أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-04-2015
8090
التاريخ: 19-1-2020
2276
التاريخ: 26-7-2017
4593
التاريخ: 1-04-2015
3466
|
يطالعنا "الفارابي" في مقالته ــ التي يفترض انها تلخيص لكتاب "ارسطو" في الشعر، بينما هي فهم خاص له ــ بأن الأقاويل الشعرية كاذبة لا محالة، لأنه إذا كان من الأقوال الكاذبة (ما يوقع في ذهن السامعين الشيء المعبر عنه بدل القول، ومنها ما يوقع فيه المحاكي للشيء) (1)، فإن الأقاويل الشعرية وهي ما يوقع فيه المحاكي للشيء ــ تنقسم أيضاً إلى ما هو اتم محاكاة، وما هو أنقص محاكاة غير أن كون الشعر كذباً لا يعني انه غلط، لأن غاية المغلط ايهام النقيض، وغاية المحاكي ايهام الشبيه: فأما المحاكي للشيء فليس يوهم النقيض لكن الشبيه)(2) وغلط الحسن يشبه غلط من ينظر إلى القمر من وراء الغيوم السارية فيخاله ساريا، اما ايهام الشبيه فيشبه ما يعرف للناظر في المرآة(3)، ولا ريب أن تمثيل "الفارابي" لإيهام الحقيقة بما يعرض في المرآة من صورة الشيء يذكرنا بما افترضه "افلاطون" من أن الشاعر يشبه في محاكاته من راح يلهو بمرآة ، ويجلو فيها صور الأشياء، وبما ان صورة الشيء في المرآة ليست هي حقيقة الشيء، فالشعر أيضاً اقوال تخيل الحقيقة ولكنها ليست الحقيقة (4)، وكما لاحظ الدكتور "احسان عباس" فان هذا لا يعني الغض من قيمة الشعر وانما يعني تمييزه من القول البرهاني(5). وكما ان النحت محاكاة تتم بالفعل، فإن الشعر محاكاة تتم بالقول، فيلتمس (بالقول المؤلف مما يحاكي الشيء تخييل ذلك الشيء: اما تخييله في نفسه، فيلتمس (بالقول المؤلف مما يحاكي الشيء تخييل ذلك الشيء: اما تخييله في نفسه، وأما تخييله في شيء آخر، فيكون القول المحاكي ضربين: ضرب يخيل الشيء نفسه، واما تخييله في شيء آخر(6)، وظاهر ان "الفارابي" هنا انما يقرن الشعر بالنحت، ويلوح انه كان مولعاً بمقارنة الشعر بالفنون الاخرى ما دامت المحاكاة هي جوهر الفنون جميعاً، بيد أننا نراه مع ذلك يقارب الشعر بالنحت والرسم، ويغفل الموسيقى على الرغم من أنه كان بصيراً بالموسيقى نظراً وعملاً، وعلى الرغم من أن "ارسطو" قد ذكرنا ضمن فنون المحاكاة، وأوردها "متى" في ترجمته على نحو واضح: (وكما ان الناس قد يشبهون بالوان واشكال كثيراً. ويحاكون ذلك من حيث ان بعضهم يشبه بالصناعات ويحاكيها، وبعضهم بالعادات، وقوم آخر منهم بالأصوات، كذلك الصناعات التي وصفنا، وجميعاً يأتي بالتشبيه والحكاية باللحن، والقول والنظم. وذلك يكون إما على الانفراد وإما على جهة الاختلاط. مثال ذلك: أوليطيقي وصناعة العيدان فانهما تستعملان اللحن والتأليف فقط، وان كان يوجد صناعات اخرى هي في قوتها مثل هاتين: مثال ذلك صناعة الصفر تستعمل اللحن الواحد بعينه من غير تأليف وصناعة اداة الرقص ايضاً. وذلك ان هاتين باللحون المتشكلة تشبه بالعادات وبالانفعالات ايضاً وبالأعمال أيضاً وتحاكيها، اما بعضها فبالكلام المنثور الساذج، او الأوزان) (7).
اذن فقد كان
واضحاً في ترجمة "متى"(8) ربط الشعر بالموسيقى، بل انه في
هذا الموضع بالذات قد أغفل ربطه بالتصوير وان كان قد فعل ذلك في موضع آخر(9).
غير انه لأمر ما تعلق النقاد العرب بالمقارنة بين الشعر والتصوير، وأغفلوا تماماً
المقارنة بينه وبين الرقص والموسيقى، وها هو ذا "الفارابي" يقول ان
المحاكاة قد تكون بفعل كما في النحت، وقد تكون بقول كما في الشعر، ويغفل انها قد
تكون بلحن كما في الموسيقى، او بحركة كما في الرقص، على الرغم مما يروى من أنه كان
يعزف فيضحك أو يبكي بما في عزفه من بلاغة. وأغلب الظن ان ذلك يرجع إلى مفهوم
"الفارابي" المطابق لمفهوم "افلاطون" في ان الشعر يصور ظاهر
الشيء مثلما يصور النحات ظاهر الانسان، فلم يلحظ "الفارابي" قط أن الشعر
يمكن أن يقرن أيضاً بالموسيقى ــ كما فعل "ارسطو" ــ، والموسيقى محاكاة
أيضاً، ولكنها لا تتخذ من العالم الحسي انموذجاً لها، وانما هي تحاكي المشاعر
النفسية على نحو لا تخضع فيه لقيود الحس ولو ان "الفارابي" عقد هذه
المقارنة لنبه على أن الشعر ليس صورة الظاهر فحسب ولكنه ايضاً صورة الباطن بما
يحفل به من غنى المشاعر، غير انه اغفل ذلك ليؤكد مرة أخرى الطابع العيني للشعر بمقارنته
بالرسم: (ان بين اهل هذه الصناعة وبين اهل التزويق مناسبة، كأنهما مختلفان في مادة
الصناعة، ومتفقان في صورتها وفي افعالها، واغراضها أو نقول: ان بين الفاعلين،
والصورتين، والغرضين، تشابها، ذلك ان موضع هذه الصناعة الأقاويل، وموضع تلك
الصناعة الاصباغ، وان بين كليهما فرقاً، إلا ان فعليهما جميعاً التشبيه، وغرضيهما
إيقاع المحاكيات في أوهام الناس وحواسهم)(10).
والحق ان ثمة
قضايا معينة يثيرها هذا النص، فالفارابي انما قابل بين الاقوال والاصباغ في صياغة
التشبيه، بما ينم على أنه يلاحظ في الأقوال الطابع العيني الذي يجعلها أقرب إلى
الزخرفة ومن ثم إلى الحس فضلاً عن أنه يخلط بين المحاكاة والتشبيه، ويجعل
"فعل" الشعر والرسم معاً تشبيه الاشياء، وتمثيلها في اذهان الناس. وإذا
كانت غاية كل من الشعر والرسم انما هي (ايقاع المحاكيات في اوهام الناس وحواسهم)
فما الذي يعينه "الفارابي" بأوهام الناس؟ ربما كان يعني ان الشعر بايهامه
للتشبيه، او بتخييله للحقيقة، انما يخاطب جانب الخيال في الذهن البشري، ولعل مما
يعضد ذلك ان "ارسطو" كان يخلط بين الخيال والوهم(11). ولكن الفارابي "لم يلبث ان نص على ان
المحاكاة انما تخاطب الحواس أيضاً فاقترب بذلك من "افلاطون" مرة أخرى في
قوله ان الشعر يحاكي ظاهر الاشياء او ما هو كائن، وانه لا يعنى بالحقيقة وانما بما
يشبه الحقيقة، وهكذا فثمة تساؤل مهم هنا عن العلاقة بين الخيال والحواس أداتين
تتلقيان التشبيهات أو المحاكيات الشعرية، فإذا افترضنا ان الخيال يمكن أن يتلقى
التشبيه الشعري فهل يقتضي ذلك ان يتلقاه في صورة حسية، ام تراه يعني تصوير
المعنويات في صورة المحسوسات على نحو تقع به المحاكاة التي ينبغي ان تبقى في
اذهاننا في كلامنا على الشعر لأنها جوهر الشعر؟ مهما يكن من امر ، فان اقتران
الخيال بالحواس يبقى ذا دلالة بالغة الاهمية اذا كان لنا ان نفهم من كلام
"الفارابي" ما يوحي بأن الفكرة قد تعرض او تحاكي بالصورة مثلما يحاكي
الشيء ما دام تعبير (المحاكيات) يتيح ذلك لأنه يشتمل على "الشيء" و
"الفكرة" وبمستوى في ذلك ان يكون المقصود هو المحاكي (الشاعر) او
المتلقي، لأنه اذا كان غرض الشاعر ايقاع التشبيه في الحس فلا بد له أن يعبر بصور
حسية، ويبقى ان "الفارابي" اوشك ان ينبه على ان المحاكاة لا تقتصر على
"الأشياء" وانما تتجاوزها إلى "الافكار" بل لعل محاكاة
الافكار بالتصوير الحسي من محاكاة الاشياء التي هي محسوسة اصلاً:
على اننا لا نلبث
ان نجد ملاحظة قيمة لعلها الملاحظة الوحيدة التي وجهت نقداً جوهرياً إلى الشعر
العربي، لأن النقد العربي كان ــ غالباً ــ يفسر الشعر ولا يوجهه، فقد ورد في
تلخيص ابن رشد لكتاب "ارسطو" كلام نسبه إلى "الفارابي" يشير
إلى ان أكثر الشعر العربي انما هو في النهم والكدية، وذلك في معرض كلام ابن رشد
على شعر الفضائل عند الاغريق الذي لا يوجد ما يقابله عند العرب: "وان كانت أكثر
اشعار العرب انما هي ــ كما يقول ابو نصر ــ في
صفحة 64
النهم
والكدية"(12)، ولا ريب ان عبارة "الفارابي" هذه تكاد
تحصر الشعر العربي في مضمار الحواس، والفاظها تنم على ما يحمله
"الفارابي" من كراهة خفية للطابع المادي الحسي في الشعر العربي، فكلمة
"النهم" انما توحي بسطوة الغرائز الحسية وكذلك كلمة "الكدية"
التي تصور الشعر مطية الرغائب المادية، فكأن "الفارابي" يريد ان يقول ان
الشعر العربي لم يحفل بالمعاني الروحية التي تعلو على نزعات الحس، ولم يأنس بما
استتر خلف حجب الظاهر، ولم يبصر ما في الفعل الانساني من نبل، فظل بعيداً عن رقيق
المشاعر، وعميق الافكار، اسيراً للمادة التي كبلت جناح خياله، وحرمته من ملاحظة ما
يمكن أن يكون وليس ما هو كائن فحسب. والحق ان ثمة دافعاً آخر وراء حملة
"الفارابي" على الشعر العربي، وهو الدافع الاخلاقي، لأن خضوع الشعر
للغرائز المادية يبعده عن نشد ان الفضائل، والتخلق بها، والحض عليها، مما يقصره
على طرفين: الحواس من الناحية الفنية، والشهوات من الناحية الخلقية. ويبدو ان هذه
النظرة نابعة من اطلاعه على اشعار بعض الامم، ولعله اطلع على الشعر الاغريقي وما
فيه من محاكاة الفعل الفاضل، وان كان عدم اطلاعه لا يغير من الامر شيئاً، لأنه حين
ترجم انواع الشعر اليوناني ــ نقلاً عن أحد شروح "ارسطو" على الارجح لأن
"ارسطو" لم يذكر شيئاً من ذلك في كتابه ــ ذكر ان الشعر اليوناني بحث
على الخير، والفضائل الانسانية في نوعين على الأقل هما المأساة (الطراغوذيا)
والشعر الغنائي (الديثرامبي) يقول:
"اما طراغوذيا فهو نوع من الشعر له وزن
معلوم يلتذ به كل من سمعه من الناس، او تلاه، يذكر فيه الخير والامور المحمودة
المحروص عليها، ويمدح بها مدبر المدن . . . واما (ديثرمبي) فهو نوع من الشعر له
وزن ضعف وزن طراغوذيا "يذكر فيه الخير، والاخلاق الكلية المحمودة، والفضائل
الانسانية، لا يقصد به مدح ملك معلوم، لكن تذكر فيه الخيرات الكلية"(13).
ويبدو ان الفارابي "بعد ان نقل هذه العبارات، نظر في الشعر العربي فوجده
يتغنى بالحواس من جهة، ويتكسب بالمدح من جهة اخرى دون ان يعنى في مدحه بالخير الكلي
الذي لا يرتبط بإنسان معين، وفي نظرة "الفارابي" هذه نفحة
"افلاطونية" واضحة، وان كان ارسطو ليس عنها ببعيد ايضاً، فقد رأينا ان
افلاطون "لا يبيح الشعر إلا في تسبيح الله ومدح الصلاح "(14)
وعلينا ان نذكرها هنا ان "الفارابي" صنف كتابا في "الجمع بين آراء
الحكيمين" واراد به التوفيق بين "افلاطون" و "ارسطو"، واغلب الظن انه اطلع
ايضاً على آراء "افلاطون" الشعرية، والحق ان كلامه في المحاكاة مزيج
غامض من آراء "افلاطون" الشعرية، والحق ان كلامه في المحاكاة مزيج غامض
من آراء الحكيمين فكأنه جمع بينهما في آرائه هو أيضاً، وان كان يبدو اميل إلى
"افلاطون" الذي كان دائماً أقرب إلى قلوب الفلاسفة المسلمين لما في
فلسفته من نزعة صوفية خلقية واضحة.
وثمة ملاحظة اخرى
تؤكد انه لو اتيح "للفارابي" ان ينصرف إلى النقد الادبي، لظفر النقد
العربي بآراء جوهرية نافذة كانت كفيلة بإخراجه من التفسير إلى التقويم. لقد قال
"الفارابي": ان الشعر يعتمد على عنصرين جوهريين هما المحاكاة والوزن.
اما الوزن فهو ضروري لكي يتميز "الشعر" من "القول الشعري(15)
بيد انه مع ذلك ليس في ضرورة المحاكاة التي تبقى اهم العنصرين، والمعضلة هي ان
الناس أولعوا بالوزن حتى لم يعد الشعراء يبالون بأن يكون الشعر محاكياً إذا كان
موزوناً، وهكذا فمشكلة الشعر تنحصر غالباً في تغليب الوزن على المحاكاة، فاذا
لاحظنا خطر المحاكاة من حيث كونها جوهر الشعر، أدركنا ما في رأي
"الفارابي" من نقد جوهري. وحقاً فإن عنصري الشعر هما المحاكاة والوزن،
وان المحاكاة مقدمة على الوزن، وان ما يضاف إلى الشعر بعد ذلك هو تحسين فيه قد
يجعله أفضل ولكنه ليس من صميم ما يتطلبه الشعر(16). يقول
"الفارابي": "الجمهور وكثير من الشعراء انما يرون ان القول شعر متى
كان موزوناً مقسوماً بأجزاء ينطبق بها في ازمنة متساوية وليس يبالون كانت مؤلفة
مما يحاكي الشيء أم لا . . .والقول إذا كان مؤلفاً مما يحاكي الشيء، ولم يكن
موزوناً بإيقاع فليس يعد شعراً، ولكن يقال: هو قول شعري"(17).
ولقد سبق
"للفارابي" ان جعل شعر علماء الطبيعة ــ اقتداء "بأرسطو" ــ
اشد انواع الشعر مباينة لصناعته لافتقاره إلى المحاكاة على الرغم من توفر الوزن:
"واما "ايفيجانا ساوس" فهو نوع من الشعر أحدثه علماء الطبيعيين،
وصفوا فيه العلوم الطبيعية، وهو اشد انواع الشعر مباينة لصناعة الشعر"(18).
ولعل هذا كله يشير إلى فكرة قيمة، وهي ان فضل الشعر انما يرجع إلى ما فيه من
محاكاة لا إلى ما فيه من وزن، ولا إلى ما فيه من محسنات بلاغية ايضاً على نحو ما
يظهر من قوله: ان ما يضاف إلى الشعر ــ غير المحاكاة والوزن ــ انما هو مجرد تحسين
لا علاقة له بجوهر الشعر(19)، ولا ريب ان هذا رأي آخر بالغ الاهمية لأنه
يجرد المحسنات البلاغية مما اضفاه النقاد عليها من تقدير كبير.
الشعر اذن محاكاة
محضة، والمحاكاة في الشعر ليست، لهواً ولعباً، وانما هي تخييل يفضي إلى فعل معين:
"فان الانسان كثيراً ما تتبع افعاله تخيلاته وكثيراً ما يكون ظنه أو علمه
مضاداً لتخيله، فيكون فعله بحسب تخيله لا بحسب ظنه به أو علمه. فلذلك صار الغرض
المقصود بالأقاويل المخيلة ان تنهض بالسامع نحو فعل الشيء الذي خيل له فيه امر ما
(من طلب له، او هرب عنه، ومن نزاع أو كراهة له، أو غير ذلك من الأفعال من اساءة او
احسان) سواء صدق ما يخيل اليه من ذلك ام لا، كان الأمر فيا لحقيقة على ما خيل ام
لم يكن"(20). وهكذا فغاية المحاكاة هي الحض على الفعل لا مجرد
المحاكاة، وبذلك يوافق "الفارابي" "ارسطو" في حقيقة الأمر،
لأن "التطهير" الارسطي انما هو حض على الفعل ايضاً، ولكن على نحو غير
مباشر، وظاهر ان كلا من "ارسطو" والفارابي انما يلتمس الغاية الخلقية في
الشعر، ويضع الشاعر في مقام الموجه القادر على التأثير في الفعل الانساني. ويلاحظ
ان "الفارابي" لا يلزم الشاعر بمطابقة الحقيقة، بقدر ما يلزمه بجودة
المحاكاة بحسب غايته في الحض على فعل ما، وهو الأمر الذي سيفيض فيه "حازم
القرطاجني" فيما بعد كما سنرى.
ويبدو ان
"الفارابي" أحس ايضاً بأثر الإيحاء في الشعر من خلال نظرية المحاكاة،
وهو ما عبر عنه بــ: الاخطار بالبال. حقاً انه يطلع هذا التعبير اصلاً على التشبيه
الجيد الذي يقرب المتباينين، بيد ان الثناء عليه، ووصفه بان له غناء عظماً،
ورونقاً عجيباً، ينم على ان "الفارابي" ربما كان يشير على نحو غامض إلى
ان الشاعر الحاذق يملك وسيلة الايحاء التي تتيح له ان يتعمق في تصور العلاقة بين
الاشياء التي تبدو متباعدة، وهي فكرة تحدث عنها فيما بعد اغلب انقاد العرب نحو
"عبد القاهر" مثلاً الذي أثنى على الكناية اللطيفة، والتشبيه البعيد(21).
ولا ينال من ملاحظة "الفارابي" انه جعل من الاخطار بالبال ايضاً نظم
البيت بحيث يشير اوله إلى قافيته، لأن كلامه منذ البداية واضح في الدلالة على انه
يريد بالأخطار الجمع بين تشبيهين متباعدين: "وجودة التشبيه تختلف: فمن ذلك ما
يكون من جهة الامر نفسه بأن تكون المشابهة قريبة ملائمة، وربما كان من جهة الحذق
بالصنعة حتى يجعل المتباينين في صورة المتلائمين بزيادات في الاقاويل مما لا يخفى
على الشعراء، فمن ذلك ان يشبعوا أ، ب وب، ج لأجل انه يوجد بين أ وب مشابهة قريبة
ملائمة معروفة، ويوجد بين ب و ج مشابهة تربية ملائمة معروفة، فيدرجوا الكلام في
ذلك حتى يخطروا ببال السامعين. والمنشدين مشابهة ما بين أ ب وب، جوان كانت في
الاصل بعيدة . . . وللإخطار بالبال في هذه الصناعة غناء عظيم وذلك مثل ما يفعله
بعض الشعراء في زماننا هذا من انهم إذا ارادوا ان يضعوا كلمة في قافية البيت ذكروا
لازماً من لوازمها او وصفاً من اوصافها، في أول البيت، فيكون لذلك رونق عجيب"(22).
ولعل قوله: "فيدرجوا الكلام في ذلك حتى يخطروا ببال السامعين" يماثل
قولنا: "يوحوا" أو يمت إليه بنسب. ومما يعضد هذا الفرض، فيؤكد اهمية
الإيحاء عند "الفارابي" ما ذكره في موضع آخر عن "محاكاة
المحاكاة" حين اشار إلى ان صورة التمثال في المرآة انما هي محاكاة، وان
كثيراً من الناس يفضلون محاكاة الشيء بالأمر الابعد: "ربما لم نعرف زيداً
فنرى تمثاله فنعرفه بما يحاكيه لنا، لا بنفس صورته، وربما لن نر تمثالاً له نفسه،
ولكن نرى صورة تماثله في المرآة، فنكون قد عرفناه بما يحاكي ما يحاكيه، فنكون قد
تباعدنا عن حقيقته برتبتين ، وهذا بعينه يلحق الاقاويل المحاكية، فإنها ربما الفت
عن اشياء تحاكي الامر نفسه، ربما الفت عما تحاكي الاشياء التي تحاكي الامر نفسه،
وعما تحاكي تلك الاشياء، فتبعد عن الامر
برتب كثيرة وكذلك التحيل للشيء عن تلك الاقاويل، فإنه يلحق تخيله هذه الرتب فانه
يتخيل الشيء ما يحاكيه بلا توسط، ويتخيل بتوسط شيء واحد، وبتوسط شيئين على حسب
القول الذي تحاكي الشيء، وكثير من الناس يجعلون محاكاة الشيء بالأمر إلا بعد اتم
وأفضل من محاكاته بالأمر الاقرب، ويجعلون الصانع للأقاويل التي بهذه الحالة احق
بالمحاكاة، وادخل في الصناعة، واجرى على مذهبها"(23). ويتساءل
الدكتور احسان عباس قائلاً: "وليس واضحاً كيف تكون محاكاة المحاكاة في الشعر،
اذ لا نظن ان "الفارابي" يعني هنا محاكاة نماذج شعرية معتمدة، ولعله
انما يعني الرمز والايماء والكناية"(24) وحقاً ان
"الفارابي" لا يعني هنا
محاكاة نماذج شعرية ولكنه يشير على نحو
غامض ــ كما يلوح ــ إلى نظرية المثل من خلال مفهوم المرآة محاكاة ثانية، او
محاكاة لمحاكاة كما غير "الفارابي" ، بيد انه اذا كان
"الفارابي" يشير إلى نظرية المثل، فالحق انه اتى في كلامه بلمحة بارعة
تتجلى في انه جعل الانسان ــ وليس المثال ــ موضوع المحاكاة الأول ، وبذلك اغفل
التفسير الميتافيزيقي للفن، ونقله إلى التفسير الانساني، فالإنسان عند افلاطون
انما هو محاكاة لمثل الهي، تمثاله محاكاة اخرى لهذه المحاكاة، فهو محاكاة متخلفة
بعيدة عن الحقيقة. طبعاً لم يقل الفارابي ان الانسان ليس محاكاة لمثل الهي، ولكنه
اغفل هذا الموضوع اصلا، وبدأ بالإنسان فجعله موضوع الفن الاول، وتبعاً لذلك فقط
لاحظ بعمق ان كثرة الوسائط لا تجعل من الفن تقليداً مملاً دائما، انما هي تخلق ــ
خلافاً لذلك ــ لذة شعورية تشبه لذة من يدرك الحقيقة بعد جهد، او يكتشفها بعد
غموض، لأن صورة تمثال الانسان في المرآة فيها من الجمال ما قد لا يكون في التمثال
نفسه، حيث ان تعدد الصور يضفى ضرباً من الغموض المحبب الذي يوحي بالحقيقة دون ان
يصرح بها، فكيف اذا كان هذا التعدد في الصور الشعرية التي لا يمكن ان تكون محاكاة
كمحاكاة المرآة؟ ان الغموض في الصور الشعرية هو ما يفيض عليها صور الجمال، وكما
يقول "عويو" فإن ما يبدو انه يهرب من العين في الاجام والغياض هو ما
يوحي بالجمال الشعري: "وما من شيء أبعد عن الجمال الشعري من طريق واسع لا حب،
لا زوايا فيه، ولا منعطفات، تسقط عليه الشمس عمودية فتنيره كله، ولا كذلك الآجام،
والغياض، وزوايا الظل وكل ما تراه العين بأول نظرة، وكل ما يبدو انه يهرب منا، فإن
هذا هو ما يضفي على الريف جماله الشعري، وما كان المساء جميلاً هذا الجمال الذي
يفوق الوصف إلا لأننا لا نرى فيه رؤية كاملة"(25). ولقد اشار
"الصابي" فيما بعد إلى ان الغموض هو الفيصل بين الشعر والنثر(26).
فنقد بذلك إلى مبدأ جوهري يبدو النفاذ إليه غريباً في العرف النقدي السائد آنذاك
كما سنرى، وهكذا، يمكن الزعم ان "الفارابي" كان يريد شيئاً من هذا
القبيل، وهو يحدثنا عن "محاكاة الشيء بالأمر إلا بعد" وإنها "اتم
وأفضل من محاكاته بالأمر الأقرب" وهو أيضاً ــ فيما يلوح ــ ما يعنيه بالإخطار
بالبال، ذلك الاخطار الذي يقرب بين تشبيهين متباينين، ولا ريب ان هذه الامور كلها
تجعل من محاكاة الفارابي ما هو ابعد من محض التقليد الظاهري للطبيعة، اذ تنم على
وعي عميق بقيمة الرمز والإيحاء في اضفاء الطابع الفني على المحاكاة، على نحو
يخلصها من التعلق بالظاهر، كما تنم ايضاً على ان الفارابي لم يكن ترجمان ارسطو
فحسب، فلقد اغنى نظرية المحاكاة اليونانية بآراء قيمة لو كان افاض في شرحها، لكان
بلا ريب ناقد العربية الأول.
ويستلهم الفارابي
من نظرية المحاكاة رأياً جوهرياً آخر، وهو ان المحاكاة هي الفارق الرئيسي بين
الشعر والخطابة، فكأنه يؤكد بذلك مرة اخرى ان الوزن ليس هو عماد الشعر، وان الشعر
انما يميز بما فيه من تخييل، وليس بما فيه من وزن. وقد يكثر التخييل في خطبة فتقرب
من الشعر ، كما قد يكثر الاقناع في قصيدة فتقرب من الخطبة، لن الاقناع هو جوهر
الخطبة القابلة للصدق والكذب، كما ان التخييل جوهر الشعر الذي هو كاذب كلية، وربما
حدث خلط عند بعض الخطباء والشعراء، اذ يجمعون بين التخييل والاقناع: "وربما
غلط كثير من الخطباء الذي لهم من طبائعهم قوة على الأقاويل الشعرية، فيستعمل
المحاكاة ازيد مما شأن الخطابة ان تستعمله، غير انه لا يوثق به، فيكون قوله ذلك
عند كثير من الناس خطبة بالغة، وانما هو في الحقيقة قول شعري قد عدل به عن طريق
الخطابة إلى طريق الشعر، وكثير من الشعراء، الذي لهم أيضاً قوة على الأقاويل
المقنعة، ويزنونها فيكون ذلك عند كثير من الناس شعراً، وانما هو قول خطبي عدل به
عن منهاج الخطابة، وكثير من الخطباء يجمع الأمرين جميعاً، وكذلك كثير من الشعراء،
وعلى هذا يوجد اكثر الشعر(27)".
وثمة مسألة مهمة
من المسائل التي تكلم عليها الفارابي، وهي مسألة الطبع والصنعة، فهو يرى ان
الشعراء اما ان يبرعوا في الشعر بحسب استعدادهم الفطري للتشبيه، دون أن يكونوا على
بصيرة بصناعة الشعر، وهؤلاء لا يستحقون اسم الشعراء لأنهم يجهلون الاقيسة الشعرية،
وإما أن يبرعوا في الشعر بحسب احاطتهم الدقيقة بطبيعته، وخواصه، وتشبيهاته، وهؤلاء
هم الشعراء المجيدون، واما ان يبرعوا في التقليد فحسب مع افتقارهم إلى الطبع
والصنعة معاً، وهؤلاء يخطئون كثير، ولا يخلو احد هؤلاء من ان يقول الشعر عن طبع أو
عن قهر، فهو يقول الشعر عن طبع إذا وافق الشعر ما جبل عليه من اخلاق، فإذا ما
اضطره حال من الاحوال إلى ما يخالف خلقه، فأنه يقول الشعر عن قهر، كمن اضطر إلى
الهجاء وهو مجبول على الخير، ولا ريب أن أفضل الشعر ما صدر عن طبع، وان كان الشعر
يختلف بعد ذلك قوة وضعفاً بحسب الحالة النفسية للشاعر(28).
"الفارابي"
اذن نصير الصنعة، والحق انه ليس المقصود هنا أن ينصرف الشاعر عن مقتضى الجبلة
الشعرية فيه إلى عبث الصنعة، وانما المقصود ان يكون الشاعر بصيراً بدقائق صنعته،
عارفاً بخواصها، ويبدو انه ينهج في ذلك نهج افلاطون الذي طالب بدقائق صنعته،
عارفاً بخواصها، ويبدو أنه ينهج في ذلك نهج افلاطون الذي طالب الكتاب والشعراء ان
يكونوا في كاتباتهم واشعارهم عارفين بالحقيقة، قادرين على تأييدها بالأدلة، (29)
فكأن الفارابي يرى أن الالهام لا يكفي وحده ولا بد أن يعرف الشاعر كيف يصوغ هذا
الالهام في قالب الفن.
على ان ما يلفت
النظر حقاً، هو إشارة الفارابي القيمة إلى ان أحمد انواع الشعر "ما كان عن
طبع"(30). فإذا عرفنا انه يعني بالطبع خلق الشاعر الذي جبل عليه أدركنا
انه يطالب الشاعر بالصدق الفني الذي هو اصالة الشاعر في استلهام مشاعره الذاتية،
دون الاعتماد على نماذج تقليدية وربما كانت هذه اول اشارة في النقد العربي إلى
الصدق الفني الذي هو اصالة الشاعر في استلهام مشاعره الذاتية، دون الاعتماد على
نماذج تقليدية وربما كانت هذه اول اشارة في النقد العربي إلى الصدق الفني، فقد دأب
النقاد على تلقين الشعراء المعاني التي ينبغي عليهم احتذاؤها، أو محاكاتها، أو
سرقتها، دون ان يعنوا في ذلك بمشاعرهم الخاصة(31). وهكذا، فلعل
الفارابي قد نفذ بيصيرته إلى مبدأ من أسمى مبادئ الفن الشعري، مما يدفعنا إلى
مراجعة الرأي السائد في ان النقاد العرب "لم يوصوا بشيء يعتمد به فيما يتعلق
بالصدق الفني(32)" كما يقول الدكتور محمد غنيمي هلال، وان كان رأي
الفارابي على إيجازه هو الوحيد غاباً في التوصية بهذا الصدق.
والحق ان هذه
الآراء لم يقدر لها ان تجد صدى يذكر عند النقاد والشعراء اللهم إلا ما اتفق من
تأثر المتنبي ببعضها من خلال لقائه بالفارابي عند سيف الدولة كما سنرى، فقد كان ثمة
حجاب يحول بين هذا النقد الفلسفي وبين النقد اللغوي الذي جعله علماء اللغة قاصراً
على الجزئيات الجمالية، فضلاً عن ان الشعراء أنفسهم انما قصروا همهم ــ مثلما اشار
الفارابي ــ على تجويد الوزن والصنعة، فلم يلقوا بالاً إلى ما يمكن أن تمنحه جودة
المحاكاة للشعر من آفاق جديدة.
___________________
(1) فن الشعر لأرسطو:
ترجمة الدكتور عبد الرحمن بدوي، مكتبة النهضة المصرية ــ القاهرة 954 ص150.
(2) المصدر نفسه:
ص150
(3) انظر المصدر
نفسه: ص150-151.
(4) انظر جمهورية
افلاطون ص264
(5) الدكتور احسان
عباس: تاريخ النقد الادبي عند العرب ــ الطبعة الأولى بيروت 1970. ص217-218.
(6) كتاب الشعر للفارابي
انظر مجلة شعر ــ بيروت العدد 12 سنة 959 تحقيق الدكتور محسن مهدي س93.
(7) كتاب الشعر:
ص28-30.
(8) يرجع الدكتور
شكري عياد ان الفارابي اعتمد على ترجمة "متى" واجتهد في تفسيرها انظر:
المصدر السابق 195.
(9) انظر المصدر
السابق، ص142.
(10) فن الشعر:
ص157-158.
(11) انظر: النقد
الأدبي الحديث ص116.
(12) وردت في
تلخيص ابن رشد كلمة "الكريه" بدلاً من "الكدية" وكذلك في كتاب
الدكتور احسان عباس ص521 بينما يلاحظ الدكتور شكري عياد بحق انها
"الكدية" وليس الكريه "وان "لازينيو" في تحقيقه لتلخيص
ابن رشد لاحظ ان الراء تشبه الدال، ولكنه لم يوفق إلى القراءة الصحيحة.
انظر: حاشية
رقم(2) من تحقيق الدكتور شكري عياد لكتاب الشعر ص195.
وواضح ان كلمة
"الكريه" لا يستقيم بها معنى النص كما يستقيم بكلمة "الكدية".
(13) فن الشعر:
ص153
(14) جمهورية
افلاطون: ص275
(15) أنظر: مجلة شعر، ص92
(16) انظر: مجلة شعر، ص92.
(17) المصدر نفسه: ص92.
(18) فن الشعر: ص155.
(19) مجلة شعر: ص92.
(20) انظر: مجلة شعر ص94.
(21) عبد القاهر
الجرجاني: دلائل الاعجاز، نشرة الشيخ محمد رشيد رضا مطبعة النار، الطبعة الثانية،
331 هـ. انظر ص349 – 350.
(22) فن الشعر:
ص157 – 158.
(23) مجلة شعر:
ص95.
(24) تاريخ النقد
الأدبي: ص222
(25) مسائل فلسفة
الفن: ص122-123.
(26) ابن الاثير:
المثل السائر، المطبعة البهية، القاهرة 1312 هـ. ص322
(27) مجلة شعر:
ص92-93.
(28) انظر: فن
الشعر، ص155-157.
(29) انظر:
فايدروس ص130.
(30) فن الشعر:
ص156
(31) انظر في ذلك:
النقد الأدبي الحديث: ص221-224
(32) المصدر نفسه:
ص222
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
خدمات متعددة يقدمها قسم الشؤون الخدمية للزائرين
|
|
|