المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

Giving Advices
6-6-2021
ايثار امير المؤمنين(عليه السلام) وتقشفه وزهده
18-11-2014
بعض الجوانب الحضارية لبلاد الشام
8-10-2016
تسع آيات لموسى صلوات الله عليه
5-2-2016
Gravitational potential energy
2024-01-25
E-Function
30-1-2021


حاجة الطفل الى الرشد والكمال  
  
1115   10:11 صباحاً   التاريخ: 29-1-2023
المؤلف : د. علي القائمي
الكتاب أو المصدر : الأسرة ومتطلبات الطفل
الجزء والصفحة : ص541 ــ 554
القسم : الاسرة و المجتمع / الطفولة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-11-2016 2116
التاريخ: 21-11-2020 2832
التاريخ: 19-6-2016 2242
التاريخ: 7-8-2022 1186

من الفضائل الانسانية حب الخير، والايثار، والاحسان، والاخوة، والمحبة وبشكل عام الوصول الى مرحلة الرشد. ان محاولات الوصول الى مرحلة الرشد تعد من الاهداف التربوية الاسلامية السامية ومن اهداف الاسلام. وبشكل عام فان الاقرار بالدين الإسلامي يعد نوعاً من تحري الرشد والسير في طريق الرشد (ومن أسلم فأولئك تحروا رشداً) .

ومن وجهة نظر الاسلام فان الانسان في بعده الحياتي بحاجة الى الصفات والملكات الفاضلة اضافة الى تأمين احتياجات حياته المادية ليصبح بمقدوره المحافظة على سمعته المعنوية. وهذه تمثل المسيرة التي يجب ان يطويها الانسان في سيره نحو الكمال والرشاد ويجب على الآباء ان يمهدوا لذلك الأرضية اللازمة امام الطفل.

ومرادنا بالرشد ان يتمكن الانسان من الحصول على مكانة اكثر نضوجاً لنفسه وان يحصل على انسجام اكثر عقلانية بشأن الحياة لنفسه ايضاً. ويرقى بنفسه فوق الحدود المتعارفة لبقية الناس ويصبح قادراً على أن يضع أقدامه على أعتاب مرحلة أولياء الله الصالحين. ومرادنا بالرشد ايضاً ان لا يكون الطفل مقيداً بالعوامل الصغيرة والبسيطة، ولا يفكر من أجل المسائل الفارغة والتافهة، وان يسير في طريق الخير اللامتناهي.

احتياج الطفل الى الرشد:

الطفل بحاجة الى ان يضع اقدامه على اعتاب مرحلة الرشد، وعلينا ان نهيئ مقدمات ذلك لحياته، وندخله الى عالم الحقيقة والفضيلة والايثار ونضعه في المرحلة التي لو أراد معها في يوم من الايام ان يضع قدمه في ذلك الوادي فلن يكلفه ذلك ثمناً باهظاً ولا يرى في تحمل ذلك أمراً شاقاً عليه.

ولكون الطفل يعد انسانا فانه بحاجة الى التفاضل والسمو، إذ يريد ان يصل الى حد أعلى من الطبيعة الحيوانية ويصبح شخصاً خلوقاً. ويجب ان يشمل هذا الرشد الجانب البدني، والروحي، والاخلاقي، والفكري وبالتالي فان جميع جوانب وابعاد حياته بحاجة في مسيرة الرشد الى التجربة الحديثة، والى النجاة من الركود والرتابة؛ إذ يجب ان يدخل الى عالم يطفح بالحركة والنشاط والعشق والمحبة، ويسير في طريق الوصول الى ما لانهاية له. وان لا يميل الى الذلة والانحطاط، ولا يتجه نحو الرذائل ولا يرى نفسه صغيراً ولا يساوي شيئاً ولا يستسلم للرذائل والخبائث .

أرضية الفطرية لدى الطفل :

بالرغم من ان هذه الحاجة يمكن ان تكون ذات صفة اكتسابية إلا انها تمتلك جذوراً ودوافع فطرية لدى الانسان؛ إذ ان الميل الى الغلو والرفعة ناجم عن الروح الالهية في الانسان ويستمد جذوره من منعم الوجود في هذا العالم. وان وجود نفخة من الروح الالهية في الانسان هي التي تسوقه نحو الرشد والكمال.

طبعاً يجدر بنا ان نذكر هذه الملاحظة اذ ان الانسان وفي ذات الوقت الذي يمتلك فيه هذا الاستعداد ويسوقونه باتجاه آخر فيغيرون مسار حركة الرشد والسير نحو العلو والرفعة الى السير نحو الدنو والانحراف لدرجةٍ يصبح معها الانسان في مسيرته نحو السقوط أدنى حتى من الحيوانات.

قلنا بأن الارضية الإكتسابية لهذه الحاجة في الانسان أيضاً بحيث ان الطفل لو شاهد بعض المناظر المتعلقة بجوانب الرشد الاخلاقية والانسانية الصادرة من قبل النموذج الذي يجب الاحتذاء به فانه سيحاول أن ينمي تلك الجوانب في داخله ويرمي الوصول الى تلك المراحل، وهذا الامر بحد ذاته يعد انذاراً لآباء الاطفال والمربين.

ضرورته وأهميته :

تستوجب الحياة الانسانية اللائقة ان نسير في مسار الرشد والكمال ونهتم باكمال الجوانب المعنوية لدينا. فلو ان الحياة اقتصرت على الأكل والشرب وتأمين المتطلبات المادية فما الفرق اذن بين الانسان والحيوان؟ وهل ان هدفنا ان ينحصر تفكيرنا بشأن اطفالنا في اطار حيواني فقط؟ طبعاً هناك آباء لا يهتمون سوى بتأمين الاحتياجات البدنية للطفل. ونعتقد أن هؤلاء الافراد انما في معرض الانحراف والخطأ.

ان طفلنا بحاجة للحصول على بعض المقدمات في مرحلة الطفولة. تكون حصيلتها النضوج والقوة ويحصل ذلك عندما يتعلم الانماط والاساليب الانسانية، وينمي ملكاته وقدراته ويسخرها في مسار الخير والكمال، ويربي في نفسه بعض الجوانب الإيجابية كحب الخير والانسانية، وامورا كالتفكير والتفكر الحر، ويرسخ في نفسه الاخلاقية الحسنة وفقاً لتعاليم الدين الذين يؤمن به، وينظر الى سعادته بهمة عالية ويتفكر بأحوال الآخرين، ويوجد في نفسه توازناً بين الفكر والروح والعاطفة وبالتالي يتخلص من الحالة الطفولية ومتعلقاتها بجميع أشكالها ويختار اسلوب الكبار في الحياة ليصبح شخصية انسانية والهية. ويمثل الوجدان في هذا الخضم محكمة قضاء خاصة للطفل له دور أساسي في حياته ويجب ان يصار الى تنميته وتربيته ايضا.

ابعاد الرشد :

يجب ان يشمل الرشد جميع الامور والابعاد سواء الجسمانية منها أو الابعاد الفكرية، والاقتصادية، والاستعدادية، والاجتماعية، الكلامية، والوعي وغيرها ونريد ان نصوغ من هذا الفرد الذي ولد جاهلاً ضعيفاً فرداً رشيداً، وان نربي جسمه وعواطفه وعقله وافكاره ونهيئ موجبات ومستلزمات تطوره في كل حين.

وتوجد في الانسان قابليات معينة من قبيل الابداع والابتكار لو شحذت الهمم لتنميتها لأصبحت فعالة وتوفر للإنسان على ضوئها عالم جدير بأن يعيش فيه الانسان. ان القابليات الخاصة ومستوى ادراك الاطفال تشبه الكنوز التي يجب ان يصار الى استخراجها والاستفادة منها وان رشد الانسان يكمن في ظل هذا الاستخراج. ويجب ان تترحم التربية وتنفذ بشكل تساعد الطفل وتعينه في هذا الامر.

انه يجب ان يحيط بهذا العالم وما ينطوي عليه، وان يحيط بعالمه والعالم المحيط به، وان يهيئ مستلزمات العيش الانعم والهدفية في الحياة له وللآخرين وان أهمية هذه المسيرة، وبهذه الابعاد الواسعة بدرجة يجب ان نقول معها ان انسانية الانسان متوقفه عليها ومرتبطة بها.

شروطها ومقدماتها :

ولكي يبلغ الطفل الى مرحلة الرشد فانه بحاجة للحصول وتحقيق بعض الشروط والمقدمات. ومن جملة تلك الشروط الانتصار على مشاعره واحاسيسه التي تلقي ظلالها على سائر ارجاء حياة الطفل وتؤثر عليها؛ إذ نبغي له ان ينتقل من مرحلة الاحساس الى مرحلة العقل ويسخر وجوده للحق في ظل ذلك.

ويجب ان يتم القضاء على المشاعر الطفولية وبما يتناسب مع النمو الجسمي والسني. والالعاب جيدة وقيمة لتحرك الطفل ورشده وتربيته ولكن يجب ان لاندع الطفل يغرق فيها وبحدود السنة الخامسة من العمر فما فوق لقنوه وبشكل تدريجي بانه بحاجة الى اشياء اخرى غير اللعب واللهو ولا بد له ان يأخذها بعين الاعتبار ويهتم بها.

وهنا تكمن ضرورة مسألة بناء الذات، والقضاء على الميول، واقامة الموانع والسدود امام الاهواء المتطرفة والتمرين في هذا المجال؛ إذ لا ينبغي له ان يبدي جزعه وعدم تحمله فيما يتعلق بطلباته وحتى فيما يتعلق بالجوع والعطش ولابد من تلقينه وتعليمه للتحلي تدريجياً بالصبر والتحمل.

انه بحاجة الى هدفٍ ورؤيه واضحة عن الحياة وطبعاً في حدود ادراكه وفهمه، لكي يتضح له لماذا هو حي؟ ولماذا يجب ان يعيش؟ كما يجب ان يفهم طبيعة ارتباطه وتعلقه بالعمل والنشاط. ولا بد ان نمرّنه على ان يندفع الى الامام وفقاً لطبيعة الهدف وان يخوض غمار المسائل والمشاكل التي تواجهه في هذ المجال.

ومن المقدمات الأخرى، حساسيته ازاء الامور والسائل والمجربات؛ إذ لابد لنا ان نجعل الطفل مستعدا للتحريك والتهييج امام الوقائع والاحداث لدرجة يدع معها حالة عدم الاكتراث واللامبالاة جانباً. ويجب ان يتولد لديه احساساً ينم على ضرورة مشاركة الآخرين همومهم وآلامهم وان يقيم علاقاته مع الآخرين بناء على هذا الاساس.

الوسائل والأدوات اللازمة في هذا السبيل :

من الادوات اللازمة في هذا السبيل بوسعنا ان نشير الى الحرية، والاستقلال الفردي، ورشد الوجدان و.. فلكي يصل الى مرحلة الرشد وينال جوانبها وابعادها بحاجة الى ان يكون حراً وطبقاً للشروط التي ذكرناها بشأن الحرية. وانه بحاجة لان يكون مستقلاً ليتمكن بناء على هذا الاحساس الاتجاه نحو القدوات والنماذج المتعلمة. وهو بحاجة الى ان يشعر بالعظمة لكي لا يرى نفسه تافهاً وبحاجة الى ان يدرك الجوانب الفنية والجمالية لكي يقدر الخالق أو الذين صنعوا الجمال للحياة.

كما ان احياء ويقظة الضمير أمر ضروري ومهم في سبيل الرشد. والمعلوم لدينا ان الرشد والكمال لا يرتبطان دائماً بالعمر أو الجسم، بل يرتبطان في الكثير من الموارد بالعزم والارادة والصدق والوفاء والعفو والفعل السليم وتقبل النقد ولكي نحظى بالتوفيق في هذا المجال من الضروري ان نبقي ضمائرنا حية ويقظة. وهذه الضرورة قابلة للبحث والتبيين من زاوية اخرى أيضاً وهي اننا بحاجة الى المراقبة والاشراف أيضاً في قضية الرشد، ونحن مضطرون الى ان نقف بوجه صياغة الاعذار والتبريرات ونمنعها ويمثل الضمير في هذا المجال قوة منبهة وموبخة على أحسن ما يكون. لأنه يوبخ المرء عندما ينحدر نحو الانحراف وبناء على هذا الاساس فانه يقضي على ميولنا السلبية. وبما ان الضمير يمثل امرا داخليا في الانسان فانه يمثل منبها روحيا مناسباً في الانسان ويوجد لديه نوعاً من حالة المنع والحؤول دون السقوط في الرذيلة.

التمهيد للرشد :

ينبغي على الآباء ان يكونوا من الممهدين لرشد الانسان وكماله من خلال اسلوبهم في الحياة ومن خلال اتخاذ الاساليب المساعدة على ذلك وان يلقنوا الطفل ويعلموه كيف يختار السبيل الذي يوصله الى مرحلة الكمال وكيف يتحرك في هذا المسار؛ إذ عليهم ان يعلموا الطفل اسلوب ممارسة الحياة المقرونة بالرشد. ويخلقوا لديه ملكات الفضيلة، وحب الخير، والتضحية.

وفي جانب الانفاق مثلاً عليهم ان يسعوا الى تحقق الاحسان على يديه. وينبهونه اثناء حديثه بانه قد اخطأ في العبارة الفلانية او الجملة الكذائية. وينبهونه خلال مسيرته، وان لا يسلك الطرق المجهولة، ولا ينبغي له ان يعاشر كائناً من كان. ويعملوا على التقائه اثناء مسيرته بالصالحين من الافراد، ويعلموه كيفية المحافظة على كيانه وشخصيته اثناء تحمل الالام والمصائب. ويشجعوه على المساهمة والمشاركة في اعمال الخير، ويبدي تعاونه اللازم في الامور الاجتماعية، واخيراً عليهم ان ينشأوا له محيطاً يمكنه فيه ان ينمي شخصيته ويبلورها ويطورها.

انه يميل فطرياً للتحرك نحو الرشد إلا انه في واقع الامر لا يعرف كيف وبأي صورة يطوي هذه المسيرة. انه يتصور بأن ذكر كل ما يرد على اللسان يعد فضيلة من الفضائل خاصة وان كان مقروناً بضحك المحيطين به بينما عليه ان يعلم بان هذه القاعدة لا تنطبق على جميع الحالات وليست صحيحة في كل الاوقات وعلى أي حال لا بد من تعليمه اساليب وطرق الرشد والكمال والعلو.

دور الابوين كأسوة:

لقد تحدثنا في جميع المواضيع التي طرحناها آنفاً عن دور الأسوة والقدوة للأبوين وقلنا ان سر النجاح في التربية يكمن في تقديم القدوة والنموذج. ومرد هذا الامر يعود الى ان الطفل في سني حياته الاولى يقلد ما يلاحظ ويعمل بما يشاهد أمامه وان اول الافراد الذين يصادفهم الطفل في مسيرتهم هم أبويه.

وبناءً على هذا الاساس لو أردنا ان نبني شخصية اطفالنا طبقاً لصفات وحالات معينة فإننا مضطرون لأن نتحلى نحن اولاً بهذه الصفات ونوجد في انفسنا الارضيات المساعدة على ذلك. خاصة وان الشروط والصفات اللازمة للرشد والكمال مسألة قابلة للتعلم وعلى العموم فان هذه الدروس تلقن عن طريق الابوين الى تلاميذهم. فالعمل الذي يؤديه الابوين امام انظار الطفل يحظى بأهمية واعتبار استثنائيين. كما ان ادب الابوين، وشجاعتهم، وتواضعهم، واخلاصهم، وحبهم للناس، وجرأتهم، وايثارهم، وتعاونهم مع الناس، و.. من الامور التي يتعلمها الطفل من أبويه ايضاً. ويكفي الطفل أن ينبّه والده الى سلوكه وتصرفاته.

آفات الرشد:

ما اكثر الآفات التي تواجه الطفل في مسيرته وتحول دون بلوغه مرحلة الرشد أو في حالة بلوغ الطفل مرحلة معينة من الرشد فإنها تلحق به ضرراً بالغاً. وهذه الآفات كثيرة منها ما يلي:

ـ وجود الاستبداد في محيط الاسرة والحياة؛ إذ يسلب من الطفل فرصة ممارسة الحرية والاستقلال.

ـ قصر نظر الابوين وتفكيرهم المحدود في ترجمة وتطبيق نظام انضباطي خاص يرسخان فيه عظمتهما وقوة شخصيتهما.

ـ فساد الابوين الاخلاقي والانغماس في الرذيلة والتهاون في السلوك، والقول، والعمل.

ـ التسامح في امر التربية وتأجيل عمل اليوم الى الغد على أمل ان الطفل سيملك استعداداً افضل في الغد.

ـ الافراط في المحبة، والذي يهيئ الأرضية المناسبة لميوعة الطفل ودلاله وتعلقه المتزايد بأبويه.

ـ قلة العطف والمحبة أو عدم الافصاح عنهما بحيث ان الطفل لا يشعر معه بحمايتهم وعنايتهم اياه.

ـ عدم وجود التنسيق الانضباطي بين الابوين في أمر التربية ووجود عدة انواع من الانضباط.

ـ التوقعات الزائدة عن قدرة الطفل بحيث انه يكون دائماً معرضاً لتحمل المصاعب أو حالات التعيير والمقارنة مع الآخرين.

ـ عدم مراعاة الحالات الطفولية لديه وايجاد المزيد من المحدوديات لغرض الاسراع بالرشد والذي يؤدي الى اعطاء نتائج معكوسة.

ضروريات اعادة البناء :

نقرر احياناً وبشكل مفاجئ وفي مرحلة معينة من العمر ان نضع ابنائنا في مسار الرشد وطريق الكمال وفجأة نضيّق عليه حياته ونلجمه من كل حدب وصوب. غافلين عن ان صغيرنا مضى عليه وقت طويل وقد ساءت اخلاقه وتطبع على سلوكيات مرفوضة وغير مأنوسة بسبب تهاوننا في أمر تربتيه. وقد أصبح طفلنا فرداً كاذباً. وحسوداً، ولجوجاً، ومتمرداً، وسارقاً، ومخزياً ونريد الآن ان نجعله يسير في المسار المستقيم.

ان هذا العمل مستحيل ولا يمكن تحقيقه إلا اذا قمنا أولا باستخدام الاساليب المخطط لها وعن طريق النصيحة والتذكير وحمله على التعلق والتأمل واكتشاف نفسه بإيجاد عملية اعادة بناء في شخصيته، وثانياً ان نراعي التدريج بشأنه. وبخصوص المورد الاول من الضروري ان نقوم باكتشاف وتحديد التناقضات وحالات التضاد الموجودة في حياته أو التي كان يمتلكها ونعمل على ازالتها، ونوقظ ضميره ووجدانه، ونسدي له النصائح والارشادات بلطف وبشاشة، ونذكره بأخطائه وانحرافاته بنية حسنة وحياً في طلب الاصلاح، ونوقظ وجدانه لكي يسيطر ويشرف على تصرفاته واخيراً نوصله الى مرحلة ينأى بها عن التكبر، والحسد، والعناد، والخصومة والشعور بالرقابة الشديدة. ونقلع منه العادات السلبية ونبعده عن كل ما يحول دون بلوغ شخصيته الى مرحلة الرشد والكمال.

وبخصوص المورد الثاني لابد من القول ان الطفل الذي ألِفَ ولسنين مديدة وضعاً ونمطاً خاصاً من الممارسات الحياتية وان كانت غير مرضية لن يكف عنها بسهولة وعليه يجب ان تقترن عمليتنا في اعادة البناء بميزة التدريج. ونبذل ما بوسعنا وعلى مدى عدة اشهر لنوقف مسيرته المنحرفة ونسد عليه الطريق.

واخيراً يجب ان نذكركم بهذه الملاحظة وهي ان الانحراف يظهر دائماً في طريق الطفل ويجب ان نبذل ما بوسعنا لإبعاد الطفل ومنعه من السير في هذا الطريق.

امارات الرشد والكمال:

لكي يصبح معلوماً لدينا الى أي مدى نحن ماضون في طريق رشد اطفالنا وكمالهم سنستعرض بعض الامارات الدالة على ذلك التي لو شاهدناها بادية على ابنائنا في سن 10ــ12سنة تقريباً يمكننا ان نتفائل بأسلوبنا في التربية لحدودٍ معينة وان نشعر بالرضا والارتياح من عملنا ومنهجنا بهذا الخصوص. وتلك الامارات عبارة عن :

١- النقد الذاتي، بحيث يكون قادراً وراغباً في ان ينتقد عمله واسلوبه ويدفع نفسه الى المحاكمة ويشكل هذا الامر اساس الوجدان.

٢- تقبل نقد الآخرين له؛ إذ لو أنه نظر الى هذا الامر على اساس منفعته ومصلحته قَبِلَه، ويهتدي بالتالي على اساس ذلك نحو الجهة المطلوبة.

٣- تحمل المسؤولية والايفاء بها مقابل ما قطعه على نفسه، وتعهد به أو اعطى القول بادائه.

٤- اداء التعهدات والوظائف المرتبطة بالخالق، وكذلك ما يتعلق منها بنفسه والآخرين.

٥- القضاء على الميول والاهواء والاستفادة منها في طريق الخير والمصلحة.

٦- القدرة على الاعراض عن احدى اللذات والمقاومة امام اهواء النفس.

٧- تحمل الآلام والمصائب وكضمها لدرجة لا يضطر معها الى الافصاح عنها للآخرين أو ان يتأوه من وضعه.

٨- ترك العادات الصبيانية والطفولية والتحفظ عن صيد العيوب، وسوء الظن، والتوسلات، واظهار العجز.

٩- التواضع بدون ان ينجرّ عمله الى التملق أو قبوله بالباطل.

10- احترام الآخرين والنظر الى ايجابياتهم بدون ان يشعر بأي نوع من الالم في داخله.

11- اتباع التقوى في جميع الاحوال والامور وعلى قول أمير المؤمنين عليه السلام انها مفتاح كل خير وسداد وسبب النجاة من كل هلكة.

١٢- مراعاة الضوابط الاجتماعية المدروسة واطاعة المقررات التي تصب في خير وصلاح الفرد والمجتمع.

١٣- مراعاته لاستقلاله واعتماده على نفسه في الامور التي يكون فيها قادراً على الفهم والادراك واتخاذ المواقف بشأنها.

14- امتلاك الجرأة في مواجهة المشاكل والمعضلات التي لا يمكن تحاشيها وتحصل في حياة كل فرد بشكل من الاشكال .

15- امتلاك المرونة اللازمة في المباشرة والمعاشرة وعدم الاصرار على اثبات وجوده وأحقيته .

16- القبول بالضوابط والقيود التي تطرأ للفرد في المناسبات الجديدة والتي تحظى ضرورة القبول بها بموافقة العقل والدين.

17- امتلاك الثقة بالنفس وقدرة الاعتماد على النفس بدون خوف أو وجل وبدون الاعراب عن طلب المساعدة من الغير.

18- الابتعاد والاجتناب عن العادات الصبيانية الجاهلية، وسوء الظن، وملاحقة الجزئيات، والتسرع في اصدار الاحكام ونظائرها والتي تعد حجر عثرة في طريق الرشد والكمال.

١٩- امتلاك روحية التعاون بدلاً عن المحابة والتنافس ومساعدة الآخرين بدون مقابل.

20ـ الابتعاد عن قبول المدح والثناء المبالغ به وتملقات الآخرين والتي تتسبب بتعاسة الانسان.

وهناك موارد أخرى كالحركة الدائمة والمتواصلة لتحصيل العلم، واداء الواجب، وترتيب وضع عقلائي، والتعود على التفكير قبل النطق والعمل، وقد أعرضنا عن ذكرها مراعاة للاختصار. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.