الترب في الوطن العربي :

لعناصر البيئة الطبيعية تأثيرات متبادلة في غاية التعقيد فيما بينها، وتتمثل تلك التأثيرات المتبادلة بين المناخ والطبوغرافيا، وبين المناخ والنبات، وبين النبات والترب، وأخيراً بين المناخ الترب، كما يوجد تأثيرات متبادلة أخرى بين العامل البشري وجميع العناصر البيئية الطبيعية، فأي تغير في أي عنصر مـن عناصـر النظام البيئي الطبيعي يتبعه تغيرات ملموسة في عناصر النظام البيئي الأخرى.

تتكون التربة بفعل عوامل بيئية عديدة: كالمناخ، والمادة الأبوية (مـادة الأصـل الصخرية)، والنبـات، والكائنات الحية الحيوانية، والأنشطة البشرية، وعامـل الطبوغرافيا، والوقت، وتتبدى تأثيرات درجة الحرارة العالية والجفاف على محدودية الغطاء النباتي لتربة النطاق الذي يمتد من الصحراء الغربية في جمهورية مصر العربية إلى شرق شبه الجزيرة العربية، وما نجم عن ذلك كفقرها بمادة الهومس (الدبال العضوية)؛ كما تأثرت خصائص تربة ذلك النطاق بالمواد الصخرية الأبوية (التكوينات الكلسية والرملية) التي تكونت منها، أما العامل الطبوغرافي فكان تأثيره واضحاً في تكوين ترب ضحلة على السفوح المنحدرة.

    تتباين ترب الوطن العربي حسب تباين الخصائص البيئية الإقليمية في مناطقـه الجغرافية المختلفة، ويسود تباين واضح في أنواع تـرب البيئات الصحراوية العربية، فهناك مساحات شاسعة صحراوية تفتقر كلية إلى ترب حقيقية، أي أن تلك المساحات إما مغطاة بالرمال أو تمثل نطاقات صخرية عارية من أي تربة، وفي جهات أخرى مـن الصحاري العربية لم تسمح الظروف الايكولوجية المتمثلة بالجفاف المتطرف ومحدودية الغطاء النباتي والرياح الشديدة السرعة والعواصف المطرية الفجائية التي تجـرف مـواد التربة السطحية بتطوير مقاطع ناضجة مكتملة الآفاق(عبارة عـن مقاطع تربة رأسية تتبدى من خلالها طبقات التربة ذات الألوان والأنسجة المتباينـة الـتي تميـز بـين أنمـاط الترب).

تسود الترب ذات اللون الفاتح بسبب فقرها بالمواد العضوية في بعض الجهات الصحراوية العربية ،أو في النطاقات ذات التراكمات الملحية على السطح، معظـم تربـة هوامش الصحاري العربية شبه الجافة وشبه الرطبة تحوي مواد كلسية مشتقة من مـواد - الأصل الأبوية أسفل قطاع التربة، ويؤثر تراكمات الأملاح والجبس بكميات معتدلة في التربة على تراجع إنتاجيتها، بينما يؤدي وجود تراكمات الأملاح الذائبة بكميات كبيرة في التربة إلى عدم صلاحيتها لممارسة الزراعة فيها، وعليه فإن الزراعة في البيئات الصحراوية العربية تتحدد ليس فقط بشكل مباشر بظروف الجفاف، وإنمـا بتـأثيرات الجفاف غير المباشرة (كمحدودية الغطاء النباتي) على تطـور الـترب، إلا أن هناك نطاقات في الصحاري العربية ذات تربة خصبة في الواحات وبمحاذاة نهر النيل ودلتـا النيل وفي السهول الفيضية المحاذية لأنهار دجلة والفرات.

ويسود البيئات السهلية والهضاب والأراضي المموجة في القسم الشمالي والشمال الغربي من الوطن العربي ترب ناضجة بسبب الظروف الرطبة، فيوجـد في الهلال الخصيب الذي يفوق الهطول المطري فيه عن 635 ملـم تـربـة خصبة ووفيرة الإنتاج.