أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-6-2020
1903
التاريخ: 5-6-2020
2100
التاريخ: 2024-08-10
368
التاريخ: 2024-08-10
358
|
من الأبحاث التي تعرض لها الشيخ الاعظم في الرسائل في قاعدة لا ضرر مسألة تعارض الضررين.
وننتخب من ذلك صورتين نتعرض لهما باختصار.
الصورة الاولى :
إذا دار الأمر بين ضررين في حق شخصين فأيهما المقدم؟
بمعنى: انّه لو كان شخصان دار الأمر بين ان يتضرر هذا أو ذاك، و رفعا أمرهما إلى الحاكم، فهل يقدّم الحاكم تضرر هذا أو تضرر ذاك؟
والمثال المتوارث لذلك : ما إذا أدخلت دابة شخص رأسها في قدر شخص آخر، ودار الأمر بين كسر القدر حفاظا على رأس الدابّة و بين قطع رأس الدابّة حفاظا على القدر، فأيّهما المقدّم؟ بعد وضوح أن الحكم بكسر القدر يستوجب الضرر على صاحبه، والحكم بقطع رأس الدابة يستوجب الضرر على صاحبها، فالأمر على هذا يدور بين حكمين يستلزم كل منهما الضرر.
وفي هذه الحالة إذا فرض ان الطرفين تمّ اتفاقهما على أمر معين، ككسر القدر- مثلا- فلا اشكال، لأن المال مالهما وبإمكانهما التصالح كيفما أحبّا.
وتنحصر المشكلة بما إذا لم يتصالحا على أمر معين و رفعا أمرهما إلى الحاكم، فما ذا يفعل؟
إنّه ليس بالإمكان التمسك بحديث لا ضرر، لأنّ التمسك به في صالح أي واحد منهما ترجيح بلا مرجح بعد استلزام كل منهما الضرر.
ولا محيص للحاكم- بعد عدم امكان التمسك بحديث لا ضرر- من ملاحظة من يتضرر أقل فيرجّح اتلاف ماله، و عند التساوي من هذه الناحية و سائر الخصوصيات الموجبة للترجيح العقلائي ينتقل إلى القرعة، لأنّها طريق عقلائي في أمثال هذه المقامات. كل ذلك مع ضمان قيمة النقص الطارئ بسبب الكسر أو قطع الرأس على الطرف الثاني.
والوجه في ذلك هو التمسك بقاعدة العدل و الانصاف، فانّ مقتضى العدالة هو ما ذكرناه.
وإذا قيل: إنّ القاعدة المذكورة لم ينعقد عليها بناء عقلائي، و لا مستند لها سوى عذوبة ألفاظها، كما ناقش بذلك السيد الخوئي في بعض المواضع من كلماته (١).
كان الجواب: يكفينا لإثباتها في الجملة كتاب اللّه العزيز حيث يقول : {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58].
مثال معاصر :
والمثال الموروث - كما قلنا - هو ما تقدم، بيد أنّه قد يبدل بمثال معاصر، و هو: ما اذا كانت امرأة حاملا بطفل، و دار الأمر بين الحفاظ على الطفل الموجب لتضرّرها و الحفاظ على الام الموجب لقتل الطفل (2).
وان شئت قلت: إنّ حكم الشارع بوجوب الحفاظ على الام حيث يستلزم الضرر على الطفل، و هكذا العكس بالعكس فلا يمكن التمسك بحديث نفي الضرر، لأن ذلك ترجيح بلا مرجح.
وإذا كان الاستشهاد بالمثال المذكور قابلا للمناقشة من بعض الجهات، إلّا أنّه جيد في الجملة.
وفي تحقيق حاله نقول: إذا كان ضرر الام بدرجة موتها و كان موتها مستلزما لموت الحمل أيضا فلا إشكال في تعين الحفاظ على حياتها، لأنّ الأمر يدور بين موت الام و حملها أو موت خصوص الحمل، و الثاني متعين.
وإذا كان تضرّرها شديدا و لكنه لا يبلغ درجة الموت فيجوز لها اسقاطه أيضا باعتبار ان الدليل على حرمة الاسقاط: إمّا هو الاجماع و التسالم أو روايات ثبوت الدّية في الاسقاط بناء على دلالة ذلك بالملازمة على الحرمة، و كلاهما لا اطلاق فيه.
وطبيعي جواز الاسقاط لا يعني ارتفاع الدية، بل هي ثابتة بالرغم من جواز الاسقاط لإطلاق دليلها.
وهل عملية الاسقاط ينبغي أن تكون من الحامل نفسها أو تجوز من الطبيب أيضا؟
المناسب جوازها من الطبيب أيضا، لأنّ الاسقاط من الطبيب لا دليل على حرمته في مثل هذه الحالة فيتمسك بأصل البراءة.
الصورة الثانية :
ان يفترض أنّ لإنسان ملكا، كدار أو غيرها، و أراد التصرّف باحداث حمام فيها إلى جانب غرفة بيت جاره فاعترض الجار بأن رطوبة الحمام تسري إلى غرفتي.
وهذه المسألة من موارد الابتلاء الكثيرة في حياتنا.
وطبيعي ينبغي ان نحصر الكلام بحالة: إذا لم يتمكّن صاحب الدار من إحداث الحمام في غير ذلك المكان الذي يضر بالجار، و إلّا فمنعه من إحداث الحمام لا يولّد له ضررا، بل أقصى ما يلزم عدم امكان تصرفه في داره بالشكل الذي يحب، و ذلك لا يعدّ ضررا بالنظر العقلائي، كما ينبغي ان نفترض أنّ إحداثه للحمام ضروري بحيث يشكّل عدمه ضررا عليه.
وإذا قيل : إنّ منع المالك من التصرف في ملكه كيفما أحبّ حرج عليه، و هو منفي في التشريع الاسلامي.
كان الجواب: ان ذلك ليس بحرج؛ لأنّ الحرج هو المشقة الشديدة، و المفروض عدم لزومها.
إذن لا بدّ من فرض البحث في حالة دوران الأمر بين ضررين، و على أساس هذا الافتراض لا يمكن التمسّك بحديث نفي الضرر، لأنّ الأمر يدور بين حكمين ضرريّين، فالحكم بجواز إحداث الحمام مستلزم للضرر على الجار، و الحكم بعدم جوازه مستلزم للضرر على المالك، و التمسك بالحديث بلحاظ أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح.
وإذا قيل : إنّ قاعدة الناس مسلطون على أموالهم ترجّح طرف المالك، حيث ان منعه من التصرّف في ملكه خلاف تسلطه على ماله.
كان الجواب: انّ القاعدة المذكورة لا دليل معتبر عليها من الروايات، فانها لم ترد في معاجمنا الحديثية إلّا في البحار (3).
أجل قد تشتمل عليها بعض كتبنا الفقهية، كالخلاف للشيخ الطوسي (4)، بل قيل:
إنّ المعاجم الحديثية المشهورة للعامة لا تشتمل عليها.
وعلى هذا فمهم المستند للقاعدة المذكورة هو سيرة العقلاء و ارتكازهم، و القدر المتيقّن من ذلك حالة عدم استلزام تصرف الإنسان في ملكه الضرر بالآخرين.
وبعد اتضاح عدم امكان التمسك بقاعدة لا ضرر يتعين الرجوع- بعد الشك في جواز تصرف المالك في ملكه- إلى أصل البراءة.
____________
(١) راجع كتاب الخمس من مستند العروة الوثقى: ١٤٧، أجل التزم بها (قدّس سرّه) في مصباح الاصول ٢: ٥٦٤.
(2) و من الأمثلة المعاصرة أيضا: ما اذا كان الإنسان راكبا سيارة و دار الأمر بين أن يضرّر الآخرين أو يضرر نفسه.
(3) البحار ٢: ٢٧٢.
(4) الخلاف ٣: ١٧٦.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|