أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-6-2022
1751
التاريخ: 22-11-2017
1193
التاريخ: 9-6-2022
988
التاريخ: 9-6-2022
1360
|
علاقة الجغرافية بظاهرة الجريمة
تباينت العلوم الاجتماعية في تفسيرها للسلوكيات المنحرفة ومظاهر الجريمة، فمنها ما عزى ذلك إلى عوامل بيولوجية، ومنهم من أكد على العوامل البيئية، وذهب آخرون إلى أن الجريمة ظاهرة فردية يجب دراستها ضمن هذا الاتجاه.
ومنذ بداية الثورات العلمية أكد العلماء والباحثون على دور العوامل البيئية على الجريمة، أي أن التفسير الجغرافي كان حاضراً في تفسير السلوك الإجرامي بشرط أن تدرس البيئة الجغرافية بجميع عناصرها، ولا يهمل جانب معين، إذ ربما يعزى السلوك الإجرامي لجانب مهمل في نظر الباحثين.
وقد ركز راتزل Ratzel على العوامل السياسية والعنصرية والاجتماعية. أما إلين سمبل Ellen Semple فقد ذهبت إلى أن الإنسان ابن البيئة يؤثر ويتأثر بها، وهي التي تطعمه وتحدد أفكاره ونظرته للحياة، وفي هذا تأكيد على أثر البيئة الطبيعية في السلوك البشري، بمعنى أن المزاج البشري والحضارة والدين والممارسات الاقتصادية يمكن أن تعود في أصلها إلى تأثيرات بيئية(1). أما ريتر Ritter فقد أكد على دراسة العوامل الاجتماعية وعلاقاتها بالمكان والعوامل البشرية الأخرى. وتؤكد الرؤى الحديثة على أهمية البيئة الاجتماعية وأثرها في تكوين الإنسان وسلوكه وتصرفاته وتوجهاته.
إن دراسة المسرح الجغرافي للأحداث يعد من الموضوعات التي أكدت عليها الدراسات منذ القدم، فابن خلدون يعد من أوائل الذين أشاروا بوضوح إلى دور العناصر المناخية على سلوك الإنسان وتصرفاته، وأشار إلى أن طبائع بعض الأقوام ما هي إلا نتيجة لما يسود أقاليمهم من ظروف مناخية، كما أنه ربط بين السلوك المنحرف والمزاج الحاد والشعور بالحزن والظروف الطبيعية.
ولم يكتف علم الجغرافية بدراسة التوزيع الجغرافي للجرائم وتركيب الجناة ودراسة مستوياتهم التعليمية والثقافية والاقتصادية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك من خلال دراسة عوامل توطن الجريمة وبيان تلك العوامل والاختلافات المكانية لها، وأسباب حدوثها بنسق واحد في بعض المناطق، ومن الطبيعي أن يوظف الجغرافي أدواته الإحصائية والبحثية لدراسة هذه الظاهرة وبيان تباينها وعلاقاتها المكانية وارتباطاتها البيئية.
لقد جاءت القوانين التي وضعها المصلحون والفلاسفة لتعالج المشاكل والقضايا التي تنتشر في بعض المجتمعات، وانتشار تلك المشاكل ماهو الا انعكاس للظروف الطبيعية السائدة في منطقة ما، ففي المناطق التي تسود فيها حرفة الرعي جاءت القوانين لتعالج المشاكل المتعلقة بتوزيع الأراضي وأعداد الحيوانات ونوعها وتجاوزها على الأراضي المجاورة. في حين أكدت القوانين التي تسود مناطق صيد الأسماك على مشاكل السفن وأماكن الصيد والحدود الطبيعية لكل مقاطعة وأسعار الأسماك وما إلى ذلك، بمعنى آخر أن القوانين هي الاخرى تأثرت بما يفرضه الواقع الجغرافي.
ولا يخفى أن للمكان تأثيرات واسعة على نوع الجريمة ومدى انتشارها أو توزيعها الجغرافي، فالبيئة الصحراوية الخالية من السكان تساعد على ارتكاب الجريمة لصعوبة القبض على المجرمين ومحاسبتهم. والحال تنطبق على البيئة المائية ذات النباتات الكثيفة أو البيئة الجبلية ذات الطبوغرافية المعقدة. أما المناطق السهلية المحددة جغرافياً بحدود طبيعية فتقل فيها نسبة الجريمة لسهولة تتبع المجرمين وسهولة تطبيق القوانين وتشريعها.
ولا شك أن هناك ارتباط بين المهددات الأمنية والمظاهر الجغرافية، وأبرز تلك المظاهر هي الحالة المناخية السائدة وإلى ذلك أشار ابن خلدون عند مقارنته بين سكان مصر وسكان مدينة فاس المغربية، إذ أشار إلى اختلاف طبائع الناس، ويظهر أثر المناخ إما بشكل مباشر من خلال الراحة الجسمانية والفكرية للإنسان، أو بشكل غير مباشر من خلال توفر الغذاء ونوع المهنة والنشاط الاقتصادي. وقد أكد الكثير من الباحثين الغربيين أمثال كتليه وأندريه جيري على أن بعض الجرائم أكثر انتشاراً وشيوعاً في الأقاليم الجغرافية الغربية من فرنسا في حين تقل في المناطق الشمالية، وأن تلك الجرائم تزداد صيفاً وتقل شتاء، وتنخفض في المناطق السهلية وترتفع معدلاتها في المناطق الجبلية الوعرة(2).
ويتأثر نوع الجريمة هو الآخر بالواقع الجغرافي للمنطقة، فالمناخ الذي ترتفع فيه درجة الحرارة يعد من العوامل المساعدة على ارتكاب الجريمة، فبعض الدراسات أثبتت أن الجريمة في بعض محافظات العراق ترتفع في أشهر تموز وآب وهي أشهر ترتفع بها الحرارة لتصل إلى 50 درجة مئوية، ولاشك أن للارتفاع الكبير في درجة الحرارة أثره على الراحة الفسيولوجية للإنسان، وقد أثبت المختصون في هذا المجال أن ارتفاع الحرارة يجعل الإنسان أكثر تسرعاً وأكثر ميلاً للانفعال، فالشعور بالأجواء المناخية المريحة يعمل على خلق شعور بالاطمئنان والارتياح النفسي، إذ تعرف الراحة المناخية بأنها قابلية الفرد على تأدية جميع فعالياته الطبيعية في ضوء مناخ يتلاءم مع تلك الفعاليات بدون ترك أي أضرار على قابلية ذلك الفرد(3).
كما أن نوع الجرائم تختلف باختلاف فصول السنة، فحوادث المشاجرة والقتل تصل ذروتها خلال فصل الصيف، بينما تشيع حوادث السرقة صيفاً بسبب ترك الناس لمنازلهم لزيارة الاقرباء وتمضية الوقت، وتشيع جرائم التحرش خلال فصل الربيع بسبب ارتياد المتنزهات ومدن الألعاب والحدائق العامة، ومن الناحية المكانية تنتشر جرائم التهريب والمخدرات في المناطق الحدودية دون غيرها من المناطق الحبيسة، كما يختلف نوع وحجم الجريمة بحسب الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الجناة، وبحسب المهنة أيضاً، فجرائم تحرير الصك بدون رصيد على سبيل المثال تنشر بين التجار، وجرائم الدهس لدى سواق المركبات، وإن أكثر الطبقات ارتكاباً للجرائم هم الكسبة أو ذوو المهن الحرة لعدم ارتباطهم بوظيفة دائمة، فضلا عن عدم الاستقرار الوظيفي والاقتصادي, إن حجم الجريمة ونوعها ما هو إلا انعكاس للتركيب العمري والنوعي والاجتماعي، فالجرائم المسجلة من قبل الأحداث تختلف عن مثيلاتها المسجلة من قبل البالغين، كما تختلف جرائم النساء عن جرائم الرجال، إذ أن أغلب الجرائم يساهم بها الرجال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عيسى موسى الشاعر، دور ايلين سمبل في البحث الجغرافي، رسائل جغرافية، العدد (193)، الجمعية الجغرافية الكويتية، جامعة الكويت، 1996، ص20.
(2) محمد توفيق محمد، أهمية ودور الأمن الحضري في الحد من الجريمة في المدن الفلسطينية، أطروحة دكتوراه، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، فلسطين، 2007، ص33.
(3) علي حسين الشلش، المناخ والحاجة إلى تكيف الهواء في العراق، مجلة كلية الآداب، جامعة البصرة، العدد (17)، 1981، ص47.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
خدمات متعددة يقدمها قسم الشؤون الخدمية للزائرين
|
|
|