أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-6-2016
4657
التاريخ: 4-10-2017
1746
التاريخ: 22-10-2016
2062
التاريخ: 22-11-2017
2854
|
الآثار الاجتماعية للتحضر
منذ القدم والحضارات الإنسانية تحاول الحديث عن الجانب الاجتماعي للمدينة، وقد ارتبطت البدايات الأولى مع نشأة علم الاجتماع حتى ظهر فرع مستقل في منهجه وأسلوبه ومحتواه، وهو علم الاجتماع الحضري الذي يهتم بالمدينة على اعتبارها من أهم أشكال الحياة الاجتماعية، ويكاد يجمع المشتغلون بعلم الاجتماع الحضري على أن البداية الحقيقية لنشأة وتطور هذا المجال كمجال متميز للبحث والدراسة كانت على يد العالم الأمريكي روبرت بارك R. Park الذي كانت مقالته عن المدينة سنة 1915 وكان ذلك إيذانا ببدء مرحلة جديدة لهذا المجال من العلم(1)، ثم تطور علم الاجتماع الحضري ليستوعب موضوعات أخرى كعلم الاجتماع الصناعي وعلم اجتماع التدرج الطبقي وعلم الاجتماع التجاري وغيرها، وكان هذا الاتساع نتيجة طبيعية لما تعانيه المدن من مشكلات.
والمدينة ظاهرة اجتماعية بحتة وحالة من حالات تفاعل التجمعات البشرية مع بعضها. لذا تنوعت النتائج المترتبة على عملية التحضر بحسب نوع التحضر، أي هل جاء بشكل تلقائي واستمر عبر مراحل زمنية طويلة، أو أنه جاء على شكل قفزة ناتجة عن عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية؟ ويبدو أن التغير الديموغرافي هو الأهم، إذ تتزايد أعداد السكان في المدن، كما أن تراكيب السكان الاقتصادية والعمرية والنوعية تختلف الأخرى بحسب نوعية هي المهاجرين.
وتظهر التغييرات من خلال التغيرات الفكرية والايدلوجية التي تنشأ لدى السكان بفعل ازدحامات المدن وعدم توفر الخدمات وانخفاض المستوى المعاشي في ضوء فئات اجتماعية مهمشة، خاصة إذا خضعت مجتمعاتها إلى سياسات حضرية قامت على منطق التمايز والإقصاء، أو معالجة مشاكل تلك المجتمعات بسياسات ترقيعية لا تفضي إلا إلى نتائج عكسية، الأمر الذي يؤدي إلى تأجيج العنف وخلق بؤر التوتر في وسط حضري مأزوم، ومن ثم نشوء تيارات سياسية معارضة أو منادية بالإصلاح. وتظهر الآثار السياسية من خلال ارتفاع الحجم السكاني للمدن ومن ثم من الممكن إيصال الأفكار والرؤى إلى أكبر عدد ممكن من السكان، كما أن تجمع السكان في مناطق حضرية كبيرة يمهد السبيل للناخبين للمشاركة في الانتخابات ويشجعهم على تأسيس الأحزاب والحركات والتيارات.
والذي يهمنا في مجال التحضر والحضرية هو الأثر الاجتماعي المترتب، والذي يمكن ملاحظته خلال التغيرات الحاصلة في أنماط السلوك المكانية وتقاليد السكان وعاداتهم في الأماكن، فالمدينة ظاهرة اجتماعية، وهي ليست مجرد تجمعات من الناس برأي (روبرت بارك) مع ما يجعل حياتهم أمراً ممكناً، بل هي اتجاه عقلي ومجموعة من العادات والتقاليد إلى جانب تلك الاتجاهات والعواطف المتأصلة في هذه العادات والتي تنتقل عن طريق هذه التقاليد، وهي في النهاية مكان إقامة طبيعي للإنسان المتمدن، ولهذا السبب تعتبر منطقة ثقافية، تتميز بنمطها الثقافي المتميز. كما يلجأ بعض السكان المهاجرين نحو مجتمعات ثانوية داخل المدينة، أي أن هناك ميلاً للتجمع، لاسيما الذين تربطهم روابط قرابة أو جيرة سابقة. وتلعب عوامل الإغراء والتقليد Imitation دوراً مهماً في تجمع بعض المهاجرين في مناطق معينة. ويتأثر الواقع الاجتماعي أيضاً باختلاف المهنة ونمط الحياة، كما يسهم التغير التقني المتمثل بالتطور في وسائل الاتصال على سبيل المثال في تغير مورفولوجية المدينة وشكلها العام، ويتأثر المجتمع المهاجر ديموغرافياً من خلال المخفاض مستويات الخصوبة لدى المرأة بسبب اتجاهها للعمل أو استعمال وسائل تنظيم الأسرة.
مع نمو حجم المدن تقل المعرفة الشخصية للفرد بالآخرين، وبالتالي تصبح العلاقات الاجتماعية سطحية ومؤقتة، ولا يتصف إنسان المدينة بالجمود إزاء التقاليد والأعراف. وتبرز التشريعات الرسمية كوسائل للضبط الاجتماعي في المدينة لتحل محل طاعة الأعراف والتقاليد، وذلك بصفتها وسيلة أساسية لتنظيم علاقات سكان المدن مع بعضهم وتنظم حياتهم الاجتماعية والاقتصادية.
من الناحية الثقافية فإن التحضر يسهم في بلورة نمط ثقافي ودمج ثقافات معينة لم تكن موجودة في المدينة، وبالتالي ازدهار الحركة الثقافية نتيجة لتوسع المدينة ووجود وسائل مختلفة تشجع العملية الثقافية وتدفع بها إلى الأمام ومنها المنتديات والتجمعات الثقافية ووسائل الإعلام المختلفة وانعقاد الندوات والمؤتمرات وورش العمل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عبد العاطي السيد، علم الاجتماع الحضري، ج 1، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان، 2011، ص13.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|