أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-12-2018
995
التاريخ: 3-08-2015
2664
التاريخ: 2-08-2015
1200
التاريخ: 2-08-2015
2180
|
انتهينا في دراسات سابقة (1) الى نتيجة ثابتة لا مناص من الاقرار بها بحكم الدليل هي: ان الايمان بوجود خالق لهذا الكون- بكل ما فيه ومن فيه- بديهية من بديهيات العقل و المنطق و الفطرة و الوجدان، و ان كل ما قيل بصدد التشكيك في صحة هذه البديهية لا يقوى على الصمود امام المناقشة و البرهان، وان المادة لما كانت معلولة الوجود فلا بد أن يكون لها مصدر اوّل غير معلول هو واجب الوجود وضروري الوجود، وان هذا المصدر الاول لا بد ان يكون عاقلا وواعيا وحكيما، وتلك صفات لايمكن تحققها في المادة العمياء العشواء الصماء المتخبطة.
ثم
انتهينا- في دراسة سابقة أيضا- الى نتيجة اخرى خلاصتها: ان الحاكمية الواقعية- بكل
أبعادها - انما هي لله تعالى، باعتباره القادر على كل شيء و الفعال لما يريد، و{بِيَدِهِ مَلَكُوتُ
كُلِّ شَيْءٍ} [المؤمنون: 88]، و{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ
} [الأنبياء: 23]، والمنزه عن الخطأ، و هو الغني الحميد. ولايمكن لنا أن نعترف لأي قوة
بالحاكمية الواقعية و كونها مصدر السلطات الا اذا جمعت هذه الصفات، و لن يمكن
اجتماعها ابدا لغير الله تعالى بحكم العقل و البديهة (2) .
و اذا
كانت هذه الحاكمية الواقعية خاصة بالله تعالى- كما مر- فلا بد أن تكون الحاكمية
القانونية- بكل سلطاتها- له جل و علا أيضا من غير مشارك او منازع، لعدم امكان
الفصل بينها و بين الحاكمية الواقعية المارة الذكر ابدا.
و تكون
المسلمة المستنبطة من ذلك كله: ان هذا الاله القادر العاقل الواعي الحكيم المتفرد
بالحاكمية الواقعية بكل ابعادها و الحاكمية القانونية بكل سلطاتها لا بد أن يضع
للبشرية النظام الذي تتجلى به تلك الحاكمية فيما تريد و ما لا تريد، خصوصا و انه
تعالى على علم- ليس مثله علم- بما سيئول إليه أمر الانسان في عشرات القرون و في
مئات القرون من كثرة عددية هائلة، متباينة الاذواق و الرغبات، مختلفة المصالح و
الاهواء، متفاوتة الافكار و الذهنيات، بالشكل الذي لن يستقيم به لهذه الكثرة عيش
هادئ مستقر من دون نظام يحكم الجميع و يخضع له الجميع، يحدد فيه لكل من الفرد و
المجتمع حقه و واجبه، و يخطط فيه لكل انسان منهج سلوكه مع نفسه و في حياته العامة،
و توضع في ظله افضل الحلول لمشاكل البشرية على مداها القريب و البعيد.
و هذا هو
ما يصطلح عليه علماء الكلام «سر بعثة الأنبياء» و ما نعبر عنه للتوضيح بـ «الهدف
المنشود من وراء النبوة».
لعل هناك
من يتساءل في نفسه فيقول:
لماذا
يفرض الله على البشرية نظام حياتها و منهج سلوكها، و لا يترك للإنسان حريته
الكاملة في التشريع و التقنين معتمدا في ذلك على فكره و نظره و مستفيدا من تجاربه
و خبرته، خطأ و صوابا و حذفا و اصلاحا و استمرارا في التعديل و التبديل، حتى يصل
في نهاية الشوط الى النظام الامثل و المنهج الافضل؟.
و الجواب على ذلك:
أولا:
ان وضع
النظام و التشريع انما هو من حق «مصدر السلطات» بمفرده و من دون ان يشاركه فيه أحد
غيره.
وهذا هو
ما اجتمعت عليه كلمة علماء القانون والسياسة في عالم اليوم.
ولما كنا
نعتقد- كما أسلفنا- ان الله تعالى هو مصدر السلطات و انه الحاكم الواقعي والقانوني
الذي لا ينازعه منازع كان لا بد من القول بأنه صاحب القول الفصل في وضع القانون و
اختيار النظام {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [البقرة: 120].
وثانيا:
اننا
نعتقد ان العقل البشري مهما اوتي من قوة الابداع و الابتكار و النفاذ لن يستطيع
ادراك المصالح البعيدة المدى لمشاكل الانسانية المعذبة و حلولها الصحيحة الا بعد لأي طويل تتعدد فيه التجارب و يكثر التخبط و
الخطأ و الاشتباه، و قد لا ينتهي المطاف به- على رغم كل ذلك- للحل الصائب و
النتيجة المطلوبة، {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ
لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ} [النحل: 64].
وثالثا:
ان وضع
النظام من قبل البشر لن يخلو من تحكيم للمآرب الخاصة وايثار للامتيازات الكبرى، و
انعكاس للمشاعر الذاتية و الطبقية لواضعي النظام، أيا كانوا والى أي طبقة انتسبوا.
ومن هنا
كان لابد لإنقاذ الانسانية من عذاب التخبط والجهل والتجارب الخاطئة ان يضع نظامها
العام من يعلم حاجاتها و تطلعاتها، و يدرك مشاكلها في يومها وغدها، و يميز بين ما
ينفعها و يضرها، و يساوي بين سائر افرادها، بدون تمييز بين فئة وفئة، وطبقة واخرى،
وفرد وغيره، وعنصر وسواه، وبلد وما عداه.
و ليس في
الكون من تجتمع فيه هذه الصفات سوى الله تعالى.
و ليست
أنظمته و تشريعاته سوى تلك الرسالات التي حملها انبياؤه و رسله الى الارض لتسعد
الانسانية و تخرج الانسان من الظلمات الى النور.
و هذا هو
معنى «اللطف» الذي عناه علماء الكلام باستنادهم إليه في القول بوجوب النبوة و
ضرورة استمرارها في الارض ما دامت الحياة و ما بقي الاحياء.
وذهب قوم من الناس- أطلق عليهم اسم «البراهمة» (3) - الى القول بعدم الحاجة الى الرسالات
السماوية ورسلها، واستدلوا على ذلك بزعم ان الرسالة ان جاءت بما يوافق العقل ففي
العقل غنى عنها، و ان جاءت بما يخالف العقل فهي مرفوضة سلفا.
و هذا
الزعم واضح البطلان متهافت البرهان، لان كل مطلع على الشرائع السماوية يعلم انها
قد اشتملت على ما تعرفه العقول و على ما لا تعرفه، فأما ما تعرفه العقول فكان لهذه
الشرائع دور التأكيد عليه و الالزام به، و في ذلك دعم لمقام العقل و تعبير عملي عن
اهميته في بناء الحياة.
وأما ما
لا تعرفه العقول- وهو الاكثر الاكثر- فقد كان الغرض منه ارشاد الناس وتوجيههم نحو
تعيين الاصلح لهم فيما يصطدمون به من مسائل الحياة المعقدة وشئونها المجهولة
ومشاكلها المتجددة.
و هذا
الذي لا تعرفه العقول هو الذي عبر عنه البراهمة ب «ما يخالف العقل»، و هو تعبير
بعيد عن الدقة، لأن الرسالات السماوية بأجمعها لم يكن فيها ما يخالف العقل ابدا،
الا اذا اعتبر هؤلاء كل ما يجهله العقل مخالفا له، و حينذاك يكون للرسالة دور
الكشف عن المجهول، و التحرير للعقول {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران: 164] {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ
وَهُدًى وَرَحْمَةً } [النحل: 89].
لقد وصف
الله تعالى هؤلاء السفراء العظام بوصف الامامة {إِنِّي جَاعِلُكَ
لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124] ، والخلافة {إِنَّا جَعَلْنَاكَ
خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} [ص: 26] ، والرسالة {وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [الصافات:
181] - {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ
رِسَالَاتِ اللَّهِ} [الأحزاب: 39] ، والنبوة {فَبَعَثَ اللَّهُ
النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [البقرة: 213] - {خَاتَمَ النَّبِيِّينَ}
[الأحزاب: 40]. ولم
يصفهم بوصف «الحاكمية» لا بمعناها القانوني ولا السياسي ابدا، لأن النبي والرسول
ليس «حاكما اعلى»، وانما هو نائب عن الحاكم الاعلى و هو الله عز و جل.
ومع تعدد الاوصاف
المشار إليها فقد اقتصر القرآن الكريم في خطاب محمد- صلى الله عليه واله - على
صفتي: «الرسول» {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] و «النبي» {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} [الأنفال:
64]، و قد تكرر استعمال
هذين الوصفين في القرآن كثيرا، فهل هما بمعنى واحد أم ان هناك فرقا بين الوصفين؟.
واذا كان
ذلك ليس بذي بال بالنسبة الى محمد بن عبد الله- صلى الله عليه وآله- باعتباره
جامعا للعنوانين و مصداقا لهذين اللفظين، فان الفرق- لو وجد- يتجلى اثره فيما سبق على
عهد رسول الله- صلى الله عليه وآله - من نبيين و مرسلين.
وعلى
الرغم من كثرة ما قيل في ذلك وتعدد الوجوه في المسألة فان أرجح ما قرأناه في هذا
الصدد ان «النبي: هو الانسان المخبر عن الله بغير واسطة بشر، اعم من ان يكون له
شريعة كمحمد- صلى الله عليه وآله -، او ليس له شريعة كيحيى- عليه السلام-»، و انه انما سمي نبيا «لأنه
أنبأ من الله تعالى أي أخبر، فعيل بمعنى مفعل» (4) .
و«الرسول:
هو المخبر عن الله بغير واسطة احد من البشر، و له شريعة» (5) .
وهكذا
يظهر ان كلا من النبي و الرسول متساويان في صفة الاخبار عن الله تعالى، و لكن
الرسول له ميزة خاصة هي ميزة الارسال بشريعة، اما النبي فهو اعم من حامل الشريعة
او القيم عليها بعد وفاة حاملها.
وهذا هو
ارجح الوجوه في التفريق بين الوصفين، ومن هنا قال المتكلمون: ان كل رسول نبي ولا
عكس.
_________________
(1) يراجع: كتابنا « الله بين الفطرة و الدليل»/ منشورات جامع امام طه ببغداد/ بغداد 1389 هـ - 1969 م , وكتابنا« هوامش على كتاب نقد الفكر الديني»/ بيروت 1391 هـ - 1971 م .
(2)
يراجع:
كتابنا« العدل الالهي بين الجبر و الاختيار»/ منشورات جامع أمام طه ببغداد/ بغداد
1390- 1970 م.
(3)
اشار
إليهم و الى زعمهم هذا: الامام الغزالي في المنخول: 13. و يراجع مذاهب الاسلاميين للدكتور
عبد الرحمن بدوي: 1/ 746.
(4) مجمع البحرين للطريحي: 1/ 405، طبعة النجف 1378 هـ.
(5) مجمع البحرين للطريحي: 1/ 405، طبعة النجف
1378 هـ.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|