أقرأ أيضاً
التاريخ: 15/9/2022
3503
التاريخ: 25-3-2016
4054
التاريخ: 6-4-2016
8165
التاريخ: 3-04-2015
3592
|
إن الأحداث السياسية التي عصفت بالامّة الإسلامية بعد وفاة الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) كانت ثقيلة الوطأة عليها ، وبلغت غاية الشدّة أيام تسلّط معاوية على الشام ومحاربة الإمام عليّ ( عليه السّلام ) وبالتالي اضطرار الإمام الحسن ( عليه السّلام ) لإبرام صلح معه لأسباب موضوعية كانت تكتنف الامّة ، ولكننا نلحظ أنّ الإمام الحسين ( عليه السّلام ) لم يغيّر من موقفه المتطابق مع موقف الإمام الحسن ( عليه السّلام ) تجاه معاوية حتى بعد استشهاد الإمام الحسن ( عليه السّلام ) ، فلم يعلن ثورته ، وما كان ذلك إلّا لبقاء نفس الأسباب التي دفعت بالإمام الحسن ( عليه السّلام ) إلى قبول الصلح فمن ذلك :
1 - حالة الامّة الإسلامية :
كان الوضع النفسي والاجتماعي للامّة الإسلامية متأزّما ، إذ كانت تتطلع إلى حالة السلم بعد أن أرهقها معاوية والمنافقون بحروب دامت طوال حكم الإمام عليّ ( عليه السّلام ) ، فكان رأي الإمام الحسن ( عليه السّلام ) هو أن يربّي جيلا جديدا وينهض بعد حين ، فقد قال ( عليه السّلام ) :
« إنّي رأيت هوى عظم الناس في الصلح وكرهوا الحرب ، فلم احبّ أن أحملهم على ما يكرهون ، فصالحت بقيا على شيعتنا خاصة من القتل ، ورأيت دفع هذه الحرب إلى يوم ما ، فإنّ اللّه كلّ يوم هو في شأن »[1].
وهو نفسه موقف الإمام الحسين ( عليه السّلام ) بسبب ما كان يعيه ويدركه من واقع الامّة ، فكان قوله لمن فاوضه في الثورة إذ قعد الإمام الحسن ( عليه السّلام ) عنها :
« صدق أبو محمد ، فليكن كلّ رجل منكم حلسا من أحلاس بيته ما دام هذا الإنسان حيّا » .
وبقي هذا موقفه نفسه بعد استشهاد الإمام الحسن ( عليه السّلام ) لبقاء نفس الأسباب ، فقد كتب ( عليه السّلام ) يردّ على أهل العراق حين دعوه للثورة :
« أمّا أخي فأرجو أن يكون اللّه قد وفّقه وسدّده فيما يأتي ، وأمّا أنا فليس رأيي اليوم ذلك ، فالصقوا رحمكم اللّه بالأرض ، واكمنوا في البيوت ، واحترسوا من الظنّة ما دام معاوية حيّا »[2].
2 - شخصيّة معاوية وسلوكه المتلوّن :
لقد كانت زعامة الامّة الإسلامية بعد وفاة الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) بأيدي مسؤولين غير كفوئين لفترة طويلة . ومراجعة بسيطة لأحداث ووقائع تلك الفترة توضّح ذلك . ولكنّ معاوية كان أشدّ مكرا ومراوغة ودهاء ، إذ كان يتلاعب ببراعة سياسية ، ويتوسّل بكلّ وسيلة من أجل أن يبقى زمام السلطة بيده متّخذا من التظاهر بالدين سترا يغطّي جرائمه الأخلاقية واللاإنسانية والتي منها فتكه بخيار المسلمين ، ومخادعة عوام الناس في مجاراته لعواطفهم ومعتقداتهم ، وهو يحمل حقدا لا ينقطع على الإسلام والرسول ( صلّى اللّه عليه واله )[3].
وقد تمكّن معاوية من القضاء على المعارضين له من دون اللجوء إلى القتال والحرب ، فهو الذي اغتال الإمام الحسن ( عليه السّلام ) وسعد بن أبي وقّاص[4] وقضى على عبد الرحمن بن خالد[5] ومن قبله على مالك الأشتر ، وقد أوجز أسلوبه هذا في كلمته المشهورة : « إنّ للّه جنودا منها العسل »[6].
كما أنّ معاوية كان يضع كلّ من يلمس منه أيّة معارضة أو تحرّك تحت مجهر المراقبة والإرصاد ، فترفع إليه التقارير عن كلّ ما يحدث فيستعجل في القضاء عليه .
في مثل هذا الأسلوب - أي التصرّف تحت ستار الإسلام - لو قام الإمام الحسين ( عليه السّلام ) بحركة واسعة ونشاط سياسي بعد وفاة الإمام الحسن ( عليه السّلام ) مباشرة ؛ لما كان قادرا على فضح معاوية وإقناع كلّ الجماهير بشرعيّة ثورته ، ولكان معاوية متمكّنا من القضاء عليه من دون ضجيج ، وعندها كانت الثورة تموت في مهدها وتضيع جهود كبيرة ، كان من شأنها أن تبني في الامّة تيّارا واعيا ، ويختنق الصوت الذي كان في مقدوره أن يبقى مدوّيا في تأريخ الإنسانيّة كما حصل في واقعة الطفّ . وما كان الإمام الحسين ( عليه السّلام ) ليتمكّن من توضيح كلّ أهدافه وغاياته من الثورة[7] المتمثّلة في إنقاذ الامّة من الظلم وصيانة الرسالة الإسلامية من التحريف لو كان يسرع بثورته في أيام معاوية .
وأمّا حينما اعتلى يزيد عرش الخلافة وهو من قد عرفه الناس باللهو والفسق والشغف بالقرود وشرب الخمور ، وعدم صلاحيته للخلافة لتجاوزه وعدوانه على كل المقاييس الشرعيّة والعرفيّة لدى المسلمين . فالثورة عليه تعدّ ثورة مشروعة عند عامّة المسلمين ، كما أثبت التأريخ ذلك بكلّ وضوح .
3 - احترام صلح الإمام الحسن ( عليه السّلام ) :
لقد كان العهد والميثاق الذي تم بين معاوية وبين الإمام الحسن ( عليه السّلام ) ورقة رابحة يلوّحها معاوية لكلّ تحرّك فعّال مضاد تجاه تربّعه على مسند السلطة ، صحيح أنّه عهد غير حقيقي وما كان برضا الإمامين ( عليهما السّلام ) وتم في ظروف كان لا بد من تغييرها ، لكنّ المجتمع لم يكن يتقبّل نهضة الإمام الحسين ( عليه السّلام ) مع وجود هذا العهد ، وحتى لو كان هذا العهد صحيحا فإنّ معاوية نقضه بممارسته العدائية بملاحقة رجال الشيعة ، ولم يرع أيّ حقّ في سياسته الاقتصادية .
وقد سارع معاوية لاستغلال هذا العهد في التشهير بالإمام الحسين ( عليه السّلام ) وإظهاره بموقف الناقض للعهد ، فقد كتب إلى الإمام ( عليه السّلام ) :
أمّا بعد ، فقد انتهت إليّ أمور عنك ، إن كانت حقا فإنّي أرغب بك عنها .
ولعمر اللّه إنّ من أعطى عهد اللّه وميثاقه لجدير بالوفاء ، وإنّ أحقّ الناس بالوفاء من كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك اللّه بها ، ونفسك فاذكر ، وبعهد اللّه أوف ، فإنّك متى تنكرني أنكرك ، ومتى تكدني أكدك ، فاتّق شقّ عصا هذه الامّة[8].
من هنا لجأ الإمام الحسن ( عليه السّلام ) ومن بعده الحسين ( عليه السّلام ) إلى أسلوب آخر لنشر الدعوة والتهيّؤ للثورة التي غذّاها معاوية بظلمه وجوره وبعده عن تمثيل الحكم الإسلامي الصحيح ، حتى إذا مات معاوية كان كثير من الناس وعامّة أهل العراق - بشكل خاص - يرون بغض بني اميّة وحبّ أهل البيت لأنفسهم دينا[9] .
[1] الأخبار الطوال : 221 .
[2] المصدر السابق : 222 .
[3] شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 357 .
[4] مقاتل الطالبيين : 29 ، ومختصر تأريخ العرب : 62 .
[5] التمدن الإسلامي ، لجرجي زيدان : 4 / 71 .
[6] عيون الأخبار : 1 / 201 .
[7] للتفصيل راجع : ثورة الحسين ، ظروفها الاجتماعية وآثارها النفسية : 122
[8] الإمامة والسياسة : 1 / 188 ، والأخبار الطوال : 224 ، وأعيان الشيعة : 1 / 582 .
[9] الفتنة الكبرى - علي وبنوه ، طه حسين : 290 ، وللمزيد من التفصيل راجع : ثورة الحسين ( عليه السّلام ) ، ظروفها الاجتماعية وآثارها النفسية : 127 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|