المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
الجزر Carrot (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-24
المناخ في مناطق أخرى
2024-11-24
أثر التبدل المناخي على الزراعة Climatic Effects on Agriculture
2024-11-24
نماذج التبدل المناخي Climatic Change Models
2024-11-24
التربة المناسبة لزراعة الجزر
2024-11-24
نظرية زحزحة القارات وحركة الصفائح Plate Tectonic and Drifting Continents
2024-11-24

الكلام النفسي
5-08-2015
التكلم
25-10-2014
مركبات الأدغال البحرية الفعالة Seaweeds Bioactive Compounds
7-1-2020
دعوة معاوية لبيعة يزيد
6-4-2016
من مصادر مستدرك الوسائل / الجعفريّات.
2024-01-02
الدور الإنمائي للتجارة الدولية.
19-9-2016


أخبار عن المروانيين  
  
1495   10:10 صباحاً   التاريخ: 7/12/2022
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني
الكتاب أو المصدر : نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرّطيب
الجزء والصفحة : مج3، ص:334-347
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاندلسي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-28 278
التاريخ: 2023-02-09 1168
التاريخ: 2024-02-25 788
التاريخ: 28-1-2023 1283

أخبار عن المروانيين

۱۲۲- وحكي أن أيوب بن سليمان السهيلي المرواني حضر يوما عند ابن باجة والشاعر أبو الحسن ابن جودي هناك ، فتكلم المرواني بكلام ظهر فيه نبل وأدب ، فتشوف أبو الحسن ابن جودي لمعرفته ، وكان إذ ذاك في السن ، فقال له : من أنت أكرمك الله تعالى ؟ فقال : هلا سألت غيري عني فيكون ذلك أحسن لك أدباً ولي توفيراً ، فقال ابن جودي : قد سألت من المعرف عنك فلم يعرفك ، فقال : يا هذا لطالما علينا زمان يعرفنا من يجهل ، ولا يحتاج من يرانا فيه إلى أن يسأل ، وأطرق ساعة ، ثم رفع رأسه وأنشد:

أنا ابن الألى قد عوض الدهر عزهم              بذل وقلوا واستحبوا التنكرا

ملوك على مر الزمان بمشرق               وغرب دهاهم دهرهم وتغيرا

فلا تذكرتهم بالسؤال مصابهم             فإن حياة الرزء أن يتذكرا

ففطن ابن جودي أنه من بني مروان ، فقام وقبل رأسه ، واعتذر إليه ، ثم انصرف المرواني ، فقال ابن باجة لابن جودي : أساء أدبك بعد ما عهدت منك ؟ كيف تعمد إلى رجل في مجلسي تراني قد قربته وأكرمته وخصصته بالإصغاء إلى كلامه فتقدم عليه بالسؤال عن نفسه ؟ فاحذر أن تكون لك عادة ، فإنها من أسوا الأدب ، فقال ابن جودي : لم أزل من الشيخ على ما قاله أبو تمام:

نأخذ من ماله ومن أدبها

123- وحكي أن بكاراً المرواني(1) لما ترك وطنه وخرج في الجهاد وقتل، قال صاحب السقط : إنه اجتمع به في أشبونة فقال : قصدت منزله بها ، ونقرت

 

٣٣٤

الباب فنادى من هذا ؟ فقلت رجل ممن يتوسل لرؤيتك بقرابة ، فقال : لا قرابة إلا بالتقى ، فإن كنت من أهله فادخل ، وإلا فتنع عني فقلت : أرجو في الاجتماع بك والاقتباس منك أن أكون من أهل التقى ، فقال : ادخل ، فدخلت عليه فإذا به في مصلاه وسبحة أمامه ، وهو يعد" حبوبها ويسبح فيها ، فقال لي : ارفق علي" حتى أتمم وظيفتي من هذا التسبيح ، وأقضي حقك ، فقعدت إلى أن فرغ ، فلما قضى شغله عطف علي وقال : ما القرابة التي بيني وبينك ؟ فانتسبت له ، فعرف أبي وترحم عليه ، وقال لي : لقد كان نعم الرجل ، وكان لديه أدب ومعرفة ، فهل لديك أنت مما كان لديه شي؟ فقلت له : إنه كان يأخذني بالقراءة وتعلم الأدب ، وقد تعلقت من ذلك(2) بما أتميز به ، فقال لي : هل تنظم شيئا ؟ قلت : نعم وقد ألحاني الدهر إلى أن أرتزق به ، فقال يا ولدي إنه بشما يرتزق به ، ونعم ما يتحلى به إذا كان على غير هذا الوجه ، وقد قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن من الشعر لحكمة" ، ولكن تحل الميتة عند الضرورة ، فأنشدني أصلحك الله تعالى مما على ذكرك من شعرك، قال فطلبت بخاطري شيئا أقابله به مما يوافق حاله فما وقع لي إلا فيما لا يوافقه من مجون ووصف خمر وما أشبه ذلك ، فأطرقت قليلا ً ، فقال لعلك تنظم ، فقلت : لا ولكن أفكر فيما أقابلك به ، فقولي أكثره فيما حملني عليه الصبا والسخف ، وهو لائق بغير مجلسك ، فقال : يا بني ، ولا هذا كله ، إنا لا نبلغ من تقوى الله إلى حد تخرج به عن السلف الصالح ، وإذا صح عندنا أن عبد الله ابن عباس ابن عم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ومفسر كتاب الله تعالى

 

 

۳۳٥

فمن نحن حتى نأبى أن نسمع مثل هـذا ؟ والله لا نشذ عن السلف الصالح : أنشدني ما وقع لك غير متكلف ، فلم يمدني خاطري إلى غير قولي من شعر امجن فيه:

أبطأت عني ، وإني                    لفي اشتياق شديد

وفي يدي لك شيء                     قد قام مثل العمود

لو ذقته مرة لم                            تعد لهذا(3) الصلود

فتبسم الشيخ وقال أما كان في نظمك أطهر من هذا ؟ فقلت له : ما وفقت لغيره ، فقال : لا بأس عليك ، فأنشدني غيره ، ففكرت إلى أن أنشدته قولي:

ولما وقفت على ربعهم               تجرعت وجدي بالأجرع

وأرسل دمعي شرار الدموع                لنار تأجج في الأضلع

فقال علولي ، لما رأى                 بكائي: رفقا على الأدمع

فقلت له : هذه سنة                             لمن حفظ العهد في الأربع

قال : فرأيت الشيخ قد اختلط ، وجعل يجيء ويذهب ثم" أفاق وقال : أعد بحق آبائك الكرام ، فأعدت فأعاد ما كان فيه وجعل يردده ، فقلت له : لو علمت أن هذا يحركك ما أنشدتك إياه ، فقال : وهل محرك مني إلا خيراً وعظة ؟ يا بني إن هذه القلوب المخلاة الله كالورق التي جفت ، وهي مستعده لهبوب الرياح . فإن هب عليها أقل ريح لعب بها كيف شاء ، وصادف منها طوعه ، فأعجبني منزعه ، وتأنست به ، ولم أر عنده ما يعتاد من هؤلاء المتدينين من الانجماع والانكماش ، بل ما زال يبسطني ويحدثني بأخبار فيها هزل ، ويذكر لي من تاريخ بني أمية وملوكها ما أرتاح له ، ولا أعلم أكثره ، فلما كثر تأنسي به

 

٣٣٦

أهويت إلى يده كي أقبلها، فضمها بسرعة ، وقال : ما شأنك ؟ فقلت : راغباً لك في أن تنشدني شيئا من نظمك ، فقال : أما نظمي في زمان الصبا فكان له وقت ذهب ، ويجب للنظم أن يذهب معه ، وأما نظمي في هذا الوقت فهو فيما أنا بسبيله ، وهو يثقل عليك ، فقلت له : إن أنصف سيدي الشيخ نفعنا الله تعالى به أنشدني من نظم صباه ، ومن نظم شيخوخته(4) فيأخذ كلانا بحظه فضحك وقال : ما أعصيك وأنت ضيف وقريب ولك حرمة أدب ووسيلة قصد ، ثم أنشدني وقد بدا عليه الخشوع وخنقته العبرة:

ثق بالذي سواك من                            عدم فإنك من عدم

وانظر لنفسك قبل قر                          ع السن من فرط الندم

واحذر وقيت من الورى           واصحبهم أعمى أصم

قد كنت في تيه إلى                      أن لاح لي أهدى علم

فاقتدت نحو ضيائه                            حتى خرجت من الظلم

لكن قناديل الهوى                     في نور رشدي كالحمم

قال : فو الله لقد أدركني فوق ما أدركه ، وغلب على خاطري بما سمعت من هذه الأبيات ، وفعلت بي من الموعظة غاية لم أجد منها التخلص إلا بعد حين ، فقال لي الشيخ إن هذه يقظة يرجى معها خيرك ، والله مرشدك ومنقذك ، قال لي يا بني هذا ما نحن بسبيله الآن ، فاسمع فيما مضى والله ولي المغفرة ، وإنا لنرجو منه غفران الفعل ، فكيف القول ، وأنشد:

أطل عذار على خده                            فظنوا سلوي عن مذهبي

وقالوا غراب لوشك النوى                فقلت اكتسى البدر بالغيهب

وناديت قلبي أين المسير            وبدر الدجى حل في العقرب

 

۳۳۷

فقال ولو رمت عن حبه            رحيلا عصيت ولم أذهب

قال: فسمعت ما يقصر عنه صدور الشعراء وشهدت له بالتقدم وقلت له : لم أر أحسن من نظمك في جد ولا هزل ، ثم قلت له : أأرويه عنك ؟ فقال : نعم ، ما أرى به بأسا بعد اطلاع من يعلم السرائر ، على ما في الضمائر ، فما قدر هذه الفكاهة في إغضاء من يغفر الكبائر ، ويغضي عن العظائم ؟ قال فقلت له : فإن أسبغت علي النعمة بزيادة شيء من هذا الفن فعلت ما تملك به قلبي آخر الدهر ، فقال : يا بني لا ملك قلبك غير حب الله تعالى ، ثم قال ولا أجمع عليك رد قول ومنعاً ، وأنشد:

أيها الشادن الذي                      حسنه في الورى غريب

لحظ ذاك الجمال يطفئ               ما بي من اللهيب

وعليـه أحوم دهري                            ولكنني أخيب

قال : فمازج قلبي من الرقة واللطافة لهذا الشعر ما أعجز عن التعبير عنه ، فقلت له زدني زادك الله تعالى خيراً ، فأنشدني:

ما كان قلبي يدري قدر حبكم                      حتى بعدتم فلم يقدر على الجلد

وكنت أحسب أني لا أضيق به             ذرعاً فما حان حتى فت في عضدي

 ثم استمرت على كره مريرته               فكاد يفرق بين الروح والجسد

عساكم أن تلاقوا باللقا رمقي                       فليس لي مهجة تقوى على الكمد

 

ثم قال : حسبك ، وإن كلفتني زيادة فالله حسبك ، فقلت له : قد وكلتني إلى كريم غفور رحيم ، فبالله إلا ما زدتني . وأكببت لأقبل رجليه ، فضمهما وأنشد:

 

۳۳۸

الله من قال لما                  شكوت فيه نحولي

أما السبيل لوصل            فما له من وصول

فقلت حسبي التماح                  بحسن وجه جميل

وجه تلوح عليه               علامة للقبـول

فقـال دعني فهذا             تعرض للفضول

فقلت عاتب وخاطب               بالأمن أهل العقول

فملأ سمعي عجائب ، وبسط أنسي ، وكتبت كل ما أنشدني ، ثم قلت له : لولا خوفي من التثقيل عليك لم أزل أستدعي منك الإنشاد حتى لا تجد ما تنشد ، فقال : إن عدت إن شاء الله تعالى إلى هنا تذكرت ، وأنشدتك ، فما عندي مما أضيفك غير ما سمعت ، وما تراه ، ثم قام وجاء من بيت آخر في داره بصحفة فيها حساً من دقيق وكسور باردة ، فجعل يفت فيها م ثم أشار إلي أن أشرب فشربت ثم شرب إلى أن أتينا على آخرها(5)، ثم قال لي : هذا غذاء عمك نهاره ، وإنه لنعمة من الله تعالى أستديم بشكرها اتصالها ، قال : فقلت له : يا عم ، ومن أين عيشك ؟ فقال : يا بني ، عيشتي بتلك الشبكة أصطاد بها في سواحل البحر ما أقتات به، ولي زوجة وبنت يعود من غزلهما مع ذلك ما نجد فيه معونة ، وهذا مع العافية والاستغناء عن الناس خير كثير ، جعلنا الله تعالى ممن يلقاه على حالة يرضاها ، وختم لنا بخاتمة لا يخاف معها فضيحة ، قال : فتركته وقمت وفي نيتي أن أعود إلى زيارته ، ونويت أن يكون ذلك بعد أيام خوف التثقيل ، فعدت إليه بعد ثلاثة أيام ، فنقرت الباب ، فكلمتني المرأة بلسان عليه أثر الحزن ، وقالت : إن الشيخ خرج إلى الغزو ، وذلك بعد انفصالك عنه بيوم ، ناله كالجنون ، فقلت له : ما شأنك ؟ فقال : أريد أن أموت شهيداً في الغزو ، وهؤلاء جيران لي قد

 

۳۳۹

ماض۔ معهم ورمح وتوجه عزموا على الغزو ، وأنا إن شاء الله تعالى ، ثم احتال في سيف ، وقال : نفسي هي التي قتلتني بهواها ، أفلا أقتص منها فأقتلها ؟ قال : فقلت لها : من خلف للنظر في شأنكم ؟ فقالت : ليس ذلك لك ، فالذي خلفنا له لا نحتاج معه إلى غيره ، فأدركني من جوابها روعة ، وعلمت أنها مثله زهدا وصلاحاً ، فقلت : إني قريبه ، ويجب علي أن أنظر في حالكم بعده ، فقالت : يا هذا إنك لست بذي محرم ، ولنا من العجائز من ينظر منا ويبيع غزلنا ويتفقد أحوالنا ، فجزاك الله تعالى عنا خيراً ، انصرف عنا مشكوراً ، فقلت لها : هذه دراهم خذوها تستعينوا بها، فقالت : ما اعتدنا أن نأخذ شيئاً من غير الله تعالى ، وما كان لنا أن نخل بالعادة، فانصرفت نادماً على ما فاتني من الاستكثار من شعر الشيخ والتبرك بزيادة دعائه، ثم عدت بعد ذلك لداره سائلا عنه، فقالت لي المرأة : إنه قد قبله الله تعالى ، فعلمت أنه قد قتيل، فقلت لها : أقتل ؟ فرأت : {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله ـ الآية} (آل عمران : 169) فانصرفت معتبراً من حاله ، رحمه الله تعالى ورضي عنه ونفعنا به ، وكانت للمروانيين بالأندلس يد عليا ، في الدين والدنيا . انتهى.

١٢٤ - وقال محمد بن أيوب المرواني ، لما كلف قوما حاجة له سلطانية فما نهضوا بها فكلفها رأس بني مروان القائد سعيد بن المنذر ، فنهض بها:

 

نهضت بما سألتك غير وان                           وقد صعبت لسالكها الطريق    

وليس يبين فضل المرء إلا                             إذا كلفته ما لا يطيق

وعتبه يوما سعيد بن المنذر في كونه يتعرض لمدح خدام بني مروان ، فقال له : أعز الله تعالى القائد الوزير ، إنكم جعلتموني ذنبا وجعلوني رأساً ، والنفس تتوق إلى من يكرمها وإن كان دونها أكثر منها إلى من يهينها وإن كان فوقها،

 

٣٤٠

وإني من هذا وهذا في أمر لا يعلمه إلا الذي أبلاني به ويا ويح الشجي من الخلي ، وأنا الذي أقول فيما يتخلل هذا المنزع :

نسبت لقوم ليتني نجل غيرهم                     فلي نسب يعلو وحظي يسفل

أقطع عمري بالتعلل والمنى                          وكم يخدع المرء اللبيب التعلل

فما لي مكان ارتضيه لهمة                      ولا مال منه استعف وأفضل

ولكنني أقضي الحياة تجملا                           وهل يهلك الانسان إلا التجمل

فقال له سعيد : قصدنا لومك فعطفت اللائمة علينا ، ونحن أحق بها ، وسننظر إن شاء الله تعالى فيما يرفع اللوم عن الجانبين ، ثم تكلم مع الناصر في شأنه ، فأجرى له رزقا أغناه عن التكفف فكانت هذه من حسنات سعيد وأياديه.

١٢٥ - وقال المطرف بن عمر(6) المرواني يمدح المظفر بن المنصور بن أبي عامر:

إن المظفر لا يزال مظفراً                      حكماً من الرحمن غير مبدل

وهو الأحق بكل ما قد حازه                         من رفعة ورياسة وتفضل

تلقاه صدرا كلما قلبته                                   مثل السنان بمحفل وبجحفل

وحضر يوماً مع شاعر الأندلس في زمانه ابن دراج القسطلي ، فقال له القسطلي أنشدني أبياتك التي تقول فيها:

على قدر ما يصفو الخليل يكدر

فأنشده :

تخيرت من بين الأنام مهذباً                           ولم أدر أني خائب حين أخبر

فمازجني كالراح للماء ، واغتدى                   على كل ما جشمته يتصبر

 

341

إلى أن دهاني إذ أمنت غروره               سفاها وأد اني لما ليس يذكر

وكدار عيشي بعد صفو، وإنما              على قدر ما يصفو الخليل يكدر

فاهتز القسطلي وقال والله إنك في هذه الأبيات لشاعر . وأنا أنشدك فيما يقابلها لبلال بن جرير:

لو كنت أعلم أن آخر عهدهم                       يوم الفراق فعلت ما لم أفعل

ولكن جعل نفسه فاعلا وعرضت نفسك لأن يقال : إنك مفعول ، فقال : ومن أين يلوح ذلك ؟ فقال القسطلي من قولك ، وأد اني لما ليس يذكر، فما يظن في ذلك إلا أنه أداك إلى موضع فعل بك فيه ، فاغتاظ الأموي وقال : يا أبا عمر . ومن أين جرت العادة بأن تمزح معي في هذا الشأن ؟ فقال له : حلم بني مروان يحملنا على أن تخرق العادة في الحمل على مكارمهم ، فسكن غيظه.

وكتب المرواني المذكور إلى صاحب له يستعير منه دابة يخرج عليها للفرجة والخلاعة : أنهض الله تعالى سيدي بأعباء المكارم ، إن هذا اليوم قد تبسم | بعدما بكى ودقه ، وصقلت أصداء أوراقه ، وفتحت أحداق حدائقه ، وقام نوره خطيبا على ساقه، وفضضت غدرانه . وتوجت أغصانه ، وبرزت شمسه من حجابها ، بعدما تلفعت بسحابها ، وتنبه في أرجاء الروض أرج النسيم . وعرف في وجهه نضرة النعيم. وقد دعا كل هذا ناظر أخيك إلى أن يجيله في هذه المحاسن . ويجدد نظره في المنظر الذي هو غير مبتذل والماء الذي هو غير آسن ، والفحص اليوم أحسن ما ملح، وأبدع ما حرن فيه وجمح بإعارة ما أنهض عليه لمشاهدته ويرفع عني خجل الابتذال . بمناكفة الأنذال لا زلت نهاضا بالآمال . مستعفا بمراد كل خليل غير مقصر ولا آل .

١٢٦- وكتب الأمير هشام بن عبد الرحمن إلى أخيه عبد الله المعروف بالبلنسي حين فر كتاباً يقول في بعض فصوله : والعجب من فرارك دون أن

 

٣٤٢

ترى شيئا . فخاطبه بجواب يقول فيه : ولا تتعجب من فراري دون أن أرى شيئا ، لأنني خفت أن أرى ما لا أقدر على الفرار بعده ، ولكن تعجب مني أن حصلت في يدك بعدما أفلت منك .

وقال له وزيره أحمد بن شعيب البلنسي: أليس من العار أن يبلغ بك الخور من هذا الصبي أن تجعل بينك وبينه البحر . وتترك بلاد ملكك وملك أبيك ؟ فقال : ما أعرف ما تقول ، وكل ما وقي به إتلاف النفس ليس بعار . بل هو محض العقل ، وأول ما ينظر الأديب في حفظ رأسه ، فإذا نظر في ذلك نظر فيما بعده .

 

۱۲۷ – وقال عبد الله بن عبد العزيز الأموي ويعرف بالحجر(7):

اجعل لنا منك حظا أيها القمر             فإنما حظنا من وجهك النظر

راك ناس فقالوا : إن ذا قمر                          فقلت: كفوا فعندي منهما الخبر

البدر ليس بغير النصف بهجته            حتى الصباح وهذا كله(8) قمر

۱۲۸- وقال أبو عبد الله محمد بن محمد بن الناصر يرثي أبا مروان ابن سراج(9):

وكم من حديث للنبي أبانه                           وألبسه من حسن منطقه وشيا

وكم مصعب للنحو قد راض صعبه             فعاد ذلولا بعدما كان قد أعيا

129- وحكي أنه دخل بعض شعراء الأندلس على الفقيه سعيد بن أضحى ، وكان من أعيان غرناطة فمدحه بقصيدة ، ثم بموشحة ، ثم بزجل ، فلم

 

٣٤٣

 

يعطه شيئا ، بل شكا إليه فقرا ، حتى إنه بكى ، فأخذ الدواة والقرطاس وكتب ووضع بين يديه:

شكا مثال الذي أشكوه من عدم                   وساءه مثل ما قد ساءني فبكى

إن المقل الذي أعطاك دمعته                          نعم الجواد فتى أعطـاك ودمعته

130 - وقال ابن خفاجة (10):

نهر كما سال(11) اللمى سلسال                  وصبا بليل ذيلها مكسال

ومهب نفحة روضة مطلولة                         فيها لأفراس النسيم(12) مجال

غازلته والأقحوانة مبسم                    والآس صدغ والبنفسج خال

و قال(13):

وساق كحيل الطرف(14) في شأو حسنه               جماح ، وبالصبر الجميل حران

ترى للصبا نارا بخديه لم يشر               لها من سوادي عارضيه دخان

سقانا وقد لاح الهلال عشية                          كما اعوج في درع الكمي سنان

وقد جال من جون الغمامة أدهم                   له البرق سوط والعنان عنان

وضمخ ردع الشمس نحر حديقة                 عليه من الطل السقيط جمان

ونمت بأسرار الرياض خميلة                        لها النور ثغر والنسيم لسان

 

٣٤٤

وقال في وصف فرس أصفر ، ولم يخرج عن طريقته(15):

وأشقر تضرم منه الوغى                     بشعلة من شعل الباس

جلنار ناضر لونه                                وأذنه من ورق الآس

يطلع للغرة في شقرة                                     حبابة تضحك في الكاس

131- وقال أبو بكر يحيى(16) بن سهل اليكي يهجو:

أعد الوضوء إذا نطقت به                   مستعجلا من قبل ان تنسى

واحفظ ثيابك إن مررت به                           فالظل منه ينجس الشمسا

۱۳۲- وقال ابن اللبانة(17):

أبصرته قصر في المشيه                         لما بدت في خده لحيه

قد كتب الشعر على خده                     { او كالذي مر على قريه }

133 - وقال الوزير الكاتب أبو محمد [ ابن ] عبد الغفور الإشبيلي في الأمير أبي بكر سير من أمراء المرابطين ، وكتب بها إليه في غزاة غزاها (18):

سر حيث سرت يحله الثوار                           وأراك فيه مرادك المقدار

وإذا ارتحلت فشيعتك سلامة                        وغمامـة لا ديمـة مدرار

تنفي الهجير بظلها وتنيم بالرش                    القتام وكيف شئت تدار

وقضى الإله بأن تعود مظفراً                وقضت بسيفك نحيتها(19) الكفار

 

 

٣٤٥

هذا غير ما تمناه الجعفي حيث قال(20): حيث ارتحلت وديمة(21)، وما تكاد تنفذ معها عزيمة ، وإذا ستفتحت على ذي سفر ، فما أحراها بأن تعوق عن الظفر ، ونعتها بمدرار ، فكان ذلك أبلغ في الإضرار ، وما أحسن قول القائل:

فسر ذا راية خفقت بنصر                              وعد في جحفل بهيج الجمال

إلى حمص فأنت بها حلي                       تغاير فيه ربات الحجال

134 – وقال الحجاري في "المسهب": كتبت إلى القاضي أبي عبد الله محمد اللوشي أستدعي منه شعره لأكتبه في كتابي ، فتوقف عن ذلك وانقبض عني ، فكتبت إليه :

يا مانعا شعره عن سمع ذي أدب                  نائي المحل بعيد الشخص مغترب

يسير عنك به في كل منتجه                            كما يمر نسيم الربح بالعذب

إني وحقك أهل أن أفوز به                           واسأل فديتك عن ذاتي وعن أدبي

فكان جوابه :

يا طالبا شعر من لم يسم في الأدب                 ماذا تريد بنظم غير منتخب

إني وحقك لم أبخل به صلفـاً                         ومن يضن على جيد بمخشلب

لكني صنت قدري عن روايتـه            فمثلـه قل عن سام إلى الرتب

خذه إليك كما أكرهت مضطرباً           محللاً ذم مولاه مدى الحقب

قال : ثم كتب لي مما أتحفني به من نظمه محاسن أبهى من الأقمار وأرق من نسيم الأسحار

 

٣٤٦

135- وقال صالح بن شريف في البحر وهو أحسن ما قيل فيه:

البحر أعظم مما أنت تحسبه                            من لم ير البحر يوما ما رأى العجبا

طام له حبب طاف على زرق               مثل السماء إذا ما ملئت(22) شهبا

وقال أيضا:

ما أحسن العقل وآثاره                        لو لازم الإنسان إيثاره

يصون بالعقل الفتى نفسه                             كما يصون الحر أسراره

لا سيما إن كان في غربة                        يحتاج أن يعرف مقداره

136- وقال ابن برطله(23):

خطوب زماني ناسبتني غرابة              لذلك يرميني بهن مصيب

غريب أصابته خطوب غريبة              وكل غريب للغريب نسيب

وهذا من أحسن التضمين ، الذي يزري بالدر الثمين.

۱۳۷ – ودخل ابن بقي الحمام وفيه الأعمى التشطيلي فقال له: أجز(24):

حمامنا كزمان القيظ محتدم                             وفيه للبرد صر غير ذي ضرر

فقال الأعمى :

ضد ان ينعم جسم المرء بينهما              كالغصن ينعم بين الشمس والمطر

ولا يخفى حسن ما قال الأعمى .

 

347

وقد ذكر في " بدائع البدائه "(25) البيتين معا منسوبين إلى ابن بقي ولنذكر كلامه برمته لما اشتمل عليه من الفوائد ، ونصه : ذكر ابن بسام قال : دخل الأديبان أبو جعفر ابن هريرة التشطيلي المعروف بالأعمى وأبو بكر ابن بقي الحمام ، فتعاطيا العمل فيه ، فقال الأعمى:

يا حسن حمامنا وبهجته                        مرأى من السحر كله حسن

ماء ونار حواهما كنف                         كالقلب فيه السرور والحزن

ثم أعجبه المعنى فقال:

ليس على لهونا مزيد                                      ولا لحمامنا ضريب

ماء وفيه لهيب نار                               كالشمس في ديمة تصوب

وأبيض من تحته رخام                         كالثلج حين ابتدا بذوب

وقال ابن بقي :

حمامنا فيه فصل القيظ ـ البيتين

فقال الأعمى وقد نظر فيه إلى فنى صبيح:

هل استمالك جسم ابن الأمير وقد                سالت عليه من الحمام أنـداء

كالغصن باشر حر النار من كتب                  فظل يقطر من أعطافه المـاء

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- انظر أخبار بكار وأشعاره في المغرب 1: 415 .

2- م : بذلك

3- م: تصد هذا .

4- ق ب : شيخه

5- ب : على آخره .

6- ب : عمير.

7- الجذوة : ٢٤٤ ( وبغية الملتمس رقم : ۹۳۳).

8- الجذوة: البدر ليلة نصف الشير ... وهذا دهره.

9- الذخيرة ۱ /۲ : ۳۱۷.

10- ديوان ابن خفاجة : 119 والنفح ۳ : ۲۰۲ .

11- الديوان : ساغ.

12- الديوان : في جلهتيها النسيم.

13- ديوان ابن خفاجة 235 وقد تقدمت الأبيات ص : ۲۰۲ من هذا المجلد.

14- ديوانه : لخيل اللحظ ؛ وهو أصوب

16- ديوانه: ١٢٣ ومرت الأبيات ص : ٢٠٢ من هذا المجلد.

في الأصول محمد ، وهو خطأ اقتضى التصويب.

17- القلائد: ۲۰۲.

18- القلائد: ١٦٣ والمقرب 1: ۱۳۷ .

19-  ب م : نحوها.

20- القلائد : هذا ما تمناه الولي لا ما تمناه الحسني حيث قال .

21- يريد قول المتنبي:

 وإذا ارتحلت نشيمتك سلامة                       حيث اتجهت وديمة مدرار

22- م : حليت.

23- م: برطالة.

24- انظر مطالع البدور ۲ :۱۰

25- البدائع 1 : ٢٤٢ و الذخيرة 1/1 : 258 .

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.