أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-11-2017
1162
التاريخ: 14-9-2019
917
التاريخ: 9-6-2022
895
التاريخ: 10-6-2022
1488
|
تفسيرات السلوك الإجرامي
تفسر الجريمة تبعاً لأسبابها وفق اتجاهات متعددة، فهناك الاتجاه الفردي الذي يؤكد على ما يملكه الشخص من خصائص وسمات قد تكون نفسية مكتسبة، أو ذات اتجاهات بايولوجية، وهذه عبارة عن أسباب نفسية تقع داخل الإنسان في منطقة العقل الباطني أو العقل اللاشعوري، ويرى بعض الباحثين أن الأسباب الذاتية هي العوامل النفسية والعقلية والعصبية التي تدفع الفرد إلى ارتكاب الجرائم، لاسيما إذا كان الفرد مصاباً بمرض عقلي أو نفسي أو عصابي(1). وهناك من يفسر الجريمة على أساس بيولوجي موروث ويفترض (شیزار لومبروزو)، رائد هذا الاتجاه، أن المجرم يتميز بتركيب جسدي يؤدي إلى تكوين شخصية إجرامية فطرية، أي أن صاحب هذه الشخصية يكون مجرماً بالولادة، وهو بهذا يشكل مرحلة وسيطة بين الإنسان والحيوان، وأن الجريمة لديه عبارة عن استعداد لا إنساني موروث. وتحاول البيئة الجيدة والعوامل الاجتماعية أن تحد من التأثيرات الوراثية للمجرم(2).
أما الاتجاه الثاني، فيحاول تفسير الجريمة من خلال الاتجاه الاجتماعي، أي ربط الجريمة بعوامل خارجية كالتنشئة الاجتماعية وتأثيرات المجتمع والعوامل الاقتصادية، وتشير بعض الدراسات إلى أن السبب في تكوين الشخصية المضادة للمجتمع أو غير السوية يرجع إلى العوامل البيئية والوسط الاجتماعي الذي يتحرك فيه الفرد، ودوره في تشكيل شخصيته ونموها، فالضغوط التي تسود البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد وأسلوب تنشئته تؤثر في تشكيل سلوكه، لذلك فإن التنشئة الاجتماعية غير السوية تخلق إحباطات لدى الفرد، كما أن المجتمع الذي يحول دون إشباع حاجات أفراده، ويفيض بأنواع الحرمان والإحباط والصراعات، يشعر فيه الفرد بقدر كبير من عدم الأمن والتنافس الشديد بين الناس وعدم المساواة، مما يساعد على نمو السلوك غير السوي والمضاد للمجتمع، وأحد مظاهر هذا السلوك يتمثل في الاعتداء على البيئة كتعبير عن رفض هذا المجتمع المحبط. ويختلف الأفراد فيما بينهم في استجابتهم للمواقف الإحباطية والضغوط البيئية التي يتعرضون لها لذلك يختلف سلوكهم العنيف، الذي قد يعبر عن نفسه في الاعتداء على البيئة، ويتراوح ما بين سلوك عنيف مدمر، وسلوك انطوائي ممزوج بعدم المبالاة والاستهزاء بالآخرين وبالمجتمع، بمعنى أنه يتدرج من أقصى درجات العنف إلى أقلها. وهذا الاختلاف يمكن إرجاعه إلى العوامل الذاتية والمعرفية، وتباين الانتماءات الاجتماعية ودرجة الوعي بالعائد من هذا السلوك. بمعنى آخر فإن المدرسة الاجتماعية تنظر إلى المجرم على أنه ليس ظاهرة فردية منعزلة، وإنما هو نتاج مجتمعه، ولمعرفة أسباب الانحراف والإجرام لابد من دراسة العلاقة بينه وبين بيئته الاجتماعية، ومن هنا يظهر دور علم الجغرافية كعلم تحليلي مساحته الرقعة المكانية بكل مكوناتها.
أما الاتجاه الحديث في تفسير الجريمة فهو الاتجاه التكاملي الذي يرى أنه لا يمكن تفسير الجريمة وفقاً لعامل واحد، بل تتشابك العوامل لتفسر السلوك الإجرامي، فمنها العوامل الداخلية المتعلقة بالفرد كالوراثة والسلالة والجنس وغير ذلك، والعوامل الخارجية المتعلقة بالبيئة الجغرافية بعناصرها المتعددة، بمعنى آخر فإن هذا الاتجاه يركز على جميع العوامل النفسية والعضوية والاجتماعية، كونها تتفاعل فيما بينها لإظهار الجريمة في إطارها المكاني المحدد (المخطط 8).
وتأسيساً على ما تقدم، فإن التحليل المكاني للجريمة لا يمكن فصله عن القوى الاجتماعية والسياسية التي تشكل جزءاً من المحتوى المكاني لاستعمال الأرض، كما أن الجرائم تكشف الواقع المحلي للمجتمع والتفاوت الاجتماعي والحرمان والبطالة وتدهور المساكن واللامساواة(3). وقد أسهمت الجغرافية في إغناء الدراسات المتعلقة بظاهرة الجريمة وبيان أسبابها وعلاقاتها المكانية وتباينها المكاني والزماني والمتغيرات ذات الصلة بالظاهرة، مما أدى إلى بزوغ بوادر لفرع جديد من الجغرافية الاجتماعية وهو جغرافية الجريمة.
لقد نشأ مصطلح جغرافية الجريمة تحت مظلة علم الإجرام الكارتوكرافي Carrographic Criminolgy، وذلك في أوربا خلال القرن التاسع عشر، ثم أدى تطور علم الإجرام الكارتوكرافي إلى ظهور مجموعة من الدراسات الإيكولوجية التي تبلورت ضمن إطارها العام في اتجاهات عدة متميزة في معالجة
الجريمة مكانياً، ومن هذه الاتجاهات المتميزة الاتجاه الذي يتعامل مع الجريمة في المحيط الحضري من مدخل مكاني تحليلي، ويعود ذلك إلى أن السلوك البشري في أغلب جوانبه ما هو الا نتيجة لتفاعل الإنسان البيئة المحيطة به(4). لذا فإن من مع الأهداف المهمة في تخطيط المدن هو توفير بيئة عمرانية واجتماعية آمنة ومطمئنة، يتوفر فيها السكن الآمن للإنسان والبعيد عن ظاهرة الجريمة، إذ أن معرفة تركيبة المدينة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية تساعد كثيراً في رسم السياسات الوقائية والعلاجية للأمراض والمشكلات الاجتماعية، ومنها مشكلة الجريمة فدراسة التركيب الاجتماعي الاقتصادي والتنظيم المكاني وانعكاساته العمرانية للمناطق السكنية أمر لا غنى عنه لفهم المدينة، والتعامل مع أبرز مشكلاتها الاجتماعية(5). وكمثال على ذلك اضطرت سلطات مدينة سنت لويس ميزوري في الولايات المتحدة الأمريكية إلى نسف مشروع (برويتايخوي) الإسكاني، بعد إخلائه من سكانه بسبب انتشار الجريمة، حيث لم تفلح معها الإجراءات الأمنية المشددة. وقد أشارت نتائج الأبحاث التي أجراها علماء النفس والاجتماع إلى أن المحرك الرئيس للجريمة في هذا الحي هو النظام التخطيطي وأسلوب توزيع الفراغات وشكل واجهاته التي اعتمدها المصمم المعماري لهذا الحي السكني، وهو ما دفع ببعض سكانه إلى امتهان حرفة الإجرام وذلك بسبب ما يهيئه لهم من فراغات تحرك نوازع الشر في النفوس(6)، الأمر الذي يؤكد أن الشكل التخطيطي للمبنى له تأثير كبير على سلوك الإنسان وشخصيته وتفاعله في نطاق حيزه المكاني، ويتعدى تأثير البيئة العمرانية إلى الصحة العقلية والنفسية للإنسان وتنمية قدراته وإبداعاته وميوله، والبيئة العمرانية من الممكن أن تولد شعوراً بالراحة والاسترخاء والمتعة وربما تؤدي دوراً سلبياً، فتنمي الشعور بالعزلة والإرهاق والضيق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إحسان محمد الحسن، علم الإجرام، مطبعة الحضارة، بغداد، 2001، ص73.
(2) S. Schafer and R. D. Krudten, (1970), Juvenile delinquency, Randow house, pp. 56-57.
(3) ديفد هربرت، جغرافيا الجريمة، ترجمة ليلى بنت صالح زعزوع، الدار العربية للعلوم، بيروت، 2001ص87.
(4) بركات النمر النهيرات، جغرافية الجريمة علم الإجرام الكارتوكرافي، دار مجدلاوي للنشر، عمان، 2000، ص19.
(5) حيدر عبد الرزاق كمونه، العلاقة بين ظاهرة التحضر والجريمة، وزارة الثقافة والاعلام، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1997.
(6) رانية محمد علي طه، التأثير المتبادل بين الواقع العمراني للمساكن والهوية الثقافية الاجتماعية للسكان، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، كلية الدراسات العليا، نابلس، 2010، ص36 نقلا عن (رمضان بلقاسم، البعد الإنساني في العمارة، ليبيا، 1990).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|