المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

ما جزاء من قطع رحمه ؟
14-11-2016
صلاة الليل
2024-10-30
معنى كلمة خيل
4-06-2015
آيات الافاق والانفس
2023-09-13
غزوة حنين والطائف
2024-11-06
المكان وثنائية الجغرافية - ثنائية الجغرافية العامة والإقليمية
26/12/2022


الدور الخاص للإمام الصادق ( عليه السّلام ) في بناء الجماعة الصالحة  
  
1931   06:03 مساءً   التاريخ: 28/11/2022
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 8، ص135-157
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام جعفر بن محمد الصادق / التراث الصادقيّ الشريف /

ألف : البناء الجهادي

لقد كان عطاء الثورة الحسينية كبيرا جدّا حيث أرجعت هذه الثورة الخالدة الأمة الاسلامية إلى مستوى التصدّي للثورة على الحكّام المنحرفين واستطاعت الأمة المسلمة بفضل هذه الثورة المباركة أن تتجاوز الهالة المزيّفة التي صنعها الامويّون لإضفاء طابع من الشرعية على سلطانهم ، وهذا الوعي الثوري والعمل الجهادي الذي شكلته الامّة خلال عدّة عقود قد يأخذ بالهبوط إذا لم يقترن بعوامل البقاء والاستمرار والتكامل .

من هنا نجد الإمام الصادق ( عليه السّلام ) قد تحرك نحو صياغة العمل الثوري والجهادي ورسم هيكليته وبالتالي تجذيره في النفوس . ويبدو هذا واضحا من خلال موقفه من ثورة عمّه زيد بن علي ( عليه السّلام ) حيث صرّح قائلا : « أشركني اللّه في تلك الدماء . مضى واللّه زيد عمّي وأصحابه شهداء مثل ما مضى عليه علي بن أبي طالب وأصحابه »[1].

وهذا الموقف منه ( عليه السّلام ) يعطي الشرعية لثورة زيد ويرسم للجماعة الصالحة طموحات الإمام ( عليه السّلام ) ويجعلها تعيش الهمّ الجهادي والثوري الذي يريده الإمام للقاعدة الصالحة التي تستطيع أن تسير بها نحو الأهداف المنشودة للقيادة الربّانية المتمثلة في الإمام الصادق ( عليه السّلام ) .

فالجماعة الصالحة هي ذلك النموذج الفاضل الذي يعدّه الإمام ( عليه السّلام ) لمهمّة الاصلاح في المجتمع وهذه الجماعة هي التي سوف تتحمل مسؤولية الثورة الكبرى المرتقبة .

ومن هنا كان ترسيخ مبادئ وأهداف ومعالم وحيويّة الثورة الحسينية في نفوس الجماعة الصالحة من خطوات الإمام الكبيرة في هذا الصدد .

ترسيخ مبادئ وأهداف ومعالم الثورة الحسينية

لقد ربط الإمام الصادق ( عليه السّلام ) العواطف باتّجاه مبادئ الثورة الحسينية وأهدافها ليكون الرفض ومقاومة الظلم مستندا إلى الوعي الصحيح والتوجيه المنطقي . لذا نجد خطابات الإمام ( عليه السّلام ) واهتماماته لم تقتصر على الإثارات الفكرية والتوجيهات الوعظية نحو الثورة وإنّما استندت إلى أساليب تعبويّة وتحشيد جماهيريّ يعبّر بممارسته وحضوره عن الانتماء لخط الحسين ( عليه السّلام ) .

ومن أساليبه بهذا الخصوص تأكيده على جملة من الوسائل مثل الزيارة والمجالس الحسينية والبكاء . ونتكلّم عن كلّ منها بايجاز :

1 - الزيارة : اعتبر الإمام الصادق ( عليه السّلام ) زيارة قبر جدّه الحسين ( عليه السّلام ) من الحقوق اللازمة والتي يجب على كل مسلم الاهتمام بها ويلزم الخروج من عهدتها .

قال ( عليه السّلام ) : « لو أن أحدكم حجّ دهره ثم لم يزر الحسين بن علي ( عليه السّلام ) لكان تاركا حقّا من حقوق رسوله ؛ لأنّ حقّ الحسين ( عليه السّلام ) فريضة من اللّه عزّ وجلّ واجبة على كل مسلم »[2].

وقال ( عليه السّلام ) : « من سرّه أن يكون على موائد النور يوم القيامة فليكن من زوّار الحسين بن علي ( عليه السّلام ) »[3].

وقال عبد اللّه بن سنان : دخلت على سيدي أبي عبد اللّه جعفر بن محمد ( عليهما السّلام ) في يوم عاشوراء فلقيته كاسف اللون ظاهر الحزن ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط فقلت : يا بن رسول اللّه ، ممّ بكاؤك ؟

لا أبكى اللّه عينيك . فقال لي : أو في غفلة أنت ؟ أما علمت أنّ الحسين بن علي ( عليه السّلام ) أصيب في مثل هذا اليوم ؟

قلت : يا سيدي فما قولك في صومه ؟ فقال لي : صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت ، ولا تجعله يوم صوم كملا وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) وانكشفت الملحمة عنهم وفي الأرض منهم ثلاثون صريعا في مواليهم يعزّ على رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) مصرعهم ، ولو كان في الدنيا يومئذ حيّا لكان صلوات اللّه عليه وآله هو المعزّى بهم .

يا عبد اللّه بن سنان إنّ أفضل ما تأتي به في هذا اليوم أن تعمد إلى ثياب طاهرة فتلبسها وتتسلّب . قلت : وما التسلّب ؟ قال ( عليه السّلام ) : تحلل أزرارك ونكشف عن ذراعيك كهيئة أصحاب المصايب . ثم تخرج إلى أرض مقفرة أو مكان لا يراك به أحد أو تعمد إلى منزل لك خال ، أو في خلوة منذ حين يرتفع النهار ، فتصلّي أربع ركعات تحسن ركوعها وسجودها وتسلّم بين كلّ ركعتين تقرأ في الركعة الأولى سورة الحمد و قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وفي الثانية الحمد و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثم تصلي ركعتين تقرأ في الركعة الأولى الحمد وسورة الأحزاب ، وفي الثانية الحمد وسورة إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ أو ما تيسّر من القرآن .

ثم تسلّم وتحوّل وجهك نحو قبر الحسين ( عليه السّلام ) ومضجعه فتمثّل لنفسك مصرعه ومن كان معه من ولده وأهله وتسلّم وتصلي عليه وتلعن قاتليه فتبرأ من أفعالهم ، يرفع اللّه عز وجل لك بذلك في الجنّة من الدرجات ويحط عنك السيئات .

ثم تسعى من الموضع الذي أنت فيه إن كان صحراء أو فضاء أو أي شيء كان خطوات ، تقول في ذلك : إنا للّه وإنا إليه راجعون رضا بقضائه وتسليما لأمره ، وليكن عليك في ذلك الكآبة والحزن وأكثر من ذكر اللّه سبحانه والاسترجاع في ذلك .

فإذا فرغت من سعيك وفعلك هذا فقف في موضعك الذي صلّيت فيه ثم قل : اللّهم عذّب الفجرة الذين شاقّوا رسولك وحاربوا أولياءك وعبدوا غيرك واستحلّوا محارمك والعن القادة والأتباع ومن كان منهم فخبّ وأوضع معهم أو رضي بفعلهم لعنا كثيرا اللّهم وعجّل فرج آل محمد واجعل صلواتك عليهم واستنقذهم من أيدي المنافقين والمضلّين ، والكفرة الجاحدين وافتح لهم فتحا يسيرا وأتح لهم روحا وفرجا قريبا ، واجعل لهم من لدنك على عدوّك وعدوّهم سلطانا نصيرا »[4].

هكذا كان الإمام الصادق ( عليه السّلام ) يؤكّد مبادئ الثورة عن طريق الزيارة لتكون الزيارة خطّا ثقافيا يساهم في التربية وتمييز الجماعة الصالحة عن غيرها ، ويكون الحضور الدائم حول قبر الحسين ( عليه السّلام ) بهذا المستوى العالي من الفهم والانتماء كدعوة للآخرين في أن يلتحقوا به وينضمّوا إلى أفكاره ومبادئه .

على أنّ الحضور الدائم حول القبر يتمتّع بالخزين العاطفي المتّكئ على أساس فكري وهذا بطبيعته يشكّل قاعدة للعمل الثوري الذي يعتمد المطالبة الواعية بإرجاع الحقوق المسلوبة من أهل البيت ( عليهم السّلام ) . وهذه الحقيقة كان يدركها الأمويون والعباسيون ولهذا وقفوا بوجه هذا المدّ المدروس وحالوا دون الزيارة بكلّ شكل ممكن .

2 - المجالس الحسينية : ومن الخطوات التي تحرك الإمام الصادق ( عليه السّلام ) من خلالها من أجل صياغة العمل الثوري والجهادي وتربية الجماعة الصالحة على ضوئه هي قضية الرثاء التي حفظتها المجالس الحسينية ، فقد أكّد ( عليه السّلام ) على رثاء الإمام الحسين ( عليه السّلام ) كأسلوب من أساليب التربية والتحريك العاطفي لغرض ربط الأمة بالثورة الحسينية .

وكان الإمام ( عليه السّلام ) يعقد هذه المجالس الخاصة لهذه الغاية والتي كان يطرح فيها إلى جانب الرثاء رؤى وثقافة أهل البيت ( عليهم السّلام ) العقائدية والأخلاقية والتربوية والسياسية لتكون أداة محفّزة لبثّ الوعي والعاطفة المبدئيّة .

قال ( عليه السّلام ) لأبي هارون المكفوف : « يا أبا هارون أنشدني في الحسين ( عليه السّلام ) قال فأنشدته ، فبكى . . . فقال : أنشدني كما تنشدون يعني بالرقّة . قال فأنشدته :

امرر على جدث الحسين * فقل لأعظمه الزكيّة

قال : فبكى ثم قال : زدني ، قال : فأنشدته القصيدة الأخرى ، قال : فبكى وسمعت البكاء من خلف الستر . قال : فلمّا فرغت قال لي : « يا أبا هارون من أنشد في الحسين ( عليه السّلام ) شعرا فبكى وأبكى عشرا كتبت له الجنّة ، ومن أنشد في الحسين ( عليه السّلام ) شعرا فبكى وأبكى خمسة كتبت له الجنّة ، ومن أنشد في الحسين ( عليه السّلام ) شعرا فبكى وأبكى واحدا كتبت له الجنّة »[5].

وكان يؤكد إحياء الذكرى كما نلاحظ ذلك في قوله ( عليه السّلام ) لفضيل :

« يا فضيل تجلسون وتتحدّثون ؟ قلت : نعم سيدي قال : « يا فضيل هذه المجالس احبّها ، أحيوا أمرنا . رحم اللّه أمرءا أحيا أمرنا »[6].

3 - البكاء : ومن الأساليب التي اتّخذها الإمام الصادق ( عليه السّلام ) لتركيز الخط الثوري وتأجيج روح الجهاد في نفوس خاصته وشيعته هي تعميق وتعميم ظاهرة البكاء على الإمام الحسين ( عليه السّلام ) لأن البكاء يساهم في الربط العاطفي مع صاحب الثورة وأهدافه ويهيّء الذهن والنفس لتبني أفكار الثورة ويمنح الفرد المسلم الحرارة العاطفية التي تدفع بالفكرة نحو الممارسة والتطبيق ورفض الظلم واستمرار روح المواجهة والحصول على روح الاستشهاد .

كما يشكّل البكاء وسيلة إعلامية سياسيّة هادئة وسلميّة عبّر بها الشيعي عن المآسي والمظالم التي انتابته وحلّت بأئمته ولا سيّما إذا كانت الظروف لا تسمح بالأنشطة الأخرى .

ولا يعبّر هذا البكاء عن حالة من الانهيار والضعف والاستسلام لإرادة الظالمين ، كما لا تشكّل إحياء هذه الذكرى والبكاء فيها وسيلة للتهرّب من الذنوب والحصول على صكوك الغفران كما يحلو للبعض أن يقول : إن الحسين قد قدّم دمه الطاهر لأجل براءة الشيعة من النار وإعفائهم من تبعات الآثام والخطايا التي يرتكبونها تشبها بالنصارى الذين أباحوا لأنفسهم اقتراف الخطايا ؛ لأنّ المسيح ( عليه السّلام ) كما يزعمون قد تكفّل بصلبه محو خطاياهم .

فالبكاء الذي أكّده الإمام ( عليه السّلام ) وتمارسه الشيعة لا يحمل واحدا من هذه العناوين بل هو تلك الحرارة التي تضخّ في الفكرة روح العمل وتخرجها من حيّز السكون إلى حيّز الحركة فقد جاء عنه ( عليه السّلام ) : « إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي ( عليه السّلام ) فإنّه فيه مأجور »[7].

ب : البناء الروحي والايماني

لقد تعرّض الواقع الإيماني والروحي في زمن الإمام الصادق ( عليه السّلام ) إلى الخواء والذبول وبروز الأنانية وفصل الإيمان عن الأنشطة الحياتية الأخرى وإعطائه صورة مشوّهة ، وقد جاء ذلك بسبب عبث التيارات الفكرية التي استندت إلى دعم السلاطين والتي كانت تؤمن هي الأخرى أيضا بلزوم طاعة الحاكم الأموي والعباسي ؛ تبريرا لدعمها للخط الحاكم .

من هنا بذل الإمام نشاطا واسعا لاستعادة الايمان وبناء الذات وسموّها وفق الخط القرآني وترشيح قواعد إيمانية رصينة ، والانطلاق بالايمان إلى آفاق أرحب وأوسع بدل التقوقع والنظرة الآحادية المجزّئة للدّين ؛ لأن الإيمان بهذا المعنى يمنح المؤمن القوّة في اقتحام الميادين الصعبة وتحمّل المسؤوليات ويمدّه بالنشاط والحيوية في مواصلة العمل والجهاد .

ونقتصر فيما يلي على بعض الأنشطة التي رسّخ الإمام عن طريقها الإيمان في نفوس أصحابه وخاصّته .

1 - حذّر الإمام من تكوين علاقات إيمانية مع من كانوا يسمون بالعلماء - الذين انتشروا في زمانه - ومنع من الاقتداء بهم لأنّ ما يتحقق من خلال التعاطف معهم والمحبة لهم من دون معرفة لواقعهم النفسي والأخلاقي يكفى لبناء صرح إيماني خاطئ ومنحرف ؛ فإنّ العلم الذي يتمتع به هؤلاء انّما يكون كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا .

والإمام ( عليه السّلام ) يشير إلى أن هذا النوع من العلاقة ينتهي إلى فساد العلاقة مع اللّه والابتعاد عنه سبحانه ، قال ( عليه السّلام ) : « أوحى اللّه إلى داود ( عليه السّلام ) : لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا بالدنيا فيصدّك عن طريق محبّتي ؛ فإنّ أولئك قطّاع طريق عبادي المريدين ، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم »[8].

2 - ومن الأمور التي صحّحها الإمام ( عليه السّلام ) ونبّه عليها أصحابه هو مفهوم الإيمان ومعناه ، فحاول أن يبلور صورته الصحيحة ويكشف عنه الإبهام في نفوس أصحابه ، وذلك عن طريق تشخيص صفات المؤمن فإن المؤمن هو ذلك الإنسان الذي يعكس المفهوم الإلهي بصورته الشاملة للحياة وليس هو ذلك النموذج المستسلم في حياته الفاقد لإرادته والذي يطمع فيه أهل السياسة لاستثمار طاقاته باتّجاه مصالحهم .

ولهذا نرى الإمام ( عليه السّلام ) يشير إلى مسألة مهمّة تستبطن بعدا اجتماعيا وسياسيّا ينبغي للمؤمن أن يعيها ويتحرّك بموجبها . حين قال ( عليه السّلام ) : « إنّ اللّه فوّض إلى المؤمن أمره كلّه ، ولم يفوّض إليه أن يكون ذليلا ، أما تسمع اللّه تعالى يقول :

وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [9] فالمؤمن يكون عزيزا ولا يكون ذليلا » .

ثم قال ( عليه السّلام ) : « المؤمن أعز من الجبل ، والجبل يستقل منه بالمعاول ، والمؤمن لا يستقلّ من دينه بشيء »[10].

3 - كما بيّن الإمام ( عليه السّلام ) أن القلب الخالي من مخافة اللّه - التي هي معيار الكمال والقوّة لقلب المؤمن - ليس بشيء فالقلب المملوء خوفا من اللّه الكبير المتعال تتصاغر عنده سائر القوى مثل قوّة السلطان وقوّة المال وكل قوّة بشرية ، والقلب الذي لا يستشعر الرقابة الإلهية ويتغافل عن هيمنتها يكون ضعيفا وساقطا مهما بدا قويا وعظيما . إنّ هذا النمط من العلاقة السلبية مع اللّه يؤدي إلى اهتزاز الذات وقلقها وهزيمتها أمام التحديات الصادرة من تلك القوى المخلوقة الضعيفة أمام قدرة اللّه وعظمته وجبروته .

عن الهيثم بن واقد قال سمعت أبا عبد اللّه ( عليه السّلام ) يقول : « من خاف اللّه أخاف اللّه منه كل شيء ومن لم يخف اللّه أخافه اللّه من كلّ شيء »[11].

4 - ومن جملة تنبيهاته للشيعة أنّه قد حذر من الثرثرة في الكلام وأمرهم بضبط اللسان وأشار إلى خطورة الكلام وما يترتب عليه من آثار سيئة وآثام تضرّ بالايمان . كما حذّر أيضا من الاستجابة لهوى النفس قائلا : « إن كان الشؤم في شيء فهو في اللسان ، فاخزنوا ألسنتكم كما تخزنون أموالكم واحذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم فليس أقتل للرجال من اتّباع الهوى وحصائد ألسنتهم »[12].

5 - كما لفت الإمام أنظار شيعته إلى أن لا يتجاهل أحدهم الإشاعات التي يطلقها الخصوم ضد أصحابه فقد تكون مصيبة وصحيحة ولتكن مدّعاة لمراجعة النفس قال ( عليه السّلام ) : « من لم يبال ما قال وما قيل فيه ، فهو شرك الشيطان ، ومن لم يبال أن يراه الناس مسيئا فهو شرك الشيطان »[13].

مظاهر عمق الإيمان

لقد أعطى الإمام ( عليه السّلام ) للشيعة علائم ومؤشرات واضحة تكشف عن عمق التدين وعن مدى صحته وسلامته . فإن الإيمان أمر باطني ولكنه له آثاره ومظاهره التي تكشف عنه . ولا معنى لإيمان بلا عطاء ولا ثبات ولا قدرة على المواجهة .

فالمؤمن ذلك النموذج الذي يبرز تديّنه عندما يوضع على المحك ويعرّض للمصاعب ولا ينثني أمام المغريات ولا يستجيب لمخطّطات أهل الباطل .

وقد هاجم الإمام ( عليه السّلام ) تلك الشريحة التي تنتسب إلى التشيّع وهي تمارس أخلاقيات مرفوضة في نظر الإمام وأوضح بأنّ الإيمان كلّ لا يتجزّأ بصفة دون أخرى مشيرا إلى أهمّية الاقتداء بالأئمة ( عليهم السّلام ) قائلا : « إنّما ينجو من أطال الصمت عن الفحشاء ، وصبر في دولة الباطل على الأذى ، أولئك النجباء الأصفياء الأولياء حقا وهم المؤمنون ، إنّ أبغضكم إليّ المترأسون[14] المشاؤون بالنمائم ، الحسدة لإخوانهم ليسوا منّي ولا أنا منهم إنّما أوليائي الذّين سلّموا لأمرنا واتبعوا آثارنا واقتدوا بنا في كل أمورنا »[15].

كما نجد الإمام ( عليه السّلام ) يعطي ضابطة سلوكية تكشف بدورها عن مستوى التدين وعمقه في النفس قائلا : « إذا رأيتم العبد يتفقّد الذنوب من الناس ، ناسيا لذنبه فاعلموا أنّه قد مكر به »[16].

القدوة الحسنة

ومن الوسائل التي استخدمها الإمام ( عليه السّلام ) في منهجه التغييري وبنائه للمجتمع الفاضل هو اهتمامه وتركيزه على النموذج الشيعي الذي يشكّل القدوة الحسنة في سلوكه ليكون عنصرا مؤثرا ومحفّزا للخير ومشجّعا لنمو الفضيلة في داخل المجتمع . وقد بذل الإمام ( عليه السّلام ) جهدا منقطع النظير في تربيته وإعداده للنموذج القدوة وقد سلّحه بمختلف العلوم وأحاطه بجملة من الوصايا والتوجيهات العلمية والأخلاقية .

واستطاع الإمام بطاقاته الإلهية أن يصنع عددا كبيرا من هؤلاء الذين أصبحوا فيما بعد قادة ومنارا تهوي إليهم القلوب لتنهل من علومهم وبقي اسمهم مخلدا في التأريخ يتناقل المسلمون مآثرهم جيلا بعد جيل .

ونقتصر فيما يلي على بعض التوجيهات بهذا الصدد :

1 - جاء عنه ( عليه السّلام ) فيما يخص العبادة التي يتميز بها الشيعي وعلاقته باللّه أنه قال : « امتحنوا شيعتنا عند مواقيت الصلاة ، كيف محافظتهم عليها ، وإلى أسرارنا كيف حفظهم لها عند عدوّنا وإلى أموالهم كيف مواساتهم لإخوانهم فيها »[17].

2 - عن محمد بن عجلان قال كنت مع أبي عبد اللّه ( عليه السّلام ) فدخل رجل فسلّم ، فسأله ، « كيف من خلّفت من إخوانك ؟ » فأحسن الثناء وزكى وأطرى ، فقال له : « كيف عيادة أغنيائهم لفقرائهم ؟ » قال : قليلة . قال : « كيف مواصلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم ؟ » فقال : إنك تذكر أخلاقا ما هي فيمن عندنا .

قال ( عليه السّلام ) : « فكيف يزعم هؤلاء أنهم لنا شيعة ؟ »[18].

لقد أكّد الإمام ( عليه السّلام ) أهميّة القدوة الحسنة في المجتمع . قال المفضّل :

قال : أبو عبد اللّه وأنا معه : « يا مفضّل ! كم أصحابك ؟ » فقلت قليل . فلمّا انصرفت إلى الكوفة ، أقبلت عليّ الشيعة ، فمزّقوني كل ممزق ، يأكلون لحمي ، ويشتمون عرضي ، حتى أنّ بعضهم استقبلني فوثب في وجهي ، وبعضهم قعدلي في سكك الكوفة يريد ضربي ، ورموني بكلّ بهتان حتى بلغ ذلك أبا عبد اللّه ( عليه السّلام ) ، فلمّا رجعت إليه في السنة الثانية ، كان أوّل ما استقبلني به بعد تسليمه عليّ أن قال : يا مفضّل : ما هذا الّذي بلغني أنّ هؤلاء يقولون لك وفيك ؟ قلت : وما عليّ من قولهم ، قال : « أجل بل ذلك عليهم ، أيغضبون ؟ ! بؤس لهم . إنّك قلت إنّ أصحابك قليل ، لا واللّه ما هم لنا شيعة ، ولو كانوا لنا شيعة ما غضبوا من قولك وما اشمأزّوا منه لقد وصف اللّه شيعتنا بغير ما هم عليه ، وما شيعة جعفر إلّا من كفّ لسانه ، وعمل لخالقه ورجا سيّده ، وخاف اللّه حق خيفته . ويحهم ! ! أفيهم من قد صار كالحنايا من كثرة الصلاة ، أو قد صار كالتائه من شدة الخوف ، أو كالضرير من الخشوع أو كالضني [19] من الصيام ، أو كالأخرس من طول صمت وسكوت ؟ ! أو هل فيهم من قد أدأب ليله من طول القيام ، وأدأب نهاره من الصيام ، أو منع نفسه لذّات الدنيا ونعيمها خوفا من اللّه وشوقا الينا أهل البيت ؟ ! أنّى يكونون لنا شيعة وإنهم ليخاصمون عدوّنا فينا حتّى يزيدوهم عداوة ، وإنّهم ليهرّون هرير الكلب ويطمعون طمع الغراب . أما إني لولا أنني أتخوّف عليهم أن أغريهم بك ، لأمرتك أن تدخل بيتك وتغلق بابك ثم لا تنظر إليهم ما بقيت ، ولكن إن جاؤوك فاقبل منهم ؛ فإنّ اللّه قد جعلهم حجة على أنفسهم واحتجّ بهم على غيرهم .

لا تغرّنكم الدنيا وما ترون فيها من نعيمها وزهرتها وبهجتها وملكها فإنّها لا تصلح لكم ، فو اللّه ما صلحت لأهلها[20].

ج : البناء الاجتماعي

رسم الإمام الصادق ( عليه السّلام ) الخط العام للعلاقات الاجتماعية للجماعة الصالحة ، وبيّن نظامها ووضع الأسس والقواعد المبدئية لهذا النظام ورسّخها في نفوسهم ليتمكن الفرد الصالح من العيش في المجتمع وفي الظروف الصعبة ، ويمتلك القدرة في مواجهة المخططات التي تسعى لتفتيت مثل البناء الذي يهدف له الإمام وهو النظام الاجتماعي الذي خطط له الإمام وأمدّه بعناصر البقاء والاستمرار ليمتد بجذوره في أوساط الأمة .

الانفتاح على الأمة

لقد أكّد الإمام ( عليه السّلام ) على محور مهمّ يمدّ الجماعة الصالحة بالقدرة والانتشار هو محور الانفتاح على الأمة وعدم الانغلاق على أنفسهم وقد حثّ الإمام شيعته على توسيع علاقاتهم مع الناس وشجعهم على الإكثار من الأصحاب والأصدقاء فقد جاء عنه ( عليه السّلام ) « أكثروا من الأصدقاء في الدنيا فإنّهم ينفعون في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فحوائج يقومون بها وأما في الآخرة فإنّ أهل جهنم قالوا ما لنا من شافعين ولا صديق حميم »[21].

وجاء عنه أيضا : « استكثروا من الاخوان فإن لكل مؤمن دعوة مستجابة » .

وقال : « استكثروا من الإخوان فأنّ لكل مؤمن شفاعة »[22] كما أكّد الإمام ( عليه السّلام ) على مواصلة هذا الانفتاح وشدّه بآداب وأخلاق تدعو للتلاحم والتعاطف بين المؤمنين فقال : « التواصل بين الإخوان في الحضر التزاور والتواصل في السفر المكاتبة »[23].

وقال ( عليه السّلام ) : « انّ العبد ليخرج إلى أخيه في اللّه ليزوره فما يرجع حتى يغفر له ذنوبه وتقضى له حوائج الدنيا والآخرة[24] « 4 » ومن الآداب والاخلاق التي تصبّ في رافد التواصل الاجتماعي هو المصافحة التي حث الإمام ( عليه السّلام ) عليها فقال : تصافحوا فإنّها تذهب بالسخيمة »[25].

وقال أيضا : « مصافحة المؤمن بألف حسنة »[26].

وقال ( عليه السّلام ) في التعانق : « إن المؤمنين إذا إعتنقا غمرتهما الرحمة ، فإذا التزما لا يريدان بذلك إلّا وجه اللّه ولا يريدان غرضا من أغراض الدنيا قيل لهما : مغفور لكما ، فأستأنفا ، فإذا أقبلا على المساءلة قالت الملائكة بعضها لبعض تنحّوا عنهما فإنّ لهما سرا وقد ستر اللّه عليهما ، قال إسحاق : فقلت : جعلت فداك فلا يكتب عليهما لفظهما وقد قال اللّه عز وجل : ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ؟ ! [27] قال : فتنفّس أبو عبد اللّه الصعداء ( عليه السّلام ) ثمّ بكى حتى اخضلت دموعه لحيته وقال : يا إسحاق :

إن اللّه تبارك وتعالى إنما أمر الملائكة أن تعتزل عن المؤمنين إذا التقيا إجلالا لهما ، وانه وإن كانت الملائكة لا تكتب لفظهما ولا تعرف كلامهما فإنه يعرفه ويحفظه عليهما عالم السر وأخفى »[28].

تأكيد علاقة الاخوّة :

كان الإمام ( عليه السّلام ) يعمّق ويجذر علاقة الأخوّة في اللّه ويضع لها التوجيهات المناسبة التي تزيد في التلاحم والتفاهم ، فمنها ما قاله ( عليه السّلام ) لخيثمة : « أبلغ موالينا السلام وأوصهم بتقوى اللّه والعمل الصالح وأن يعود صحيحهم مريضهم وليعد غنيهم على فقيرهم ، وأن يشهد جنازة ميّتهم ، وأن يتلاقوا في بيوتهم وأن يتفاوضوا علم الدين فإن ذلك حياة لأمرنا رحم اللّه عبدا أحيى أمرنا »[29].

وقال ( عليه السّلام ) في المواساة بين المؤمنين : « تقرّبوا إلى اللّه تعالى بمواساة إخوانكم »[30].

قال محمّد بن مسلم : أتاني رجل من أهل الجبل فدخلت معه على أبي عبد اللّه فقال له حين الوداع أوصني فقال ( عليه السّلام ) : « أوصيك بتقوى اللّه وبرّ أخيك المسلم ، وأحب له ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لنفسك ، وإن سألك فأعطه وإن كفّ عنك فأعرض عليه ، لا تملّه خيرا فإنه لا يملّك وكن له عضدا فإنه لك عضد وان وجد عليك فلا تفارقه حتى تحلّ سخيمته[31] وان غاب فاحفظه في غيبته ، وإن شهد فاكنفه واعضده ووازره ، وأكرمه ولاطفه فإنه منك وأنت منه »[32].

وقال ( عليه السّلام ) مبيّنا صفة الاخوّة في اللّه قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : « ستّ خصال من كنّ فيه كان بين يدي اللّه عزّ وجلّ وعن يمين اللّه . فقال له ابن يعفور : وما هنّ جعلت فداك ؟ قال : يحب المرء المسلم لأخيه ما يحب لأعزّ أهله ، ويكره المرء المسلم لأخيه ما يكره لأعزّ أهله ويناصحه الولاية ( إلى أن قال ) إذا كان منه بتلك المنزلة بثه همه ففرح لفرحه إن هو فرح ، وحزن لحزنه إن هو حزن وإن كان عنده ما يفرج عنه فرج عنه إلّا دعا له »[33].

كما نجده يحذّر من بعض التصرّفات التي من شأنها أن تفسد العلاقة .

فقد قال ( عليه السّلام ) لابن النعمان : « إن أردت أن يصفو لك ودّ أخيك فلا تمازحنّه ولا تمارينّه ولا تباهينّه ، ولا تشارنّه ، ولا تطلع صديقك من سرّك الا على ما لو اطّلع عليه عدوّك لم يضرّك ، فإن الصديق قد يكون عدوك يوما »[34].

كما حذّر ( عليه السّلام ) من المجاملة على حساب المبدأ والتعاطف مع الخصوم فقال : « من قعد إلى سابّ أولياء اللّه فقد عصى اللّه ومن كظم غيضا فيما لا يقدر على إمضائه كان معنا في السنام الأعلى »[35].

وقال أيضا : « من جالس لنا عائبا ، أو مدح لنا قاليا أو واصل لنا قاطعا ، أو قطع لنا واصلا ، أو والى لنا عدوا ، أو عادى لنا وليّا فقد كفر بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم »[36].

وحذّر أيضا من مرض الانقباض والشحناء مع الاخوان والمراء والخصومة . فقال ( عليه السّلام ) : قال أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) : « إيّاكم والمراء والخصومة فإنّهما يمرضان القلوب على الإخوان وينبت عليهما النفاق »[37].

موقف الإمام ( عليه السّلام ) من الهجران والمقاطعة

وندّد الإمام ( عليه السّلام ) بظاهرة المقاطعة بين المؤمنين قائلا : « لا يفترق رجلان على الهجران إلا استوجب أحدهما البراءة واللعنة ، وربّما استحق ذلك كلاهما . فقال له معتّب : جعلني اللّه فداك ، هذا الظالم . فما بال المظلوم ؟ قال : لأنه لا يدعو أخاه إلى صلته ولا يتغامس ( يتغافل ) له عن كلامه ، سمعت أبي يقول : إذا تنازع اثنان ، فعازّ أحدهما الآخر فليرجع المظلوم على صاحبه حتى يقول لصاحبه : أي أخي انا الظالم ، حتى يقطع الهجران فيما بينه وبين صاحبه فان اللّه تبارك وتعالى حكم عدل يأخذ للمظلوم من الظالم »[38].

 

[1] بحار الأنوار : 46 / 171 .

[2] كتاب المزار للشيخ المفيد : 37 .

[3] كامل الزيارات لابن قولويه باب : 43 / 121 .

[4] بحار الأنوار : 101 / 303 - 306 .

[5] كامل الزيارات لابن قولويه : باب 33 / 104 .

[6] واقعة الطف لبحر العلوم : 52 .

[7] كامل الزيارات لابن قولويه : باب 33 .

[8] الكافي : 1 / 46 ، وعلل الشرائع : 394 ح 13 ، وبحار الأنوار : 2 / 107 .

[9] المنافقون ( 63 ) : 8 .

[10] تهذيب الأحكام : 6 / 179 .

[11] الكافي : 2 / 68 .

[12] وسائل الشيعة : 8 / 534 .

[13] وسائل الشيعة : 11 / 273 ح 10 ، عن من لا يحضره الفقيه : 4 / 417 .

[14] أي طلّاب الرئاسة .

[15] تحف العقول : 307 ، وعنه في بحار الأنوار : 78 / 286 .

[16] تحف العقول : 364 ، وبحار الأنوار : 78 / 246 .

[17] وسائل الشيعة : 3 / 83 ، وبحار الأنوار : 68 / 149 عن قرب الإسناد : 52 .

[18] بحار الأنوار : 68 / 168 ح 27 عن صفات الشيعة للصدوق : 166 .

[19] ضني ضناء : اشتدّ مرضه حتى نحل جسمه .

[20] بحار الأنوار : 78 / 383 ، عن تحف العقول : 385 .

[21] وسائل الشيعة : 7 / 407 .

[22] وسائل الشيعة : 8 / 408 .

[23] تحف العقول : 358 ، بحار الأنوار : 78 / 240 .

[24] مشكاة الأنوار : 209 .

[25] الكافي : 2 / 183 ، وتحف العقول : 36 ، وبحار الأنوار : 78 / 243 .

[26] مشكاة الأنوار : 203 .

[27] سورة ق ( 50 ) : 18 .

[28] الكافي : 2 / 184 بحار الأنوار : 76 / 35 وسائل الشيعة : 8 / 563 .

[29] وسائل الشيعة : 8 / 400 .

[30] الخصال : 8 وبحار الأنوار 74 / 391 .

[31] السخيمة : الحقد والضغينة حتى تسل سخيمته والسل الانتزاع والاخراج في رفق .

[32] وسائل الشيعة : 8 / 549 .

[33] وسائل الشيعة : 8 / 542 .

[34] الكافي : 1 / 165 ، وبحار الأنوار : 78 / 286 .

[35] المصدر السابق .

[36] الأمالي للصدوق : 55 وبحار الأنوار : 27 / 22 ، وسائل الشيعة : 11 / 506 .

[37] وسائل الشيعة : 8 / 406 ، باب كراهة الانقباض من الناس .

[38] الكافي : 2 / 344 / ح 1 وبحار الأنوار : 75 / 184 ، وسائل الشيعة : 8 / 584 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.