أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-8-2016
2922
التاريخ: 11-8-2016
3710
التاريخ: 11-8-2016
2761
التاريخ: 13/11/2022
1290
|
1 - مقوّمات التزكية عند الإمام الباقر ( عليه السّلام ) :
لا تتحقق التزكية إلّا بعد أن تنطلق من القلب والضمير وتتفاعل مع الشعور بخشية مستمرة وحذر دائم وتوقّ من الرغائب والشهوات ، والمطامع والمطامح ، فلا بد وأن تكون شعورا في الضمير ، وحالة في الوجدان ، وضعا في المشاعر لتتهيأ النفوس لتلقي أسسها وتقريرها في الواقع ، ولهذا ركّز الإمام ( عليه السّلام ) في الجانب النظري على أهم المقومات التي تدفع النفس للتزكية وهي :
أ - تحكيم العقل .
ب - تبعية الإرادة الإنسانية للإرادة الإلهية .
ج - استشعار الرقابة الإلهية .
د - التوجّه إلى اليوم الآخر .
أ - تحكيم العقل :
ان اللّه تعالى خلق الانسان مزودا بعقل وشهوة ، ومنحه معرفة سبل الهداية من خلال البينات والحقائق الثابتة ، وهو مكلف بإعداد القلب للتلقي والاستجابة والتطلع إلى أفق أعلى واهتمامات أرفع من الرغبات والشهوات الحسّية ، ولهذا ركّز الإمام ( عليه السّلام ) على تحكيم العقل على جميع الرغبات والشهوات ، ليكون للإنسان واعظ من نفسه يعينه على تزكية نفسه .
قال ( عليه السّلام ) : « من لم يجعل اللّه له من نفسه واعظا ، فإن مواعظ الناس لن تغني عنه شيئا »[1].
وقال أيضا : « من كان ظاهره أرجح من باطنه خفّ ميزانه »[2].
ب - تبعية الإرادة الإنسانية للإرادة الإلهية :
ان تكامل النفس لا يتم إلّا من خلال التطابق بين الإرادة الإنسانية والإرادة الإلهية وذلك باتباع المنهج الإلهي في الحياة ، وهذا التطابق يحتاج إلى مجاهدة الهوى والهيمنة على الشهوات وتقييدها بقيود شرعية ؛ فإنّ مجاهدة النفس تجعل الإنسان مستعدّا بالفعل لتلقّي الفيض الإلهي لإكمال نفسه وتزكيتها على أساس المنهج الربّاني للإنسان في هذه الحياة .
قال الإمام الباقر ( عليه السّلام ) : « يقول اللّه عزّ وجلّ : وعزّتي وجلالي ، لا يؤثر عبد هواي على هواه إلّا جعلت غناه في قلبه ، وهمّه في آخرته . . . »[3].
ج - استشعار الرقابة الإلهية :
لا تتم التزكية إلّا باستشعار الرقابة الإلهية في العقل والضمير والوجدان ، والإحساس بأنّ اللّه تعالى محيط بالإنسان ، يحصي عليه حركاته وسكناته ، ولهذا ركّز الإمام الباقر ( عليه السّلام ) على هذه الرقابة لتكون هي الدافع لاصلاح النفس وتزكيتها ، ففي موعظته لجماعة من أنصاره قال : « ويلك . . . كلّما عرضت لك شهوة أو ارتكاب ذنب سارعت اليه وأقدمت بجهلك عليه ، فارتكبته كأنك لست بعين اللّه ، أو كأن اللّه ليس لك بالمرصاد ! . . . »[4].
د - التوجّه إلى اليوم الآخر :
إن التوجه إلى الحياة الأخرى الخالدة يمنع الانسان من الانحراف ويدفعه لتخليص النفس من ربقة الشهوات وظلمة المطامع وأدناس الهوى .
وقد وجّه الإمام ( عليه السّلام ) الجماعة الصالحة إلى ذلك اليوم ليجعلوه نصب أعينهم ليكون حافزا لهم لاصلاح النفس وتزكيتها ، ومما جاء في موعظته لجماعة منهم قوله ( عليه السّلام ) : « . . . يا طالب الجنّة ما أطول نومك وأكلّ مطيّتك ، وأوهى همتك ، فللّه أنت من طالب ومطلوب !
ويا هاربا من النار ما أحث مطيتك إليها وما أكسبك لما يوقعك فيها !
يا ابن الأيام الثلاث : يومك الذي ولدت فيه ، ويومك الذي تنزل فيه قبرك ، ويومك الذي تخرج فيه إلى ربك ، فياله من يوم عظيم ! يا ذوي الهيئة المعجبة والهيم المعطنة ما لي أرى أجسامكم عامرة وقلوبكم دامرة ؟ ! »[5].
وبيّن الإمام ( عليه السّلام ) ان الدنيا دار بلاء وامتحان ، وان هذا الابتلاء يتناسب مع درجة إيمان الإنسان فقال : « إنّما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه »[6].
2 - منهج التزكية عند الإمام الباقر ( عليه السّلام )
رسم الإمام ( عليه السّلام ) للجماعة الصالحة منهجا واقعيا متكاملا وشاملا لتزكية النفس وتربيتها بحيث يكون كفيلا بتحقيقها عند مراعاته بشكل دقيق .
وتتحدد معالم هذا المنهج بالنقاط التالية :
أ - الارتباط الدائم باللّه تعالى
الارتباط باللّه تعالى والاستسلام له والعزم على طاعته من شأنه أن يمحّص القلوب ، ويطهّر النفوس ، لأنه ينقل الإنسان من مرحلة التفكّر والتدبّر في عظمة اللّه تعالى وهيمنته ورقابته إلى مرحلة العمل الصالح في ظلّ هذا التدبر ، فالعزم يتبعه العون منه تعالى ، ويتبعه التثبيت على المضي في طريق تزكية النفس .
والارتباط باللّه تعالى يبدأ بمعرفته التي تحول بين الإنسان وبين مخالفة ربّه وخالقه ، قال ( عليه السّلام ) : « ما عرف اللّه من عصاه »[7].
فإنّ المعرفة تنتج الحبّ والحبّ الصادق يحول بين الإنسان وبين مخالفة محبوبه .
والارتباط باللّه تعالى يتجسد في مراتب عديدة منها : حسن الظن باللّه ورجاء رحمته ، فقد روى عن جدّه رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) أنه قال : « والذي لا اله إلّا هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلّا بحسن ظنّه باللّه ورجائه له وحسن خلقه والكف عن اغتياب الناس »[8].
ويتحقق الارتباط باللّه تعالى أيضا عن طريق المداومة على العبادات وقد حثّ الإمام ( عليه السّلام ) الجماعة الصالحة على كثرة العبادة ، حتى جعلها احدى خصائصهم - كما تقدم - .
وحثّ ( عليه السّلام ) على قراءة القرآن الكريم والسير على منهاجه .
كما حثّ ( عليه السّلام ) على جعل الروابط والعلاقات الاجتماعية قائمة على أساس القرب والبعد من اللّه تعالى ، فقد أورد أحاديث لرسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) تؤكد على ذلك ومنها قوله ( صلّى اللّه عليه واله ) : « ودّ المؤمن للمؤمن في اللّه من أعظم شعب الإيمان ، ومن أحبّ في اللّه ، وأبغض في اللّه ، وأعطى في اللّه ، ومنع في اللّه ؛ فهو من أصفياء اللّه »[9].
ب - الاقرار بالذنب والتوبة
ان منهج أهل البيت ( عليهم السّلام ) يهدف إلى علاج النفوس البشرية ، واستجاشة عناصر الخير فيها ، وإلى مطاردة عوامل الشر والضعف والغفلة .
والطبيعة البشرية قد تستقيم مرة وتنحرف مرة أخرى ، ولهذا فإنّ العودة إلى الاستقامة تقتضي محاسبة النفس باستمرار ، والاقرار بالأخطاء ، ثم التوبة ، والعزم على عدم العود ، ولذا أكّد الإمام ( عليه السّلام ) على هذه المقومات ، وبدأ بالاقرار بالذنب كمقدمة للنجاة منه ، فقال ( عليه السّلام ) : « واللّه ما ينجو من الذنب إلّا من أقرّ به »[10].
وقال ( عليه السّلام ) : « كفى بالندم توبة »[11].
والاقرار يتبعه الغفران بعد طلبه من اللّه تعالى ، قال ( عليه السّلام ) : « لقد غفر اللّه لرجل من أهل البادية بكلمتين دعا بهما قال : اللهم إن تعذبني فأهل ذلك أنا ، وإن تغفر لي فأهل ذلك أنت ، فغفر له »[12].
والتوبة تمحي الذنب فيعود الانسان من خلالها إلى الاستقامة ثانية ، قال ( عليه السّلام ) : « التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ »[13].
ج - الحذر من التورّط بالذنوب
الحذر والحيطة من الذنوب ضرورة ملحة في تزكية النفس ، وهي تتطلب الدقة في تناول كل خالجة وكل حركة وكل موقف ، وتتطلب التحليل الشامل للأسباب والظواهر ، والعوامل المسبّبة للموقف ، والتعالي بالنفس في ميادينها الباطنية ، ولهذا دعا الإمام ( عليه السّلام ) إلى الحذر والحيطة من جميع الممارسات فقال : « انّ اللّه خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء : خبأ رضاه في طاعته ، فلا تحقرن من الطاعة شيئا فلعلّ رضاه فيه ، وخبأ سخطه في معصيته فلا تحقرن من المعصية شيئا فلعلّ سخطه فيه ، وخبأ أولياءه في خلقه ، فلا تحقرنّ أحدا فلعلّه ذلك الولي »[14].
ودعا ( عليه السّلام ) إلى الاحتياط في القول في الحكم على الاشخاص والاعمال والممارسات فقال : « لا يسلم أحد من الذنوب حتى يخزن لسانه »[15].
وقال ( عليه السّلام ) لاحد أصحابه : « يا فضيل بلّغ من لقيت من موالينا عنّا السّلام ، وقل لهم : إني أقول : أني لا أغني عنكم من اللّه شيئا إلّا بورع ، فاحفظوا ألسنتكم ، وكفّوا أيديكم ، وعليكم بالصبر والصلاة ؛ ان اللّه مع الصابرين »[16].
د - تعميق الحياء الداخلي
ان موجبات التزكية كامنة في النفس ذاتها ، قبل التأثر بالعوامل الخارجية ، والتزكية ليست مجرد كلمات ورؤى نظرية بل هي ممارسة وسلوك عملي ، يجب ان تنطلق من داخل النفس الانسانية ، ولا بد ان يتسلّح الانسان بالواعز الذاتي الذي يصدّه عن فعل القبيح ، ولذا أكّد الإمام ( عليه السّلام ) على الحياء لأنه حصن حصين يردع الأهواء والشهوات من الانطلاق اللامحدود ، قال ( عليه السّلام ) : « الحياء والإيمان مقرونان في قرن ، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه »[17].
ه - كسر الألفة بين الانسان وسلوكه الجاهلي
حينما يعتاد الانسان على السلوك الجاهلي فإنه سيأنس به ، ويألفه حتى يصبح وكأنه جزء من كيانه ، ترضاه نفسه ، ويقبله قلبه ، ولهذا فهو بحاجة إلى كسر هذه الألفة وهذا الأنس إن أراد أن يزكّي نفسه ويسمو بها إلى مشارف الكمال ، ولذا أكّد الإمام ( عليه السّلام ) على بعض الخطوات التي تكسر هذه الألفة ، فقال : « ان اللّه يبغض الفاحش المتفحّش »[18].
وزرع في النفس كراهية الطمع والرغبات المذلة ، فقال : « بئس العبد عبد يكون له طمع يقوده ، وبئس العبد عبد له رغبة تذله »[19].
ومن أجل زرع الكراهية للشر روى عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) قوله : « ألا إن شرار أمتي الذين يكرمون مخافة شرّهم ، الا وإنّ من أكرمه النّاس اتقاء شرّه فليس منّي »[20].
وقال ( عليه السّلام ) : « . . . إنّ أسرع الشر عقوبة البغي ، وكفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه ، وأن يأمر للناس بما لا يستطيع التحوّل عنه ، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه »[21].
فإذا كسرت الألفة بين الانسان وسلوكه الجاهلي فإنّه سيقلع عنه ، ويكون مهيّئا لتقبل السلوك الاسلامي .
و - إزالة الحاجز النفسي بين الانسان والسلوك السليم
قد يحدث حاجز نفسي بين الانسان والسلوك السليم بسبب ضغط الأهواء والشهوات ، أو بسبب الهواجس والوساوس المطبقة عليه ، وسوء التصور ، ورواسب الجاهلية ، والضعف البشري ، فلا بد من إزالة هذه الحواجز أولا ثم التمرين على ممارسة السلوك السليم ثانيا .
فقد حبّب الإمام ( عليه السّلام ) إلى أصحابه السلوك الصالح ، بربطه بالعبادة وطلب العون من اللّه تعالى ، فقال : « ما من عبادة أفضل من عفّة بطن وفرج ، وما من شيء أحبّ إلى اللّه من أن يسأل ، وما يدفع القضاء إلّا الدعاء ، وإن اسرع الخير ثوابا البرّ . . . »[22].
وحبّب إلى النفوس حسن الخلق والرفق ، فقال : « من أعطي الخلق والرفق ، فقد أعطي الخير كلّه ، والراحة ، وحسن حاله في دنياه وآخرته ، ومن حرم الرفق والخلق كان ذلك له سبيلا إلى كل شرّ وبليّة إلّا من عصمه اللّه تعالى »[23].
وحبّب إلى نفوس أصحابه الأدب وحسن السيرة ، فقال : « ما استوى رجلان في حسب ودين قط إلّا كان أفضلهما عند اللّه آدبهما »[24].
وروى ( عليه السّلام ) عن الإمام عليّ ( عليه السّلام ) قوله : « انّ من أعون الأخلاق على الدين الزهد في الدنيا »[25].
وحثّ ( عليه السّلام ) على أداء العبادات المندوبة لكي تتجذر في النفوس وفي الإرادة ، لأنها تساعد على اصلاح النفس وتزكيتها ، وبيّن ثواب من عمل بها ، واستمر على أدائها في جميع الظروف والأحوال .
وحثّ على التمرّن على الأخلاق الفاضلة والخصائص الحميدة ، فقال ( عليه السّلام ) : « عليكم بالورع والاجتهاد ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم عليها برا كان أو فاجرا ، فلو أن قاتل عليّ بن أبي طالب ( عليه السّلام ) ائتمنني على أمانة لأديتها اليه[26].
[1] تحف العقول : 214 .
[2] المصدر السابق .
[3] جامع الأخبار : 270 .
[4] تحف العقول : 212 .
[5] تحف العقول : 212 ، 213 .
[6] جامع الأخبار : 313 .
[7] تحف العقول : 215 .
[8] الكافي : 2 / 72 .
[9] المحاسن : 263 .
[10] الكافي : 2 / 311 .
[11] وسائل الشيعة : 16 / 59 .
[12] المصدر السابق : 16 / 60 .
[13] الكافي : 2 / 316 .
[14] كشف الغمة : 2 / 148 .
[15] تحف العقول : 218 .
[16] تفسير العياشي : 1 / 68 .
[17] تحف العقول : 217 .
[18] الكافي : 2 / 245 .
[19] وسائل الشيعة : 16 / 24 .
[20] الخصال : 1 / 15 .
[21] مختصر تاريخ دمشق : 23 / 86 .
[22] مختصر تاريخ دمشق : 23 / 86 .
[23] حلية الأولياء : 3 / 187 .
[24] مختصر تاريخ دمشق : 23 / 85 .
[25] وسائل الشيعة : 16 / 12 .
[26] تحف العقول : 219 .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|