أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-5-2022
989
التاريخ: 19-11-2020
2124
التاريخ: 21-5-2022
1332
التاريخ: 2-1-2021
2126
|
الحدود البشرية الحضارية :
يعد هذا النمط من الحدود أفضل أنواع الحدود لارتباطه بالجانب الاثنوغرافي، فهي تفصل بين الشعوب المختلفة من حيث اللغة أو الدين أو الأصول العرقية أو التاريخ المشترك. لكن ذلك لا يتوافر إلا فى عدد قليل من الدول. ويرجع ذلك إلى الاختلاط والتداخل بين الشعوب فى نطاق الحدود بحيث يصعب عمل فاصل واضح وعازل تماما بين شعبين متجاورين. كما أن تخطيط الحدود عادة يتم على أساس مصالح اقتصادية أو حربية. ولذلك فإن تخطيط الحدود على الأساس الاثنوغرافي يتطلب تخطيطا دقيقا للمواصلات والمدن ومظاهر السطح المختلفة التى تتفق والجانب الاثنوغرافي. وهناك دعاوى تطالب بأن تتفق الحدود السياسية مع الحدود البشرية المختلفة كالسلالة واللغة والدين، وهذه الدعاوى فى الواقع تعد أقرب للمنطق من تلك الدعاوى التى تربط الحدود السياسية بالظاهرات الطبيعية.
وأحيانا يتفق هذا النوع من الحدود مع الظاهرات الطبيعية، مثل الحد السياسي بين فرنسا وأسبانيا الذى يسير مع جبال البرانس التى ساعدت على اختلاف اللغة والعادات والتقاليد والجنس على جانبي الحد، نظرا لهذا الحاجز الطبيعي الذى يفصل بين الدولتين منذ وقت طويل.
ويوجد هذا النوع من الحدود فى بعض دول وسط أوربا حيث تعد اللغة وهى إحدى الصفات الحضارية أساسا فى رسم الحدود السياسية بين بعض الدول.
ومن العوامل الأساسية التى تساعد على نجاح هذا النمط من الحدود، أن يكون تخطيطها سابقا لوصول العناصر البشرية إليها، كالحدود بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية غرب البحيرات العظمى رغم التشابه فى اللغة والأصول العرقية وبيئة الوطن الأم. وقد يحدث تخطيط الحدود ثم يتم تبادل وتهجير للسكان كما حدث عند تحديد الحدود السياسية بين بولندا وتشيكوسلوفاكيا عقب الحرب العالمية الثانية، وكما حدث من تبادل للسكان بين اليونان والأتراك بعد الحرب العالمية الأولى، وكما حدث بين الهند وباكستان.
وفى الواقع قلما يكون هناك نقاء حضاري كامل حيث لابد من وجود أقليات، ولكن هذه الأقليات تقل خطورتها ويتضاءل أثرها إذا كانت الغالبية العظمى من أحد الشعوب فى جانب والغالبية العظمى للشعب الآخر فى الجانب الآخر مثل الحدود السياسية بين ألمانيا والدانمرك التى روعي فى تخطيطها أن تكون الأغلبية الألمانية فى جانب والدانمرك فى جانب آخر من الحدود، وكان هناك أقلية ألمانية فى الدانمرك وأخرى دنماركية فى ألمانيا، ويمكن زوال خطر هذه الأقليات بمضي الوقت، ولكن ذلك يحتاج لوقت طويل حتى يتم الانصهار، وإذا لم يحدث هذا الانصهار وتظل الأقلية محافظة على شخصيتها ومناوئة للدولة المضيفة فإنها تصبح خطرا عليها، ومحاولة صهرهم بالعنف تؤدى إلى الاضطرابات وعدم الاستقرار كما أشرنا إلى ذلك من قبل.
وفى الواقع إن توحيد أبناء قومية واحدة متجانسة سلاليا أو لغويا أو اقتصاديا ليس سهلا فهو لا يتم إلا بواسطة صراع سياسي وعسكري تترتب نتيجته على القوة المنتصرة، حيث يحاول المنتصر عادة ضم أبناء قوميته التى كانت خارج حدوده، وقد يتخذ من هذا السبب مبررا للاستيلاء على مزيد من الأراضي لتحقيق هذا الغرض. ولذلك قد تلجأ بعض الدول من قبيل التبرير إلى خلفية تاريخية ربما ترجع إلى قرون أو آلاف السنين. ومن هذه الأمثلة ألمانيا النازية التى طالبت بحدود قومية، فاحتلت النمسا عسكريا عام ١٩٣٨ بادعاء توحيد الأوصال، وفى نفس العام ضمت إقليم السوديت التشيكوسلوفاكي إلى أن سقطت جمهورية تشيكوسلوفاكيا فى صورة حكومتين: ألمانية فى بوهيميا وسلوفاكية موالية لألمانيا فى سلوفاكيا. هذا بالإضافة إلى ما أثير من مشكلات من قبل الحكم النازي إزاء الأقليات الألمانية فى كل من بولندا وفرنسا والدانمرك وبلجيكا والتي كانت من مبررات الحرب العالمية الثانية والمعروف أن الظاهرات البشرية متغيرة وليست ثابتة مثل الظاهرات الطبيعية، ولذلك فإن الحدود السياسية التى ترتبط بالظاهرات البشرية تعد مؤقتة.
وهناك بعض الصعوبات فى تحديد مفهوم السلالة الذى يعد من الظاهرات البشرية التى قد يعتمد عليها فى تخطيط الحدود السياسية، فالسلالة فى الواقع فى شكل حدود وقوالب جامدة لا وجود لها، فهي عبارة عن ظاهرة انتقالية لعدد من الصفات المورفولوجية والوراثية، فالعنصرية الآرية كانت تصف الآري النقي بصفات محددة مثل الشقرة وطول القامة والعيون الزرقاء، ولكن هتلر الذى كان يعد من أشد الدعاة للعنصرية الآرية لم تكن تنطبق عليه الصفات الآرية. وكذلك الحال النسبة لادعاء العنصرية اليهودية المبنية على النقاء العنصري، فإن هذا الادعاء لا يتفق مع الاختلاف الواضح فى شكل الأنف عند اليهودي الألماني بالمقارنة باليهودي الروسي أو الفرنسي أو يهودي المغرب والشرق الأوسط واليهود السود فى الولايات المتحدة الأمريكية. وما زال هذا الاختلاف قائما بين المجموعات السلالية الأخرى.
وإذا نظرنا إلى اللون كعامل مميز للتفريق بين السلالات فإنه قد يبدو التمييز واضحا بين المجموعات القوقازية والزنجية فى أفريقيا، ولكن رغم ذلك فإن هناك تداخلا بين المجموعتين فى النطاق الانتقالي بحيث يصعب الفصل بينهما فى شكل حد سياسي، ومن هنا يصعب تحديد السلالة كعامل محدد بين المجموعات البشرية وقد تكون اللغة أحسن حالا من السلالة فى التحديد، ولو أن اللغة أحيانا تتكون من لهجات مختلفة، وأحيانا تتعرض اللهجات لغزو من اللهجات المجاورة فى شكل مفردات واستخدامات لغوية مشتركة من اللغتين، كذلك التداخل بين اللغة العربية واللغة الفارسية فى العراق.
ونفس الشيء بالنسبة للأديان التى تتداخل فى بعض المناطق ويبدو ذلك بوضوح فى المشكلة القائمة بين البوسنة والهرسك والصرب وكرواتيا التى ترتبت على تفكك دولة يوغوسلافيا، وهذه المشكلة القائمة على أساس ديني بين مسلمي البوسنة والهرسك والمسيحيين من الصرب والكروات، وحتى فى إسرائيل التى قامت على أساس ديني، فقد حاولت تهجير وإخلاء الدولة من المسلمين والمسيحيين لكنها لم تستطع ذلك، وأخيرا بقيت الديانات الثلاث بشكل متداخل فى إسرائيل بحيث يصعب عليها الفصل بين هذه الديانات فى شكل حدود سياسية وبالتالي أصبح لزاما عليها التعايش فيما بينها، ومثلها فى الباكستان وفى الهند.
ومما سبق نرى أن الحدود السياسية التى تتفق مع السلالة أو اللغة أو الدين تعد لا وجود لها فى صورة حدود سياسية فاصلة فصلا دقيقا إلا فى أضيق الحدود وفى حالة توافر نطاقات انتقالية طبيعية واسعة يمكن أن يتوافر بها نوع من التجانس الحضاري سواء كان دينيا أو لغويا أو سلاليا .
ومحاولة الفصل بين المجموعات البشرية ليس جديدا فقد بدأ قديما وفى صور مختلفة، ومنها محاولة الصين إقامة سورها العظيم الذى بلغ طوله نحو ٠ ٠ ٢٥كم لكى يحمى الصين من المغول الرحل فى صحراء منغوليا، ومحاولة الرومان بناء السور الألماني من نويفيد على الضفة الشرقية لنهر الراين إلى كيلهايم على نهر الدانوب وذلك لفصل بافاريا والدولة الرومانية عن القبائل الجرمانية، كما بنى الرومان سور «هادريان» فى شمال إنجلترا بين نيو كاسل وكارليزل عام ٢٢م الذى استمر لمدة ثلاثة قرون لصد غزوات البكتس, وقد ظلت هذه الفكرة قائمة وإن تغيرت من حيث الشكل، ومنها خط ماجينو الذى أنشأه الفرنسيون لمواجهة الألمان، وخط سيجفريد الذى أنشأه الألمان فى مواجهة ماجينو عبر الراين.
ولكن رغم هذه المحاولات وضخامة هذه الأسوار ومتانتها ومحاولة حمايتها أو خطوط الدفاع العسكرية فإنها لم تستطع القيام بمهمة الحماية والفصل إلا لفترات زمنية محدودة ثم انهارت أمام خطوط الحركة البشرية المستمرة التى تصر على تجاوز العقبات التى تقف أمامها وذلك فى شكل غزو أو هجرة أو ارتباط اقتصادي أو
شكل أفكار وأنظمة حكم، كما حدث عندما قام المغول بغزو الصين وحكمها برغم السور العظيم الذى شيد ليقف أمام حركتهم نحو الصين، كما اجتاحت القبائل الجرمانية الأسوار التى شيدها الرومان وحتى العوائق الطبيعية مثل جبال الألب أو نهر الراين لم تقف أمام تقدمهم، كما هزم الألمان فرنسا رغم وجود خط ماجينو، وهزم الحلفاء ألمانيا رغم خط سيجفريد. وقد ترتب على هذا تغيرات إثنوغرافية عميقة وخصوصا فى المناطق الحدية وبذلك لم تعد لهذه الفواصل الأهمية التى أنشئت من أجلها.
ونظرة إلى خريطة تطور الحدود السياسية فى أوربا خلال الفترة من ١٩١٤ -١٩٤٥ (قبل الحرب العالمية الأولى وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية) يبدو لنا بوضوح ما طرأ على الحدود السياسية من تغيير وكل ذلك كان له أثره على التكوين الاثنوغرافي لشعوب هذه الدول لدرجة أنه أصبح من الصعب جدا فى الوقت الحاضر أن يعاد تخطيط الحدود السياسية على أساس اثنوغرافي.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|