أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-10-2014
1066
التاريخ: 4-08-2015
1118
التاريخ: 29-11-2018
1047
التاريخ: 29-3-2018
912
|
وهو ما قد علمنا من تشكّل الأجسام التي نشاهدها على أشكالها المختلفة، وكذلك الأجسام الغائبة عنّا وإن لم نشاهدها فإنّها متشكّلة بأشكال، وذلك لأنّ الدّلالة قد دلّت على انّها متناهية الأقطار والمتناهى الأقطار لا بدّ من أن يكون له شكل، فإذا هي أيضا متشكّلة بأشكال.
والأشكال قد علمنا أنّها تنقسم، إلى شكل يقع اتّفاقا من غير أن قصد إلى تحصيله كالحجر الذي يقلعه الواحد منّا من جبل، فإنّه لا بدّ من أن يكون له شكل، وذلك الشكل غير مقصود إليه. وكذلك من أذاب صفرا أو رصاصا وصبّه على الأرض، فإنّه لا بدّ من أن يتشكّل بشكل ولكنّه أيضا غير مقصود إليه وإلى شكل ما حصل اتّفاقا، وإنّما قصد إلى تحصيله فاعل حكيم، ليحصل به غرض هو منوط بذلك التشكيل، ولا يتوصّل إليه إلّا به أو نظيره.
وذلك كأدوات الصنّاع، من المنشار الذي يصلح القطع الخشب، والقدوم الذي يصلح للنحت، والمثقب الذي يصلح للتثقيب. وكذلك القول في أدوات سائر الصنّاع. ومعلوم أنّ هذه آلات وأدوات تشكلت بهذه التشكّلات ليتوصّل بها إلى هذه الأغراض المخصوصة، وليست هي من القسم الأوّل الذي هو اتّفاقيّ.
إذا ثبت هذا فتعال حتّى نتحاكم إلى قاضي العقل، فنقول: إنّ آلاتنا وأعضاءنا، من الأرجل والأيدي والأسنان وغير ذلك، أ هي من القسم الأوّل أو من القسم الثاني؟ ومن المعلوم أنّه ليس من القسم الأوّل، وإنّما هو من القسم الثاني. أ لا ترى أنّ اليد وما فيها من العظام والأعصاب والعروق وانقسام طرفها إلى خمسة أقسام هي الأصابع وتركيب أربع منها في صف واحد، وجعل الإبهام بإزاء الأربع، ليمكن إعانة كلّ واحد من الأربع به، وصلاحيته للقبض وإيقاع الأفعال المحكمة بها، كالكتابة والصّياغة وغير ذلك التي علم أنّها لا تتمّ إلّا باليد. وكالرجل وما فيها من العظام والمفاصل وانبساط القدم على الأرض الّذي به يتمكّن من القيام على الأرض ومن المشي، وكالأسنان وما فيها من القواطع والطّواحن، وكالعين وما فيها من الطّبقات السّبع، على ما شرحه الأطبّاء في تشريحاتهم. وكذلك القول في أعضاء سائر الحيوان. لا أظنّ أنّه يستريب عاقل في أنّ مثل هذه الآلات على أشكالها لا يكون إلّا من فعل صانع حكيم عالم. فهذا دليل قاطع على إثبات حكيم صانع.
دليل آخر على إثبات الصانع تبارك وتعالى وعلى أنّه ليس بجسم :
هذا ما قد علمنا أنّ هذه الأجسام مع تماثلها واشتراكها في الجسميّة والتحيّز افترقت في صفاتها، فكان البعض منها أرضا والبعض ماء والبعض هواء والبعض نارا، فلا بدّ من شيء فرّق بين هذه الأجسام في هذه الأوصاف، لأنّ العقل يقضي أنّ افتراق المتماثلات في صفة أو حكم لا بدّ من أن يكون لأمر فرّق بينها.
فذلك المفرّق لا يخلو من أن يكون مختارا أو موجبا، فإن كان موجبا لم يخل من أن يكون له بهذه الأجسام علقة إمّا بالحلول أو بالمجاورة أو لا يكون له بها هذه العلقة. إن كان له بالأجسام علقة بالحلول أو بالمجاورة وجب أن يكون متعدّدا حتّى يقال: حلّ الأرض أو جاورها ما أوجب أرضيّتها، والماء ما أوجب له صفته، والهواء ما اقتضى كونه هواء والنار ما أثّر في ناريّتها. ولو كان كذلك:
لكانت المطالبة قائمة بأن يقال: ولما ذا حلّ الأرض أو جاورها ما أوجب لها هذه الصفة، وهلّا حلّ أو جاور جرم الماء، وكذلك القول في الكلّ.
ثم وإن كانت الموجبات اختصاصها بهذه الأجسام بالمجاورة كانت هي أيضا أجساما وكانت مفارقة لهذه الأجسام في إيجابها لأنّها لو كانت تكون موجبات لهذه الصفات، وهذه الأجسام كانت قابلة لهذه الصفات، فما الذي أوجب المفارقة بينها وبين هذه الأجسام وبين بعضها وبين بعض. فبطل أن يكون بين هذه الموجبات وبين هذه الأجسام علقة الحلول أو المجاورة وإذا لم يكن لها بهذه الأجسام علقة الحلول أو المجاورة فظاهر أنّها إذا كانت موجبات ولم تكن حالّة في هذه الأجسام ولا مجاورة لها، لم يكن كلّ واحد [منها] بأن يوجب ما يوجبه لبعض الأجسام أولى من أن يوجبه البعض الآخر، فكان يجب أن يوجب جميع ما يوجبه لجميع هذه الأجسام حتّى يكون الجسم الواحد صفة الأرض المحض والماء المحض والهواء المحض والنار المحض، وخلافه معلوم وكذا إن فرض موجب واحد لجميع هذه الصفات مباين عن الأجسام، فإنّه يلزم ما ذكرناه من اتّصاف كلّ واحد من هذه الأجسام بجميع هذه الصفات، فلم يبق إلّا أنّ يكون مختارا.
ثم نقول: هذا الفاعل المختار لا يخلو من أن يكون جسما أو غير جسم، فإن كان جسما فلا بدّ من أن يكون مركّبا من الحارّ والبارد والرّطب واليابس، فما الذي أوجب مفارقة أجزائه في هذه الصّفات؟ فلا بدّ من مؤثّر آخر.
ثمّ وبالجملة، فإنّ الحيّ المبنيّ ببنية مخصوصة مفارق للأرض الصرف، والماء الصرف والهواء الصّرف والنار الصرف، فما الذي أوجب هذه المفارقة بينه وبينها فيتّجه عليه التسلسل، وهو باطل، فلم يبق إلّا أن يكون غير جسم , وهو المقصود.
واعلم أنّ العلم بأنّ للأجسام وللأعراض المخصوصة محدثا أوّل فلم يتعلّق به تبارك وتعالى، لأنّه لا محدث للأجسام والأعراض المخصوصة غير اللّه تبارك وتعالى ولم يسبق هذا العلم علم آخر يتصوّر أن يكون علما به تعالى.
ولا يمكن أن يقال في هذا العلم إنّه لم يتعلّق به تبارك وتعالى من حيث انّه علم جملة الجملة لا تعلّق له.
وذلك لأنّ العالم بهذا العلم يعلم أنّه علم ذاتا مؤثّرة في حدوث الأجسام لا شيئا لا أثر له، وعلم أنّه متعيّن في ذاته وإن لم يتعيّن له، وانّ علمه هذا بخلاف علمه بحقائق الأشياء، كعلمه بأنّ الجوهر ما هو؟
والسواد ما هو؟ والحياة ما هي؟ والقدرة ما هي؟.
ومن منع من كون هذا العلم متعلّقا بذاته تعالى، إنّما يمنع من ذلك بأنّ يقول هذا علم جملة، وعلم الجملة لا تعلّق له.
فيقال : ما ذا تريد بقولك علم الجملة؟
ان عنيت به العلم بحقائق الأشياء الذي يسمّيه بعض الأقوام تصوّرا، كالعلم بأنّ الجوهر ما هو؟ والكون ما هو؟ وكذا القول في اللون وسائر الأجناس...، فلا شك في أنّ هذا العلم لا تعلّق له، إذ لا التفات لهذا العلم إلى جوهر معيّن أو سواد معيّن أو شيء معيّن، وليس الجوهر المطلق شيئا موجودا خارج الذهن حتّى يجعل هذا العلم متعلّقا به. فالقول بأنّ هذا العلم غير متعلّق صحيح، ولكنّ العلم بأن للأجسام محدثا ليس من هذا القبيل، حتّى يقال لا تعلّق له.
وإن عنيت به العلم بشيء من جملة أشياء، كعلم الإنسان بانّ زيدا في هذه العشرة، فقلت إنّ هذا العلم لا تعلّق له، فهذا باطل، لأنّ هذا العلم له التفات إلى شخص من أشخاص الناس، والعالم به يعلم أنّه معيّن في نفسه وإن لم يتعيّن له، وأنّه بخلاف العلم بحقائق الأشياء، وإنّما لم يتميّز له معلومه كلّ التميّز، وإلّا فمعه ضرب من التميّز. أ لا تراه يعلم أنّ الذي علمه إنما هو في هذه العشرة دون غيرها من العشرات، وإن كان العلم لا يتعلّق إلّا إذا كان معه تمام التميّز لوجب أن لا يكون في الشاهد علم متعلّق، لأنّ أحدنا لا يعلم معلوما على سائر الضروب والتفاصيل الممكنة في حقّه.
|
|
الصحة العالمية: الضوضاء تهديد خفي لصحة الإنسان
|
|
|
|
|
سر جديد ينكشف.. أهرامات الجيزة خدعت أنظار العالم
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|