أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-04-2015
3547
التاريخ: 15-04-2015
3444
التاريخ: 22-8-2016
4223
التاريخ: 11-8-2016
2987
|
عمر بن عبد العزيز
ثم تقلّد الحكم الأموي عمر بن عبد العزيز بعهد من سليمان بن عبد الملك في يوم الجمعة لعشر خلون من صفر سنة ( 99 ه )[1] ولمس الناس في عهده القصير الأمن ، والرفاه ، بشكل نسبي ، فقد أزال عنهم شيئا من جور بني مروان وطغيانهم ، وكان محنكا ، قد هذبته التجارب ، وقد ساس المسلمين سياسة لم يألفوها ممّن قبله .
وكانت لعمر بن عبد العزيز إنجازات عديدة ميّزته عن سائر الحكّام الأمويين ويمكن تلخيصها فيما يلي :
1 - إدانة سب الإمام علي ( عليه السّلام ) ولعنه : كانت الحكومة الأموية منذ تأسيسها قد تبنت بصورة جادّة سب الإمام أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) وانتقاصه ، فان معاوية كان يرى أن هذا السبّ هو السبب في بقاء دولتهم وسلطانهم[2] ، لأن مبادئ الإمام ( عليه السّلام ) كانت تطاردهم وتفتح أبواب النضال الشعبي ضد سياستهم القائمة على الظلم والجور والطغيان فكان لا بدّ من إسقاط شخصيّته ، واعتباره .
وقد أدرك عمر بن عبد العزيز أن السياسة التي انتهجها آباؤه ضد الإمام ( عليه السّلام ) لم تكن حكيمة ولا رشيدة ، فقد جرّت للأمويين الكثير من المصاعب والمشاكل ، وألقتهم في شر عظيم ، فعزم على أن يمحو هذه الخطيئة ، فأصدر أوامره الحاسمة إلى جميع أنحاء العالم الاسلامي بترك سبّ عن الإمام أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) وأن يقرأ عوض السب قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى .
وقد علّل عمر نفسه السبب في تركه لما سنّه آباؤه من انتقاص الإمام بقوله : كان أبي إذا خطب فنال من علي تلجلج ، فقلت : يا أبت إنك تمضي في خطبتك فإذا أتيت على ذكر علي عرفت منك تقصيرا ، قال : أو فطنت لذلك ؟
قلت : نعم ، فقال : يا بني إن الذين حولنا لو يعلمون من عليّ ما نعلم تفرّقوا عنّا إلى أولاده .
فلما ولي عمر الخلافة لم يكن عنده من الرغبة في الدنيا مثل إبطال ظاهرة سب الإمام[3].
وقد أثارت هذه المكرمة إعجاب الجميع ، وأخذ الناس يتحدثون عنه بأطيب الحديث ويذكرون شجاعته النادرة في مخالفته لسلفه الطغاة البغاة .
2 - صلته للعلويين : جهدت الحكومة الأموية منذ تأسيسها على حرمان أهل البيت عليهم السّلام من حقوقهم وإشاعة الفاقة في بيوتهم ، حتى عانوا الفقر والحرمان ، ولكن لما ولي الحكم عمر بن عبد العزيز أجزل لهم العطاء فقد كتب إلى عامله على يثرب أن يقسم فيهم عشرة آلاف دينار ، فأجابه عامله : ان عليا قد ولد له في عدة قبائل من قريش ، ففي أي ولده ؟ فكتب اليه : إذا أتاك كتابي هذا ، فاقسم في ولد علي من فاطمة رضوان اللّه عليهم عشرة آلاف دينار ، فطالما تخطّتهم حقوقه »[4] . وكانت هذه أول صلة تصلهم أيام الحكم الأموي .
3 - رد فدك : رد عمر فدكا إلى العلويين بعد أن صودرت منهم ، واخذت تتعاقب عليها الأيدي ، وتتناهب الرجال وارداتها ، وآل النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) قد حرموا منها ، وقد روي ردّه لها بصور متعددة منها :
ألف : إن عمر بن عبد العزيز زار مدينة النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) وأمر مناديه أن ينادي :
من كانت له مظلمة أو ظلامة فليحضر .
فقصده الإمام أبو جعفر ( عليه السّلام ) فقام إليه عمر تكريما واحتفى به فقال الإمام ( عليه السّلام ) له : « إنما الدنيا سوق من الأسواق يبتاع فيها الناس ما ينفعهم وما يضرهم ، وكم قوم ابتاعوا ما ضرّهم ، فلم يصبحوا حتى أتاهم الموت فخرجوا من الدنيا ملومين لما لم يأخذوا ما ينفعهم في الآخرة ، فقسم ما جمعوا لمن لم يحمدهم وصاروا إلى من لا يعذرهم ، فنحن واللّه حقيقون أن ننظر إلى تلك الأعمال التي نتخوف عليهم منها ، فنكف عنها ، واتق اللّه ، واجعل في نفسك اثنتين ، انظر إلى ما تحب أن يكون معك إذا قدمت على ربك فقدمه بين يديك ، وانظر إلى ما تكره معك إذا قدمت على ربك فارمه وراءك ، ولا ترغبن في سلعة بارت على من كان قبلك ، فترجو أن يجوز عنك ، وافتح الأبواب ، وسهل الحجاب ، وانصف المظلوم ، ورد الظالم ، ثلاثة من كن فيه استكمل الايمان باللّه من إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل ، ومن إذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق ، ومن إذا قدر لم يتناول ما ليس له . . . »[5].
ولما سمع عمر كلام الإمام ( عليه السّلام ) أمر بدواة وبياض ، وكتب بعد البسملة :
« هذا ما رد عمر بن عبد العزيز ظلامة محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بفدك » .
ب - إنه لما ولي الخلافة أحضر قريشا ووجوه الناس ، فقال لهم : إن فدكا كانت بيد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ، فكان يضعها حيث أراه اللّه ، ثم وليها أبو بكر كذلك ، ثم عمر كذلك ، ثم أقطعها مروان[6] ثم إنها صارت إلي ، ولم تكن من مالي أعود علي ، وإني أشهدكم أني قد رددتها على ما كانت عليه في عهد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله )[7].
وليس في هذه الرواية أنه ردها إلى العلويين ، وإنما وضعها حيث كان رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) يضعها ومن المعلوم أن رسول اللّه أقطعها إلى بضعته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ( عليها السّلام ) وتصرفت بها في حياة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ولكن القوم رغبوا في مصادرتها لمصالح سياسية دعتهم إلى ذلك .
ج - إن عمر بن عبد العزيز لما أعلن رد فدك إلى العلويين نقم عليه بنو أمية فقالوا له : نقمت على الشيخين - يعني أبا بكر وعمر - فعلهما وطعنت عليهما ، ونسبتهما إلى الظلم ، فقال : قد صح عندي وعندكم أن فاطمة بنت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ادعت فدكا ، وكانت في يدها ، وما كانت لتكذب على رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) مع شهادة علي ، وأم أيمن وأم سلمة ، وفاطمة عندي صادقة فيما تدعي ، وإن لم تقم البيّنة وهي سيدة نساء الجنة ، فأنا اليوم أردها على ورثتها أتقرب بذلك إلى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وأرجو أن تكون فاطمة والحسن والحسين يشفعون لي يوم القيامة ، ولو كنت بدل أبي بكر وادعت فاطمة ( عليها السّلام ) كنت أصدقها على دعوتها ، ثم سلمها إلى الإمام الباقر ( عليه السّلام )[8].
الإمام محمّد الباقر ( عليه السّلام ) وعمر بن عبد العزيز
وكانت للإمام أبي جعفر ( عليه السّلام ) بخلافة عمر بن عبد العزيز :
منها : تنبؤ الإمام بخلافة عمر : قال أبو بصير : كنت مع الإمام أبي جعفر ( عليه السّلام ) في المسجد إذ دخل عمر بن عبد العزيز ، وعليه ثوبان ممصّران متكيا على مولى له ، فقال ( عليه السّلام ) : ليلينّ هذا الغلام ، فيظهر العدل [9]. إلا أنه قدح في ولايته من جهة وجود من هو أولى منه بالحكم .
ومنها : وصاياه لعمر حين الخلافة : ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كرّم الإمام أبا جعفر ( عليه السّلام ) وعظّمه وأرسل خلفه فنون بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود ، وكان من عبّاد أهل الكوفة ، فاستجاب له الإمام ( عليه السّلام ) وسافر إلى دمشق ، فاستقبله عمر استقبالا رائعا ، واحتفى به ، وجرت بينهما أحاديث ، وبقي الإمام أياما في ضيافته ولما أراد الإمام الانصراف إلى يثرب خف إلى توديعه فجاء إلى البلاط الأموي وعرّف الحاجب بأمره فأخبر عمر بذلك ، فخرج رسوله فنادى أين أبو جعفر ليدخل ، فاشفق الإمام أن يدخل خشية أن لا يكون هو ، فقفل الحاجب إلى عمر وأخبره بعدم حضور الإمام ، فقال له : كيف قلت ؟ قال : قلت : أين أبو جعفر ؟ فقال له : اخرج وقل : أين محمد بن علي ؟ ففعل ذلك ، فقام الإمام ( عليه السّلام ) ، ودخل عليه وحدّثه ثم قال له : إني أريد الوداع ، فقال له عمر :
أوصني .
فقال ( عليه السّلام ) : « أوصيك بتقوى اللّه ، واتخذ الكبير أبا ، والصغير ولدا والرجل أخا . . . » .
وبهر عمر من وصية الإمام وراح يقول باعجاب : « جمعت لنا واللّه ، ما إن أخذنا به ، وأماتنا اللّه عليه استقام لنا الخير » .
وخرج الإمام من عنده ، ولما أراد الرحيل بادره رسول عمر فقال له : إن عمر يريد أن يأتيك . فانتظره الإمام حتى أقبل فجلس بين يدي الإمام مبالغة في تكريمه وتعظيمه ، ثم انصرف عنه[10].
ومنها : تقريظه لعمر : ونقلت مباحث الأمويين إلى عمر أن الإمام أبا جعفر ( عليه السّلام ) هو بقية أهله العظماء الذين رفعوا راية الحق والعدل في الأرض ، وقد أراد عمر أن يختبره فكتب اليه ، فأجابه الإمام ( عليه السّلام ) برسالة فيها موعظة ونصيحة له ، فقال عمر : اخرجوا كتابه إلى سليمان . فأخرج كتابه ، فوجده يقرّظه ، ويمدحه ، فأنفذه إلى عامله على المدينة ، وأمره أن يعرضه عليه مع كتابه إلى عمر ، ويسجّل ما يقوله الإمام ( عليه السّلام ) .
وعرضه العامل على الإمام فقال ( عليه السّلام ) : إن سليمان كان جبارا كتبت اليه ما يكتب إلى الجبارين ، وان صاحبك أظهر أمرا ، وكتبت اليه بما شاكله .
وكتب العامل هذه الكلمات إلى عمر فلما قرأها أظهر إعجابه بالإمام ( عليه السّلام ) ، وراح يقول : « إنّ أهل هذا البيت لا يخلّيهم اللّه من فضل . . . »[11].
ووجهت لعمر بن عبد العزيز بعض المؤاخذات رغم جميع مآثره :
منها : أنه أقرّ القطائع التي أقطعها من سبقه من أهل بيته ، وهي من دون شك كانت بغير وجه مشروع .
ومنها : أن عمّاله وولاته على الأقطار والأقاليم الاسلامية قد جهدوا في ظلم الناس وابتزاز أموالهم .
حتّى أنّ عمر كان يخطب على المنبر فانبرى إليه رجل فقطع عليه خطابه ، وقال له :
إن الذين بعثت في أقطارها * نبذوا كتابك واستحل المحرم
طلس الثياب على منابر أرضنا * كل يجور وكلهم يتظلم
وأردت أن يلي الأمانة منهم * عدل وهيهات الأمين المسلم[12]
منها : أنه أقر العطاء الذي كان للأشراف ، فلم يغيره في حين أنه كان يتنافى مع المبادئ الإسلامية التي ألزمت بالمساواة بين المسلمين ، وألغت التمايز بينهم .
ومنها : أنه زاد في عطاء أهل الشام عشرة دنانير ، ولم يفعل مثل ذلك في أهل العراق[13]. ولا وجه لهذا التمييز الذي يتصادم مع روح الإسلام .
وألمت الأمراض بعمر بن عبد العزيز ، وقالوا : إنه امتنع من التداوي فقيل له : لو تداويت ؟ فقال : لو كان دوائي في مسح أذني ما مسحتها ، نعم المذهوب اليه ربي[14].
وتنص بعض المصادر على أنّه سقي السم من قبل الأمويين لأنهم علموا أنه إن امتدت أيامه فسوف يخرج الأمر منهم ، ولا يعهد بالخلافة إلا لمن يصلح لها فعاجلوه[15]. وتوفي في دير سمعان في شهر رجب[16] سنة ( 101 ه ) .
[1] نهاية الإرب : 21 / 355 .
[2] تاريخ دمشق : 2 / 47 ، تاريخ الأمم والملوك : 5 / 167 - 168 .
[3] تاريخ ابن الأثير : 4 / 154 ، حوادث سنة 99 ه .
[4] الإمام محمّد الباقر ( عليه السّلام ) : 2 / 47 - 48 .
[5] المناقب : 4 / 207 - 208 .
[6] هكذا في الأصل والصحيح ثم اقطعها عثمان مروان .
[7] تاريخ بن الأثير : 4 / 164 .
[8] سفينة البحار : 2 / 272 .
[9] بحار الأنوار : 46 / 251
[10] تاريخ دمشق : 54 / 270 .
[11] تاريخ اليعقوبي : 2 / 48 .
[12] حياة الإمام موسى بن جعفر : 1 / 350 .
[13] تاريخ اليعقوبي : 2 / 48 .
[14] تاريخ ابن الأثير : 4 / 161 .
[15] الإنافة في مآثر الخلافة : 1 / 142 .
[16] تاريخ ابن الأثير : 4 / 161 .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|