أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-1-2020
2240
التاريخ: 26-7-2017
2611
التاريخ: 23-3-2018
30527
التاريخ: 26-7-2017
8031
|
يقول حازم: (الشعر كلام موزون مقفى من شأنه ان يحبب إلى النفس ما قصد تحبيبه إليها، ويكره إليها ما قصد تكريهه، لتحمل بذلك على طلبه أو الهرب منه، بما يتضمن من حسن تخييل له، ومحاكاة مستقلة بنفسها، او متصورة بحسن هيأة تأليف الكلام، أو قوة صدقه، او قوة شهرته، أو بمجموع ذلك، وكل ذلك يتأكد بما يقترن به من اغراب ، فإن الاستغراب والتعجب حركة للنفس اذا اقترنت بحركتها الخيالية قوي انفعالها وتأثرها، فافضل الشعر ما حسنت محاكاته، وهيأته وقويت شهرته أو صدقه، او خفي كذبه وقامت غرابته)(1) وظاهر اذن ان المحاكاة عند حازم هي جوهر الشعر وعلة التحسين والتقبيح، وانها قد تكون ظاهرة، او متضمنة، ولكنها قوام الشعر، ولا سيما اذا اقترنت بالأغراب واذا لاحظنا ان حازماً ــ شأن النقاد جميعاً ــ انما يجعل غاية الشعر التأثير في السامع لا التعبير عن القائل أدركنا معنى اقتران التعجيب بالتخييل لأحداث الانفعال المطلوب بما يحقق غاية الشعر، ويبدو انه نبه على هذه الغرابة اقتداء بابن سينا الذي قال أن "العجب" غاية من غايات الشعر عند العرب، بل يمكن القول: ان تعريف حازم للشعر انما هو محاولة للتوفيق او الجمع بين غاية الشعر الاغريقي، وغاية الشعر العربي من خلال كلام ابن سينا: (وكل محاكاة فأما ان يقصد بها التحسين، واما ان يقصد بها التقبيح، فإن الشيء انما يحاكى ليحسن او يقبح، والشعر اليوناني انما كان يقصد فيه في أكثر الامر محاكاة الافعال والأحوال لا غير، واما الذوات فلم يكونوا يشتغلون بمحاكاتها اصلا كاشتغال العرب، فإن العرب كانت تقوم الشعر لوجهين: أحدهما ليؤثر في النفس امراً من الامور تعد به نحو فعل او انفعال، والثاني للعجب فقط، فكانت تشبه كل شيء لتعجب بحسن التشبيه، واما اليونانيون، فكانوا يقصدون ان يحثوا بالقول على فعل، او يردهوا بالقول عن فعل، وتارة كانوا يفعلون ذلك على سبيل الخطابة، وتارة على سبيل الشعر) (2). ولا ريب ان حازماً استلهم تعريفه من كلام ابن سينا هذا حين لاحظ ان شأن الاغريق محاكاة الافعال على نحو يحث عليها بالتحسين او يردع عنها بالتقبيح، وان شأن العرب محاكاة الذوات "للعجب فقط" غالباً، وان كانت تروم التأثير واحداث الانفعال احياناً، فكأن حازماً اراد ان يصوغ من ملاحظة ابن سينا قانوناً شعرياً، فجعل الشعر ــ عدا كونه موزوناً مقفى ــ محاكاة تجمع بين الفعل والذات، فالفعل من حيث ان غايته التأثير في نفس السامع، والذات من حيث ان غايته التأثير في مخيلة السامع وحقاً فإن من شأن الشعر الذي يجتمع فيه التأثير النفسي بالتأثير الخيالي ان يحقق غايته الفنية على خير وجه، ولكن المعضلة هي ان هذا التوفيق ليس سهلاً دائماً اذ سرعان من يتغلب فيه احد العنصرين، فأما ان يتغلب الفعل ، واما ان يتغلب الشيء، وبالنظر إلى الشعر العربي فقد كانت محاكاة الشيء من خلال الأغراب أو التعجب هي معقد الشعر، ولم يكن للحض على فعل، او النهي عن فهل من خلال الغاية الانسانية اثر كبير، فإن وجد فعلى نحو خطابي مباشر لا إغراب فيه ولا تخييل غالباً، وكل ذلك مرده ــ مرة أخرى ــ إلى ان المحاكاة ما انفكت تفسر في الذهن العربي بالتشبيه الذي هو علاقة بين شيء وشيء، ولو ان ما اشترط من اغراب لم يقترن بمفهوم المحاكاة التشبيهية فحسب لجاز ان ينطبق ايضاً على مفهوم المحاكاة التحسينية أو التقبيحية، وهو ما يفضي إلى اضفاء طابع الخيال ــ او الاغراب ــ على الجانب المتعلق بالفعل الانساني، وهو جانب الفكر، وبديهي ان غاية الشعر هي احداث الاثر المرغوب في نفس السامع، على نحو غير مباشر، بواسطة الخيال، فإذا كان الاثر مباشراً انقلب الشعر خطابة ، وهو الامر الذي لاحظه حازم نفسه حين ذهب إلى ان التخييل هو الفيصل بين الشعر والخطابة ــ كما سنرى ــ ولا ريب اننا نستطيع ان نتلمس هذه المعاني في كلامه حين ينص على ان الشعر هو حث على فعل، او ردح عن فعل، بما ينطوي عليه من محاكاة، ولكننا لا نلبث ان نتوقف عند حدود هذا الكلام، لأننا نجد انفسنا ــ بإزاء تفسيره للمحاكاة ــ ملزمين ان نفهم جانب الفعل في الشعر من خلال التشبيه ، أي من خلال الشيء الظاهر ، وهكذا يضعف جانب الفعل الذي هو اداة الفكر بما ينطوي عليه من قيود التشبيه، وكأني أولى بالفكر ان يكون مصدر محاكاة لا تلتزم بما هو كائن من الاشياء، وإنما بما يمكن ان يكون من الأفعال، فلا يقال: إن الشعر هو إيجاد علاقة بين شيء ظاهر وآخر ظاهر ايضاً لعله الشبه بينهما فحسب، وانما يقال: ان الشعر هو إيجاد علاقة بين فكر خفي، وشيء ظاهر ــ أو يمكن ان يظهر ــ ليس لمجرد الاغراب، وانما للتأثير في النفس على نحو يوجهها إلى الخير، ويردعها عن الشر، أو يوجهها إلى فعل ما، ويردعها عن فعل ما، اذا لم نقصد الغاية الخلقية التي قيل ان ارسطو كان يقصدها، واذا اردنا ان يكون الشعر مجلى الذات سواء اكانت خيرة أم شريرة، ومهما يكن فيلوح ان القصد إلى الاغراب ــ كما لاحظ حازم ــ او إلى العجي ــ كما لاحظ ابن سينا ــ كان ذا اثر بالغ في تغليب الطابع الفني على الطابع الفكري في الشعر العربي، فضلاً عن توجيه المحاكاة إلى الولع بالمظهر دون الجوهر.
على ان حازماً
افاض حقاً في الكلام على العلاقة بين التخييل والفعل على نحو يوحي بأنه يرى بينهما
ارتباطاً وثيقاً، فغاية اذن تتجلى فيما يخلفه من أثر في النفس ازاء فعل معين رغبة
فيه، أو رغبة عنه وهكذا فالتخييل وسيلة إلى غرض معين هو الفعل، وطبعاً فليس من
الضرورة ان يكون الفعل ذاته مطابقاً للحقيقة، ولكن من الضرورة ان ينجح الشاعر في
تخييل ذلك، واذا كان الخطيب يروم ايضاً حمل الناس على اعتقاد معين، فإنه يخالف
الشاعر في انه يعمد إلى الاقناع، بينما يعمد الشاعر إلى التخييل، فكأن التخييل هنا
هو الوسيلة المثلة التي يتخذها الشاعر للتسرب بآرائه إلى نفس الانسان، ولذا فإن
اعرق المعاني الشعرية عند حازم هي ما وافق الاغراض الانسانية: (لما كان علم
البلاغة مشتملاً على صناعتي الشعر والخطابة، وكان الشعر والخطابة يشتركان في مادة
المعاني، ويفترقان بصورتي التخييل والاقناع . . . وكان القصد في التخييل والاقناع
حمل النفوس على فعل شيء، أو اعتقاده أو التخلي عن فعله واعتقاده، وكانت النفس انما
تتحرك لفعل شيء، او طلبه، او اعتقاده، او التخلي عن واحد من الفعل، والطلب،
والاسناد، بأن يخيل لها، او يوقع في غالب ظنها انه خير او شر بطريق من الطرق التي
يقال بها في الاشياء: انها خيرات أو شرور . . . وجب ان تكون اعرف المعاني في
الصناعة الشعرية ما اشتدت علقته بأغراض الانسان، وكانت دواعي آرائه متوفرة عليه .
. .)(3).
وحقاً فإن حازماً
يشرح لنا ما هي هذه الاغراض الانسانية وكيف تختلف بين العامة والخاصة، ولكنه ينبه
على ان هذا الاختلاف لا يعتبر في حقيقة الشعر القائمة على التخييل المحض مهما
اختلف المعنى المقصود: (إذا المعتبر في حقيقة الشعر انما هو التخييل والمحاكاة في
اي معنى اتفق ذلك) (4).
ولا يمكن المرء ان
يجحد فضل حازم في هذا المضمار، فقد افاض في التوكيد على ان المحاكاة هي حقيقة
الشعر، وليس الوزن، أو القافية، او المعنى واذا تذكرنا ان المحاكاة، فيسيئوك إلى
حقيقة الشعر، ادركنا ان اسراف حازم في الكلام على المحاكاة من حيث انها جوهر الشعر
كان امراً ضرورياً للتنبيه على ان الشعر انما يقوم بالمعنى او بطريقة تصوير المعنى
من خلال الشكل، ولكنه لا يقوم ابداً بالشكل الذي لا ينم على كبير معنى، فيقصر على
رسوم الوزن، وقوانين القافية (وكذلك ظن هذا ان الشعرية في الشعر انما هي نظم أي
لفظ اتفق نظمه، وتضمينه اي غرض اتفق، على اي صفة اتفق، لا يعتبر عنده في ذلك
قانون، ولا رسم موضوع، وانما المعتبر عنده اجراء الكلام على الوزن، والنفاذ به إلى
قافية فلا يزيد بما يصنعه من ذلك على ان يبدي عن حواره، ويعرب عن قبح مذاهبه في
الكلام، وسوء اختياره)(5)، هذه "الشعرية في الشعر" هي التي
كان ينبغي ان يفيض النقاد في تبيان معلمها وهي التي يرى حازم انها المحاكاة التي
تميز الشعر من ضروب الكلام:
(ما كان من
الاقاويل القياسية مبنياً على تخييل، وموجودة فيه المحاكاة، فهو يعد قولاً شعرياً،
سواء كانت مقدماته برهانية، أو جدلية، أو خطابية يقينية أو مشتهرة، أو مظنونة)
(6) (فالشعر اذن قد تكون مقدماته يقينية ومشهورة ومظنونة، ويفارق البرهان
والجدل والخطابة بما فيه التخييل والمحاكاة) (7) (الاعتبار في الشعر
انما هو للتخييل في أي مادة اتفق) (8) (الشعر كلام مخيل موزون) (9).
وقد يقال: ان ما
اتى به حازم من امر المحاكاة، وما تفضي إليه من الحض على فعل، او النهي عن فعل امر
قد قاله من قبل ابن سينا والفارابي وان حازما نفسه اورد قول الفارابي: (الغرض
المقصود بالأقاويل المخيلة ان ينهض السامع نحو فعل الشيء الذي خيل له فيه امر ما من طلب له، او
هرب عنه)(10) وهذا حق، فيبدو ان حازماً كان يحاول شرح مقالة ابن سينا،
ومقالة الفارابي في تلخيص كتاب الشعر لأرسطو ، وان فضله ينحصر في اجادة الشرح
والتفسير دون ان يكون قد اتى بمبدأ جديد، او ملاحظة جديدة، على اننا اذا تجاوزنا
ذلك لاحظنا ان ما اشار إليه كثيراً من أمر الحض، والنهي لا يتعلق بالفكرة بقدر ما
يتعلق بالشكل، فهو لا يريد بإشاراته ان الشاعر يخيل فكرة ما بحيث تعبر عن مذهبه
الذي يريد استمالة السامع إليه، وانما يريد ان الشاعر يخيل شكلاً ما على نحو يؤدي إلى تحسينه او تقبيحه في نفس
السامع، فالتخييل موجه إلى النفس لا إلى العقل، وغايته تحريك النفس لا امتاع
الفكر، وحقاً ، قد يكون مسلماً به ان الفكر المجرد ليس غاية من غايات المحاكاة في
الشعر، ولكن من المسلم به ايضاً ان الحض أو النهي لا يتجلى في محاكاة التحسين
والتقبيح والتشبيه، بأن يحاكي الشاعر ما تميل إليه النفس، أو ما تنفر عنه، أو ما
تلمح فيه المطابقة ، فالميل أو النفور لا ينشئان فكراً يفضي إلى الفعل، وانما
ينشئان شعوراً نفسياً عابراً يتحرك لما تثيره المحاكاة من اغراب، ولكن هذا التحرك
لا يلبث ان يتلاشى، وربما كان هذا راجعاً لمفهوم المحاكاة السائد في النقد العربي،
ذلك ان محاكاة ما هو كائن مرتبطة بالحس، ولا سيما في محاكاة المطابقة، أو التشبيه،
ومن شأن ذلك ان يجعل التخييل ضرباً من اللعب القائم على استمالة النفس إلى ما تميل
إليه اصلاً، وتنفيرها مما تنفر منه اصلاً، دون ان يكون التخييل اداة توضح فكرة
مجردة في صورة حسية، كما يتلقاها السامع فيؤمن بها، او يجحدها فقول ابن الرومي
مثلاً:
هام وارغفة وضاء
فخمة قد اخرجت من جاحم
فوار
كوجوه اهل الجنة
اتسمت لنا مقرونة بوجوه
اهل النار(11)
قد يستميل النفس
إلى الارغفة ، بما يخيله من شبهها بوجوه اهل الجنة، ولكن هذه الاستمارة ضرب من
العبث الذي لا ينشئ فكراً، ولا يحض على فعل، ولا ريب ان ذلك شيء لم يقصده ارسطو
حين تكلم على محاكاة الفعل فقد كان يريد من المحاكاة تصوير الفعل كما يمكن ان يكون
بحسب قانون الضرورة والاحتمال ، بغية التطهير الاخلاقي أو النفسي عند المتلقي، وهو
ما يبدو واضحاً في الملحمة الاغريقية، اما العرب فإن المحاكاة في شعرهم انما تتعلق
بالشيء كما هو كائن نظراً لطابع الشعر الغنائي، ومن ثم فلا سبيل إلى الكلام في
الحض أو النهي من خلال هذه المحاكاة، وكأن النقد العربي قد أعياه العثور على معنى
يشبه التطهير الأرسطي، بعد ان افترض ضرورة وجود هذا المعنى في الشعر العربي، فلم
يجد مناصاً من إيراده في تعريف الشعر، سواء أكان ينطبق حقاً على الشعر العربي أم
لا ينطبق، ويبدو ان الفارابي هو أول من ذهب إلى أن غرض المحاكاة (ان ينهض السامع
نحو فعل الشيء الذي خيل له فيه امر ما من طلب له، او هرب عنه)(12)،وان
حازماً قد اغرم بهذا القول فمضى يبدئ فيه ويعيد دون ان يتنبه إلى صعوبة تطبيقه على
الشعر العربي الغنائي، ولا سيما من خلال مفهوم المحاكاة السائد ند النقاد، وهذا
يؤكد مرة اخرى ان حازماً كان شارحاً لاقوال الفارابي، وابن سينا، أكثر من كونه
مؤلفاً مبتكراً.
غير ان هذا يقتضى
النظر في العلاقة بين المعاني والخيال عند حازم، لعلها ندرك شيئاً من كلامه في
المحاكاة المفضية إلى الفعل، فحازم يفهم الخيال على انه انعكاس صورة المرئيات في
الذهن، وكأن الذهن يحاول ان يحاكي صورة الاشياء كما ادركتها الحواس محاكاة حرفية
تحافظ على خواصها والمعاني فغاية المحاكاة هنا التصوير المحض، بيد ان حازماً لا
يغفل ان من المعاني ما لا يرجع إلى "الشيء" وانما إلى "الفكر"
من تاريخ، او حكمة، أو مثل وآنذاك، فلا بد للشاعر من ان يتصرف في هذا
"الفكر" بضرب من التغيير، اما التضمين، او الاشارة، او التتميم، أو
التحسين وإلا كان ما اتى به واضحة تماماً، ما دامت غاية المحاكاة اعادة تصوير
الاشياء في مرآة الذهن، اما ما اشار إليه حازم من اقتباس المعاني من الفكر، فلم
يفض فيه على نحو ينبه على قيمته الشعرية، ولم يربطه بنظرية المحاكاة فيحدثنا عن
تخييل الافكار بما يؤدي إلى الميل إليها،
او النفور عنها، مما يسهم في اغناء الجانب الفكري والغاية الخلقية في الشعر العربي
يقول حازم: (ولاقتباس المعاني واستثارتها طريقان: احدهما تقتبس منه لمجرد الخيال
وبحث الفكر، والثاني تقتبس منه بسبب زائد على الخيال والفكر، فالأول يكون بالقول الشاعرة
بانحاء اقتباس المعاني، وملاحظة الوجوه التي منها تلتئم، ويحصل لها ذلك بقوة
التخييل والملاحظة لنسب بعض الاشياء من بعض، ولما يمتاز به بعضها من بعض، ويشارك
به بعضها بعضاً ولكون خيالات ما في الحس منتظم في الفكر على حسب ما هي عليه لا
يتباين فيه ما تشابه في الحس، ولا يتشابه فيه ما تباين في الحس فإذا كانت صور
الاشياء قد ارتمت في الخيال على حسب ما وقعت عليه في الوجود، وكانت للنفس قوة على
معرفة ما تماثل منها وما تناسب، وما تخالف وما تضاد، وبالجملة ما انتسب منها إلى
الآخر نسبة ذاتية أو عرضية ثابته، او متنقلة، امكنها ان تركب من انتساب بعضها إلى
بعض تركيبات على حد القضايا الواقعة في الوجود التي تقدم بها الحس، والمشاهدة . .
والطريق الثاني الذي اقتباس المعاني منه بسبب زائد على الخيال، هو ما استند فيه
بحث الفكر إلى كلام جرى في نظم، أو نشر، أو تاريخ، أو حديث، أو مثل، فيبحث الخاطر
فيما يستند إليه من ذلك على الظفر بما يسوغ له معه ايراد ذلك الكلام أو بعضه، بنوع
من التصرف) (13).
ويمكن القول: ان
الطريق الثاني الذي اشار إليه حازم هو الذي كان ينبغي ان ينطبق عليه تعريف
المحاكاة بأنها تخييل يفضي إلى فعل معين، فذلك ما يحقق غاية المحاكاة في الشعر،
وهي الغاية التي افتقر إليها الشعر العربي حين غلب عليه ان يكون للتعجيب المحض،
وعندما كان ناقد مثل حازم يلاحظ أن الشعر ليس اغراباً محضاً ــ وان كان يشترط
الاغراب ايضاً ــ وانه لا بد فيه من القصد في فعل ما، فإنه كان يفتقد المثل الذي
يعضد ملاحظته، لنه ينطلق اصلاً من مفهوم المحاكاة التشبيهية التي يصعب فيها فهم
الدافع الفكري أو الاخلاقي من حيث اقتصارها غالباً على الجانب الجمالي الفني.
_____________________
(1) المصدر نفسه:
ص71.
(2) فن الشعر:
ص169-170.
(3) منهاج
البلغاء: ص19-20.
(4) المصدر نفسه:
ص21.
(5) منهاج
البلغاء: ص28.
(6) المصدر نفسه:
ص67.
(7) المصدر نفسه:
ص71.
(8) المصدر نفسه:
ص81.
(9) المصدر نفسه:
ص89، ويطول بنا المقام لو ادرنا استقصاء ما افاض فيه حازم من النص على قيمة
المحاكاة في الشعر، انظر ايضاً 62، 70، 84، 90.
(10) منهاج
البلغاء: ص86.
(11) المصدر نفسه:
ص114.
(12) منهاج
البلغاء: ص86.
(13) منهاج
البلغاء: ص38-39.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|