المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

Reaction of Grignard reagent with esters
11-10-2020
استعمال الكلاب في الحروب.
2024-01-26
وتر بؤري Focal Chord
29-12-2015
البنزوديازيبينات Benzodiazepines
7-1-2022
المخرج الصحفي والصور
8-8-2021
الخواص الميكانيكية للبوليمرات
24-12-2017


المحاكاة بين الوضوح والغموض  
  
8998   12:47 صباحاً   التاريخ: 14-08-2015
المؤلف : د. عصام قصبجي
الكتاب أو المصدر : أصول النقد العربي القديم
الجزء والصفحة : ص161-183
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-3-2018 5590
التاريخ: 23-3-2018 3247
التاريخ: 4-6-2017 42377
التاريخ: 14-08-2015 32549

 من العسير حقاً معرفة ما اذا كان النقاد قد اشترطوا الوضوح رغبة في التصوير الحسي، ام اشترطوا التصوير الحسي رغبة في الوضوح، اي معرفة أي الشرطين اشتق من الآخر، وبني عليه، فيمكن ان نزعم انه لأمر ما رغب النقاد في التصوير الحسي، واعرضوا عن التجريد العقلي، ولا سيما فيما يتعلق بفن الشعر دون غيره من الفنون التي غلب عليها الشكل المحض، فطلبوا الوضوح ويمكن ان نزعم ايضاً انهم لأمر ما كانوا يأنسون بالوضوح، فرادوا ان يصوغوا من القواعد ما ينأى بالشعر عن الغموض، ورأوا ان تمثيل المعنى اللحس فضلاً عن محاكاة المحسوس للمحسوس اصلا، سبيلهم إلى ما يبتغون، وربما كان الذوق العربي الفطري الذي نما في ظل الصحراء التي تسطع عليها الشمس فلا تذر فيها شيئاً خفياً، يميل إلى العلاقات الواضحة بين الأشياء كما تتجلى في ضوء الشمس، وينفر من ظلال الليل التي تضفي على الاشياء طابع الغموض فلا تستبين تماماً، وعلى هذا النحو درج الشاعر على ان يجلو في شعره وضوح الصحراء في خبائها، وطللها، وحيوانها ، وطيرها وجبلها وسهلها ونارها، وسمائها، ونجومها، وذلك من خلال تصوير هذه المعالم عياناً، وجاء النقاد فصاغوا من ذلك قاعدة صارمة، فقالوا: ان على الشاعر ــ رغبة في الوضوح ــ ان يصور الاشياء ، او يحاكيها كما يراها في الصحراء، ثم اهتدوا إلى تلك المقارنة التي جعلوها ضربة لازب في فن الشعر، وهي مقارنة الشعر بالتصوير، فصاروا على يقين مما ذهبوا إليه واتحد في عرفهم الواضح بالمرئي فكانوا يمزجون بينهما احياناً، ويفرقون احياناً، ولكنهم يؤثرونهما معاً غالباً، وهكذا فلعل الواضح هو الذي قادهم إلى المرئي، فوقفوا عنده لا يكادون يغادرونه مهما تقدم الزمن، وتغيرت الطباع وكأنه قد قضي على الشاعر الا يعبر عما يخالجه من مشاعر لا يستطيع ان يمثلها في مظهر واضح مرئي كما يمثل الاشياء، وإلا يصور ما يحيط بالأشياء من ظلال تضفي عليها ضرباً من الغموض الموحي الذي يحرك الرغبة في اماطة اللثام عن حقيقة هذه الاشياء، والحق انه وجد بين النقاد من ادرك شيئاً من هذا القبيل، فألمح إلى ان متعة العقل تكمن في ادراك البعيد، وكشف الغامض، ولكن الرأي السائد كان يشترط الوضوح التام في عناصر المحاكاة (التشبيه).

ويبدو ان ميلهم إلى الوضوح كان ناشئاً عن نظرتهم إلى الشعر ادبياً عن معنى عقلي ظاهر، لا عن شعور نفسي باطن، ومن شأن العقل ان يعمد إلى العلاقات بين الاشياء عندما يحاكيها فيوضحها، اما الشعور فلا سبيل إلى محاكاته على نحو واضح مرئي، لأنه معقد احياناً، وغامض غالباً، والعرب انما ارادت بـ "البيان" اصلاً ما يستبين به المعنى، مما ينم على ان الوضوح امر يتعلق بطبيعة البيان، وانه لمر ذو دلالة ان يختار الجاحظ لكتابه الشهير عنوان "البيان والتبين" مشيراً إلى غاية الكلام العربي، وطبعاً، من المسلم به ان البيان هو غاية الكلام، ولكن هذا البيان يتحقق عندما يكون الكلام سليماً من حيث نظمه اللغوي، ودلالته على المنعى، ولا علاقة للبيان بما قد يكون غامضاً أو بعيداً من معاني الشاعر اذا سلم نظمه، سواء أكان هذا الغموض او بعيداً من معاني الشاعر اذا سلم نظمه، سواء أكان هذا الغموض مقصوداً ام غير مقصود، فربما خطر ببال الشاعر ان يغمض معانيه لكي يكون ادراكها بعد لأي، اكثر متعة وأشد فتنة وربما كانت هذه المعاني غامضة بذاتها، من حيث تعبيرها عن شعور معين عاناه الشاعر، دون ان يعرف كنهه، ومن ثم فقد يقال: ان البيان هو ما وافق من الكلام في نظمه رسوم اللغة، وقواعد النحو، وليس هو ما وافق وضوح الشعور.

ولقد أدرك الجاحظ ان المعاني هي مجلى الافكار، والمشاعر، والخواطر، وإنها تكون خفية إلا ان يظهرها الاديب، ولكنه لم يشأ ان يدع للأديب ان يظهرها على ما شاء من وضوح أو غموض ما دام حريصاً على اللغة، فقد صرح بأن قدر الكلام في وضوح الدلالة، وان ذلك هو ما نطق به القرآن الكريم وتفاخر به الناس : (قال بعض جهابذة الالفاظ، ونقاد المعاني: المعاني القائمة في صدور الناس، المتصورة في اذهانهم ، والمتخلجة في نفوسهم، والمتصلة بخواطرهم، والحادثة عن فكرهم، مستورة خفية، وبعيدة وحشية، ومجوبة مكنونة، وموجودة في معنى معدومة، لا يعرف الانسان ضمير صاحبه ولا حاجة خليطه، ولا معنى شريكه والمعاون له على اموره، وعلى ما لا يبلغه من حاجات نفسه إلا بغيره، وانما يحيي تلك المعاني ذكرهم لها، واخبارهم عنها، واستعمالهم اياها، وهذه الخصال هي التي تقربها من الفهم وتجليها للعقل . . . وعلى قدر وضوح الدلالة، وصواب الاشارة، وحسن الاختصار، ودقة المدخل، يكون اظهار المعنى، ولكما كانت الدلالة اوضح وافصح، وكانت الاشارة ابين وأنور، كان انفع وانجع، والدلالة الظاهرة على المعنى الخفي هو (البيان الذي سمعت الله عز وجل يمدحه، ويدعو إليه، ويحث عليه، بذلك نطق القرآن، وبذلك تفاخرت العرب، وتفاضلت اصناف العجم)(1).

أجل ربما كان ينبغي للشاعر ان يجلو افكاره في مظهر واضح، ولكن انى له ان يكون قادراً على جلاء مشاعره في مظهر واضح ايضاً، ولا سيما إذا كان شعوره نفسه لم يأته جلياً؟ وما الذي ندعه للإيحاء وعمل الذهن فيما يتراءى له من ضروب المعاني إذا كان ما يتراءى له واضحاً لا يوحي بشيء؟ ان الذهن ينفر من الوضوح التام مثلما ينفر من الغموض التام، وخير المعاني ما خالط وضوحها شيء من الغموض، فلا هي مبتذلة، ولا هي معقدة، وانما هي تبتغي بين ذلك سبيلاً يمكنها من التلميح دون التصريح، غير ان الجاحظ ــ فيما يلوح ــ قد سن للنقاد سننا لا يحيدون عنه في مسألتين رئيستين، الأولى: ان الشعر ضرب من التصوير، والثانية ان الوضوح سبيل البيان، وكل من هاتين يفضي إلى محاكاة المظهر المرئي الواضح. وها هو ذا صاحب "نقد النثر" يحد جودة الشعر فيذكر: "اصابة التشبيه" و "المشاكلة في المطابقة" ولعل كلمة "المشاكلة" تشي بقصده في ان يشبه الشكل الشكل فهي علاقة بين شيئين على سبيل التماس المطابقة بينهما: (والذي يسمى به الشعر فائقاً ويكون إذا اجتمع فيه مستحسناً رائقا: صحة المقابلة، وحسن النظم، وجزالة اللفظ، واعتدال الوزن، واصابة التشبيه، وجودة التفصيل، وقلة التكلف، والمشاكلة في المطابقة، واضداد هذه كلها معيبة، تمجدها الآذان، وتخرج عن وصف البيان(2). ويبدو ان ابن وهب ايضاً يجعل الاصابة في التشبيه، والمشاكلة في المطابقة، من امر البيان.

أما قدامة فقد ذهب في ايثار الوضوح إلى حد القول: ان التشبيه اذا كان لا يفضي إلى التطابق التام لئلا يصير اتحادا، فإن خير التشبيه مع ذلك ما كان يفضي إلى الاتحاد، من حيث غلبة صفات المماثلة على صفات التفرد: ( انه من الامور المعلومة ان الشيء لا يشبه بنفسه، ولا بغيره، من كل الجهات، اذ كان الشيئان اذا تشابها من جميع الوجوه، ولم يعق بينهما تغاير البتة فصار الاثنان واحد فبقي ان يكون التشبيه انما يقع بين شيئين بينهما اشتراك في معان تعمهما ويوصفان بها، وافتراق في اشياء ينفرد كل واحد منهما بصفتها، واذا كان الامر كذلك فأحسن التشبيه هو ما اوقع بين الشيئين اشتراكهما في الصفات اكثر من انفراد هما فيها، حتى يدني بهما إلى حال الاتحاد)(3)، واذا قرنا كلام قدامة هذا إلى ما سبق من ايثاره ان يكون الوصف محكاً للحس، شاملاً اغلب معاني الموصوف، جاز لنا ان نفترض ان التشبيه عنده وعلاقة واضحة تكاد تنطوي على الاتحاد بين عنصري التشبيه في أشد صورة حسية(4).

مدار الامر اذان على الوضوح الذي غدا ديدن النقاد، وكأنهم كانوا يرون فيه عونا على سد ذرائع التطور نحو تقاليد جديدة في فن الشعر، فجاء ابن طباطبا يحدثنا عن التشبيه الذي اذا عكس لم ينتفض، لأن كل عنصر فيه قرين للعنصر الآخر، فاذا ما اتفق للمرء ان خفي عليه تشبيه من تشبيهات العرب، فلانه لم يقف على مذهبهم فيه، وما هو بخفي، وانما هو سنة خاصة من سنن الكلام: (فاحسن التشبيهات ما اذا عكس لم ينتفض، بل يكون كل شبه بصاحبه مثل صاحبه، ويكون صاحبه مثله مشتركاً معه صورة ومعنى، وربما اشبه الشيء صورة، وخالفه معنى وربما اشبهه معنى وخالفه صورة، وربما قاربه، وداناه، او شامه واشبهه، مجازاً لا حقيقة فاذا اتفق لك في اشعار العرب التي يحتج بها تشبيه لا تتلقاه بالقبول، او حكاية تستغر بها فابحث عنه، ونقر عن معناه ، فانك لا تعدم ان تجد تحته خبيئة اذا أثرتها عرفت فضل القوم بها، وعلمت انهم ادق طبعاً من ان يلفظوا بكلام لا معنى تحته)(5)، وهكذا فالمشابهة، أو المقاربة، او المشاكلة مطلوبة في التشبيه حقيقة ام مجازا، صورة ام معنى، على اننا مع ذلك نلمح في كلام ابن طباطبا ما لعله يشير إلى ان العرب لم تنهج سبيل الوضوح دائماً، وإلا فما هي هذه "الخبيئة" التي تنطوي على معنى؟ والتي تحتاج إلى البحث والتنقير كما ينكشف وجه اللطف فيها؟ حقاً قد يقال ان ذلك الخفاء انما نشأ في عصر ابتعد فيه الكلام العربي عن نهجه الاول، فلم يعد يعهد قصدهم فيه، وانه لم يكن خفياً كذلك بين العرب أنفسهم بيد انه يلاحظ ان في هذه الخبيئة ضبا من البلاغة درج عليه العرب ليدعوا سبيلا للعقل في إدراك المعنى بعد جهد وكان يمكن النقاد ان يستنبطوا من ذلك ما يفسحون به المجال لضرب من مكابدة المعرفة بعد غموض ولكنهم اختاروا الوضوح سبيلا إلى التعبير، ودرجوا عليه.

ولم يكن ابن سنان اقل طلباً للوضوح من جمهرة النقاد، بل لعله يفوقهم في ذلك، لنه انكر الاستعانة البعيدة، أو التي تبنى على استعارة اخرى، وذهب إلى انها لا بد (ان تكون اوضح من الحقيقة، لأجل التشبيه العارض فيها لأن الحقيقة لو قامت مقامها كانت اولى لأنها الاصل والاستعارة فرع . . . والاصل في ذلك ما افاد التشبيه في الاستعارة من البيان . . . والبعيد منها يقضي باطراح الكلام، ويذهب طلاوته، ورونقه، ولأجل هذا احتاج إلى ايضاحها، ووصف ما يحسن منها ويقبح، والاكثار من الامثلة التي تدل على ما اريده، وهي على ضربين: قريب مختار، وبعيد مطرح، فالقريب المختار ما كان بينه وبين ما استعير له تناسب قوي، وشبه واضح، والبعيد المطرح: اما ان يكون لبعده مما استعير له في الاصل، او لأجل انه استعارة مبنية على استعارة، فتضعف ذلك، والقسمان معاً يشملهما وصفي بالبعد، لكن هذا التفضيل يوضح، واذا ذكرت الامثلة بان القريب منها في الاستعارة من البعيد، وعرف المرضي منها والمكروه، وتنزلت الوسائط بينهما بحسب النسبة إلى الطرفين)(6).

والحق ان ابن سنان كان أكثر النقاد ــ فيما يبدو ــ طلباً للوضوح، فهو يصرح ان الظاهر المحسوس انما يحسن لأجل ايضاحه للمعنى، فالوضوح هو الغاية التي تتخذ من الحس سبيلا: (والاصل في حسن التشبيه ان يمثل الغائب الخفي الذي لا يعتاد، بالظاهر المحسوس المعتاد، فيكون حسن هذا لأجل ايضاح المعنى، وبيان المراد) (7)، ولقد كان صارما في رفض الاستعارة البعيدة، فلم يغتفر قط لأبي تمام قوله:

لا تسقني ماء الملام فإنني             صب قد استعذبت ماء بكائي

فلم يشفع له دفاع الصولي، ولا اعتذار الآمدي، وظل يرى ان استعارة الماء للملاح بعيدة، وان اشتراط القرب ضروري، لئلا يؤدي البعد إلى (الاستحالة والفساد) فكأن الوضوح عنده جوهر التشبيه(8) وإذا كان لا سبيل للشاعر إلى تصور الملام ماء، فكيف يمكن ان يطلق لخياله العنان بعيداً عن قيود النقاد في صورة اخرى قد تتراءى له، فيذكر عنت النقاد فيحجم، ويأتي من يقول: ان خياله لم يكن جامحا؟ ويخيل للمرء ان هذه التفسيرات العقلية التي احاطوا بها الصور الشعرية، قد جردتها من الحياة، فليس من الضروري ان نعرف التأويل العقلي لوجه استعارة الماء للملام، ويكفي ان نحس بإيحائه الشعري، ولسنا ندري ما الذي حمل ابن سنان على قبول قولهم: ماء الصبابة، وماء الهوى وماء الشباب، مهما التمس لذلك من تأويلات، مع رفضه لماء الملام؟ وهل يملك الناقد ان يميز تماماً بين ما هو سائغ من الاستعارة، وما هو منكر بالنظر إلى البعد والقرب فحسب، واغفال صلتها بالتعبير الخيالي، او الايحائي، عن مكنون الشعور؟

اما ابن رشيق، فعلى الرغم من ايراده قول من آثر البعد في الاستعارة لئلا تأتي مطابقة للأصل فإنه ابدى ــ بالنظر إلى تفضيله للتشبيه الحسي ــ اعجابه بالاستعارة القريبة الواضحة، وعندما ما أدرك ان ثمة من يرى في القرب ضعفاً، تراجع قليلاً فقال: ان خير الاستعارة ما جاء وسطاً، فلم يبعد حتى ينافر، ولم يقرب حتى يحقق، ففي البداية اورد بيت لبيد:

وغداة ريح قد وزعت وقرة                   اذ أصبحت بيد الشمال زمامها

وبيت ذي الرمة:

اقامت به حتى ذوى العود والتوى                    وساق الثريا في ملاءته الفجر

وقال: ان قوما من النقاد يفضلون بيت "لبيد" الذي استعار اليد للريح، ويرون ان بيت "ذي الرمة" أقرب إلى التشبيه منه إلى الاستعارة، فهو ناقص الاستعارة: (وهذا عندي خطأ، لأنهم انما يستحسنون الاستعارة القريبة وعلى ذلك مضى جلة العلماء، وبه اتت النصوص عنهم، وإذا استعير للشيء ما يقرب منه، ويليق به، كان اولى مما ليس منه في شيء) (9)

على ان ابن رشيق لم يكن متعصباً لرأيه تماماً، فلم يعرض عن ذكر أقوال من خالفه ممن شعر بما في قرب الاستعارة من ضعف يكاد يرجه بها إلى حقيقتها، فيفقدها رونق الابداع، وطلاوة الخيال، فقد اورد ابن رشيق مثلاً قول ابن وكيع: (خير الاستعارة ما بعد، وعلم في أول وهلة انه مستعار فلم يدخله لبس) (10) وذكر انه عاب على المتنبي قوله:

وقد مدت الخيل العتاق عيونها                إلى وقت تبديل الركاب من النعل

ورجح عليه قول ابي تمام:

ساس الامور سياسة ابن تجارب              رمقته عين الملك وهو جنين

وليس ذاك إلا ان للخيل عيونا على سبيل الحقيقة، وليس للملك عين، فاستعارة ابي الطيب قريبة حتى لتكاد تبدو حقيقة، بينما تضفي استعارة العين للملك شيئاً من الخيال بحيث ندرك منذ الوهلة الاولى انها استعارة، فمدار الامر عند ابن وكيع على شعور السامع بخيال الشاعر وهو يصور الاشياء فيبعد عن

الواقع قليلاً، واي فضل لخيال يحاكي الواقع فلا يكاد ينأى عنه؟ (11)

وذهب ابن جنى مذهب ابن وكيع فقال: (الاستعارة لا تكون إلا للمبالغة، وإلا فهي حقيقة) (12)، والمبالغة هنا هي البعد عن محاكاة الواقع كما هو ظاهر، على نحو ما فعل المتنبي في قوله:

فتى يملأ الافعال رأيا وحكمة                 وبادرة احيان يرضى ويغضب

فابن جنى يرى ان جعل الافعال تملأ حكمه استعارة لا تنم على خلاف الحقيقة، فلا فضل فيها، لأنها لا تثير شيئاً من الخيال، ولا يكاد السامع يدرك انها استعارة، مع ان جمال الاستعارة هو فيما تحدثه من علائق خيالية جديدة بين الاشياء، من مثل جعل اليد للريح، او العين للملك، وكأن ابن رشيق قد ملكته هذه الحجة القوية فلم يجد مفرا من القول: (وكلام ابن جنى ايضاً حسن في موضعه، لأن الشيء اذا اعطى وصف نفسه لم يسم استعارة، فاذا اعطى وصف نفسه لم يسم استعارة، فاذا اعطى وصف غير سمي استعارة، إلا انه لا يجب للشاعر ان يبعد الاستعارة جداً حتى ينافر وان يقربها كثيراً حتى يحقق، ولكن خير الامور أوساطها)(13). ولا ريب ان هذه المعضلة انما نشأت من مفهومهم عن الشعر محاكاة تصويرية. لأن من شأن التصوير ان يظهر الشيء في أقرب مظهر ممكن إلى الاصل، فإذا ابتعد التصوير عن الاصل كان ضعيفاً، ولما كانوا قد فسروا المحاكاة بالتشبيه، فقد اشترطوا ان يكون التشبيه واسطة واضحة بين الحقيقة والصورة، كما لو كان الشيء يتجلى في مرآة، وعلى الرغم من شعور بعض النقاد بأن الصورة لو طابقت الحقيقة لخالفت الفن، وبعدت عن الخيال، فانهم ظلوا يبدئون ويعيدون فيما خيل إليهم انه جو الفن، وهو قولهم: ان التشبيه انما يحسن بمحاكاة الاشياء محاكاة ظاهرة تخرجها من الغموض إلى الوضوح، ألم يقل ابن رشيق: (والتشبيه والاستعارة جميعاً يخرجان الأغمض إلى الاوضح، ويقربان البعيد، كما شرط الرماني . . . فالتشبيه الحسن هو الذي يخرج الأغمض إلى الاوضح، فيفيد بياناً، والتشبيه القبيح ما كان على خلاف ذلك"(14).

ولم يخرج "ابن الاثير" عن القول بقرب الاستعارة، فهو عنده من طبيعة البلاغة وذلك انه قسم العدول عن الحقيقة إلى المجاز قسمين تبعاً لوجود المشاركة بينهما في وصف من الاوصاف أو عدم وجودها، فاذا لم توجد المشاركة كان الكلام على التوسع، وهو ضربان: مقبول لو روده على غير سبيل الاضافة نحو قوله تعال: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين) ومرفوض لو زوده على سبيل الاضافة مع بعد المناسبة بين المشبه، والمشبه به: واذا ورد التشبيه ولا مناسبة بين المشبه، والمشبه به، كان ذلك قبيحاً. ولا يستعمل هذا الضرب من التوسع إلا جاهل بأسرار الفصاحة والبلاغة، او ساه غافل يذهب به خاطره إلى استعمال ما لا يجوز ولا يحسن، كقول ابي نواس:

بُحَّ صوت المال مما                        منك يشكو ويصيح

فقوله: بح صوت المال من الكلام النازل بالمرة) (15). ولقد خاض ابن الاثير ايضاً مسألة ماء الملام، فلم ينكرها تماماً على نحو أنكرها ابن سنان، ولكن ليس لأنه يوافق على ما فيها من بعد، وانما لأنه يعتبرها وسطا بين القرب والبعد: (وما بهذا التشبيه عندي من بأس، بل هو من التشبيهات المتوسطة التي لا تحمد ولا تذم، وهو قريب من وجه، بعيد من وجه . . . فهذا التشبيه ان بعد من وجه، فقد قرب من وجه، فيغفر هذا لهذا، ولذلك جعلته من التشبيهات المتوسطة التي لا تحمد ولا تذم) (16). وظاهر ان ابن الاثير انما يغتفر البعد إذا خالطه شيء من القرب، وإلا فهو مذموم. ونحن لا نجد عنه في هذه المسألة لمحة من قبيل لمحته التي انكر فيها على المعنى ان يستخرج من صورة محسوسة، أو شاهد حال متصور كما رأينا(17) فكأنه هنالك مال إلى شيء من الدقة واللطف، ورجع هنا إلى القرب والوضوح، اما الذي يراه ابن الاثير سبب بعد تشبيه ابن تمام (فهو ان الماء مستلذ، والملام مستكره، فيحصل بينهما مخالفة من هذا الوجه)(18)، ويلاحظ ان ثمة افتراضاً مسبقاً يجعل الملام مكروها، فلا يتيح للشار ان يرى فيه غير ذلك، ولا ريب ان هذا حكم خارجي عقلي على شعور داخلي نفسي، فربما استعذب الشاعر الملام لأمر يرجع إلى شعور ذاتي جعله يستعذب البكاء ايضا، ثم آثر عذوبة البكاء على عذوبة الملام. فطلب من الساقي ان يبعد عنه كأس الملام، ما دام قد رضي بكأس البكاء وقد كان في كل منهما شفاء لما يعانيه من وجد باطني يتأبى على التعليل العقلي المحض، أجل ربما كان ثمة تمحل ظاهر في مثل قول ابي نواس: بح صوت المال، ولكن المشكلة هي ان النقاد لم ينكروا مثل هذه الاستعارات من خلال نظرة فنية، وانما فعلوا ذلك غالباً من خلال نظرة عقلية، فصاغوا قانون الوضوح قيدا يكبل خيال الشاعر. ويفرض عليه فرضا ان يعبر عن شعوره من خلال تقليد مين. فالمسألة ليست في المثل وانما في المبدأ الذي قد ينطبق على المثل، وقد لا ينطبق اذ يمكن تصور استعارة بعيدة دون ان تكون قبيحة ولو ان النقاد حكموا على الاستعارة من خلال قانون الفن، لا من خلال قانون الوضوح لكان يمكن الشاعر ان يتحرر في استعارته من كل قيد إلا قيد الفن.

على ان ابن الاثير ما لبث ان قال: ان الوضوح هو غاية الشعر مثلما هو غاية النثر. وانكر ما ذهب إليه الصابي من ان الغموض هو غاية الشعر، والحق ان مذهب الصابي هذا يبدو غريباً بين مذاهب النقاد الذين ما انفكوا يطالبون بالوضوح ذلك انه لم يقتصر على نصرة لطف الاستعارة، وانما جعل الغموض فيصلا بين الشعر والنثر، فكأنه قرن الشعر بالغموض، والنثر بالوضوح وحقا انه لأمر جوهري ان يلاحظ ناقد متقدم ما في غموض الشعر من فضل، ولا سيما في معرض جوابه لسائل عن الفرق بين ابداع الشعر، وابداع النثر، فلقد ادرك ان الشعر كلام محدود ينبغي ان يعبر عما هو غير محدود، ومن ثم فلا بد له من ان ينطوي على ما يلطف او يغمض من المعاني التي لا يتسع هيكل الشعر للإفاضة فيها ، ويلوح ان الصابي يشير بذلك إلى قيمة الرمز في الشعر من حيث كونه ينقل ما لا ينقله النثر من إيحاء ، وذلك رأي عميق ينبه على ان الشعر ليس مجرد تصوير شكلي، وانما هو تعبير معنوي ايضاً. ولما كان التعبير يتعلق بالشعور اقتضى الامر ان يتعلق بالغموض ايضاً لأنه لا يمكن جلاء الشعور بوضوح، كما هو شأن النثر حين يجلو المعنى بوضوح، ما دام الشاعر لا يستطيع ان يفيض في الكلام كما يفيض الكاتب ولا ينبغي له ان يفيض يقول "الصابي" في رواية ابن الاثير (ان طريق الاحسان في منثور الكلام، يخالف طريق الاحسان في منظومه لأن الترسل هو ما وضح معناه، واعطاك سماعة في أول وهلة ما تضمنته الفاظه، وافخر الشعر ما غمض فلم يعطك غرضه إلا بعد مماطلة منه.. ولسائل ان يسأل فيقول من اية جهة صار الاحسن في معنى الشعر الغموض وفي معاني الترسل والوضوح، فالجواب: ان الشعر بني على حدود مقررة، واوزان مقدرة وفصلت أبياته، فكان كل بيت منها قائماً بذاته، وغير محتاج إلى غيره . . . فلما كان النفس لا يمتد في البيت الواحد بأكثر من مقدار عروضه وضربه وكلامهما قليل، احتيج إلى ان يكون الفصل في المعنى ، فاعتمد ان يلطف ويدق، والترسل مبني على مخالفة هذا الطريق)(19) اذن، فالغموض الذي اشار إليه الصابي هو ضرب من الرمز الذي يوحي بالمعنى ولا يشرحه، ويبدو ان ابن الاثير خيل إليه ان الصابي يريد التعقيد، فانكر عليه قوله انكاراً شديداً، واستغفر الله من قول يجعل الغموض طابع الشعر، فالوضوح هو ما ينبغي ان يكون شأن كل كلام منثور او منظوم، سواء اكان مفرداً ام مركباً، وان كان ما ركب من الكلام يتفاوت فيما يمكن ان يفهم منه، ولم يقنع ابن الاثير ايضاً برأي الصابي في ان ضيق مجال الشعر عن مجال النثر يقتضي شيئاً من الإيحاء الذي ينطوي على معان شتى في لفظ قليل على سبيل الرمز واحتج بأن الغموض لا يمن ان يقبل مثلاً في الكلام المسجوع وهو قرين الكلام المنظوم، قال يرد على كلام ابي اسحق الصابي: (عجبت من مثل ذلك الرجل الموصوف بذلاقة اللسان، وبلاغة البيان، كف يصدر عنه مثل هذا القول الناكب عن الصواب الذي هو في باب ، ونصي النظر في باب، اللهم غفرا . . . اما قوله ان الترسل هو ما وضح معناه، والشعر ما غمض معناه، فإن هذه دعوى لا مستند لها، بل الاحسن في الامرين معاً انما هو الوضوح والبيان . . . وكل كلام منثور ومنظوم ينبغي ان تكون مفردات الفاظه مفهومة، لأنها ان لم تكن مفهومه فلا تكون فصيحة، لكن اذا صارت مركبة، نقلها التركيب عن تلك الحال في فهم معانيها، فمن المركب منها ما يفهمه الخاصة والعامة، ومنه ما لا يفهمه إلا الخاصة، وتتفاوت درجات فهمه . . . ثم لو سلمت إليه هذا فماذا يقول في الكلام المسجوع الذي كل فقرة منه بمنزلة بيت من شعر) (20) وظاهر ان موقف ابن الاثير يعبر عن النظرة النقدية الجامدة، التي لا يمكنها ان تقبل جديداً مهما كان هذا الجديد عميقاً، ولا ريب ان الصابي قد أدرك مبدأ فيما كان من شأنه ان يخلص الشعر من ربقة التصوير والظاهري، ويضفي عليه ضرباً من الغموض اللطيف. ولعل مما يؤكد جمود ابن الاثير هو انه اذ انكر الغموض فرقا بين الشعر والنثر ذهب إلى ان الفرق ينحصر في ثلاثة امور، اولها: نظم احدهما ، ونثر الآخر، وثانيها: ان من الالفاظ ما يعاب في الشعر دون النثر، وثالثها: ان الشعر لا يجود اذا طال، والحق انها فروق سطحية ترجع إلى الشكل المحض، وتجعل من الشعر ضرباً من الكلام المنظوم فحسب، وكان على ابن الاثير ــ ما دام قد لاحظ ان العجم يفضلون العرب في الشعر المطول الملحمي) ــ ان ينتبه إلى ان الفرق اذن هو شيء آخر لا يرجع إلى الشكل بقدر ما يرجع إلى تعليق الشعر بما هو أبعد من محاكاة امور ظاهرة، على نحو ظاهر(21).

أما عبد القاهر فقد تعمق مسألة الغموض حتى اتى فيها بالرائع المعجب وأفاض في تقليب وجوه الرأي فيها بما لا ينقضي منه العجب، فجعلنا على بصيرة من أمر الغموض، وبما يتجلى فيه من لطف ، وعضد المذهب القائل بلطف الاستعارة بما لا سبيل إلى نقضه، فجعل له الغلبة او كاد، ومازه من التعقيد، وربما كان مرجع ذلك مذهبه العقدي القائم على التأويل، المعرض عن الأخذ بالظاهر، او ربما كان ايضاً مذهبه البلاغي الذي يرى المعنى في نظم اللغة لا  في الفاظها ومهما يكن فقد جعل غموض المعنى، وخفاء التشبيه، وغرابه الاستعارة اموراً جوهرية للبلاغة.

ولقد بدأ عبد القاهر فانكر ان تكون بلاغة الاستعارة في قوة الشبه المفضي إلى المطابقة، لأن الحقيقة نفسها اولى بذلك من التشبيه، واذا كانت قوة الشبه مطلوبة فلما تنطوي عليه من مزية في اثبات وجه الشبه توافق غريزة الانسان، ولولا هذه المزية لا لتحقق التشبيه بالحقيقة، وفقد تلك الهزة التي يحدثها في نفس الانسان  وما هذا المزية إلا خفاء وجه الشبه على نحو يجعل التصريح به امراً منكراً: (واعلم ان من شأن الاستعارة، انك كلما زدت ارادتك التشبيه اخفاء ازدادت الاستعارة حسناً، حتى انك تراها اغرب ما تكون اذا كان الكلام قد الف تأليفا ان اردت ان تفصح فيه بالتشبيه خرجت إلى شيء تعافه النفس ويلفظه السمع، ومثال ذلك قول ابن المعتز:

أثمرت اغصان راحته بجنان الحسن عنابا ألا ترى إنك لو حملت نفسك على ان تظهر التشبيه، وتفصح به، احتجت إلى ان تقول: اثمرت اصابع يده التي هي كالاغصان لطالبي الحسن شبيه العناب من اطرافها المخضوبة، وهذا ما لا تخفى غثاثته) (22).

والحق ان هذه النظرة التي ترفض التأويل الواضح الذي يخرج وجه الشبه من لطفه، ويرده إلى بساطته الاولى، من شأنها ان تخلص التشبيه من محاكاة الحرفية، وتجعله بمعزل عن التعليل العقلي المحض، والتعليل العقلي انما يسلب الصورة ايحاءها الخيالي، ويجعلها اقرب إلى الجمود والفرق بين الصورة التي ينظر إليها بما تنطوي عليه من حياة، أو بما تنطوي عليه من جمود هو كالفرق بين الحي والجامد، يقول الدكتور مصطفى ناصف: (ليس من السائغ ان تؤخذ الصور مأخذ المرئي الجامد، المنحوت أو المرسوم)(23) ومن المسلم به ان الخيال في البيت السابق يهتدي من خلال نظرة حيوية شاملة إلى صورة جميلة تتجلى في التأليف البارع بين الثمار، والاغصان، والجنان والعناب، ولكن هذه الصورة الجميلة ذاتها تذهب بدداً إذا ما راح العقل يسلبها عصارة الحياة اذ يلتمس العلاقة الواضحة بين الاغصان والاصابع والعناب.

ويلوح ان نظرة عبد القادر إلى فضل الغموض قد تمكنت منه حتى جعلها علماً على البلاغة، فلاحظ انها تنفرد به جميع العلوم، فإذا كانت العلوم جميعها تعتمد التصريح، فالأمر في علم الفصاحة خلاف ذلك: (فانك اذا قرأت ما قاله العلماء فيه، وجدت جله، اوكله رمزاً، ووحيا وكتابة، وتعريضا وايماء إلى الغموض من وجه لا يفطن له إلا من غلغل الفكر وادق النظر، ومن يرجع من طبيعته إلى المعيته، يقوى معها على الغامض ويصل بها إلى الخفي، حتى كان بسلاً حراماً ان تتجلى معانيهم سافرة الاوجه لا نقاب لها، وبادية الصفحة، لا حجاب دونها، وحتى كأن الافصاح بها حرام وذكرها إلا على سبيل الكتابة والتعريض غير سائغ)(24) الغموض اذن مدار البلاغة، ويصعب على الذهب ان يوفق بين ما ذهب إليه عبد القاهر هنا، وبين ما كاد النقاد ان يجمعوا عليه من امر الرؤية والوضوح، ولا سيما ان عبد القاهر نفسه لم يكن بمعزل عن طلب المرئي والواضح، كما رأينا في كلامه على الانس الحاصل بالانتقال عن الصفة إلى العيان بما يزيل الريب(25). على ان عبد القاهر يبقى منسجماً مع جوهر مذهبه فيما ينبغي من لطف المعنى الذي يصعب ادراكه من الوهلة الاولى، لما في ذلك من متعة خفية منشؤها المعرفة بعد جهل، وهذا هو ما يريده بالغموض المركوز في جبلة الانسان: (من المركوز في الطبع ان الشيء إذا نيل بعد الطلب له او الاشتياق إليه، ومعاناة الحنين نحوه كان نيله أحلى، وبالميزة اولى، فكان موقعه من النفس اجل وألطف، وكانت به أضن واشغف) (26).

ولقد صار مسلماً به في النقد الحديث ــ كما يقول الدكتور محمد غنيمي هلال ــ ان (الصورة التعبيرية الإيحائية اقوى فنياً من الصورة الوصفية المباشرة، اذ ان للإيحاء فضلاً لا ينكر على التصريح)(27) وربما كان ذلك يذكر بما قاله الفارابي عن "الاخطار بالبال" وعن "محاكاة الشيء بالأمر إلا بعد "وانها (اتم وافضل من محاكاته بالأمر الاقرب) وهو ما عبر عنه بــ "محاكاة المحاكاة" التي تبعد عن الحقيقة رتبتين(28)، وذلك كله مما يعضد الميل إلى الايحاء فينأى بالشعر عن محاكاة الظاهر فحسب، ويجعله سبباً في اثارة الاسئلة فضلاً عن الاجابة عنها، وكما يقول غويو: (ليس في وسع كل نظريات الفلك ان تمنع منظر السماء اللانهائية من ان يثير فينا نوعاً من القلق الغامض، والتلهف الظامئ إلى المعرفة، وهذا هو الجمال الشعري الذي للسماء. ان العلماء يحاولون ان يرضونا بالإجابة عن تساؤلاتنا، اما الشاعر فهو يأسرنا بإثارة هذه التساؤلات وقد يفضل في بعض الاحيان ان يفعل ما يفعله الموسيقى اذا يدعنا النغمة الحساسية في نوع من الانتظار القلق، بدلاً من ان يكفي الاذن ــ والروح كفاية كاملة) (29) ويقول ايضاً: (ان الظل حلية الاشياء: ان اشعة القمر تجعل كل الاشياء كأنها تسبح في سحاب شفاف ناعم، وهذا السحاب هو الشعر بعينه . . . لعل الجمال الشعري ان لا يكون إلا فيما نرتاب فيه دون ان نراه . . . أنه (اي الشاعر) يفضل ان يحرز على ان يرى، ان يتخيل على ان يكشف . . . ليست الطبيعة جميلة دون حجاب) (30). ثم يعلل جمال الغموض فيقول: (ان غموض الاثر الفني ينشأ عن سعة الآفاق التي يفتحها) (31).

ربما جاز لنا ان نقول اذن: ان عبد القاهر كان يقصد إلى شيء من هذا، عندما كان يلح على الغموض الموحي، وعندما كان يرى ان اجتلاب الشبه البعيد ضرب من الظرف، فمناط الجمال هو ذلك (التلهف الظامئ للمعرفة) الطلب له، او الاشتياق إليه، ومعاناة الحنين إليه) ولعل كلمة الحنين ذات مدلول خاص في هذا المجال، لما تنم عليه من معنى نفسي يخالج الانسان ازاء المعنى الغامض، فضلاً عما حدثنا به عبد القاهر ايضاً من اجتلاب الشبه (من النيق البعيد) (ان لتصور الشبه من الشيء في غير جنسه وشكله والتقاطه مع ذلك له من غير محلته، واجتلا به إليه النيق البعيد بابا آخر من الظرف، اللطف ومذهبا من مذاهب الاحسان لا يخفى موضعه من العقل)(32).

ولسنا ندري بعد ذلك ما يريده الدكتور مصطفى ناصف بقوله: ان عبد القاهر كان سبباً في غلبة معنى الغرابة على التشبيه، وابعاده عن القريب المألوف، وجعله قائما على (الولع بالتضاد الذي يخرج نسقاً من الاشياء لا قوام واقعي لها، والتحلل في مباغته مروعة من العلاقات الاليفة المعتادة التي تنساب في الحياة) (33). ذلك ان عبد القاهر لم يكن مولعا حقاً بالتضاد المنسق، ولا سيما انه يصرح: (ان قولنا الصورة انما هو تمثيل وقياس لما نعلمه بعقولنا على الذي نراه بأبصارنا) (34) ويثنى في عدة مواضع على التصوير الذي يخرج الخفي إلى الجلي ــ كلي رأينا ــ وايضاً فإنه لم يعرض عن العلاقات المألوفة، ولكنه رأى بحق ان اقتصار التشبيه على ما هو مألوف مبتذل، انما ينأى به عن الفن، وان شيئاً من الغموض قد يضفي عليه طابعاً محبباً فضلاً عما تثيره حركة الذهب في إدراك المعنى البعيد من لذة واضحة: (كالجوهر في الصدف، لا يبرز لك إلا ان تشقه عنه، وكالعزيز المحتجب لا بربك وجهه حتى تستأذن عليه) (35).

على ان في كلام الدكتور مصطفى ناصف امراً آخر ربما لا يكون مسلماً به، وهو قوله ان النقاد لم يقفوا عند شرط الايضاح، وانما غادروه إلى الاخفاء، وان هذه حال ابي هلال العسكري، وعبد القاهر، قال: (اننا الآن نرى ان الصورة مادتها ما تعطيه الحواس، وما يتأثر قريباً منا من فتات الحياة الاليفة، ولكن ذلك كله لم يقصد إليه البلغاء غالباً، تناقوا صفة الايضاح، وعدوا رتبه موضوع درس متميز، ثم انسلوا خفية إلى شواهد تقوم على الاخفاء، والابعاد، هذه حال ابي هلال، وعبد القاهر من بعده . . .) (36). اما ان البلغاء لم يقصدوا صفة الايضاح، فقد رأينا انهم كادوا ان يجمعوا ــ اللهم لا عبد القاهر احياناً ــ على ان وجه الشبه ينبغي ان يكون دائماً واضحاً للعيان، واما ان عبد القاهر قد قصد إلى الاخفاء، فالحق انه لم يفعل ذلك رغبة في الاخفاء نفسه، وانما رغبة في الايضاح الذي يتجلى بعد الإخفاء أقوى وأظهر: (كالجواهر في الصدق لا يبرر ذلك إلا ان تشقه) وحقاً فإن الجوهر المكنون أجمل من الجوهر المباح وكلاهما جوهر.

ولعل مما يعضد مذهب عبد القاهر في الغموض، انه نبه على الفرق بينه وبين التعقيد ولعل خفاء هذا الفرق هو ما ساعد على تحميل عبد القاهر جريرة وقوع البلاغة في اسر التعقيد اللفظي والتأليف بين التضاد، بيد ان عبد القاهر نبه على ان الغموض يقف عند حد مقبول لا بد منه لجلاء وجه الفن فاذا ما جاوز ذلك الحد صار تعقيداً مذموماً، ومنشأ التعقيد في الغالب اختلال نظم الكلام على نحو يسيء إلى الدلالة المعنوية: (فان قلت فيجب على هذا ان يكون التعقيد والتعمية، وتعمد ما يكسب المعنى غموضاً، مشرفاً له، وزائداً في فضله، وهذا خلاف ما عليه الناس، إلا تراهم قالوا: ان خير الكلام ما كان معناه إلى قلبك اسبق من لفظه إلى سمعك فالجواب: انني لم ارد هذا الحد من الفكر والتعب، وانما اردت القدر الذي يحتاج إليه في نحو قوله: فإن /المسك بعض دم الغزال.  . وإما التعقيد فإنما كان مذموماً لأجل ان اللفظ لم يرتب الترتيب الذي بمثله تحصل الدلالة على الغرض حتى احتاج السامع ان يطلب المعنى بالحيلة، ويسعى إليه من غير الطريق كقوله:

وكذا اسم اغطية العيون جفونها               من انها عمل السيوف عوامل

وانما ذم هذا الجنس، لأنه احوجك إلى فكر زائد على المقدار الذي يجب في مثله، وكدك بسوء الدلالة، وأودع المعنى لك في قالب غير مستو، ولا مملس، بل خشن مضرس، حتى إذا رمت اخراجه منك عسر عليك وإذا خرج مشوه الصورة ناقص الحسن) (37)

من الجلي اذن، ان عبد القاهر قد أفرغ جهده في نهج سبيل البلاغة الوسط بين الابتذال والتعقيد، فرفعها عن الابتذال، وصانا من التعقيد فلم يطلب الاغماض إلا رغبة في الإيضاح ولكنه ذلك الإيضاح الذي يقع من المرء

موقعاً لطيفاً ممتعاً يشعر معه بقيمة الفكر، وروعة الخيال، ولعل عبد القاهر يشبه في ذلك ارسطو الذي اوصى ايضاً بالا تكون الاستعارة بعيدة المنال من جهة، او واضحة كل الوضوح من جهة اخرى(38)، بل تكون لطيف تدرك بالتأمل في الصلة الكامنة بين الاشياء المتباعدة.

ولقد اهتدى عبد القاهر في مناقشته لهذه المسألة في كتابيه إلى مبدأ فلن يتجلى فيما نبه عليه من ان التناقض بين جزئيات الصورة قد يفضي ــ خلافاً لما قد يفترض ــ إلى التآلف ، وذلك من حيث اثر الصورة في الحدس، بحيث يكون ائتلاف الصور من حيث العقل والحدس، في وضوح اختلافها من حيث العين والحس(39)، وذلك كما هو معهود في فن النحت حين يصنع المصور صورته من اجزاء تختلف في الشكل والهيئة، فيكون ذلك ادعى إلى التلاؤم، وهذا المقارنة ان كانت تعود بنا مرة اخرى إلى ربط الشعر بالتصوير ــ فإنها ها هنا تغدو مقارنة قيمة حقاً، لأنها تفسح للخيال في حركة الجمع بين المتناقضات، على نحو يؤلف بينها، ويجعل الصورة اكثر انسجاماً بين جزئياتها، مما لو أخذت هذه الجزئيات من المتآلفات اصلا، والحق ان هذا هو عمل الخيال المحض، الذي ينتزع من الاشياء علاقات جديدة يؤلف بينها على نحو جديد ليس على سبيل الجمع ــ كما هو عمل الوهم ــ وانما على سبيل التوحيد ــ كما هو عمل الخيال ــ يقول عبد القاهر: (ان الاشياء المشتركة في الجنس، والمتفقة في النوع، تستغني بثبوت الشبه بينها، وقيام الاتفاق فيها عن تعمل وتأمل في ايجاب ذلك لها، وتثبيته فيها وانها لصنعة تستدعي جودة القريحة، والحذق الذي يلطف ويدق ، في ان يجمع بين اعناق المتنافرات في ربقة، ويعقد بين الاجنبيات معاقد نسب وشبكة وما شرفت صنعة ولا ذكر بالفضيلة عمل، إلا لأنهما يحتاجون من دقة الفكر، ولطف النظر، ونفاذ الخاطر، إلى ما لا يحتاج إليه غيرهما، ويحتكمان على زاولهما والطالب لهما في هذا المعنى ما لا يحتكم ما عداها، ولا يقتضيان ذلك إلا من جهة ايجاد الائتلاف في المختلفات، وذلك بين لك فيما تراه من الصناعات، وسائر الأعمال التي تنسب إلى الدقة، فانك تجد الصورة المعمولة فيها كلما كانت اجزاؤها اشد اختلافاً في الشكل والهيئة، ثم كان التلاؤم بينها مع ذلك اتم، والائتلاف ابين ، كان شأنها اعجب والحذق لمصورها اوجب، واذا كان هذا ثابتاً موجوداً ومعلوماً معهوداً من حال الصور المصنوعة، والاشكال المؤلفة فاعلم انها القضية في التمثيل واعمل عليها واعتقد صحة ما ذكرت لك من أخذ الشبه للشيء مما يخالفه في الجنس، وينفصل عنه من حيث ظاهر الحال، حتى يكون هذا شخصاً يملأ المكان وذلك معنى لا يتعدى الافهام والاذهان، وحتى ان هذا انسان يعقل، وذلك جماد او موات لا يتصف بأنه يعاني أو يجهل)(40).

ولم يفت عبد القاهر ان يلاحظ ان حكم المشبه في هذه المسألة يرجع إلى العقل لا إلى العين وإلى الروية لا إلى الرؤية، وإلى إدراك الشيء داخل لا خارجها: (ولم تأتلف هذه الاجناس المختلفة للمتمثل، ولم تتصادف هذه الاشياء المتعادلة على حكم المشبه، إلا لأنه لم يراع ما يحضر العين. ولكن ما يستحضر العقل ولم بما تنال الرؤية، بل بما تعلق الروية، ولم ينظر إلى الاشياء من حيث توعى فتحويها الامكنة، بل من حيث تعيها القلوب الفطنة) (41). وكذلك لم يفته ان ينبه على ان مجرد التأليف لا يقتضي الاصابة فلا بد من التماس ملاءمة معقولة تستنبط من مناقضة محسوسة، فاذا كانت الاشياء متناقضة من حيث مظهرها المرئي، فينبغي ان تكون مؤتلفة من حيث أثرها في العقل والحدس ــ، وتلك اشارة قيمة إلى الحدس ــ وايضاً فإن هذا الائتلاف انما يعتمد على أصل عقلي ولكنه خفي يدرك بالتأمل، ولا يجوز ان يستكره التشبيه على ما ليس موجوداً اصلا: (ولم أرد بقولي: ان الحذق في ايجاد الائتلاف بين المختلفات في الاجناس، إنك تقدر ان تحدث هناك مشابهة ليس لها أصل في العقل، وانما المعنى ان هناك مشابهات خفية يدق المسلك إليها، فإذا تغلغل فكرك فأدركها فقد استحققت الفضل) (42).

وربما لا نغلو اذا قلنا ان هذه الفكرة هي خير ما يمكن ان يقال في الخيال، وان ما اتى به، "كوليردج" بعد قرون انما يمت ينسب واضح إلى ما ذهب إليه عبد القاهر، والا فأي فرق بين القول بــ (ايجاد الائتلاف في المختلفات)، وتصادف "الاشياء المتعادية" واستنباط الائتلاف العقلي من التناقض الحسي (حتى يكون ائتلافهما الذي يوجب تشبيهم من حيث العقل والحدس، في وضوح اختلافهما من حيث العين والحس)(43) وبين قول "كوليردج" : القوة التركيبية السحرية التي افردنا لها لفظة "الخيال" تكشف لنا عن ذاته خلق التوازن، أو التوفيق بين الصفات المتضادة او المتعارضة . . الاحساس بالمتعة الموسيقية، والقدرة على خلق أثر موحد من الكثرة) (44).

وهكذا، فلعل عبد القاهر قد اهتدى إلى طبيعة الخيال، وصلته بكشف العلاقات الغامضة بين الاشياء، على نحو يؤلف بين ما تناقض منها، أما كيف عجر عبد القاهر والنقاد بعده عن الافادة من هذا الكشف القيم، فتلك مسألة اخرى، اذ يبدو ان سلطان المحاكاة الظاهرة، كان اقوى من ان تضعفه فكرة عابرة في تضاعيف كتاب.

(1) البيان والتبين: تحقيق عبد السلام هارون الطبعة الاولى، القاهرة 1948، 1/75.

(2) ابن وهب: البرهان في وجوه البيان، تحقيق الدكتور احمد مطلوب والدكتورة خديجة الحديثي، الطبعة الاولى، بغداد 967 ص 175.

(3) نقد الشعر: ص108

(4) انظر تعليقه على بيت امرئ القيس: له ايطلا ظبي، نقد الشعر ص113.

(5) عبار الشعر: ص11.

(6) سر الفصاحة: ص110-112.

(7) المصدر نفسه: ص235.

(8) انظر مناقشة مسألة ماء الملام: ص132-135.

(9) العمدة: 1/269.

(10) المصدر نفسه: 1/270.

(11) العمدة: 1/270.

(12) المصدر نفسه: 1/270

(13) المصدر نفسه: 1/271.

(14) المصدر نفسه: 1/286-287.

(15) المثل السائر: ص4، انظر ايضاً نقد ابن رشيق لهذا البيت في: العمدة :1/270 وانظر كذلك نقد ابن الاثير لأبي تمام في استعارة الكعب للعرض، والخد للمال في المثل ص141

(16) المصدر نفسه: ص160.

(17) المصدر نفسه: ص122-123.

(18) المثل السائر: ص160.

(19) المثل السائر: ص322.

(20) المثل السائر: 322-323.

(21) المصدر نفسه: ص324.

(22) دلائل الاعجاز: ص346.

(23) الصورة الأدبية: ص144.

(24) دلائل الاعجاز: ص349-350

(25) انظر: اسرار البلاغة ص105-106.

(26) للمصدر نفسه: ص118.

(27) النقد الأدبي الحديث: ص451.

(28) انظر: مجلة شعر، ص95.

(29) مسائل فلسفة الفن، ص125.

(30) المصدر نفسه: ص123-124.

(31) المصدر نفسه: ص128.

(32) اسرار البلاغة: ص108-109.

(33) الصورة الادبية: ص67.

(34) دلائل الاعجاز: ص389.

(35) اسرار البلاغة: ص119.

(36) الصورة الادبية: ص64.

(37) اسرار البلاغة: ص118-120.

(38) المصدر نفسه

(39) انظر: اسرار البلاغة: ص130.

(40) انظر: اسرار البلاغة: ص127-128.

(41) المصدر نفسه: ص129.

(42) المصدر نفسه: ص130-131

(43) المصدر نفسه: ص130.

(44) رتشاردز: مبادئ النقد الادبي ترجمة الدكتور مصطفى بدوي القاهرة 1963 ص315.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.