أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-10-2014
1051
التاريخ: 3-07-2015
1130
التاريخ: 31-3-2018
751
التاريخ: 3-07-2015
1000
|
(الابتعاد عن التشبيه و المقايسة أَساس معرفة صفاته سبحانه):
إِعتاد الإِنسان الساكن بين جدران الزمان و المكان أنْ يتعرف على
الأشياء مقيّدة بالزمان و المكان ، موصوفة بالتحيز و التقسم ، متسمة بالكيف والكم
، إلى غير ذلك من لوازم المادة و مواصفات الجسمانية.
إِنَّ مزاولة الإِنسان للحس و المحسوس مدى حياته بالمادة، على المادة
و إِخلاده إلى الأرض، عوّده على تمثيل كل ما يتعجله، بصورة الأَمر الحسي حتى فيما
لا طريق للحس و الخيال إلى حقيقته كالكليات و الحقائق المنزهة عن المادة. و يؤيّده
في ذلك أنَّ الإِنسان إِنَّما يصل إلى المعقولات و الكليات من طريق الإِحساس و
التخيل فهو أنيسُ الحسّ و أليفُ الخيال (1).
و كأَنَّ البشرَ جُبلوا على المعرفة على أَساس المقايسة و التشبيه
فلا يمكنهم أَنْ يجرّدوا أَنفسهم من ذلك إِلاَّ بالرياضة و التمرين. فقد قضت
العادة الملازمة للإِنسان أعني أُنْسَهُ بالمادة ، و اعتيادَه على معرفة كل شيء في
الإِطار المادي ، أَنْ يصوِّر لربّه صُوَراً خيالية على حسب ما يألفُه من الأُمور
المادَّية الحسية. و قلَّ أَنْ يتفقَ لإِنسان أَنْ يتوجه إلى ساحة العزَّة و
الكبرياء ، و نفسه خالية عن هذه المحاكاة بين التشبيه و التعطيل على ذلك الأَساس
افترق الإِلهيون إلى مشبهة تشبه ربَّها بإِنسان له لحم ، ودم ، و شعر ، وعظم ، و
له جوارح و أعضاء حقيقيّة من يد، ورجل ، و رأْس ، و عينين ، مصمت ، له وفرة سوداء
، و شعر قطط. يجوز عليه الانتقال و المصافح (2).
فهؤلاء تورَّطوا في مغبة التجسيم و مهلكة التشبيه. و إنكارُ بارئ
بهذه الأَوصاف المادية المُنْكَرَة أَولى من إثباته رباً للعالم ، لأَن الاعتقاد
بالبارئ على هذه الصفات يجعل الأُلوهيَّة و الدعوة إليها أَمراً مُنْكَراً تتنفر
منه العقول و الأَفكار المنيرة.
فإِذا كانت تلك الطائفة متهورة في تشبيهها و مفرطة في تجسيمها ،
فإِنّا نَجِدُ في مقابلها طائفةً أخرى أَرادت التحرز عن وصمة التشبيه و عار
التجسيم فوقعت في إِسارة التعطيل ، فحكمت بتعطيل العقول عن معرفته سبحانه و معرفة
صفاته و أفعاله ، قائلة بأنه ليس لأحد الحكم على المبدأ الأَعلى بشيء من الأحكام ،
و ليس إلى معرفته من سبيل إلاّ بقراءة ما ورد في الكتاب و السنة ، فقالت : إنَّ
النجاة كل النجاة في الاعتراف بكل ما ورد في الشرع الشريف من دون بحث و نقاش ومن
دون جدل و تفتيش. فهذا « مالك » عندما سئل عن معنى قوله سبحانه : { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}
[الأعراف: 54] ، قال : الاستواء معلوم ،
والكيف مجهول ، و الإِيمان به واجب ، و السؤال عنه بدعة (3).
و قد نُقل عن سفيان بن عينة أنَّه قال : « كل ما وصف الله به نفسه في
كتابه فتفسيره تلاوته و السكوت عليه » (4).
ولكن هناك طائفة ثالثة ترى أَنَّ من الممكن التعرف على صفاته سبحانه
من طريق التدبر و ترتيب الأَقيسة المنطقية و تنظيم الحجج العقلية على ضوء ما أَفاض
الله سبحانه على عباده من نعمة العقل و الفكر ، بشرط أنْ يكون الباحث محايداً ،
منحازاً عن أَيَّ رأْي مسبق ، و أَن يكون في بحثه و نقاشه مخلصاً للحق غير مبتغ
إِلاَّ إِياه.
وحجتهم في ذلك أَنَّ الله سبحانه ما نص على أَسمائه و صفاته في كتابه
وسنة نبيه إلاّ لكي يتدبر فيها الإِنسان بعقله و فكره في حدود الممكن و المستطاع متجنبا
إِفراط المشبهة و تفريط المعطلة. فهذا أمر يَدْعُو إِليه العقل و الكتاب العزيز و
السنَّة الصحيحة.
و هناك كلمة قيمة للإِمام علي ( عليه السَّلام ) تدعو إلى ذلك الطريق
الوسط ، قال ( عليه السَّلام ) : « لم يُطْلِع العقولَ على تحديد صفته ، و لم
يحجُبْها عن واجب معرفته » (5). و العبارة تهدف إلى أَنَّ
العقول و إِنْ كانت غير مأْذونة في تحديد الصفات الإِلهية لكنها غير محجوبة عن
التعرف حسب ما يمكن ، كيف و قد قال سبحانه : {وَمَا خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]. والعبادة الصحيحة و
الكاملة لا تتيسّر إِلاّ بعد أَنْ تتحقق المعرفة المستطاع بالمعبود.
و يكفي في تعيّن هذا الطريق ما ورد في أَوائل سورة الحديد من الآيات
الستّ و نذكرها تبركاً و هي قوله سبحانه : {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *هُوَ
الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ *
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ
اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ
مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ
أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ * يُولِجُ
اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ
بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الحديد: 1 - 6]
و هل يظن عاقل أنَّ الآيات الواردة في آخر سورة الحشر إنما أَنزلها
الله تعالى لمجرد القراءة و التلاوة ، و هي قوله سبحانه : {هُوَ اللَّهُ
الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ
الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ
الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ
الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [الحشر: 22 - 24]. و مع
ذلك فما معنى التدبر في الآيات القرآنية؟.
و بذلك تقف على مدى و هن ما أُثِر عن بعض علماء السلف حيث يقول : «
إِنما أُعطينا العقل لإِقامة العبودية لا لإِدراك الربوبية فمن شغل ما أُعْطِيَ
لإِقامةِ العبودية بإِدراك الربوبية فاتته العبودية ولم يدرك الرّبوبية » (6).
إِنَّ إِقامة العبودية الكاملة رهن معرفة المعبود بما في إمكان
العبد. و إِلاّ فإِنَّ العالم بجميع ذراته يسبّح الله سبحانه و يحمده و يقيم
العبودية له بما أُعْطِيَ من الشعور و الإِدراك المناسب لوجوده، قال سبحانه : {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ
إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [الإسراء:
44]. فلو كانت وظيفةُ الإِنسان إقامة العبودية مجرداً عن المعرفة التفصيلية
للمعبود ، تكون عبوديته أَشبه بعبودية سائر الموجودات بل أنزل منها بكثير ، إذ في
وسع الإِنسان معرفة معبوده تفصيلا بمقدار ما أُعْطِيَ من المقدرة الفكرية التي لم
يُعطها غيره.
فإِنّْ أُريد من إِدراك الربوبية إِدراك كنه الذات فهو أَمر محال ، و
لم يدَّعِه أَحد. و إِنْ أُريد معرفته أَسمائه و صفاته و أَفعاله حسب المقدرة
الإِنسانية في ضوء الأقيسة المنطقية و الكتاب و السنَّة الصحيحة القطعية فهذه
وظيفة العقل.
و جميعنا نرى أَنَّه سبحانه يذم المشركين الذين لم يَعْرِفوه حق
معرفته بما في وسع الإِنسان ـ إِذ يقول سبحانه : {مَا قَدَرُوا
اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحج: 74].
و باختصار : لو كان الهدف هو معرفة كنه الذات الإِلهية و حقيقة الصفات
والأَسماء ، كان ترك البحث متّجهاً ، و أَمَّا إِذا كان المقصود هو التعرف على ما
هناك من الجمال و الكمال و نفي ما ربما يتصور في الذَّات الإِلهية من النقص و
العجز ، فلا شك أَنَّ للعقل أنْ يطرق هذا المجال ، و في مقدوره أنْ يصل إِليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الميزان ، ج 10 ، ص 273.
2 ـ الملل و النحل ، ج 1 ، ص 104.
3 ـ الملل و النحل ، ج 1 ، ص 93.
4ـ الرسائل الكبرى لابن تيمية ، ج 1 ، ص 32.
5 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 39.
6 ـ الحجة في بيان المحجة ، كما في « علاقة الاثبات و التفويض » ، ص
33.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|