أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-02-2015
3830
التاريخ: 30-01-2015
3641
التاريخ: 29-01-2015
3794
التاريخ: 1-5-2016
3048
|
لقد اتفق المؤرخون والمحدثون على أن عليا ( ع ) أول الناس اسلاما ولكنهم اختلفوا في سنه يوم اسلامه فقيل إنه كان في الخامسة عشرة من عمره كما ذهب إلى ذلك الحسن البصري وجماعة من المحدثين ، وقيل أكثر من ذلك كما يظهر من أبي جعفر الإسكافي ، ولكن عبارة الكليني في الكافي تشير إلى أن عمره يوم اسلامه كان يتراوح بين العاشرة والثالثة عشرة ، حيث قال : انه ولد بعد مولد النبي ( ص ) بثلاثين عاما على حد زعمه ، وبما ان مبعث النبي يتراوح بين الأربعين من عمره والثلاثة والأربعين حسب اختلاف الروايات في ذلك فيكون عمره بنظر الكليني يتراوح بين العاشرة والثالثة عشرة .
وجاء عن حذيفة بن اليمان أنه قال : كنا نعبد الحجارة ونشرب الخمر ، وعلي بن أبي طالب من أبناء أربعة عشر عاما وهو قائم يصلي مع النبي ( ص ) ليلا ونهارا ، وقريش تسافه النبي وعلي يذب عنه ولا ناصر له غيره وغير أبيه أبي طالب .
وروى ابن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد أنه قال:
أسلم علي ( ع ) وهو ابن أربع عشرة سنة ، وادعى الجاحظ بأنه أسلم وهو في السابعة من عمره ، ومن المعلوم ان النصوص التي تعرضت لسن علي ( ع ) حين اسلامه لم يرد في شيء منها ان عليا كان بهذا السن يوم ذاك ، ولم يعتمد الجاحظ على رواية في ذلك وانما استنتجه من اختلاف الروايات واعتبره قولا وسطا على حد تعبير بعض المؤرخين ، وقد تعرض لهجوم عنيف من بعض المؤرخين والمحدثين ووصفوه بالجهل ومعاندة الحق كما جاء على لسان أبي جعفر الإسكافي وأضاف إلى ذلك الإسكافي كما جاء في شرح النهج / ج / 3 / ص 264 و 265 أضاف وقد علم الصغير والكبير والعالم والجاهل ممن بلغه ذكر علي ( ع ) وعرف مبعث الرسول ( ص ) ان عليا لم يولد في دار الاسلام وضمه رسول الله إلى نفسه سنة القحط والمجاعة ، وعمره يوم ذاك ثماني سنين ، فمكث معه سبع سنين إلى أن أتاه جبريل بالرسالة وقد أصبح بالغا كامل العقل والادراك ، فأسلم بعد إعمال الفكر والنظر ، وورد في كلامه انه صلى قبل الناس سبع سنين ، وعنى بذلك السنين السبع التي التحق فيها بالرسول ( ص ) قبل مبعثه ، ولم يكن حينذاك دعوة ولا نبوة ، وإنما كان رسول الله يتعبد على ملة إبراهيم ودين الحنيفية ، وعلي يتابعه ، فلما بلغ الحلم وبعث النبي ( ص ) دعاه إلى الاسلام فأجابه عن نظر ومعرفة لا عن تقليد كما يصنع الصبيان أبناء السبع أو التسع .
وجاء في الرواية ان النبي بعث يوم الاثنين وصلى معه علي ( ع ) يوم الثلاثاء وبما ان النصوص متفقة على أنه قد سبق غيره إلى الاسلام ، ولم يستطع اخصامه التهرب منها فقد رجعوا إلى هذا النوع من التحوير والتضليل فقالوا بأنه أسلم صبيا ، وأسلم غيره وهو بكمال العقل والادراك ، واسلامهم أكمل وأفضل من اسلام الصبيان ، لأنه عن نظر وتفكير ومحاكمة ، واسلام الصبيان عن تقليد ومحاكاة وبدون تدبر وتفكير .
ومهما كان الحال فلقد حاول اخصامه ان يحطوا من شأنه بكل الأساليب ، فلم يجدوا منفسا يدخلون منه للطعن في اسلامه وجهاده واخلاصه وتضحياته فرجعوا إلى هذا الأسلوب الملتوي وخرجوا منه بأن اسلام أبي بكر وغيره ممن أسلموا بعد ان تقدمت بهم السن كان أكمل وأفضل من اسلام الصبيان كعلي وأمثاله .
وفي عقيدتي ان هؤلاء الذين اعتمدوا على هذا النوع من الدس والتضليل قد أرادوا ارضاء أسيادهم من الحكام الأمويين والعباسيين ، ولم يكتفوا بالتشويش على اسلام علي ( ع ) بل راحوا يصفون الأحاديث التي تنص على أن أباه أبا طالب حامي الاسلام وحامل لوائه مات مشركا ، واستطاعوا بتلك المرويات ان ينفذوا إلى عقول أكثر المحدثين والمؤرخين والجماهير في مختلف العصور ، ولا ذنب لأبي طالب الا انه والد الإمام علي ( ع ) وجد الطالبيين الذين كانوا بنظر الأمويين والعباسيين المنافس الأول لسلطتهم الجائرة ودولتهم العاتية الظالمة ، في حين انهم أثبتوا لغيره الاسلام والايمان والأفضلية على سائر المسلمين وألبسوهم ثياب الصديقين الأبرار ، وحتى لو كان الثوب الذي ألبسوهم إياه هو ثوبهم ، فلا تبلغ جميع مواقفهم مع رسول الله ( ص ) موقفا واحدا من مواقف أبي طالب في سبيل الاسلام كما يبدو ذلك للمتتبع المنصف لمواقف أبي طالب رضوان اللّه عليه...
وقد تحدث العقاد عن مولد الإمام علي ( ع ) واسلامه في كتابه عبقرية الامام وقد جاء فيه ان عليا ولد في داخل الكعبة وكرم الله وجهه عن السجود للأصنام فكأنما كان ميلاده ثمة ايذانا بعهد جديد للكعبة والعبادة فيها ، بل قد ولد مسلما على التحقيق إذا نحن نظرنا إلى ميلاد العقيدة والروح ، لأنه فتح عينيه على الاسلام ولم يعرف قط عبادة الأصنام ، وقد تربى في البيت الذي خرجت منه الدعوة الاسلامية وعرف العبادة في صلاة النبي ( ص ) وزوجه الطاهرة قبل ان يعرفها من صلاة أبيه وأمه .
وجمعت بينه وبين صاحب الدعوة قرابة مضاعفة ومحبة أوثق من محبة القرابة ، فكان ابن عم محمد ( ص ) وربيبه الذي نشأ في بيته ونعم بعطفه وبره .
وقد رأينا الغرباء يحبون محمدا ويؤثرونه على آبائهم وذويهم ، فلا جرم ان يحبه هذا الحب من يجمعه به جد ويجمعه به بيت ، ويجمعه به جميل معروف وهو جميل أبي طالب يؤديه محمد ( ص ) ، وجميل محمد يحسه ابن أبي طالب ويأوي إليه .
ومضى يقول : واختلفوا في سنه حين اسلامه من السابعة إلى السادسة عشرة ، ولعله اسلم في نحو العاشرة لأنه كان يناهزها عند اعلان الدعوة المحمدية ، وكان يتعبد في بيته عبادة الاسلام قبل الدعوة بفترة غير قصيرة ، وليس ما يمنع عليا أن يألف تلك العبادة في طفولته الباكرة ، وإذا هو نفر منها وأعرض عنها لغير سبب في تلك الطفولة الباكرة ، فالعجيب ان يعود إلى ألفتها والرضا بها بعد ان يبلغ السن التي يعرف فيها معنى الغضب لعبادة الآباء والأجداد .
ولولا ألفة علي ( ع ) لابن عمه وكافله لما قربته القرابة وحدها من الدين الذي دعا إليه ، فقد أصر كثير من أقرباء النبي ( ص ) على الشرك زمنا طويلا .
ومضى يقول : لقد ملأ الدين الجديد قلبا لم ينازعه فيه منازع من عقيدة سابقة ، ولم يخالطه شوب يكدر صفاءه ، فبحق ما يقال : ان عليا كان المسلم الخالص في سجيته المثلى ، وان الدين الجديد لم يعرف قط أصدق اسلاما ولا أعمق نفاذا فيه ، لقد كان المسلم في عبادته وعلمه وعمله ، وفي قلبه وعقله ، حتى ليصح ان يقال : بأنه طبع على الاسلام فلم تزده المعرفة الا ما يزيده التعليم على الطباع .
وعلى أي الأحوال ، فلم يتردد أحد في سبقه إلى الاسلام والايمان بكل ما جاء به محمد بن عبد اللّه ، وكما ذكرنا فإن سنه على وجه التحديد قد اختلفت الروايات فيها وتضاربت حولها الآراء أشد الاختلاف .
وجاء في صحيح ابن ماجة ص 62 أنه قال : أنا عبد الله وأخو رسول الله ، وانا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي الا كذاب ، صليت قبل الناس سبع سنين ، ورواها الحاكم في مستدرك الصحيحين ، وجاء فيها صليت قبل الناس سبع سنين قبل ان يعبده أحد من هذه الأمة ، كما رواها ابن جرير الطبري في المجلد الثاني من تاريخه .
وجاء في مسند أحمد ان عليا ( ع ) قال : ظهر علينا أبو طالب وأنا مع رسول الله ونحن نصلي ببطن نخلة ، فقال : ما ذا تصنعان يا ابن أخي فأخبره النبي بالإسلام فقال : ما بالذي تصنعان بأس ، ثم قال علي ( ع ) اللهم إني لا أعرف أن عبدا لك من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيك ، لقد صليت قبل ان يصلي الناس سبعا .
وجاء في المجلد السادس من كنز العمال أنه قال : عبدت اللّه قبل ان يعبده أحد من هذه الأمة ست سنين ، وفي خصائص النسائي ، أنه قال : عبدته قبل ان يعبده أحد تسع سنين . وجاء في كنز العمال ج / 7 ص 57 عن ابن مسعود أنه قال : أول شيء علمته من امر رسول الله ( ص ) اني قدمت مكة مع عمومة لي فأرشدونا إلى العباس بن عبد المطلب فانتهينا إليه وهو جالس إلى زمزم . فجلسنا إليه ، فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل من باب الصفا أبيض تعلوه حمرة له وفرة جعدة إلى أنصاف أذنيه ، أقنى الأنف برّاق الثنايا ، أدعج العينين كث اللحية دقيق المسربة ، شثن الكفين والقدمين ، عليه ثوبان أبيضان كأنه القمر ليلة البدر ، يمشي على يمينه غلام أمرد حسن الوجه مراهق ، أو محتلم ، تقفوه امرأة قد سترت محاسنها فقصد نحو الحجر فاستلمه ، ثم استلمه الغلام ، واستلمته المرأة ، ثم طاف بالبيت سبعا ، والغلام والمرأة يطوفان معه ، فقلنا : يا أبا الفضل ان هذا الدين لم نكن نعرفه فيكم ، أو شيء حدث ؟ قال هذا ابن أخي محمد بن عبد الله والغلام هو علي بن أبي طالب ، والمرأة امرأته خديجة ، أما واللّه ما على وجه الأرض من أحد نعلمه يعبد الله بهذا الدين الا هؤلاء الثلاثة .
وأضاف إلى ذلك الهيثمي في مجمع الزوائد ج 9 ص 222 عن الطبراني انه بعد ان استلما الركن وقف الرجل والغلام عن يمينه والمرأة خلفهما فكبر الرجل والغلام وكبرت المرأة وأطال الرجل القيام وهما يتابعانه ثم ركع فأطال الركوع والسجود وهما يتابعانه إلى أن أتم الصلاة ، فقال العباس : ما على وجه الأرض أحد يعبد اللّه على هذا الدين سوى هؤلاء الثلاثة ، إلى غير ذلك من المرويات الكثيرة الموجودة في مجاميع السنة والشيعة ، وكلها تؤكد انه قد سبق الناس إلى الايمان باللّه ورسوله ، وعبد اللّه قبل غيره أكثر من خمس سنوات .
ورواية السبع والست والتسع التي رواها أكثر محدثي السنة هذه الروايات تدل على أنه كان حين اسلامه بين الرابعة عشرة والسادسة عشرة ، لأنه انضم إلى النبي ( ص ) وهو في الثامنة من عمره ، وبضميمة سبع سنوات إليها كان يعبد اللّه مع النبي قبل نزول الوحي ينتج انه كان حين اسلامه بين الرابعة عشرة والسادسة عشرة ، كما وان رواية كنز العمل عن ابن مسعود تؤيد ذلك ، لأنه جاء فيها ان محمدا أقبل ومعه غلام مراهق ، ولا يوصف الغلام بهذا الوصف قبل الرابعة عشرة من عمره «1» .
ومما يزيد الأمر وضوحا وتأكيدا دعوته لعشيرته فيما امره اللّه بذلك . وجاء فيها انه امر عليا ( ع ) ان يصنع لعشيرته الطعام ويدعوهم إليه وكانوا أكثر من أربعين رجلا فامتثل علي ذلك ، واجتمعوا فأكلوا وانصرفوا بدون ان يكلمهم النبي ( ص ) بشيء وفي المرة الثانية دعاهم إلى الاسلام ، وضمن لمن يؤازره منهم وينصره ان يكون أخاه ووصيه وخليفته من بعده ، فلم يتكلم أحد سواه ومضى النبي يكرر الدعوة لهم ولا يجيبه غير علي ( ع ) ، فلما رأى منهم الخذلان ومنه الاستعداد للنصر والتضحية في سبيل اللّه ، قال النبي ( ص ) : هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي ، فقاموا من مجلسه يسخرون ويضحكون ، ويقولون لأبي طالب أطع ابنك فقد أمّره محمد عليك .
فهل يكلف الطعام ودعاء القوم صغير غير مميز في السابعة أو العاشرة من عمره ، وهل يدعى مع الشيوخ والكهول حسب عرف الناس الذي لم يشذ عنه محمد ( ص ) في الدعوة وأساليبها غير المميز الذي يصح ان تسند إليه مسؤولية هذا العمل الجسيم .
وهل يضع النبي يده في يده ويجعله أخاه وخليفته من بعده الا إذا كان أهلا وبالغا حدود التكليف ومسؤولا عن تعهداته والتزاماته التي سيكون لها اثرها البالغ فيما بعد ، والنبي ( ص ) يعرف جيدا ان عليا ( ع ) إذا لم يكن كامل الادراك وعلى بصيرة من امره ، ويحس بالمسؤولية التي التزم بها احساسا كاملا يعرف بأنه سيتعرض للنقد والسخرية حتى من آله وذويه الأقربين ، إلى غير ذلك من الحجج والأدلة التي أدلى بها أبو جعفر الإسكافي في مقابل الجاحظ وأبي بكر الأصم وغيرهما ممن حاولوا الانتقاص من اسلام علي ( ع ) وتفضيل اسلام أبي بكر وغيره على اسلامه ولو وجد هؤلاء سبيلا ولو أوهى من بيت العنكبوت للقول بأن أبا بكر قد سبقه إلى الاسلام لم يترددوا في ذلك ، ولكن تواتر الروايات حول هذا الموضوع ألجأهم إلى الاعتراف بسبقه إلى الاسلام ، وظنوا بهذا التضليل واللف والدوران انهم يستطيعون ان ينالوا من قدسية اسلامه ، ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الجاحدون .
وقد جاء في خطبة له أوردها جامع النهج يصف فيها اسلامه وصلته برسول اللّه ( ص ) منذ طفولته قال فيها :
وقد علمتم موقفي من رسول اللّه ( ص ) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة وضعني في حجره وانا وليد يضمني إلى صدره ويكتنفني في فراشه ويمسني جسده ويشمني عرفه ، فكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل ، ولقد قرن اللّه به من لدن كان عظيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به سبيل المكارم ومحاسن الأخلاق ليله ونهاره ، ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول اللّه وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح النبوة ولقد سمعت رنة الشيطان ، فقلت يا رسول اللّه : ما هذه الرنة ، فقال هذا الشيطان قد يئس من عبادته ، انك تسمع ما اسمع وترى ما أرى الا انك لست بنبي ، ولكنك الوزير وانك لعلى خير .
وذكر جماعة من المحدثين والمؤرخين ان زيد بن حارثة اسلم بعد علي ( ع ) وكان النبي قد اشتراه لخديجة .
وقيل إنها وهبته للنبي فاعتقه وتبناه ، وزوجه بعد ذلك من ابنة خالته زينب ، ولما طلقها زيد تزوجها النبي ( ص ) كما نص على ذلك القرآن الكريم...
وجاء في رواية بحار الأنوار للمجلسي عن علي بن إبراهيم ان جعفر بن أبي طالب أسلم قبل زيد بن حارثة وأبي بكر وغيرهما ممن دخلوا في الاسلام على التعاقب .
وجاء فيها ان النبي ( ص ) لما بلغ السابعة والثلاثين كان يرى في منامه كأن آتيا أتاه يقول له : يا رسول اللّه ، فيقول له الرسول من أنت ، فيقول انا جبريل أرسلني اللّه إليك ليتخذك رسولا ، ورسول الله يكتم ذلك ، ثم نزل جبريل بماء من السماء ، وقال توضأ يا محمد وعلمه الوضوء ، كما علمه الصلاة ، فدخل علي على رسول الله ( ص ) وهو يصلي بعد ما تم له أربعون سنة ، فلما نظر إليه ، قال يا أبا القاسم ما هذا : قال هذه الصلاة التي امرني الله بها فدعاه إلى الاسلام فأسلم ، وصلى خلفه وأسلمت خديجة فكان لا يصلي أحد على وجه الأرض غيرهم ، فلما اتى لذلك أيام دخل أبو طالب إلى منزل رسول الله ومعه جعفر فنظر إلى رسول الله وعلي بجنبه يصليان فقال لولده جعفر : صل جناح ابن عمك ، فوقف جعفر بن أبي طالب من الجانب الآخر ، وكان رسول اللّه قد خرج إلى بعض أسواق العرب فرأى زيد بن حارثة فاشتراه لخديجة ووجده غلاما كيسا ، ثم وهبته له وبقي عنده في بيته حتى بعث النبي ( ص ) فأسلم وأخلص في اسلامه ، فكان النبي يصلي ومعه علي وجعفر وزيد بن حارثة وخديجة زوجته «2».
وجاء في رواية شرح النهج ما يؤيد ذلك ، فقد جاء فيه ان أبا طالب فقد النبي ( ص ) يوما وكان يخاف عليه من قريش ان يغتالوه فخرج في طلبه ومعه ابنه جعفر فوجده قائما في بعض شباب مكة يصلي وعلي ( ع ) معه عن يمينه ، فلما رآهما أبو طالب قال لولده جعفر تقدم وصل جناح ابن عمك فقام جعفر عن يسار النبي ( ص ) فلما صاروا ثلاثة تقدم رسول الله وتأخر الاخوان فبكى أبو طالب وقال :
ان عليا وجعفرا ثقتي * عند ملم الخطوب والنوب
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبي
واللّه لا اخذل النبي ولا * يخذله من بني ذو حسب «3»
وجاء في سيرة ابن هشام عن ابن إسحاق ان الذي اسلم بعد علي هو زيد ابن حارثة ، وبعده أسلم أبو بكر ، وأسلم بعدهم عثمان بن عفان ، وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص ، وأسلم بعد هؤلاء الثمانية أبو عبيدة بن الجراح ، وأبو سلمة بن عبد الله الأسدي ، وأرقم بن أبي الأرقم ، وبعدهم اخذ الاسلام ينتشر في مكة ويفشو فيها .
وأضاف إلى ذلك ابن هشام في سيرته ان زيد بن حارثة كان عبدا لخديجة وقد وهبته للنبي ، وهو ابن شراحيل بن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس واستطرد يقول : ان حكيم بن حزام بن خويلد قدم من الشام برقيق فيهم زيد بن حارثة ، فدخلت عليه عمته خديجة بنت خويلد وهي يوم ذاك مع رسول اللّه ( ص ) فقال لها اختاري يا عمة اي هؤلاء الغلمان شئت فهو لك فاختارت زيدا ، وأخذته ، فلما رآه رسول الله عندها استوهبه منها فوهبته له فأعتقه رسول اللّه وتبناه وذلك قبل مبعثه وكان أبوه قد جزع لفراقه وأنشد أبياتا قال فيها :
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل * احي فيرجى أم أتى دونه الأجل
فو اللّه ما أدري وإني لسائل * أغالك بعدي السهل أم غالك الجبل
ولما عرف بمكانه وفد على النبي في طلبه ، فقال له النبي ( ص ) ان شئت فأقم عندي وان شئت فانطلق مع أبيك ، قال بل أقيم معك فلم يزل عند رسول الله ( ص ) إلى أن بعثه الله نبيا ، فكان أول من أسلم بعد علي ( ع ) كما جاء في بعض المرويات ، وفي بعضها الآخر انه اسلم بعد جعفر بن أبي طالب ، وفي رواية ثالثة بعد أبي بكر .
وعلى أي الأحوال فعلي ( ع ) أول من أسلم من الرجال عند جميع المؤرخين والمحدثين ، والثاني هو أحد ثلاثة هم : جعفر وزيد بن حارثة وأبو بكر ، وأكثر الروايات ان زيدا أسلم قبلهما ، كما وان الروايات التي تنص على تقدم اسلام جعفر وزيد أقرب إلى الصحة من غيرها .
ويدعي المؤرخون والمؤلفون في سيرة النبي ( ص ) ان أبا بكر كان من الدعاة إلى الاسلام وأسلم بواسطته عدد كبير من الناس ، منهم عثمان بن عفان والزبير بن العوام وغيرهما من الطبقة الأولى من المسلمين ، ولكن أبا جعفر الإسكافي وغيره كما جاء في شرح النهج يشكك في صحة تلك المرويات التي تجعل لأبي بكر تلك الشخصية التي تهيمن على تلك الطبقة التي لها وجودها واستقلالها في مكة كعثمان والزبير وطلحة وغيرهم ممن يدعي المؤرخون انهم أسلموا تبعا لأبي بكر .
وذهب أبو جعفر الإسكافي إلى أن هؤلاء لم يكونوا من أصحابه ولا من جلسائه ، وقد عجز عن اقناع أبيه أبي قحافة وابنه عبد الرحمن الذي أقام على كفره ثلاثة عشر عاما والنبي في مكة ، واشترك مع المشركين في حروبهم للنبي ، وظل على شركه إلى عام الفتح ، كما وان زوجة أبي بكر نحلة بنت عبد العزى أمّ عبد الله لم تسلم .
ومضى الإسكافي يقول : ان أبا بكر لم يكن من الدعاة إلى الاسلام كما يدعي الجاحظ وأتباعه ، بدليل انه لم يحاول اقناع ولده عبد الرحمن بالإسلام وبقي على شركه إلى أن جاءت معركة أحد ، وخرج يوم ذاك من عسكر المشركين يتحدى إرادة أبيه ويقول أنا عبد الرحمن بن أبي بكر ويطلب المبارزة ، وظل على شركه إلى عام الفتح فأسلم يوم ذاك مع من أسلم من القرشيين والمكيين ، واين كان رفق أبي بكر وحسن احتجاجه ، في حين لم يستطع اقناع أبيه بالدخول في الاسلام وهو وإياه في بيت واحد ، ومن المعلوم انه بقي على شركه إلى يوم الفتح ، فأحضره ابنه إلى النبي ( ص ) وهو شيخ كبير رأسه كالثغامة على حد تعبير المؤرخين ، فنفر منه رسول اللّه وقال غيروا هذا ، فأرجعوه وخضبوا رأسه ثم جاءوا به مرة أخرى ، فأسلم حيث لم يجد هو وأبو سفيان ومن على شاكلتهما عن الاسلام بديلا غير السيف .
وكان أبو قحافة فقيرا مدقعا سيئ الحال ، وأبو بكر كما يزعمون غنيا فائض المال ، فلما ذا ترك أباه فقيرا بتلك الحالة التي يصوره بها المؤرخون ، مع أنه على حد زعمهم كان محسنا واستمال إلى الاسلام جماعة بواسطة احسانه وأمواله .
وظلت امرأته نحلة بنت عبد العزى بن أسعد العامري على شركها إلى أن هاجر أبو بكر ، فلما انزل الله على رسوله وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ طلقها .
وأضاف إلى ذلك الإسكافي ان من لم يقبل منه أبوه وابنه وامرأته لا برفق واحتجاج ، ولا خوفا من قطع النفقة عنهم وادخال المكروه عليهم ، فغيرهم أقل قبولا منه وأكثر خلافا عليه .
ومضى يقول في النقض والرد على من أرادوا ان ينتحلوا لأبي بكر فضلا وشرفا عن طريق اسلامه المبكر ، وادعوا ان من أسلم بدعاء أبي بكر إلى الاسلام أكثر ممن اسلموا بالسيف واستدلوا على ذلك بما رووه عن أسماء بنت أبي بكر انها قالت : ما عرفت أبي الا وهو يدين بهذا الدين ، ولقد رجع إلينا يوم أسلم فدعانا إلى الاسلام فأسلمنا وأسلم أكثر جلسائه ومنهم خمسة من أهل الشورى كلهم يصلح للخلافة وهم أكفاء علي ومنازعوه الرئاسة والإمامة .
وقال أبو جعفر في الرد على هؤلاء بما ملخصه : انه إذا كانت امرأته لم تسلم وابنه وأبوه لم يسلما ، وأخته أمّ فروة لم تسلم ، وعائشة يوم ذاك لم تكن قد وجدت في هذه الدنيا ، وابنه محمد ولد بعد مبعث النبي بثلاث وعشرين سنة ، وابنته أسماء راوية الحديث كانت يوم مبعث النبي ( ص ) بنت أربع سنين على ابعد التقادير ، فمن الذي أسلم من أهل بيته كما يدعي البكرية وأتباعهم ممن أرادوا بهذا التلفيق ان يجعلوا من أبي بكر داعية للإسلام لا تقل آثارها عن آثار صاحب الدعوة محمد بن عبد الله ( ص ) .
وكيف استطاع ان يهيمن على سعد والزبير وعبد الرحمن وطلحة وغيرهم في حين انهم ليسوا من أترابه ولا من جلسائه ، ولم تكن بينه وبينهم مودة أو صداقة ، وكيف دعا هؤلاء البعيدين عنه واستطاع ان يهيمن عليهم ويستجلبهم ، وترك عتبة وشيبة ابني ربيعة وهما من جلسائه وكانا يكبرانه ويأنسان إلى حديثه وطرائفه كما يزعم أنصاره .
وما باله لم يدخل جبير بن مطعم في الاسلام ، وهو الذي أدبه وعلمه وعرفه أنساب العرب وقريش وطرائفها وأخبارها كما تدعون .
وكيف لم يقبل منه عمر بن الخطاب الدخول في الاسلام في تلك الفترة وقد كان صديقه وأقرب الناس شبها به في أكثر حالاته . وأضاف إلى ذلك :
ولئن رجعتم إلى الإنصاف لتعلمن بأن اسلام هؤلاء لم يكن الا بدعاء الرسول ( ص ) وعلى يديه .
وقال الإسكافي : ولئن رجعتم إلى الأسلوب الصحيح المنتج لتجدن أسلوب أبي طالب في الدعوة إلى الاسلام أجدى وأنفع من أسلوب أبي بكر وغيره.
ومضى الإسكافي في حديث طويل في معرض رده على من حاولوا الانتقاص من اسلام علي ( ع ) يفند مزاعمهم بأسلوب يدعمه المنطق وتؤيده النصوص كما أورده شارح النهج واقتطفنا منه هذه الفقرات حيث دعت الحاجة «4» .
ولو تغاضينا عن كل ذلك وسلمنا انه أسلم قبل ان يبلغ الحلم ، فالنصوص التي تحدثت عن كيفية اسلامه تدل على أن اسلامه لم يكن بحكم تبعيته للنبي ( ص ) وبدون وعي وتدبر كما هو الحال في اعمال الصبيان حسبما يدعي أنصار الأمويين والعثمانيين ، بل كان عن ايمان وقناعة بصحة الاسلام وصدق الرسول في ما دعا إليه .
فقد جاء في كيفية اسلامه انه دخل على محمد وخديجة وهما يصليان فوقف ينظر إليهما وهما يركعان ويسجدان والنبي يتلو ما تيسر من القرآن ويسبح اللّه ويحمده ، ولما فرغ النبي ( ص ) من صلاته سأله علي ( ع ) عن ذلك ، فأجابه بأنا نصلي للّه الذي بعثني نبيا وأمرني ان أدعو الناس لعبادته ، ثم دعاه النبي ( ص ) إلى الاسلام فاستمهله ليستشير أباه في ذلك ، وبات ليلته يفكر ويتأمل حتى إذا أصبح أقبل على النبي وأعلن اسلامه وايمانه بتلك الدعوة ، وقال : لقد خلقني الله من غير أن يشاور أبا طالب ، فلا أرى وجها لمشاورته في عبادة من خلقني ولم يستشر أحدا في خلقي «5» .
ان عليا كما تنص رواية اسلامه قد اسلم بعد التفكير العميق والتأمل الطويل ، وبعد ان استعرض نعم اللّه وقدرته التي لا تحيط بها العقول فأدرك ان الله هو الخالق والمنعم لا يستشير أحدا في خلقه ولا يجاريه أحد في تدبيره فله الأمر والنهي وإليه المعاد واستعرض ما عليه قريش وغيرها من حمق وضلالة في عبادتهم للأصنام والأحجار والتماثيل التي يصنعها الانسان بيده ويتخذها أربابا من دون الله .
اما أبو بكر فلقد كان رجلا عاقلا كبيرا حين اسلامه ما في ذلك ريب ولكنه لم يسلم الا بعد ان عبد الأصنام زمنا طويلا ولم يكن مع من تمردوا على عصرهم الجاهلي وعادات قومهم ومعتقداتهم كورقة بن نوفل وزيد بن عمرو وأمية بن أبي الصلت وقس بن ساعدة وأمثالهم ممن سخروا بالأصنام وعبادتها واعتبروا ذلك جهلا وضلالا .
واني لا أريد من كل ذلك ان انتقص من اسلام أبي بكر وغيره ولا ان أجحد فضلا وعملا صالحا لأحد من المسلمين الأولين فلأبي بكر وغيره فضل السبق إلى الاسلام والصحبة للرسول ( ص ) في ذلك الوقت المبكر من تاريخ الدعوة التي كان الاسلام فيها في أمس الحاجة إلى الأنصار والاتباع في مقابل أولئك الجبابرة الطغاة ولقد عزز هو وغيره موقف الرسول من أعدائه الألداء كأبي جهل وأبي سفيان وغيرهما .
_____________________
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|