أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-02
1164
التاريخ: 2023-09-02
1487
التاريخ: 26-8-2016
1029
التاريخ: 2024-04-03
684
|
ترجمة الكليني:
هو الشيخ محمد بن يعقوب بن إسحاق "أبو جعفر الكلينيّ" وكان خاله علّان الكلينيّ الرازيّ شيخ أصحابنا في وقته.
و"كُلَين": قرية تابعة لبلاد الريّ، ولا زالت تُعرف باسمها إلى يومنا هذا، وقد شُيّد فيها قبر لأبيه، يُزار إلى أيّامنا هذه، ما يدلّ على عظم مرتبته وعلوّ شأنه.
وأمّا الشيخ الكليني - أبو جعفر - فقد لُقّب بثقة الإسلام، وقد أطراه كلّ من ترجمه من الخاّصة، ويكفيك ما قاله النجاشي في ترجمته إنّه: "شيخ أصحابنا في وقته بالريّ ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم.. ومات (رحمه الله) أبو جعفر الكلينيّ ببغداد سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، سنة تناثر النجوم، وصلّى عليه محمد بن جعفر الحسنيّ أبو قيراط، ودفن بباب الكوفة..." (1).
هذا ولا أريد أن أتتبّع ما قيل في حقّه من إعظام وإجلال وإكرام؛ لأنّ مدحه وإعظامه أوضح من أن يوضّح فإنّه كالشمس في رائعة النهار(2).
تعريف الكتاب:
إنّ من أهمّ المصادر الروائيّة التي وصلتنا بلا منازع كتاب الكافي، وكان قد ألّفه الكلينيّ بطلب من بعض رجال الشيعة على أن يكون كتاباً كافياً يجمع فيه من جميع فنون علم الدين، ما يكتفي به المتعلّم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين (عليهما السلام) والسنن القائمة التي عليها العمل وبها يؤدي فرض الله (عز وجل) وسنّة نبيه (صلى الله عليه وآله) فقال (رحمه الله): وقد يسّر الله وله الحمد تأليف ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخّيت.
فالكتاب أحرز أهميّته من وجوه متكاثرة، ومن جملتها أنّه كتاب كافٍ يجمع فنون علم الدين، وأنّه آثار صحيحة عن الصادقين (عليهما السلام).
وكان قد ألّفه صاحبه في مدّة عشرين سنة كما ذكر ذلك النجاشي في ترجمته حيث قال: "صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكلينيّ، يسمّى "الكافي" في عشرين سنة" (3).
هذا وقد أطرى على الكتاب علماؤنا المتقدّمون والمتأخّرون، بل وصفوه بما لم يوصف به غيره، فقال المفيد (رحمه الله): "إنّه أجلّ كتب الشيعة وأكثرها فائدة". وقال الشهيد في إجازته للشيخ زين الدين أبي الحسن علي بن الخازن: إنّه "لم يُعمل للإماميّة مثله" وقال صاحب البحار: إنّه "أضبط الأصول وأجمعها وأحسن مؤلّفات الفرقة الناجية وأعظمها"، وغيرها من الكلمات التي أبرزت أهميّة الكتاب وعظم شأنه.
وكان قد ألّفه صاحبه وقسّمه إلى ثلاثة أقسام، الأول: في العقائد وعُرف بـ " أصول الكافي" والثاني في الفقه وعُرف ب "فروع الكافي" والثالث في أبواب متفرّقة وعُرف ب "روضة الكافي" ومجموع أخباره على ما أحصي ستة عشر ألفا ومائة وتسعة وتسعون حديثا، كلّها مسندة عن المعصوم (عليه السلام) إلا الشاذ النادر.
طريق وصول الكتاب:
لا ينبغي البحث حول طريق وصول الكتاب إلينا بعدما تلقّفه المحدّثون والفقهاء منذ الزمن الأوّل للكتاب وتلقّوه بالقبول والإشادة، حتى اشتهر أمره ووصلنا - قطعة - بطريق التواتر إذ ما من طبقة إلا وتناقل الاماميّة فيها كتاب الكافي، وهذه إجازات علمائنا شاهدة على ذلك، فمن أرادها فليرجع إلى مظانّها.
محلّ البحث:
اختلفت كلمات الأصحاب حول صحّة العمل بأخبار الكافي دون الرجوع إلى أسانيد الكتاب صحّة أو ضعفاً، فقد ذهب الاخباريّون وتبعهم بعض الأصوليّين إلى صحّة جميع ما في الكافي لقرائن متكاثرة وذلك كالميرزا النائينيّ من المتأخّرين إذ نقل عنه تلميذه السيد الخوئي أّنه كان يقول "إنّ المناقشة في إسناد روايات الكافي حرفة العاجز" (4).
هذا وكان أستاذنا السيد محمد مفتي الشيعة - أنار الله مضجعه الشريف - يقول بصحّة كتاب الوسائل فضلاً عن كتاب الكافي، وقد ناقشناه طويلا، إلا أنّه بقي على مقالته حتى توفّاه الله.
فيما ذهب آخرون - ولعلّهم الأكثر - إلى لزوم العمل بقواعد الجرح والتعديل في أخباره كلّها، فيما صحّ منها كان حجّة، وإلا سقطت حجيّتها للضعف، وذلك كالسيّد الخوئيّ (قُدّس سرّه) من المتأخّرين وغيره.
إذن محلّ الكلام هو إمكانيّة العمل بروايات الكافي مطلقا - أي سواء كانت أسانيده صحيحة أم ضعيفة - أم أنّها خاضعة لقواعد الجرح والتعديل، وذلك كأكثر الكتب الموجودة بين أيدينا.
ولهذا لا بدّ من بحث الأدلّة المثبتة والنافية فنقول والله المستعان:
أدلة المثبتين:
الدليل الأول: ما أفاده الشيخ الكليني في ديباجة كتابه حيث قال (رحمه الله): "فاعلم يا أخي رحمك الله.. وذكرت أنّ أموراً قد أشكلت عليك، لا تعرف حقائقها لاختلاف الرواية فيها، وأنّك تعلم أنّ اختلاف الرواية فيها لاختلاف عللها وأسبابها، وأنّه لا تجد بحضرتك من تذاكره وتفاوضه ممّن تثق بعلمه فيها، وقلت: إنّك تحبّ أن يكون عندك كتاب كافٍ يُجمع فيه من جميع فنون علم الدين، ما يكتفي به المتعلّم ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين (عليهما السلام) والسنن القائمة التي عليها العمل، وبها يؤدّي فرض الله (عزّ وجلّ) وسنّة نبيّه (صلى الله عليه وآله)، وقلت: لو كان ذلك رجوت أن يكون ذلك سببا يتدارك الله بمعونته وتوفيقه إخواننا وأهل ملتنا ويقبل بهم إلى مراشدهم.
فاعلم يا أخي أرشدك الله أنّه لا يسع أحداً تمييز شيء ممّا اختلفت الرواية فيه عن العلماء (عليهم السلام) برأيه، إلا على ما أطلقه العالم بقوله (عليه السلام) "اعرضوهما على كتاب الله (عز وجل)، فما وافق كتاب الله (عز وجل) فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه" وقوله (عليه السلام): "دعوا ما وافق القوم، فإنّ الرشد في خلافهم". وقوله (عليه السلام): "خذوا بالمجمع عليه، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه". ونحن لا نعرف من ذلك إلا أقلّه، ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم (عليه السلام)، وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله: "بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم". وقد يسّر الله وله الحمد تأليف ما سألتَ، وأرجو أن يكون بحيث توخيت.."(5) انتهى موضع الحاجة من كلامه (رحمه الله).
والذي يظهر من كلام الكليني (رحمه الله) أنّه اعتمد خصوص الصحيح من الأخبار، إذ أنّه أراد من كتابه أن يكون مورد عمل للسائل "ولإخواننا وأهل ملّتنا.. في دهرنا هذا، وفي غابره إلى انقضاء الدنيا" وقد صرّح بمراده حيث قال: " والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين (عليهما السلام)".
فما كان كذلك لا بد أن يكون معلوم الصدور عنده حتى يلتزم بأنّ كتابه هذا هو علم الدين والآثار الصحيحة عن الصادقين (عليهما السلام).
وقد ناقش السيد الخوئيّ دلالة قوله والتزم بأنّ الكليني إنّما أراد أنّ في كتابه الصحيح، وليس كلّ ما ذكره هو صحيح، وأعطى على ذلك قرائن، منها: أنّ الكليني روى عن غير المعصوم في كتابه مرّات عدّة، ومنها: أنّ فيه المرسل والرواية عن المجاهيل، ومنها: أنّ فيه روايات شاذة (6).
لكنّك خبير بأنّ كليّات الكليني لا تتأتّى مع ما أفاده (رحمه الله).
أقول: الذي يصلح جوابا على القائلين بصحّة الكتاب كلّه أنّ الكليني (رحمه الله) اعتمد على قرائن الصدور والتي لم تصل إلينا وذلك لبداهة روايته عن الضعاف واعتماده المراسيل كثيراً، وأنت خبير بأنّ قرائن الصدور قد يعتمدها فقيه ويعرض عنها آخر، ومع ذلك كيف يمكن أن تعتمد مراسيله أو الضعاف من أخباره؟! هذا أولا.
ثانيا: إنّ مذهب الكلينيّ عند التعارض هو التخيير كما صرّح بذلك في المقدمة عند قوله (عليه السلام) "بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم" والذي يظهر منه أنّ التعارض بين الأخبار كان كثيراً جدا حتى قال (رحمه الله) : "فاعلم يا أخي: أنّه لا يسع أحداً تمييز شيء ممّا اختلفت الرواية فيه عن العلماء (عليهم السلام)" ومن الواضح أنّه (رحمه الله) لم يذكر الطائفتين المتعارضتين حتى نُعمل نحن قواعد التعارض، إنّما روى الطائفة التي يراها محلّ عمل خاصّة دون الأخرى، ومع هذا كيف يمكننا العمل بما يراه مورد عمل، إذ لعلّه لو وصلتنا الطائفتان لعملنا بما ترك وتركنا ما عمل.
وبعبارة أخرى: أنّ اجتهاد الفقيه حجّة على نفسه لا على غيره، بل لعلّنا لو وصلتنا الطائفتان لأعرضنا عنهما جميعا ولقلنا بالتساقط، إذ محلّ كلامه - كما هو بيّن - في التعارض المستقرّ.
ثالثا: إنّه (رحمه الله) أعمل قواعد الترجيح في الخبرين المتنافيَين من العرض على كتاب الله (عز وجل) أو العمل بما خالف القوم، وأنت خبير بأنّ بحث التعادل والتراجيح فيه اختلاف كبير من حيث العمل بين الفقهاء - وليس الآن محلّ ذكره - إذ المسألة اجتهاديّة نظريّة، ومعها كيف يُعمل بنظر الغير دون النظر إلى الطائفة المعارضة؟
ولعلّه لهذا كلّه لم نرَ أحداً من القدماء - مع مدحهم الكتاب - سلّم بصحّة أخباره كلّها، بل من المعلوم والمقطوع به إعراضهم عن كثير من أخباره كما صرّح بذلك القدماء وسيأتيك بعضها فانتظر.
وقد تلخّص ممّا ذكرت أنّ الكليني (رحمه الله) ممّن يؤمن بصحّة العمل بأخبار كتابه كلّه، لا بصحّة رواياته سندا إذ فرّق بين تصحيح العمل وصحّة الأخبار، وإيمانه كذلك حجّة على نفسه دون غيره، ولهذا لا يصحّ الدليل الأول للعمل فانتبه!
الدليل الثاني: كونه (رحمه الله) قد ألّف كتابه في زمن الغيبة الصغرى وعلى مسمع ومرآى من السفراء الأربعة، إذ أنّ وفاته كانت في السنة التي تُوفّي فيها السفير الرابع، وكان قد روى كتابه في بغداد وسكنها ودفن فيها، ولمّا كنّا نعلم أنّ كتب الأصحاب كثيراً ما كانت تُعرض على المعصوم (عليه السلام) ككتاب الحلبيّ أو يونس بن عبد الرحمن أو كتاب الشلمغانيّ فلا بدّ من عرض كتاب الكلينيّ على أحد السفراء؛ لأنّه كان كتاباً للعلم والعمل بأمور الدين والدنيا. - هذا غاية ما يمكن أن يُقال.
وفيه أولا: أنّ كتاب الكلينيّ كُتِبَ في الريّ وليس في بغداد، ومشايخه في الرواية معروفون مشهورون وقد ذكر أسمائهم في بداية الأخبار، ما يُعلم معه أنّه حين تأليفه لم يكن لا على مسمع ولا على مرأى من السفراء (رحمهم الله برحمته).
ثانيا: لم يكن من دأب المحدثين عرض كتبهم على المعصومين (عليهم السلام)، وما قيل من العرض إنّما كان بالعَرَض، لا بالأصل كما هو معلوم، ولهذا لم يصلنا ممّا قيل إنّه عُرض على المعصوم (عليه السلام) في أكثر من عدد الأصابع من بين آلاف الكتب.
ثالثا: تصريح الكلينيّ نفسه بأنّه عند التعارض المستقرّ لجأ إلى التخيير، وقبله أعمل قواعد التعادل والتراجيح، فلو كان الكتاب معروضا على المعصوم (عليه السلام) لكان أولى بالذكر من جهة ولما احتاج إلى تلك الطريقة من جهة أخرى.
الدليل الثالث: ما ذكره النجاشي (رحمه الله) حين ترجم الكلينيّ إذ قال: "صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكلينيّ، يسمّى "الكافي" في عشرين سنة" (7).
ومن المعروف أنّ تدوين كتاب روائي بثمانية مجلّدات لا يحتاج إلى تلك المدّة من الزمن، ما يعني أنّ تأخّره هذه المدّة في تصنيفه إنّما كان للتحقّق من رواياته، وأنّه لم يدوّن فيه إلا الصادر عن المعصوم (عليه السلام)، وممّا يؤيّد هذه المقالة أنّا نرى القدماء جدّوا واجتهدوا كثيراً حتّى يُوصلوا خصوص الصحيح إلى من بعدهم، ولهذا كان لهم طرق في تحمّل الرواية، وأنّهم لم يكونوا ليقرأوا كتابهم إلا بعد العلم ومعرفة السامع حتّى لا يقع في الكتب أي تحريف من زيادة أو نقصان، وكان بعض الكتب مشهوراً عليها المعوّل وإليها المرجع، ما يلزم منه أنّ الكلينيّ لا بدّ أنّه اعتمد خصوص تلك الكتب والأخبار حتى ضمّن كتابه الأخبار الصحيحة عن الصادقين (عليهما السلام).
وفيه أولا: أنّ طول المدّة في التأليف وإن كان قرينة على استخراج الصحيح من الأخبار، إلا أنّه قرينة ظنيّة لا تكفي للقول بحجيّة الخبر.
ثانيا: أنّ ما ضمّنه كتابه إنّما هو الصحيح على ما يرى خاصّة، وما التزمه لا يلزم غيره.
ثالثا: أنّه من المطمئن به أنّ طول المدّة إمّا كان لانشغاله بأمور أخرى لا لتضمين كتابه خصوص الصحيح من الأخبار، وإلا لأمكن تأليفه في سنتين أو ثلاث مع المثابرة كما عهدنا كثيراً من علمائنا وقد كتبوا كتبا استدلاليّة وعميقة ومورد بحث وتحقيق في سنوات معدودات قد لا تصل إلى ربع مدّة الكليني في تأليفهم ولهذا لا يكون طول المدّة قرينة على صحّة الأخبار.
الدليل الرابع: ما اشتهر من القول أنّ الإمام (صلوات الله وسلامه عليه وعجّل الله فرجه الشريف) قال: "الكافي كافٍ لشيعتنا" وفيه: أنّ المذكور ليس خبراً لا صحيحاً ولا ضعيفاً، ولا يوجد في أيّ من تراثنا قديماً بل ولا حديثاً، والذي يظهر أنّه مقولة لبعض علمائنا فاشتهرت.
الدليل الخامس: مقبوليّته عند الأصحاب، ولهذا نرى أنّ كلّ من تأخّر عنه عمل بروايته، حتّى الصدوق في الفقيه قد روي عن الكليني، وتلميذه المفيد، والشيخ في جامعيه، ومن تأخّر عنهم.
وفيه: أنّ المقبوليّة لا تُنكر، والعمل بمضمون أخباره في الجملة من المقطوع به، لكن هذا لا يعني أنّ أخباره لا تخضع لقواعد الجرح والتعديل، إذ لا تعني المقبوليّة الصحّة على نحو الموجبة الكليّة، وإنّما تعني صحة العمل به في الجملة.
وبعد كل هذا يُقال: إنّ الأدلّة وإن رُدّت جميعها على نحو الأفراد، إلا أنّها على نحو المجموع قد تشكّل قرينة قويّة لصحّة العمل به كلّه، ولهذا نرى الأخباريّين وبعض الأصوليّين يعملون بأخباره دون الرجوع إلى أسانيدها.
أدلة النافين:
لا إشكال في أنّ ردّ أدلّة المثبتين كافٍ في القول بعدم حجيةّ أخبار الكافي، إلا أنّها لا تنفي إمكان الصدور، بينما أدلّة النفي تنفي الصدور حكماً فتسقط حجيّته على فرض ثبوتها.
الدليل الأول: روايته عمّن صرّح الأصحاب بضعفهم - مئات المرّات، فضلا عن المجاهيل - وذلك كعمرو بن شمر ويونس بن ظبيان ومحمد بن سنان والحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني وأبيه والمفضّل بن صالح وغيرهم، وعليه كيف يُقال بصحّة الأخبار مع نصّ المتقدّمين بضعفهم ؟!
نعم، يُعلم منه أنّ المصنّف (رحمه الله) إنّما اعتمد قرائن الصدور كالكتب المشهورة، لا صحّة الأسانيد، وقرائنه حجّة شخصيّة وليست نوعيّة كما هو واضح.
الدليل الثاني: غرابة بعض الأخبار فيه كالقول بتحريف القرآن بنقيصته، كما أسنده بطريق صحيح عن يونس عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): الرجم في القرآن قول الله عز وجل "إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنّهما قد قضيا الشهوة" (8).
ومنها: ما رواه مرسلا من أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إنّ ذلك الحمار - أي حمار رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمسمّى عفير - كلّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: بأبي أنت وأمي إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه عن أبيه أنّه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال: يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيّين وخاتمهم، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار!
لكن الحق يُقال: إنّ غرابة بعض الأخبار مع اعتقاد المصنّف بصدورها لا توهن بقية الأخبار، وإنّما توهن نفسها، وذلك للقرائن المحفوفة بالخبر الدالّة على ضعفه أو وضعه، وهذا لا يجري في بقيّة الأخبار.
الدليل الثالث: الإعراض عن بعض أخباره من قبل القدماء أنفسهم، كالصدوق والشيخ، إذ أنّ الصدوق مع وجود كتاب الكلينيّ عنده بدليل روايته بعض الأخبار من طريقه، وتصريحه بالإعراض عن بعض أخباره كما في المجلّد الرابع من الفقه إذ قال: "وفي كتاب محمد بن يعقوب الكلينيّ عن أحمد بن محمد۔ بسند طویل - قال: لست أفتي بهذا الحديث، بل أفتي بما عندي بخط الحسن بن علي (عليهما السلام)، ولو صحّ الخبران جميعا لكان الواجب الأخذ بقول الأخير كما أمر به الصادق (عليه السلام) (9).
وكذا نلاحظ الشيخ في التهذيب يناقش بعض أخبار الكافي كقوله بعد رواية الكافي المرسلة: "فأوّل ما فيه أنّه مرسل غير مسند (10)" وغيرها من الموارد، ما يُعلم منه أنّ القدماء لم يلتزموا - بل لم يصرّحوا بصحّة كتاب الكافي، وإنّما أخضعوه لقواعد الجرح والتعديل.
ومن كل ما ذكرنا يُعلم أنّ الإلتزام بصحّة أخبار جمع كتاب الكافي أمر لم يلتزم به القدماء أنفسهم ولا من تأخّر عنهم رتبة، نعم، هو ظاهر الأخباريّين منذ القرن الحادي عشر وما بعده وبعض الأصوليّين من متأخّري المتأخّرين، إلا أنّ الإلتزام بمقالتهم صعب كما تبيّن لك، وإن كان وجود الخبر في الكافي يشكّل قرينة قويّة على صدوره، والله العالم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي، ج 2، ص290.
(2) نقل الميرزا الخونساري حيث ترجمه في روضات الجنّات أنّه رأى في بعض كتب أصحابنا أنّ بعض حكّام بغداد لما رأى افتتان الناس بزيارة الأئمة (عليهم السلام) حمله النصب على نبش قبر سيدنا أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) وقال: إن كان كما يزعم الرافضة من فضله فهو موجود في قبره، وإلا نمنع الناس من زيارة قبورهم، فقيل له ـ وقيل : إنّ القائل وزير ذلك الحاكم - إنّهم يدّعون في علمائهم أيضا ما يدّعون في أئمتهم وأنّ هنا رجلا من علمائهم المشهورين، واسمه محمد بن يعقوب الكليني وهو أعور، وهو من أقطاب علمائهم، فيكفيك الاعتبار بحفر قبره، فأمر بحفر قبره فوجدوه بهيئته، كأنّه دُفن في تلك الساعة، فأمر ببناء قبّة عظيمة عليه وتعظيمه، وصار مزار مشهورا.
[روضات الجنّات، ج6، ص 117].
(3) رجال النجاشي، ج 2، ص290.
(4) معجم رجال الحديث، ج1، ص87.
(5) الكافي، ج1، ص8.
(6) معجم رجال الحديث، ج1، ص89.
(7) رجال النجاشي، ج 2، ص290
(8) الكافي، ج7، ص177.
(9) من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص203.
(10) تهذيب الأحكام، ج 1، ص 41.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|