمعنى زيادة الموجودات الاجنبية في داخل العراق وفي حالة نقص الموجودات العراقية في الخارج او حصل تدفق اموال إلى داخل العراق، كذلك شراء العراقي لأذونات خزانة لدولة اجنبية وعندما يبيع الاجنبي اذونات عراقية، هذه الحالة تتطلب اداء مدفوعات تجاه الاجانب ويسجل ذلك في الجانب (المدين) لحساب رأس المال لكونه حقوق للأجانب على العراق ، أي في حالة زيادة موجودات العراقيين في الخارج او في الداخل او في حالة نقص الموجودات الأجنبية في العراق، او حصل تدفق لرأس المال من داخل العراق إلى الخارج وتطلب الحالة اعطاء مدفوعات إلى الاجانب.

3- صافي الاحتياطات الدولية من الذهب النقدي والاصول السائلة:- 

يدون في هذا القسم صافي التغيرات في الاحتياطات الدولية السائلة لغرض اجراء التسوية الحسابية لصافي العجز او الفائض في ميزان المدفوعات من الناحية الاقتصادية، والذي هو النتيجة النهائية لرصيد الحساب الجاري والمعاملات الرأسمالية ، والعجز يكون في حالة الجانب المدين للحسابين اكبر من الجانب الدائن، والفائض يكون عندما يحدث العكس، وهذه الفقرة من ميزان المدفوعات تستخدم لتسوية العجز او الفائض في ميزان المدفوعات بواسطة التحركات من عناصر الاحتياطات الدولية ويصبح الميزان متوازناً من الناحية المحاسبية.

* مكونات الاحتياطات من الذهب النقدي والأصول السائلة ⁽⁷⁾ :ـ

أ- رصيد الذهب النقدي لدى السلطة النقدية.

ب- العملات الأجنبية القابلة للتحويل

جـ- حقوق السحب الخاصة.

د- رصيد المعاملات الأجنبية والودائع الجارية التي تحتفظ بها السلطات النقدية وتقع تحت رقابتها لدى البنوك الأجنبية.

هـ- الاصول الوطنية قصيرة الأجل التي تحتفظ بها السلطات الأجنبية والبنوك الأجنبية.

و- ودائع تحتفظ بها البنوك الأجنبية لدى البنوك الوطنية.

ز- اصول اجنبية قصيرة الأجل تمثل التزامات على الحكومات الأجنبية ومواطنيها اتجاه الدولة ويمكن التصرف بها (اذونات الخزينة ، أوراق تجارية).

حـ- موارد صندوق النقد الدولي (مركز الذهب الخاص في الصندوق).

4- الحذف أو الخطأ:-

في بعض الأحيان تكون النتيجة النهائية لمجموع الجانب الدائن لا تساوي في القيمة الجانب المدين، في مثل هذه الحالة تعادل قيمة حساب (الحذف أو الخطأ) بين القيمة الكلية لكلا الجانبين في الميزان ومكانها قيمة الجانب الاقل سواء كان المدين او الدائن، ويحدث الحذف والخطأ في ميزان المدفوعات نتيجة العدد الهائل من العمليات الاقتصادية والمالية الخارجية للدولة او اخفاء متعمد من قبل الدولة لبعض مشترياتها أو مبيعاتها كالعسكرية مثلاً، أو خطأ في تقدير نفس الفقرة في الميزان من قبل اجهزة الكمارك ومراقبة التمويل في البنك المركزي.  

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

3- د. عبد المنعم السيد علي و د .هيل عجمي ، العلاقات النقدية الدولية، جامعة الموصل، 1992، ص 19.

4- D. hume, of the Balace of Trade Essarys Moral Folitical and literary, Vol. 1, Longmans Green, London, 1995, P330-335.

5- د. أمين رشيد كنونة، الاقتصاد الدولي، مطبعة الجامعة، بغداد، ط1، ص 168.

6- د. عبد الكريم جابر شنجار، قراءة اقتصادية في ميزان التحويلات العربي دون مقابل، المجلة العراقية للعلوم الاقتصادية، الجامعة المستنصرية، المجلد الأول العدد 3، 2002، ص 67-78

7- د. غازي صالح الطائي، مصدر سابق، ص143-144.