المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9100 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

أمراض الصدأ على أشجار الغابات والحراج
2024-02-19
شرائط الإعتكاف
8-9-2018
حركية الانسياق drift mobility
23-9-2018
مظاهر من شخصيّة الإمام الرضا ( عليه السّلام )
26-1-2023
التحقيق الجنائي قانونا
8-8-2017
اقليم المناخ الصحراوي
2024-11-02


الإمام الباقر ( عليه السّلام ) والنظام الاجتماعي للجماعة الصالحة  
  
1860   08:01 مساءً   التاريخ: 19/11/2022
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 7، ص190-202
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام محمد بن علي الباقر / قضايا عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-8-2016 3621
التاريخ: 16-8-2016 3676
التاريخ: 15-04-2015 3132
التاريخ: 15-8-2016 4672

النظام الاجتماعي للجماعة الصالحة هو مصداق حقيقي للنظام الاجتماعي الاسلامي الذي أرسى دعائمه القرآن الكريم ، وخاتم المرسلين ( صلّى اللّه عليه واله ) وهو قائم على أسس خلقية في التعامل والعلاقات ، وعلى رأسها حسن الخلق ، قال الإمام الباقر ( عليه السّلام ) : « إنّ أكمل المؤمنين ايمانا أحسنهم خلقا »[1].

ومن حسن الخلق تلقّي الآخرين بوجه منبسط ، فقد قال ( عليه السّلام ) : « أتى رسول اللّه رجل فقال : يا رسو اللّه أوصني ، فكان فيما أوصاه أن قال : الق أخاك بوجه منبسط »[2].

ومن مصاديق حسن الأخلاق الرفق بجميع أصناف الناس قال ( عليه السّلام ) :

« من قسم له الرفق قسم له الإيمان »[3].

ووضع لكل وحدة اجتماعية نظامها الخاص بها ، وعلاقاتها مع الوحدات الاجتماعية الأخرى ، ابتداءا بالأسرة وانتهاءا بالمجتمع الكبير .

1 - الأسرة

الأسرة هي المؤسسة الأولى والأساسية من بين المؤسسات الاجتماعية المتعددة ، وهي المسؤولة عن رفد المجتمع بالعناصر الصالحة ، وهي نقطة البدء التي تزاول انشاء وتنشئة العنصر الانساني . وقد وضع القواعد الأساسية في تنظيمها وضبط شؤونها ، ابتداءا باختيار شريك الحياة المناسب على أساس التديّن وحسن الخلق والانحدار من أسرة صالحة ، كما وضع برنامجا للحقوق والواجبات على كل من الزوجين ، ومراعاتهما من قبلهما كفيل بإشاعة الاستقرار والطمأنينة في أجواء الأسرة .

فقد روى عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) حق الزوج على الزوجة بقوله : « أن تطيعه ولا تعصيه ، ولا تتصدق من بيتها بشيء إلّا بإذنه ، ولا تصوم تطوعا إلّا بإذنه ، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب ، ولا تخرج من بيتها إلّا بإذنه . . . »[4].

وقال ( عليه السّلام ) : « جهاد المرأة حسن التبعل »[5].

ودعا إلى تحمّل أذى الزوج من أجل إدامة العلاقة الزوجية ، وعدم تفكّك الأسرة من خلال عدم مقابلة الأذى بأذى ، بقوله ( عليه السّلام ) : « وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته »[6].

ووضع الإمام ( عليه السّلام ) واجبات على الزوج اتجاه زوجته ، وهو مسؤول عن تنفيذها لكي يتعمق الودّ بينهما ، ويكون الاستقرار والهدوء هو السائد في أجواء الأسرة ، ومن هذه الحقوق ، الاطعام وما تحتاجه من ثياب ، قال ( عليه السّلام ) :

« من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على الإمام أن يفرّق بينهما »[7].

وأكّد على الاهتمام بالزوجة ومراعاتها ، فقد روى عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) قوله : « أوصاني جبرئيل بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلّا من فاحشة بيّنة »[8].

وحثّ على تحمل الأذى من المرأة ، وعدم مقابلة الأذى بالأذى لأن ذلك يؤدي إلى تردّي العلاقات وتشنجها ، فقال ( عليه السّلام ) : « من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة أعتق اللّه رقبته من النار وأوجب له الجنة . . . »[9].

وقد كان ( عليه السّلام ) أسوة في تحمل الأذى ، حتى قال الإمام الصادق ( عليه السّلام ) :

« كانت لأبي امرأة وكانت تؤذيه وكان يغفر لها »[10].

ووضع ( عليه السّلام ) منهجا للحقوق والواجبات بين الأبناء ووالديهم ، فالواجب على الوالدين تربية أولادهم على المفاهيم والقيم الإسلامية [11]. وابعادهم عن الانحرافات بمختلف ألوانها[12].

ووضع ( عليه السّلام ) برنامجا للتربية في مختلف مراحل حياة الأطفال ابتداءا بالطفولة المبكرة حتى بلوغ وسن التكليف والرشد[13].

وحثّ ( عليه السّلام ) على التعامل المتوازن مع الأطفال فقال ( عليه السّلام ) : « شرّ الآباء من دعاه التقصير إلى العقوق وشرّ الآباء من دعاه البر إلى الافراط »[14].

وأمر ( عليه السّلام ) ببرّ الوالدين ، فقال : « ثلاثة لم يجعل اللّه عزّ وجلّ فيهنّ رخصة :

أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر ، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر ، وبرّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين »[15] .

وكانت أوامره مؤكدة على برّ الوالدين وان كانا منحرفين أو فاجرين وذلك لحقوقهما على الابن .

ونهى عن العقوق مهما كانت الظروف ، وان كان الوالدان مسيئين للأبناء ، فقد روى عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) قوله : « إياكم وعقوق الوالدين ، فإنّ ريح الجنّة توجد من مسيرة ألف عام ، ولا يجدها عاقّ . . . »[16].

2 - الأرحام

الأرحام هم كل من يرتبط بالأسرة بعلاقة نسبية وهم الاخوان والأخوات والأعمام والأخوال ، والأجداد ، وسائر أفراد العشيرة القريبين بالنسب أو البعيدين . لقد حثّ الإمام ( عليه السّلام ) على صلتهم بزيارة أو لقاء ، وما يترتّب على هذه العلاقات من حقوق . وهم مقدّمون على غيرهم في الاحسان إليهم ، وإدخال السرور في قلوبهم ، ومساعدتهم في حلّ مشاكلهم .

وبيّن ( عليه السّلام ) الآثار الايجابية المترتبة على صلة الارحام ، فقال : « صلة الارحام تزكّي الاعمال ، وتدفع البلوى ، وتنمي الأموال ، وتنسئ له في عمره ، وتوسّع في رزقه ، وتحبّب في أهل بيته ، فليتّق اللّه وليصل رحمه »[17].

وقال ( عليه السّلام ) لأحد أصحابه : « أما إنه قد حضر أجلك غير مرّة ولا مرتين ، كلّ ذلك يؤخّر اللّه بصلتك قرابتك »[18].

3 - الجيران

أكّد الإمام ( عليه السّلام ) على حسن التعامل مع الجيران فقال : « قرأت في كتاب عليّ ( عليه السّلام ) : أن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) كتب بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب ، أن الجار كالنفس غير مضار ولا اثم ، وحرمة الجار على الجار كحرمة امّه »[19].

ونهى عن أذى الجيران وتضييع حقوقهم ، فقد روى عن أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) أنّه قال : « من آذى جاره حرّم اللّه عليه ريح الجنة ، ومأواه جهنّم وبئس المصير ، ومن ضيّع حق جاره فليس منّا ، وما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورثه . . . »[20].

وروى عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) قوله : « ما آمن بي من أمسى شبعانا وأمسى جاره جائعا »[21].

والجار في منهج أهل البيت ( عليه السّلام ) هو مطلق الانسان سواء كان من أفراد الجماعة الصالحة ، أو من غيرهم ، وسواء كان مسلما أم غير مسلم ، كما هو المشهور في الروايات الصادرة عنهم ( عليهم السّلام ) .

4 - أفراد الجماعة الصالحة

النظام الاجتماعي في داخل الجماعة الصالحة يقوم على أساس وحدة التصورات والمبادئ ، ووحدة الموازين والقيم ، ووحدة الشرائع والقوانين ، ووحدة الأوضاع والتقاليد ، لأنّ مجموع الجماعة الصالحة تتلقى منهج حياتها من جهة واحدة وهي أهل البيت ( عليهم السّلام ) ، وتجمعها وحدة الطريقة التي تتلقى بها ، ووحدة المنهج الذي تفهم به ما تتلقى من أفكار وعواطف وممارسات .

والنظام الاجتماعي قائم على أساس القاعدة الثابتة ، وهي قول الإمام الباقر ( عليه السّلام ) : « المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه »[22].

فقد جعل العلاقة بين أفراد الجماعة الصالحة كالعلاقة النسبية التي تترتب عليها حقوق وواجبات ، كالسعي في حوائج المؤمنين ، وتفريج كربهم ، والنصيحة لهم ، والدعاء لهم بالتوفيق ، وستر عيوبهم[23].

والعلاقة القائمة تنطلق من الايثار وتحكيم الحق في النفس ، قال ( عليه السّلام ) :

« ان للّه جنة لا يدخلها إلّا ثلاثة أحدهم من حكم في نفسه بالحقّ »[24].

ويقوم النظام الاجتماعي على قاعدة تعظيم وتوقير أفراد الجماعة الصالحة لكي يتعمّق الودّ والإخاء ، قال ( عليه السّلام ) : « عظموا أصحابكم ووقّروهم ولا يتجهم بعضكم بعضا ، ولا تضارّوا ولا تحاسدوا ، وايّاكم والبخل ، وكونوا عباد اللّه المخلصين »[25].

وحثّ الإمام ( عليه السّلام ) على إشاعة الودّ والمحبّة من خلال ممارسات متنوّعة ، قال ( عليه السّلام ) : « تبسّم الرجل في وجه أخيه حسنة ، وصرف القذى عنه حسنة ، وما عبد اللّه بشيء أحبّ إلى اللّه من ادخال السرور على المؤمن »[26].

ووضع مجموعة من الحقوق المتبادلة عليهما فقال : « من حقّ المؤمن على أخيه المؤمن أن يشبع جوعته ويواري عورته ويفرّج عنه كربته ويقضي دينه ، فإذا مات خلفه في أهله وولده »[27].

وحثّ على العوامل التي تؤدي إلى التقريب بين القلوب وتزيد في الاخوة والتآلف والتآزر . عن أبي حمزة الثمالي قال : زاملت أبا جعفر ( عليه السّلام ) فحططنا الرحل ، ثم مشى قليلا ، ثم جاء فأخذ بيدي فغمزها غمزة شديدة ، فقلت : جعلت فداك أو ما كنت معك في المحمل ؟ ! فقال : أما علمت أنّ المؤمن إذا جال جولة ثم أخذ بيد أخيه نظر اللّه اليهما بوجهه ، فلم يزل مقبلا عليهما بوجهه ، ويقول للذنوب : تتحاتّ عنهما ، فتتحاتّ - يا أبا حمزة - كما يتحاتّ الورق عن الشجر ، فيفترقان وما عليهما من ذنب »[28].

وقال ( عليه السّلام ) : « ينبغي للمؤمنين إذا توارى أحدهما عن صاحبه بشجرة ثم التقيا أن يتصافحا »[29].

روى عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) قوله : « إذا التقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح ، وإذا تفرّقتم فتفرّقوا بالاستغفار »[30].

وحثّ ( عليه السّلام ) على تبادل الزيارات لأنها تؤدي إلى تجذر روح الإخاء وزرع الودّ في القلوب والنفوس ، ورغّب فيها بتبيان آثارها الايجابية على المتزاورين ، حين قال : « أيّما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفا بحقّه كتب اللّه له بكلّ خطوة حسنة ، ومحيت عنه سيئة ، ورفعت له درجة ، وإذا طرق الباب فتحت له أبواب السماء ، فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا أقبل اللّه عليهما بوجهه ، ثم باهى بهما الملائكة ، فيقول :

انظروا إلى عبدي تزاورا وتحابا فيّ ، حقّ عليّ ألّا اعذبهما بالنار بعد هذا الموقف ، فإذا انصرف شيّعه الملائكة عدد نفسه وخطاه وكلامه ، يحفظونه من بلاء الدنيا وبوائق الآخرة إلى مثل تلك الليلة من قابل ، فإن مات فيما بينهما أعفي من الحساب ، وان كان المزور يعرف من حقّ الزائر ما عرفه الزائر من حقّ المزور ؛ كان له مثل أجره »[31].

ونهى ( عليه السّلام ) عن جميع الممارسات التي تؤدّي إلى الكراهية والتنافر والتقاطع كالغيبة والبهتان والتحقير والتعيير والتنابز بالألقاب ، والسباب ، والاعتداء على الأموال والأعراض وغير ذلك .

ودعا إلى الاصلاح بين المؤمنين وحثّهم على التآلف فقال ( عليه السّلام ) : « ان الشيطان يغري بين المؤمنين ما لم يرجع أحدهم عن دينه ، فإذا فعلوا ذلك استلقى على قفاه وتمدّد ، ثم قال : فزت ، فرحم اللّه امرئ ألّف بين وليّين لنا ، يا معشر المؤمنين تألّفوا وتعاطفوا »[32].

ونهى ( عليه السّلام ) عن احصاء عثرات الآخرين وزلاتهم ، فقال : « ان أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يؤاخي الرّجل الرّجل على الدين ، فيحصي عليه عثراته وزلّاته ليعنّفه بها يوما ما »[33].

ونهى عن الطعن بالمؤمنين ونبزهم بالكفر فقال : « ما شهد رجل على رجل بكفر قطّ إلّا باء به أحدهما ، ان كان شهد به على كافر صدق ، وان كان مؤمنا رجع الكفر عليه ، فإيّاكم والطعن على المؤمنين »[34].

ونهى عن النميمة فقال : « محرّمة الجنّة على القتّاتين المشائين بالنميمة »[35].

ونهى ( عليه السّلام ) عن الإذاعة وكشف الاسرار الخاصّة بالمؤمنين فقال :

« يحشر العبد يوم القيامة وما ندى دما ، فيدفع اليه شبه المحجمة أو فوق ذلك ، فيقال له :

هذا سهمك من دم فلان ، فيقول : يا ربّ إنّك لتعلم أنّك قبضتني وما سفكت دما . فيقول : بلى سمعت من فلان رواية كذا وكذا ، فرويتها عليه فنقلت حتّى صارت إلى فلان الجبّار فقتله عليها وهذا سهمك من دمه »[36].

5 - مجتمع المسلمين

الإسلام هو الأفق الواسع الجامع لمن شهد الشهادتين ، وهو الميدان الرحب لتجميع الطاقات وتوحيد الامكانات لتنطلق في مصالح واحدة ومصير واحد ، ولهذا فالاسلام محوره وحدوده مجتمع المسلمين جميعا .

والنظام الاجتماعي لمجتمع المسلمين قائم على أساس الإخاء والتآلف والتآزر من أجل تحقيق الأهداف الكبرى والحفاظ على الكيان الاسلامي من التصدّع والتمزّق .

ولذا حثّ الرسول وأهل بيته ( عليهم السّلام ) على الاهتمام بأمور المسلمين ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم ، والاهتمام بالعوامل التي تؤدي إلى التقريب والاتفاق على القواسم المشتركة في الفكر والعاطفة والسلوك .

ووضع الإمام ( عليه السّلام ) قاعدة كلية في التعامل وهي تعميق مفهوم الولاية بين المسلمين . عن زرارة قال : دخلت أنا وحمران على أبي جعفر ( عليه السّلام ) ، فقلت له : إنّا نمدّ المطمار . . . فمن وافقنا من علويّ أو غيره توليّناه ، ومن خالفنا من علويّ أو غيره برئنا منه ، فقال لي : يا زرارة قول اللّه أصدق من قولك ، فأين الذين قال اللّه عزّ وجلّ : إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ . . . .

أين المرجون لأمر اللّه ؟ اين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ؟ أين أصحاب الأعراف ؟ أين المؤلفة قلوبهم ؟[37].

فليس المقياس عند الإمام ( عليه السّلام ) هو الانتماء إلى الجماعة الصالحة فقط ، وإنّما المقياس هو الانتماء إلى الإسلام .

ومن خلال سيرة أهل البيت ( عليهم السّلام ) ومن خلال متابعة أحاديثهم وبالخصوص أحاديث الإمام الباقر ( عليه السّلام ) المنتشرة في بطون الكتب نستطيع أن نقسم الولاية إلى أربعة أقسام :

الأول : ولاية اللّه تعالى .

الثاني : ولاية رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) .

الثالث : ولاية أهل البيت ( عليهم السّلام ) .

الرابع : الولاية بين المسلمين .

فمن لم يؤمن بولاية اللّه وولاية الرسول فهو كافر باجماع المسلمين ، امّا الذي يؤمن بهما ، ولا يؤمن بولاية أهل البيت ( عليهم السّلام ) - أي بإمامتهم - فلا يجوز سلب صفة الإسلام منه فتبقى ثابتة له - ما لم يبغضهم - وتبقى الولاية بين أتباع أهل البيت ( عليهم السّلام ) وغيرهم من المسلمين ثابتة لا يجوز خرمها وقطعها .

وبهذه الروح الإسلامية تعامل الإمام الباقر ( عليه السّلام ) مع سائر المسلمين .

ومن خلال هذا المفهوم بيّن ( عليه السّلام ) الأسس العامة في التعامل الاجتماعي ، فحثّ على التعاون مع سائر المسلمين ، ومن مصاديق التعاون ، ما رواه عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) أنه قال : « من أطعم ثلاثة نفر من المسلمين أطعمه اللّه من ثلاث جنان في ملكوت السماوات : الفردوس ، وجنة عدن ، وطوبى »[38].

وروى عنه ( صلّى اللّه عليه واله ) قوله : « من كسا أحدا من فقراء المسلمين ثوبا من عري أو أعانه بشيء ممّا يقوته من معيشته ، وكّل اللّه عزّ وجلّ به سبعين ألف ملك من الملائكة يستغفرون لكل ذنب عمله إلى أن ينفخ في الصور »[39].

ونهى ( عليه السّلام ) عن وضع حجاب بين المسلم والمسلم . عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر ( عليه السّلام ) قال : قلت له : جعلت فداك ما تقول في مسلم أتى مسلما زائرا أو طالب حاجة وهو في منزله ، فاستأذن عليه فلم يأذن له ولم يخرج اليه ؟ .

قال ( عليه السّلام ) : « يا أبا حمزة أيّما مسلم أتى مسلما زائرا أو طالب حاجة وهو في منزله ، فاستأذن له ولم يخرج اليه ؛ لم يزل في لعنة اللّه حتّى يلتقيا » .

فقلت : جعلت فداك في لعنة اللّه حتّى يلتقيا ؟

قال : نعم يا أبا حمزة[40].

ونهى ( عليه السّلام ) عن تتبع عورات المسلمين ، وروى عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) قوله : « يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه لا تذموا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنّه من تتبع عوراتهم تتبع اللّه عورته ، ومن تتبع اللّه عورته يفضحه ولو في بيته »[41].

وروى عنه ( صلّى اللّه عليه واله ) قوله : « ليس منّا من ماكر مسلما »[42].

ودعا الإمام ( عليه السّلام ) إلى حسن التعامل والصبر على الأذى وعدم مقابلة الإساءة بالإساءة ، والظلم بالظلم ، والقطيعة بالقطيعة ، فدعا إلى العفو فقال :

« الندامة على العفو أفضل وأيسر من الندامة على العقوبة »[43].

وقال ( عليه السّلام ) : « ثلاث لا يزيد اللّه بهنّ المرء المسلم إلّا عزّا : الصفح عمّن ظلمه ، واعطاء من حرمه ، والصلة لمن قطعه »[44].

وحبّب ( عليه السّلام ) طلب مرضات الناس وسائر المسلمين ، بالتقرب إليهم بحسن المعاملة وحسن السيرة ، ويجب أن لا تكون مرضاة الناس مسخطة للّه تعالى ، فقد روى عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) قوله : « من طلب مرضاة الناس بما يسخط اللّه كان حامده من الناس ذامّا ، ومن آثر طاعة اللّه بغضب الناس كفاه اللّه عداوة كل عدّو ، وحسد كل حاسد ، وبغي كل باغ ، وكان اللّه عزّ وجلّ له ناصرا وظهيرا »[45].

وفي الوقت الذي شجّع فيه على إقامة العلاقات مع سائر المسلمين وسائر الناس حذّر من مصاحبة أصناف منهم ، فقد روى عن أبيه الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) وصيته له : « يا بنيّ انظر خمسة فلا تصاحبهم ، ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق .

إياك ومصاحبة الكذّاب فإنه بمنزلة السّراب يقرب لك البعيد ، ويباعد لك القريب .

وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بائعك بأكلة أو أقلّ من ذلك .

وإيّاك ومصاحبة البخيل فإنّه يخذلك في ماله .

وإياك ومصاحبة الأحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك »[46].

ونهى ( عليه السّلام ) عن الخصومة ، ودعا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ليكون المؤمن في وسط الميدان الاجتماعي ويكون قدوة لغيره بعمله واخلاصه للّه ، وحسن سيرته . قال ( عليه السّلام ) : « المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده . . . المؤمن من ائتمنه المسلمون على أموالهم وأنفسهم ، والمسلم حرام على المسلم أن يظلمه أو يخذله ، أو يدفعه دفعة تعنته »[47].

ودعا إلى المجاملة حفاظا على الأفق العام من العلاقات فقال :

« خالطوهم بالبرّانية وخالفوهم بالجوّانية ان كانت الامرة صبيانية »[48].

 

[1] الكافي : 2 / 99 .

[2] المصدر السابق : 2 / 103 .

[3] المصدر السابق : 2 / 118 .

[4] مكارم الأخلاق : 214 .

[5] من لا يحضره الفقيه : 3 / 278 .

[6] مكارم الأخلاق : 215 .

[7] المصدر السابق : 217 .

[8] مكارم الأخلاق : 216 .

[9] المصدر السابق : 216 .

[10] من لا يحضره الفقيه : 3 / 279 .

[11] مكارم الأخلاق : 222 .

[12] المصدر السابق : 223 .

[13] مراجعة كتاب : تربية الطفل في الإسلام ، اصدار مركز الرسالة .

[14] تاريخ اليعقوبي : 2 / 320 .

[15] الكافي : 2 / 162 .

[16] الكافي : 2 / 349 .

[17] المصدر السابق : 2 / 152 .

[18] رجال الكشي : 224 .

[19] وسائل الشيعة : 12 / 126 .

[20] المصدر السابق : 12 / 127 .

[21] المحاسن : 98 .

[22] الكافي : 2 / 166 .

[23] الكافي : 2 / 198 ، 199 ، 205 ، 207 ، 208 .

[24] وسائل الشيعة : 15 / 285 .

[25] الكافي : 2 / 173 .

[26] المصدر السابق : 2 / 188 .

[27] المصدر السابق : 2 / 169 .

[28] الكافي : 2 / 180 .

[29] المصدر السابق : 2 / 181 .

[30] المصدر السابق .

[31] الكافي : 2 / 183 ، 184 .

[32] المصدر السابق : 2 / 345 .

[33] المصدر السابق : 2 / 355 .

[34] المصدر السابق : 2 / 360 .

[35] المصدر السابق : 2 / 369 .

[36] الكافي : 2 / 371 .

[37] المصدر السابق : 2 / 382 .

[38] الكافي : 2 / 201 .

[39] الكافي : 2 / 502 .

[40] المصدر السابق : 2 / 365 .

[41] المصدر السابق : 2 / 354 .

[42] وسائل الشيعة : 12 / 242 .

[43] المصدر السابق : 12 / 170 .

[44] وسائل الشيعة : 12 / 173 .

[45] الكافي : 2 / 372 .

[46] المصدر السابق : 2 / 376

[47] الكافي : 2 / 234 .

[48] المصدر السابق : 2 / 220 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.