أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-02-2015
1195
التاريخ: 24-02-2015
9313
التاريخ: 27-03-2015
2778
التاريخ: 27-02-2015
1861
|
ما مضى لك بيانه من أحداث اللحن حمل القوم على الاجتهاد لحفظ العربية وتيسير تعلمها للأعاجم، فشرعوا يتكلمون في الإعراب وقواعده حتى تم لهم مع الزمن هذا الفن.
ص26
والذي تجمع عليه المصادر أن النحو نشأ بالبصرة، وبها نما واتسع وتكامل وتفلسف، وأن رءوسه بنزعتيه السماعية والقياسية كلهم بصريون.
أول من أرسل في النحو كلاما أبو الأسود الدؤلي المتوفى سنة 67هـ.
وقيل: إن علي بن أبي طالب ألقى على أبي الأسود شيئا من أصول هذا النحو, ثم قال له: "انح هذا النحو" فسمي الفن نحوا.
وقيل: إن أول من تكلم فيه: نصر بن عاصم المتوفى سنة 89هـ.
وقيل: عبد الرحمن بن هرمز المتوفى سنة 117هـ.
وقيل: لم يصل إلينا شيء عن أحد قبل يحيى بن يعمر المتوفى سنة 129هـ, وابن أبي إسحاق الحضرمي المتوفى سنة 117هـ.
وقيل, وقيل ... إلخ.
ومن يقرأ بإمعان ترجمة أبي الأسود الدؤلي في "تاريخ دمشق لابن عساكر" مثلا، ثم يفكر في توارد أكثر المصادر على جعله واضع الأساس في بناء النحو لا يستبعد ذلك، فالرجل ذو ذكاء نادر وجواب حاضر، وبديهة نيرة، ثم هو بعدُ بليغ أريب مرن الذهن، وحسبك اختراعه "الشكل"(1) الذي عرف
ص27
بنقط أبي الأسود للدلالة على الرفع والنصب والجر والتنوين، وهو ما أجمعوا عليه قديما ولم يشك فيه حديثا أحد. و"الشكل" أعود على حفظ النصوص من حدود النحو؛ ولعله أعظم خدمة قدمت للعربية حتى الآن، وكان الخطوة الأولى إلى النحو كما ذهب إليه الأستاذ أحمد أمين(2).
وينص أبو الطيب اللغوي على أن أبا الأسود وضع النحو ليتعلم بنو زياد(3). "واختلف الناس إليه يتعلمون العربية, وفرع لهم ما كان أصله, فأخذ ذلك عنه جماعة".
وليس يعنينا هنا تحرير هذه الأولية بتفصيل(4)، لكننا لا نرى
ص28
بدا من أن نشير إلى أن اتفاقهم على أنه واضع "الشكل" وأن شبه الإجماع على أنه أول من تكلم بالنحو, وأنه كان يتصدر لإعراب القرآن(5), وأن هؤلاء الذين تزعم لهم الأولية في بعض الأقوال: نصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر، وعنبسة الفيل، وميمونا الأقرن، كلهم تلميذ أبي الأسود أو تلميذ تلميذه، عنه أخذوا العربية والقراءة بالبصرة؛ كل أولئك مع ما عرف عن أبي الأسود من ذكاء وقاد، وفكر متحرك، وعقل وروية، يجعلنا نقطع بأنه وضع أساسا بنى عليه من بعده. ولكن، ما هو هذا الأساس؟
لسنا نجد لهذا السؤال جوابا يشفي الغليل، فصحيفة أبي الأسود تعرف عند النحاة بـ "التعليقة"، فإذا أردنا معرفة محتوياتها لم نحظ بما يطمأن إليه(6)، بل فات معرفتها العلماء منذ المائة
ص29
الرابعة مع شدة حرصهم عليها, فيروي ابن النديم خبرا طريفا عن رجل جَمّاعة للكتب له خزانة لم ير لأحد مثلها بما جمعت من خطوط العلماء الأولين ونوادر الكتب والرقاع, فهي متحف كل ما فيه نادر وثمين، قال الذي شاهدها:
"ورأيت عنده أمانات وعهودا بخط أمير المؤمنين علي -عليه السلام- وبخط غيره من كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم، ومن خطوط العلماء في النحو واللغة مثل أبي عمرو بن العلاء وأبي عمرو الشيباني والأصمعي وابن الأعرابي وسيبويه والفراء والكسائي, ومن خطوط أصحاب الحديث مثل سفيان بن عيينة وسفيان الثوري والأوزاعي وغيرهم, ورأيت ما يدل على أن النحو
ص30
عن أبي الأسود الدؤلي ما هذه حكايته وهي أربع أوراق أحسبها من ورق الصين ترجمتها: هذه فيها كلام في الفاعل والمفعول عن أبي الأسود رحمه الله بخط يحيى بن يعمر، وتحت هذا الخط بخط عتيق: هذا خط علان النحوي، وتحته، هذا خط النضر بن شميل.
ثم لما مات الرجل فقدنا القمطر وما كان فيه فما سمعنا له خبراً ... على كثرة بحثي عنه(7).
فليسعنا من الأسف والحسرة على تعليقة أبي الأسود ما وسع العلماء قبلنا بألف عام إذا لا سبيل الى المعرفة الشافية مع هذا الغموض.
أخذ عن أبي الأسود: يحيى بن يعمر، وعنبسة الفيل، وميمون الأقرن، ونصر بن عاصم، وعطاء بن أبي الأسود،
ص31
وأبو نوفل بن أبي عقرب(8)، وعن هؤلاء أخذ علماء البصرة طبقة بعد طبقة، ثم نشأ بعد نحو مائة عام من تلاميذهم من ذهب إلى الكوفة فعلم بها، فكان منه ومن تلاميذه ما يسمى بمدرسة الكوفة(9).
وهذا جدول(10) يوضح لك تتابع هذه الطبقات إلى المائة الثالثة للهجرة, وترى فيه أن أعلام الكوفة كلهم أخذوا عن أئمة البصريين بأخرة:
ص32