أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-8-2018
1386
التاريخ: 16/11/2022
839
التاريخ: 21/11/2022
1242
التاريخ: 15-8-2022
1161
|
الأمن البيئي- قوة متنامية في الاستقرار الإقليمي
يتعين أن تتجاوز نقاشات علماء الجغرافيا الحديثة "حواجز الشجيرات في نورماندي" أو "الوحل الذي يشل حركة الإمدادات" في منطقة جنوب المحيط الهادي. لقد تغير الوسط الأمني ودور الجيش إلى حد كبير، حيث يتطلب مقاربة أوسع تجاه الأمن وفها أفضل لأسباب الصراع. كما أن العولمة اختصرت المسافات وأوجدت توقعات بالنمو الاقتصادي والرفاهية لمضاهاة أنماط الحياة الغربية. وبذلك، فإن العولمة تزيد اتساع الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون؛ مما يعرض كثيرة من الدول النامية لخطر الفشل، ويخلق مجالات غير مسيطر عليها تكون ملائمة لأيديولوجية التطرف، ويمكن استغلالها من قبل منظمات الجريمة الدولية. ومع ارتفاع عدد سكان العالم إلى ما يقدر بنحو 9.2 مليارات نسمة في عام 2050، فإنه سيتخطى قاعدة الموارد الطبيعية لكثير من الدول، ويضعف الشرعية الحكومية، ويزعزع استقرار المناطق، ويعزز الصراعات داخل الدولة الواحدة على الموارد التي تتزايد ندرتها (2009 Hardee and Jiang). تشكل القضايا البيئية حاليا عامة رئيسية في الاستقرار الإقليمي وأمن البلاد، حيث تؤثر في جانبي العرض والطلب لهذه المشكلات. وعلى الرغم من مرحلتي المواجهة العسكرية التقليدية في حربي الخليج، فإن القضية الأساسية التي تواجه المؤسسة العسكرية منذ نهاية الحرب الباردة هي الصراع المتأصل في قضايا الأمن البيئي. ويستكشف هذا الفصل علاقة القضايا البيئية بالأمن القومي، ويوضح الإطار التعريفي الذي يدعم استخدام الأمن البيئي من قبل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، ويناقش الاتجاهات التي ستجعل الأمن البيئي مسألة رئيسية لأهداف السياسة الخارجية الأمريكية وتعطيه دورة عسكرية مهمة في المستقبل القريب.
ونظرا لطبيعة الأمن البيئي المتعددة التخصصات وتنوع الخلفيات والدوافع التي يطرحها محللو الأمن، سيكون هناك خلاف دائم حول ما يشكل هذا الأمن. على سبيل المثال، تمتلئ الأدبيات بأنماط الصراع البيئي، وبمفاهيم تقوم على متغيرات مثل التغير المناخي والتنمية والهجرة وندرة الموارد. وهذا أمر جيد لأنه يشجع الاختصاصات المتعددة الدراسة أبعاد الصراع البيئي، من خلال استخدام مجموعة أساليبها ومهاراتها الخاصة بهدف إثراء الجدل وتوفير حلول أكثر لصانعي السياسات. ولحسن الحظ فهذا ممكن لأن الدراسات الأمنية تقدمت بشكل حاسم لتشمل طبقة من المفاهيم التفسيرية في هذا الحقل المهم من الدراسة، ومنها الأمن البيئي.
ففي مقالة بعنوان «نهضة الدراسات الأمنية»، يوضح الدكتور ستيفن أولويك ما اعتبره حقل الدراسات الأمنية في الأوساط الأكاديمية، ويعتبره موضوعا وثيق الصلة. وقال إن «الدراسات الأمنية تفترض أن الصراع بين الدول هو دائما احتال قائم، وأن استخدام القوة العسكرية له آثار بعيدة المدى على الدول في المجتمع». ولذلك، ذهب للقول إن الدراسات والبحوث الأمنية المشروعة قد تكشف «الظروف التي تجعل استخدام القوة أكثر احتمالا، والطرق التي يؤثر بها استخدام القوة على الأفراد والدول والمجتمعات، والسياسات المحددة التي تتبناها الدول بهدف الاستعداد للحرب أو منعها أو خوضها» (214 :1991 Walt). ويتزايد الاعتراف بالقضايا البيئية على أنها الظروف التي تجعل استخدام القوة أكثر ترجيحا، ومن ثم، فإنها تؤثر في الأمن.
وبعد الحرب الباردة، قام حلف شمال الأطلسي "الناتو" بتعديل مفهومه الاستراتيجي ليعكس الجو الأمني الجديد، بالإضافة إلى الأمور الدفاعية التقليدية، والتهديدات المستقبلية لأمن دول التحالف التي تنشأ من انعدام الاستقرار الذي تسببه القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية التي لم تتم معالجتها (1991 NATO). كما أوضح مدير الاستخبارات الوطنية، الأدميرال دينيس بلير، في شهادته أمام الكونجرس حول التهديدات الأمنية التي تواجه الولايات المتحدة:
غالبا ما تتشابك قضايا التغيير المناخي والطاقة والصحة العالمية والأمن البيئي، ومع أنه لا ينظر إليها عادة على أنها تهديدات للأمن القومي للولايات المتحدة، فإنها ستؤثر في الأمريكيين بشكل كبير. ويمكن لهذه الأعراض المتزامنة المعقدة وغير المسبوقة من المشكلات أن تسبب فشة تامة للدولة، أو تضعف الدول المحورية التي يعتمد عليها باعتبارها أركان الاستقرار الإقليمي (41 :2009 Blair).
والتهديد الرئيسي للأمن القومي في الولايات المتحدة اليوم هو انعدام الاستقرار الإقليمي، وتعتبر قضايا الأمن البيئي من العناصر الرئيسية لهذه المشكلة. مع أن الأكاديميين وبعض المجموعات البيئية قد لا توافق على تعريف الأمن البيئي، فمن المهم أن نفهم أنه يوجد تعريف مقبول للأمن البيئي في مجتمع الوكالات بالولايات المتحدة، والذي يقود نهجة مشتركة للحكومة الأمريكية في مجال الأمن البيئي والسياسات المتعلقة بذلك التعريف. وقد تم التوصل إلى هذا التعريف من خلال بحوث ونتائج أعمال تاد هومر دیكسون، کما يعكس معظم المساهمات النظرية التي قدمها كل من ألكسندر کاریوس وکیرستین إيمبوش في الأبعاد الأربعة التي حددوها لرابطة الأمن البيئي (1999 Carius and Leitzmann). والأمن البيئي هو عملية تساهم فيها حلول المشكلات البيئية في تحقيق أهداف الأمن القومي (1999 USEPA). وعندما تؤثر العوامل البيئية في قضايا الأمن البيئي، كما تعرفه استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة، فإنها تصبح من قضايا الأمن البيئي وموضوعات مشروعة لتناولها القطاعات الدبلوماسية وقطاعات التنمية والدفاع التابعة للحكومة. في عام 1986، عدل قانون "جولدووتر - نیكولاس" لإعادة تنظيم وزارة الدفاع قانون الأمن القومي العام 1947 وألزم الرئيس بإصدار استراتيجية أمن قومي توجه السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وعندما وقع الرئيس رونالد ريغان استراتيجية الأمن القومي لعام 1988، كانت تلك الاستراتيجية تتناول التهديدات التي تواجهها المصالح الأمريكية من الترسانة النووية للاتحاد السوفيتي، و" الاستنزاف أو التلوث الخطير للثروات الطبيعية التي تشمل تربة البلاد وغاباتها ومياهها وهواءها " والتي تشكل تهديدات محتملة للسلام والازدهار اللذين هما من مصالحنا الوطنية ومن مصالح الدول المتأثرة " (6 :1988 The White House). کیا سارت استراتيجيات الأمن القومي الأخرى على النهج نفسه لتقول إن القضايا البيئية تسبب الصراع أو تشعله أو تصعده (1997 ,1991 The White House). ولذلك، فإن الصراع للحصول على الموارد الطبيعية أو التحكم بها، والذي يهدد الاستقرار الإقليمي، قد يهدد مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة. ولذلك أيضا، فإن التعاون بين الدول الإقليمية لمنع الجريمة البيئية العابرة للحدود الوطنية مثل الصيد الجائر للأسماك بوساطة سفن الصيد الأجنبية أو قطع الأشجار بصورة غير قانونية، والذي يعزز بناء الثقة والتواصل، قد يعزز مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة.
تؤثر قضايا الأمن البيئي عادة في مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة عندما: تعمل على تهديد هذه المصالح، أو تعمل بوصفها إجراءات لبناء الثقة، أو تهدد الأمن البشري لسكان الدولة. ومن ثم، فإن دور وزارة الدفاع يتمثل في " منع أو تخفيف آثار الأعمال البيئية الضارة المؤدية إلى انعدام الاستقرار الدولي " (2 :1993 Goodman). وتشدد وزارة الخارجية على أبعاد الصراع في المنافسة على الموارد البيئية والطبيعية: " يدل الأمن البيئي على مجموعة من القضايا الأمنية الناتجة أو المتفاقمة بفعل عوامل ديمغرافية وبيئية، كنمو عدد السكان والتنافس على الموارد (وتحديدا الغذاء والوقود والماء)، والتمدن والهجرة ومسائل الصحة، وفي بعض الحالات، التغير المناخي " (1 :2009 Harnish). في وكالة حماية البيئة الأمريكية، هناك تشديد على الأمن البيئي من حيث هو إجراء يهدف إلى بناء الثقة: " إنها تشمل الفكرة القائلة إن التعاون بين الدول والمناطق لحل المشكلات البيئية يمكن أن يساعد على تعزيز أهداف الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية والسلام "(1 :1999 USEPA).
في عام 1991، شاركت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي برعاية مؤتمر مدريد الذي استضافته إسبانيا، والذي كان الغرض منه تحقيق السلام بين إسرائيل وبعض الدول العربية والفلسطينيين. وقد دعت منهجية عملية السلام إلى إقامة مسارات متعددة الأطراف يشارك فيها الإسرائيليون والفلسطينيون. وكانت الموضوعات المختارة لتلك المسارات تشمل المياه والبيئة واللاجئين والتنمية الاقتصادية والحد من الأسلحة Israeli 1991 Ministry of Foreign Affairs. وهكذا أدت البيئة دورا رئيسيا في ثلاث من أصل أربع قضايا، ولاتزال الاتفاقيات التي تم التوصل إليها من خلال هذه العملية تحكم مشاركة موارد المياه بين إسرائيل وجيرانها. وعند فحص مدى أهمية الظواهر البيئية في سياقها المكاني، من المهم أن نأخذ في الاعتبار ليس فقط التأثيرات السلبية لتهديدات الاستقرار الناجمة عن الصراع على الموارد، بل أيضا الآثار الإيجابية المحتملة كإجراءات بناء الثقة.
عمل نظام وستفاليا للدولة الأمة، ولمدة طويلة، مرشدة لممارسي السياسة الخارجية. ومع أنه احتفظ بأهميته وأولويته في أوساط واضعي الاستراتيجيات الأمنية، فإن صعود مفهوم الأمن البشري عز الوعي بأثر القضايا البيئية على شرعية الدولة. وكان تقرير التنمية البشرية لعام 1994 الذي وضعه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي نقطة تحول في تعزيز أهمية الظروف البشرية بالنسبة للدراسات الأمنية United Nations) (1994 Development Programme. فالأمن البشري، وليس قوة الدولة وحدها، يؤدي دورة متزايدة في تحديد استقرار المناطق.
وعندما تواجه المصالح الأمنية القومية للولايات المتحدة تهديد انعدام الاستقرار الإقليمي، فإن انعدام الاستقرار هذا ينتج وبشكل متزايد ليس من تدخل قوة عظمى، بل من عجز الدول عن تلبية مطالب مقدمة للنظام السياسي من سكان ينشدون التحرر من الفاقة، والتحرر من الخوف. وهذه المطالب المنهجية تشمل وبشكل متزايد: الجفاف، وانعدام الأمن الغذائي، والأوبئة، والصراع على الموارد. والحكومات التي تفتقر إلى الشرعية تكون ضعيفة أمام الأيديولوجية المتطرفة، ومن المرجح جدا فشلها أو وقوعها في صراع داخلي على الموارد الشحيحة. وتؤثر القضايا البيئية مباشرة في قدرة الحكومات على تلبية احتجاجات شعوبها، ومن ثم فإنها عنصر من عناصر الأمن البشري، ومتغير أساسي في شرعية الدولة.
أثبتت التجربة الأمريكية في أفغانستان والعراق حدود القوة العسكرية والانتصار الباهظ الثمن لتغيير النظام من دون إنشاء حكومة قادرة على تلبية حاجات الأمن البشري لشعبها، مما يثبت العلاقة بين مفهومي الدولة والأمن البشري. وتعتبر قضايا الأمن البيئي حاليا عنصرة جوهرية من التنمية والاستقرار المستدامين بعد الصراع، إلى درجة أن وزارة الدفاع أصدرت الأمر التوجيهي 3000.05: الدعم العسكري لعمليات الاستقرار والتحول وإعادة الهيكلة (2006 Department of Defense)، الذي ينص على أن الهدف المباشر لعمليات الاستقرار " توفير الأمن للسكان المحليين واستعادة الخدمات الأساسية وتلبية الحاجات الإنسانية ". وينص أيضا بشكل ملحوظ على أن " عمليات الاستقرار هي أساس المهمة العسكرية للولايات المتحدة... ويجب أن تعطى الأولوية على العمليات القتالية " (2 :2006 DoD). وبالمثل، أنشأت وزارة الخارجية "مكتب منسق إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار" (1997 Department of State). ويسعى هذا المكتب الذي يعمل ما بين الوكالات إلى بناء القدرة الحكومية من أجل تحقيق الاستقرار في بيئة ما بعد الصراع أو لمنع الصراع، ومن ثم، تركز على قدرة الحكومة على النجاح في معالجة مسألة الأمن البشري (2009 Bankus). ويمكن الاطلاع على أحدث الأفكار حول المزج بين النموذج التقليدي للدولة المركزية، ونموذج الأمن الصارم أو الخشن مع تركيز يعتمد على الأمن البشري ويركز على القوة الناعمة والشرعية الحكومية، في تقرير لجنة القوة الذكية الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (2007 CSIS).
وكما يظهر في حالة رواندا، يوجد في كثير من الدول النامية مجموعات وطنية متعددة داخل حدودها السياسية مع إمكانية اندلاع صراع عرقي أو تفجره لفترة طويلة. وعندما تتألف الحكومة من مجموعة معينة بصورة غير متكافئة، فإن المجموعات الأخرى تفترض غالبا أن موارد البلاد لا توزع بالتساوي. فإذا عانى البلد جراء صعوبات اقتصادية، من المحتمل أن تهم الحكومة بالإجحاف في خفض المزايا التي تتمتع بها مناطق البلاد التي تسكنها مجموعات عرقية أخرى، مع احتمال تقويض الاستقرار السياسي. وباعتبار أن العالم المتقدم يمكنه تقديم مساعدات التنمية المستدامة، وبناء قدرات الدولة المستضيفة على إدارة الموارد الطبيعية والبيئة بصورة ناجحة، فإنه يخلق أجواء إيجابية يمكن فيها لهذه المجموعات أن تسعى للحصول على هوية وطنية وشعور بالانتماء وبناء الشرعية الحكومية.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|