المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4870 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

الأساس القانوني للغرامة الضريبية
14-8-2022
Consonants Rhoticity
2024-06-11
نتائج بعض التجارب في مجال تلقيح الزيتون
2024-01-14
الانفعالات النفسية عند المراهق
6-12-2021
Tutte Polynomial
20-4-2022
تخزين الإجاص
2024-05-14


الكلام النفسي  
  
3699   04:53 مساءاً   التاريخ: 5-08-2015
المؤلف : محمّد آصف المحسني
الكتاب أو المصدر : صراط الحق في المعارف الإسلامية والأُصول الاعتقادية
الجزء والصفحة : ج1- ص244-250
القسم : العقائد الاسلامية / التوحيد / صفات الله تعالى / الصفات الثبوتية / التكلم و الصدق /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-12-2018 631
التاريخ: 25-10-2014 760
التاريخ: 5-08-2015 3700
التاريخ: 25-10-2014 862

 إنّ كلامه [الله] هو الحروف المسموعة ، وتكلّمه إيجادها مثل كلامنا وتكلّمنا ، وهذا هو مذهب الإمامية ووافقهم عليه المعتزلة ، وأمّا الأشاعرة فلا أدري أنّهم يتبعوننا في ذلك بأسرهم أم لا ؟ غير أنّ المصرّح به في كلام جماعة منهم (1) ، هو الأَوّل وقبول أنّ كلامه اللفظي حادث غير قائم به ، إلاّ أنّهم أثبتوا معنى آخر للكلام ، وسمّوه بالكلام النفسي (2) .

أقول : الكلام تارةً في تصوّره ، وأُخرى في تصديقه ، فللبحث جهتان :

 

أمّا الجهة الأُولى :

فقد قال جمع من أعلامنا : إنّه غير معقول في نفسه ، لكنّ الأشعرية أصرّت على تصويره ، ففي المواقف وشرحها (3) : وهو المعنى القائم بالنفس الذي يعبّر عنه بالألفاظ ، ونقول هو الكلام حقيقةً ، وهو قديم قائم بذاته تعالى ، ونزعم أنّه غير العبارات ؛ إذ تختلف العبارات بالأزمنة والأمكنة والأقوام ، ولا يختلف ذلك المعنى النفسي ، بل يدلّ عليه بالإشارة والكتابة كما يدلّ عليه بالعبارة ، والطلب الذي هو معنىً قائم بالنفس واحد لا يتغيّر مع تغيّر العبارات ، وغير المتغيّر غير المتغيّر، وهو غير العلم ؛ إذ قد يخبر الرجل عمّا لا يعلمه ، بل يعلم خلافه أو يشك فيه ، وغير الإرادة ؛ لأنّه قد يأمر الرجل بما لا يريده كالمختبِر . وأمّا قِدمه؛ فلامتناع حلول الحوادث في الواجب ... وهو واحد (4) وانقسامه إلى الأمر والنهي والاستفهام والخبر والنداء بحسب التعلّق ، فذلك الكلام الواحد باعتبار تعلّقه بشيء على وجه مخصوص يكون خبراً ، وباعتبار تعلّقه بشيء آخر ... يكون أمراً ، وكذا الحال في البواقي .

وقيل : كلامه خمسة . وقال ابن سعيد من الأشاعرة : هو في الأزل واحد ، وليس متّصفاً بشيء من تلك الخمسة ، وإنّما يصير فيما لا يزال .

أقول : كلّ ذلك لا يرجع إلى معنى معقول :

أمّا أَوّلاً : فدعوى أنّه الكلام حقيقةً دعوى كاذبة ؛ فإنّ الكلام حقيقةً هو الحروف المسموعة كما مرّ ؛ ولذا اعترف ابن روزبهان أنّ هذا المعنى ممّا لا يفهمه العرف .

وأمّا ثانياً : فلأنّهم لم يعلموا الفرق بين التصوّر والتصديق ، وإلاّ لم يدّعوا تغايره مع العلم، فإنّ الإخبار ـ ولو عن شيء مقطوع العدم ـ أمر اختياري لابدّ له من تصوّر وعلم ، ولا مانع من أن يتصوّر المخبِر ما يذعن بعدمه ثمّ يخبر عن وجوده ، فالعلم التصوري موجود، ولعمري إنّ أكثر ما قالوه في معناه لا يخرج عن معنى العلم أصلاً ، فهذا المعنى هو الوجود الذهني ولو كان تصوراً لا تصديقاً .

وأمّا ثالثاً : فكما أنّه لا إرادة حقيقةً في فرض الاختيار ، ولا طلب جدياً أيضاً ، بل الموجود هو الطلب الصوري وفيه تأمّل .

وأمّا رابعاً : فلِما ذكره بعض الأشاعرة (5) بأنّ قوله تعالى {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [الأنعام: 72] مع قوله : {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا } [الإسراء: 32] متباينان لفظاً ومعنىً تباين زيد مع عمر ، فالقول باتّحادهما في الأزل قول باتّحاد الآيتين ، وهو ضروري البطلان .

وأمّا خامساً : فلأجل أنّ الالتزام بكون الكلام النفسي المذكر مدلولاً للكلام اللفظي ، التزام بأنّه أمر ونهي ، وخبر واستفهام ، وتمنٍ وترجٍّ ، وتعجّب وقَسَم ونداء ، فإنّ الكلام اللفظي ليس إلاّ أحد هذه الأمور ، ومن البديهي عدم تعقّل معنى آخر له وراء هذه المعاني ، فإذا صحّ ذلك فيلزمهم الالتزام بكذبه تعالى وسفهه ، تعالى الله عمّا يقول الظالمون الجاهلون علواً كبيراً ؛ وذلك لأنّه أخبر بقوله : {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [نوح: 1]، وهكذا أخبر عن وقوع جملةً كثيرة من الأُمور ، والحال أنّ وقوعها غير ثابت في الأزل .

والكلام النفسي عندهم قديم ، وأيضاً أنّه أمر بأُمور ونهى عن أُمور وحكى أشياء ، والحال أنّه لا مكلّف ولا مخاطَب في الأزل ، وقطعية بطلان التالي يكشف عن قطعية بطلان المقدّم .

وأمّا إنكار اتّصافه بهذه الأنواع في الأزل مع كونه مدلولاً للفظ ، فهو عسير جداً ، كما اعترف به القوشجي ، بل هو غير معقول أصلاً .

وأمّا سادساً : فلوقوع النسخ اتّفاقاً ، وهو غير راجع إلى اللفظ فقط ، بل إلى المعنى قطعاً، فلو كان الكلام قديماً لَما وقع النسخ ، الذي هو بمعنى الدفع حقيقةً ، والرفع صورةً ؛ وذلك لِما تسالم عليه الجميع من أنّ ما ثبت قِدمه امتنع رفعه ، بل لزم أبديته وهذا ظاهر .

ثمّ إنّ صحّة هذه القاعدة المتسالم عليها بإطلاقها وإن كانت غير ثابتة عندي  ... إلاّ أنّها في غير الأفعال الاختيارية ممّا لا شكّ فيه ، والكلام النفسي من الصفات دون الأفعال .

قاله القوشجي في تصوير هذا الكلام النفسي (6) .

أقول : المعنى النفسي الذي يدّعون أنّه قائم بنفس المتكلم ، ومغاير للعلم في صورة الإخبار عمّا لا يعلمه ، هو إدراك مدلول الخبر ، أعني حصوله في الذهن مطلقاً .

أقول : هل الإدراك المذكور إلاّ العلم التصوّري فأين المغايرة ؟ ولعمري إنّ هذا غير خافٍ على المبتدئين .

قال ابن روزبهان (7) في تصويره : ليراجع الشخص إلى نفسه إنّه إذا أراد التكلّم بالكلام ، فهل يفهم من ذاته أنّه يزوّر ـ يقوّم ويحسّن ـ ويرتّب معانٍ فيعزم على التكلّم بها ... ويقول في نفسه : سأتكلّم بهذا ... فهذا هو الكلام النفسي .

أقول : وبمثله أجاب عن لزوم السفه والكذب ... ولكنّه ما التفت إلى أنّ ما ذكره ليس إلاّ تصوّر المعاني ، وتصوّر ترتيبها والتصديق بحسنه ، فيدخل في العلم الذي يتخيّل تغايره معه ، فلا دافع عن لزوم السفه والكذب أصلاً .

وقيل : إنّه ألفاظ متخيّلته .

أقول : وهذا أيضاً راجع إلى التصوّر كما هو ظاهر ، مع أنّ هذه التلفيقات لا تتمّ إلاّ بقياس الغائب على الشاهد الباطل اتّفاقاً . ثمّ إنّ الكلام وإن دلّ على التصوّر والتصديق ، لكنّها دلالة عقلية كدلالة كلّ فعل اختياري على مقدّماته ، فالأقوال والأفعال من هذه الجهة سواء ، فليست بوضعية فضلاً عن كونها لفظيةً .

 

تعقيب وتحقيق:

الذي يظهر من هؤلاء الناس أنّ معنى الأمر والنهي هو الطلب ـ أي طلب الفعل وطلب الترك ـ القائم بالنفس المغاير للإرادة .

وأمّا الأخبار فقال القوشجي (8) : والأشاعرة يدّعون أنّ نسبة أحد طرفي الخبر قائمة بنفس المتكلم ومغايرة للعلم ... إلخ فيكون معنى الإخبار عندهم هو هذه النسبة .

أقول : أمّا الطلب فهو عندي وعند جملة من أصحابنا الأُصوليين المتأخرين مغاير للإرادة ، كما أشرنا إليه في أَوّل الفريدة الثانية ، فإنّ الإرادة بمعنى القصد ومن النفسيات .

وأمّا الطلب فهو بمعنى السعي نحو الشيء ؛ ولذا يقال لمَن عزم على تحصيل العلم ولكنّه لم يحصّله بعد : إنّه مريد للعلم ، ولا يقال : إنّه طالب ؛ إذ هو ما طلبه بعد فهو من الأفعال ، ومنه ينقدح أنّه ليس قائماً بنفس المتكلّم ، فإنّه فعل لا صفة .

فالذي يدلّ على أنّه غير الإرادة خلافاً لجمع من أصحابنا والمعتزلة ، هو الذي يدلّ على أنّه غير قائم بالنفس ، فلا يكون معنىً للكلام النفسي في الأمر والنهي .

وأيضاً الأمر والنهي بنفسهما مصدقان للطلب ، لا أنّهما وضعا لمعنى الطلب وهو موضوع له لهما .

وأمّا الإخبار فالمنسوب إلى العدلية (9) ، أنّه دال على ثبوت النسبة وعدمها ، نعم خالف فيه بعضهم منهم سيدنا الأُستاذ المحقّق ـ دام ظله ـ فذهب إلى أنّ معناه أمر آخر قرّرناه مع جوابه في أُصول الفقه ، فحينئذٍ يتّحد المذهبان ـ أي : مذهب جمهور العدلية ومذهب الأشعرية ـ في ذلك مع أنّ النزاع بينهما قائم أشد قيام ، وإلى هذا يُنظر ما حكي عن المحقّق الرشتي قدّس سره في بدائعه ، من أنّ الالتزام بالنسبة الحكمية التزام بالكلام النفسي .

أقول : والتحقيق عدم الاتّحاد ؛ وذلك لأنّ لفظ النسبة يطلق على معنيين :

أحدهما : الصفة الموجودة النفسية في قبال سائر الصفات النفسانية ، وهذه هي مراد الأشعرين ، ويجعلونها الكلام النفسي في الأخبار ، ويزعمون قِدمها في الواجب .

ثانيهما : الأمر الاعتباري المحض ، الملحوظ للعقل بين المحمول والموضوع ، الساري في الممتنعات وبين الشيء ونفسه ولوازمه ، مثل : اجتماع الضدّين محال ، زيد زيد ، الإنسان ممكن ، والنسبة الوجودية غير معقولة في هذه الموارد ، وقيام هذه النسبة الاعتبارية في النفس على حدّ قيام سائر الأُمور الاعتبارية ، مثل الملكية ، والزوجية ، والأُمور الإضافية ، مثل الفوقية ، والتحتية ونحوها.

وإن شئت فقل : إنّ النسبة الأُولى قائمة بالنفس قياماً عينياً ، على حذو قيام العلم والشوق والتمنّي، والثانية قائمة بها قياماً علمياً ، مثل قيام الموجودات الخارجية بالنفس ، فإنّه بصورها لا بأعيانها ؛ ولذا يقول الأصحاب ومَن تبعهم بصحّة الثانية وبطلان الأُولى ، وأنّها غير معقولة، وما قالوه حقّ لمَن أنصف من نفسه ، ولم يكابر وجدانه ؛ تحفّظاً على تقليده مذهب أبائه وأشياخه !

فتحصّل : أنّ كلامه تعالى هو إيجاده الألفاظ المترتّبة ، المسموعة ، الدالة على معانيها ، المنقسمة تقسيماً ذاتياً إلى الإخبار والإنشاء الطلبي وغير الطلبي ، وليس هنا معنى آخر غير الصفات المشهورة من العلم والإرادة ونحوهما ، يسمّى كلاماً نفسياً كما تخيّله هؤلاء .

وكلامه تعالى هذا حادث متكثّر مثل تكثّر بقية أفعاله ، كالرزق والخلق ، والإحياء والإماتة ، ونحوها ، كل ذلك ظاهر لا سترة عليه .

ثمّ إنّ للعضدي توهّماً آخر أضعف ممّا مرّ ، نقله الجرجاني في شرح كتابه المواقف في هذا المقام ، وقد اعترف التفتازاني في شرح العقائد النفسية ، والقوشجي في شرح التجريد ، بخروجه عن التعقّل وطور العقل ، فلا نطيل الكلام بنقله وردّه .

ثمّ للأحسائي حديث آخر حول الكلام النفسي ، في شرحه على عرشية الحكيم الشهير الشيرازي، ولا بأس بنقل كلامه وكلام الماتن مختصراً .

قال الماتن (10) : الكلام ليس كما قالته الأشاعرة : صفةً نفسية ومعاني قديمة قائمة بذاته ... لأنّه غير معقول ، وإلاّ لكان علماً لا كلاماً ، وليس عبارةً عن مجرّد خلق الأصوات والحروف الدالة على المعاني ، وإلاّ لكان كلّ كلام الله ، ولا يفيد التقييد بكونه على قصد إعلام الغير من قِبل الله ، أو على قصد الإلقاء من قِبله ؛ إذ الكل من عنده ، ولو أُريد بلا واسطة فهو غير جائز أيضاً ، وإلاّ لم يكن أصواتاً وحروفاً ، بل هو عبارة عن إنشاء كلمات تامّات ... إلخ .

قال الشارح ، ذكر الكلام بعد العلم لجعله إيّاه من الصفات الذاتية ، والمستفاد من فحوى كلامه وكلام أتباعه ـ مثل الملا محسن ـ أنّه قديم ... لأنّه بعض الشؤون الذاتية ... وقد صرّح الملا محسن في كتابه أنوار الحكمة ، والتكلّم فينا مَلَكة قائمة بذواتنا ... وفيه سبحانه عين ذاته ... قوله : ( ليس كما قالته الأشاعرة ) أصحاب علي بن إسماعيل بن أبي بشير أبي الحسن الأشعري ... وكان على طريقة المعتزلة يقول بحدوث القرآن ، ثم خطب وهو قاضٍ بالبصرة ، وعدل إلى مذهب محمد بن عبد الوهاب القطّان ...

أقول : الذي ظهر لي أنّ الأشاعرة أشاروا إلى معنى لو كان ذلك في حق الحادث لكان صحيحاً، ولكنّ بطلان قولهم لا من حيث إنّه غير معقول ، بل هو معقول معروف ، إلاّ أنّهم عجزوا عن التعبير في بيان ما أرادوا  بعبارة تدلّ على مطلوبهم ، فلمّا نظر مخالفوهم إلى المفهوم من خصوص تعبيرهم عنه ، وجدوا شيئاً لا يعرف العقل استقامته... والعبارة الدالة على مرادهم : هو أنّ النفس لها كلام مثل كلام اللسان بحروف وأصوات إلاّ أنّها نفسية ، فالنفس تخاطب مثال غيرها ، وتأمره ، وتنهاه ، وتطلب منه ، وكذلك ، مثالها وهو قولهم : مثل حديث النفس ؛ لأنّ النفس قد تحدّث نفسها ، وتحدّث غيرها بكلام مشتمل على كلمات لفظية ، وحروف صوتية ، مثل الكلام المسموع بالأذان ، إلاّ أنّه نفسي لا جسماني . هذا كلامهما .

أقول : أمّا قول الماتن ( وإلاّ لكان كلّ كلام الله ) فهو مبني على كون أفعال المخلوق أفعال الله ، أي على الجبر الباطل عندنا وعند متابعينا من المعتزلة .

وأمّا قوله : ( وإلاّ لم يكن أصواتاً وحروفاً ) ، فهو مبني على أنّ الصادر عن الله تعالى بلا واسطة أمر مجرّد ...

وأمّا جعله إيّاه من الصفات الذاتية ، فهو أضعف بناءً على إرادة ما أرادته الشريعة الإسلامية من هذه الكلمة ، وإلاّ فلكل أحد الاصطلاح بكل ما أراد !

وأمّا ما أتى به الشارح الأحسائي ، وزعم عجز الطرفين عن فهمه ، فهو شيء عجيب ، فإنّه ليس إلاّ تصوّر الألفاظ لا غير ، وكلامه بطوله وما أصرّ عليه من أنّه غير العلم خبط وغلط ، فلا نطوّل المقام به ، فاستقم ولا تكن من ذوي الاعوجاج .

وأمّا الجهة الثانية:

ففي بيان أدلتهم على ذلك المرام الخيالي وهي وجوه :

1 ـ إنّ الكلام صفة له ، وكل ما هو صفة له فهو قديم ، فكلامه قديم .

أقول : وهذا منهم عجيب ، فإنّ الكلام ليس بصفة ، بل هو يضاف إلى الله فيقال : كلام الله ، ولا يقال : الله كلام ، كما يقال : زيد مخلوق الله ، ولا يقال : الله زيد المخلوق ، فالكلام الذي هو مؤلّف من الحروف والأصوات مخلوقه لا وصفه ، وما يتّصف به هو التكلّم فيقال : الله متكلم ، أي ثبت له التكلّم ، وهذا ظاهر للمبتدئين ، فلو تمّت الكبرى لكانت النتيجة هي قِدم التكلّم ، الذي هو إيجاد الحروف المذكورة لا نفس الكلام ؛ ليحتاج حينئذ إلى الكلام النفسي ، فافهم .

وأمّا الكبرى ، فإن أُريد بالصفة المذكورة فيها مطلق ما يتّصف به الله سبحانه فهي باطلة ؛ إذ صفاته الفعلية كلها حادثة ، كما تقول : الله رازق ، خالق ، رحيم ، مميت ، معطي ، مثيب ، ومعاقِب ، إلى غير ذلك ، وإنّما القديم صفاته الذاتية .

وإن أُريد بها الصفة الذاتية فالأوسط غير متكرّر ؛ فإنّ التكلّم في الصغرى صفة فعلية وهذا واضح .

وإن شئت فقل على سبيل النقض : إنّ الله كما يتّصف بالكلام النفسي على زعمهم ، يتّصف بالكلام اللفظي باعترافهم ، فلابدّ لهم من القول بقِدم اللفظي بعين هذا الوجه ! فهذا التلفيق فاسد جداً .

2 ـ كلّ متكلّم يرتّب الكلام في نفسه قبل التلفّظ به ، واللفظ كاشف عن الكلام النفسي المذكور ، كما قال الأخطل :

             

              إنّ الكلام لفي الفؤادِ وإنّما   ***    جُعل اللسانُ على الفؤادِ دليلاً

 

وفيه : أنّ الكلام النفسي بهذا المعنى تصور الألفاظ لا غير ، ولا نمنع عن إطلاق الكلام عليه غير أنّه عين العلم ، ودلالة اللفظ عليه ليست بلفظية ، بل هي عقلية كما في الأفعال على ما قلنا سابقاً .

3 ـ إنّ إطلاق الكلام على الموجود الذهني صحيح بلا عناية فيقال : في نفسي كلام ، وفي التنزيل { وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الملك: 13].

أقول : وهذا كما يقال : في نفسي أن أُسافر غداً ، وفي نفسي صوم الجمعة ، وهكذا ، فهل للصوم والمسافرة مسافرة نفسية وصوم نفسي حتى يكون للكلام كلام نفسي ؟

4 ـ إطلاق المتكلّم على الواجب صحيح ، ومعناه مَن قام به الكلام لا مَن أوجده ؛ ولذا لا يقال : الذائق على مَن أوجد الذائقة ، ولا المتحرّك إلاّ لمَن قام به الحركة ، والقائم به تعالى لا يكون إلاّ قديماً .

أقول ... إنّ قيام المبادئ بذويها على أنحاء مختلفة ، وأنّه ليس بحلولي دائماً ، فهذا الإشكال صدر عن غفلة وجهالة بأنحاء القيام ، وإلاّ فيرد عليه استلزامه قِدم الرزق والخلق وغيرهما ، كما هو واضح .

وفي خاتمة البحث نقول : الدليل على إثبات أصل هذه الصفة للواجب ، هو إجماع الأنبياء وتواتر أخبارهم ، بأنّ الله أمر بكذا ونهى عن كذا ، والأمر والنهي من أقسام الكلام كما قالوا ، والثاني القرآن العزيز ، وكلاهما يدلّ على الكلام اللفظي دون النفسي ، فلا ملزم بل لا مجوّز لهم أن يعتقدوا بالكلام النفسي القائم بذاته بعد قبولهم الكلام اللفظي ، فتأمّل جيداً .

__________________________

 

(1) لاحظ شرح المواقف وحواشيه ، وشرح القوشجي وكلام ابن روزبهان .

(2) قال الأحسائي في شرح المشاعر : إنّ هذا قول الأشعري ومتابعيه تبعاً لمحمد بن عبد الوهاب القطّان .

أقول : وعن بعض العامّة نقلاً عن بعض العلماء ، إنّه ما تلفّظ بالكلام النفسي أحد إلاّ في أثناء المِئة الثالثة ، ولم يكن قبل ذلك في لسان أحد . لاحظ إحقاق الحق 1 / 222.

وفي حاشيته لبعض المتتبعين : قيل: إنّ أَوّل مَن تفوّه به أبو محمد عبد الله المتكلّم البغدادي من أهل القرن الثالث .

(3) شرح المواقف 3 / 77.

(4) شرح المواقف 3 / 83.

(5) حاشية شرح المواقف 3 / 82.

(6) شرح التجريد / 277.

(7) إحقاق الحق 1 / 204.

(8) شرح التجريد / 276.

(9) كفاية الأُصول 1 / 98.

(10) شرح العرشية / 67.

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.