أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-4-2017
1577
التاريخ: 1-07-2015
1482
التاريخ: 1-07-2015
1612
التاريخ: 10-7-2019
2325
|
قال : ( وهو يرادف الثبوت ، والعدم النفي ، فلا واسطة ).
أقول
: ذهب أبو هاشم وأتباعه من المعتزلة ، والقاضي
والجويني من الأشاعرة ـ على ما حكي(1) ـ إلى ثبوت الواسطة بين الموجود والمعدوم في الصفات ،
كالقول بثبوتها في الذوات في المسألة المتقدّمة ، وسمّوها الحال ، وحدّوها :
بأنّها صفة لموجود لا توصف بالوجود والعدم وهي ثابتة ، فيكون الثابت أعمّ من
الموجود ، والمعدوم أعمّ من المنفيّ.
وهذا المذهب باطل بالضرورة ؛ فإنّ العقل قاض بأنّه لا واسطة
بين الموجود والمعدوم ، وأنّ الثبوت هو الموجود مرادفا له ، وأنّ العدم والنفي
مترادفان ، ولا شيء أظهر عند العقل من هذه القضيّة ، فلا يجوز الاستدلال عليها.
قال
: ( والوجود لا ترد عليه القسمة ، والكلّيّ ثابت ذهنا ، ويجوز قيام العرض بالعرض
).
أقول
: لمّا أبطل مذهبهم أشار إلى بطلان ما احتجّوا به
من الوجوه الثلاثة :
[ الوجه ] الأوّل : أنّ الوجود زائد عن (2) الماهيّة ، فإمّا أن يكون موجودا أو معدوما أو لا موجودا
ولا معدوما ، والأوّلان باطلان.
أمّا الأوّل ؛ فلأنّه يلزم التسلسل.
وأمّا الثاني ؛ فلأنّه يلزم اتّصاف الشيء بنقيضه ، فيبقى
الثالث.
والجواب
: أنّ الوجود غير قابل لهذه القسمة ؛ لاستحالة
انقسام الشيء إلى نفسه وإلى غيره ، أو إلى الموصوف به وبما ينافيه ، فكما لا يقال
: السواد إمّا أن يكون سوادا أو بياضا ، كذلك لا يقال : الوجود إمّا أن يكون
موجودا أو لا يكون. ولأنّ المنقسم إلى الشيئين أعمّ منهما ، ويستحيل أن يكون الشيء
أعمّ من نفسه.
مضافا إلى ما يقال من أنّ الوجود معدوم ؛ لجواز اتّصاف
الشيء بنقيضه اشتقاقا وإن لم يخبر بـ « هو هو » كأن يقال : الوجود عدم في القضايا
المتعارفة.
[ الوجه
] الثاني : أنّ الكلّي الذي هو ذاتيّ لجزئيّاته المحقّقة في
الخارج مثل الحيوان ـ مثلا ـ ليس بموجود ؛ إذ لا وجود في الخارج إلاّ للأشخاص (3) ، ولا معدوما ، وإلاّ لما كان جزءا لجزئيّاته الموجودة ،
كزيد ؛ لامتناع تقوّم الموجود بالمعدوم.
والجواب
: أنّ الكلّيّ جزء ذهنيّ لجزئيّاته ، وذلك يقتضي
وجوده في الذهن ، وهو موجود فيه ، وليس جزءا خارجيّا حتّى يلزم تحقّقه في الخارج.
والحقّ أنّ الكلّيّ الطبيعيّ موجود في الخارج بوجود أشخاصه
، كما سيأتي إن شاء الله.
[
الوجه ] الثالث : أنّ اللونيّة أمر ثابت مشترك بين السواد والبياض
، فيكون كلّ واحد من السواد والبياض ممتازا عن الآخر بأمر زائد على ما به
الاشتراك.
ثمّ الجزءان إن كانا موجودين ، لزم قيام العرض بالعرض. وإن
كانا معدومين ، لزم أن يكون السواد أمرا عدميّا وكذلك البياض ، وهو باطل بالضرورة
، مع امتناع تقوّم الموجود بالمعدوم ، فثبت الواسطة.
والجواب
: أنّ العرض قد يقوم بالعرض على ما يأتي.
وأيضا فإنّ قيام الجنس بالفصل ليس هو قيام عرض بعرض.
قال
: ( ونوقضوا بالحال (4) نفسها ).
أقول
: اعلم أنّ نفاة الأحوال قالوا : وجدنا ملخّص (5) أدلّة مثبتي الحال يرجع إلى أنّ هاهنا حقائق تشترك في بعض
ذاتيّاتها وتختلف في البعض الآخر ، وما به الاشتراك مغاير لما به الامتياز.
ثمّ قالوا : إنّ ذلك ليس بموجود ولا معدوم ، فوجب القول
بالحال.
وهذا منتقض عليهم بالحال نفسها ، فإنّ الأحوال عندهم
متعدّدة ومتكثّرة ، فلها جهة اشتراك هي مطلق الحاليّة ، وامتياز هي خصوصيّات تلك
الأحوال ، وجهة الاشتراك مغايرة لجهة الامتياز ، فيلزم أن يكون للحال حال أخرى
ويتسلسل.
قال
: ( والعذر بعدم قبول التماثل والاختلاف ، والتزام التسلسل باطل ).
أقول
: اعتذر المثبتون عن التزام النفاة بوجهين :
الأوّل
: أنّ الحال لا يوصف بالتماثل والاختلاف.
الثاني
: القول بالتزام التسلسل.
والعذران باطلان.
أمّا الأوّل : فلأنّ كلّ معقول إذا نسب إلى معقول آخر.
فإمّا أن يتّحدا في المعقوليّة ، ويكون المتصوّر من أحدهما هو المتصوّر من الآخر ،
وإنّما يتعدّدان بعوارض لاحقة ، وهما المثلان ، أو لا يكون كذلك ، وهما المختلفان
، فلا يتصوّر نفيهما.
وأمّا الثاني : فإنّه يبطل الاستدلال بوجود الصانع تعالى.
وبراهين إبطال التسلسل ـ سيّما برهان التطبيق ـ آتية هاهنا.
وأجاب بعض المتأخّرين : بأنّ المختلفين إذا اشتركا في أمر
ثبوتيّ ، لزم ثبوت أمرين بهما يقع الاختلاف والتماثل ، أمّا إذا اتّحدا في أمر
سلبيّ فلا يلزم ذلك.
والأحوال وإن اشتركت في الحاليّة ـ كالسواديّة والبياضيّة ـ
إلاّ أنّ ذلك المشترك أمر سلبيّ ، فلا يلزم التسلسل (6).
وهو غير مرضيّ عندهم ؛ لأنّ الأحوال عندهم ثابتة.
قال
: ( فبطل ما فرّعوا عليهما من تحقّق الذوات غير المتناهية بأشخاصها في العدم ،
وانتفاء تأثير المؤثّر فيها وتباينها ، واختلافهم في إثبات صفة الجنس وما يتبعها
في الوجود ، ومغايرة التحيّز للجوهرية ، وإثبات صفة المعدوم بكونه معدوما وإمكان
وصفه بالجسميّة ، ووقوع الشكّ في إثبات الصانع بعد اتّصافه بالقدرة والعلم والحياة
).
أقول
: لمّا أبطل مذهب القائلين بثبوت المعدوم والحال ،
أبطل ما فرّعوا عليهما.
وقد ذكر من فروع إثبات الذوات في العدم أحكاما اختلفوا في
بعضها (7) :
[
الفرع ] الأوّل : أنّهم اتّفقوا على أنّ تلك الذوات غير متناهية
في العدم ، فلكلّ نوع عدد غير متناه ، وأنّ تلك الأعداد متباينة بأشخاصها.
[
الفرع ] الثاني : أنّ الفاعل لا تأثير له في جعل الجوهر جوهرا
والعرض عرضا ، وإنّما تأثير الفاعل في جعل تلك الذوات موجودة ؛ لأنّ تلك الذوات
ثابتة في العدم لم تزل ، والمؤثّر إنّما يؤثّر على طريقة الإحداث.
وقد صار إلى هذا الحكم جماعة من الحكماء ، قالوا : لأنّ كلّ
ما بالفاعل ينتفي بانتفاء الفاعل ، فلو كان الجوهر جوهرا بالفاعل لانتفى بانتفائه
، لكن انتفاء الجوهر عن ذاته يستلزم التناقض.
[
الفرع ] الثالث : أنّهم اتّفقوا على انتفاء تباين الذوات ، بل
جعلوا الذوات كلّها
متساوية في كونها ذوات ، وإنّما تختلف بصفات عارضة لها.
وهذا المذهب باطل ؛ لأنّ الصفات إن كانت لازمة كان اختلافها
دليلا على اختلاف الملزومات، وإلاّ جاز أن ينقلب السواد جوهرا وبالعكس ، وذلك باطل
بالضرورة.
[
الفرع ] الرابع : أنّهم اختلفوا في صفات الأجناس هل هي ثابتة في
العدم أم لا؟
ـ والمراد بصفات الأجناس ما يقع بها الاختلاف والتماثل ،
كصفة الجوهريّة في الجوهر والسواديّة في السواد ، إلى غير ذلك من الصفات ـ فذهب
ابن عيّاش (8) إلى أنّ تلك الماهيّات المعدومة عارية عن الصفات في العدم ، بل هي تحصل في
حال الوجود (9).
وأمّا الجمهور فإنّهم قالوا : إنّها في حال العدم متّصفة
بصفات الأجناس (10) ، وهي أربعة :
إحداها
: الصفة الحاصلة حالتي الوجود والعدم ، وهي
الجوهريّة.
والثانية
: الوجود ، وهي الصفة الحاصلة بالفاعل.
والثالثة
: التحيّز وهي الصفة التابعة للحدوث ، الصادرة عن
صفة الجوهريّة بشرط الوجود.
[ و
] الرابعة : الحصول في التحيّز ، وهي الصفة المعلّلة بالمعنى
، وليس له صفة زائدة على هذه الأربع ، فليس له بكونه أسود أو أبيض صفات.
وأمّا الأعراض فلا صفات لها عائدة إلى الجملة ، بل لها ثلاث
صفات راجعة إلى الأفراد :
إحداها
: الصفة الحاصلة حالتي الوجود والعدم ، وهي صفة
الجنس.
الثانية
: الصفة الصادرة عنها بشرط الوجود.
الثالثة
: صفة الوجود.
[
الفرع ] الخامس : أنّهم اختلفوا في مغايرة التحيّز للجوهريّة :
فعن أبي عليّ الجبّائي وابنه أبي هاشم (11) وأبي الحسين الخيّاط (12) وأبي القاسم البلخي (13) والقاضي عبد الجبّار أنّ التحيّز مغاير للجوهريّة ، وهي
علّة له بشرط الوجود.
وذهب أبو يعقوب الشحّام وأبو عبد الله البصري وأبو إسحاق بن
عيّاش ـ على ما حكي ـ إلى أنّ الجوهريّة هي التحيّز.
ثمّ قال الشحّام والبصري : إنّ الذات موصوفة بالتحيّز كما
توصف بالجوهريّة. ثمّ اختلفا :
فقال الشحّام : إنّ الجوهر حال عدمه حاصل في الحيّز.
وقال البصري : شرط الحصول في الحيّز الوجود ، فهو حال العدم
موصوف بالتحيّز (14) ، لا الحصول في الحيّز.
وزعم ابن عيّاش أنّه حال العدم غير موصوف بأحدهما ولا بغيره
من الصفات (15).
[
الفرع ] السادس : اتّفق المثبتون ـ إلاّ أبا عبد الله البصري ـ
على أنّ المعدوم لا صفة له بكونه معدوما. والبصريّ أثبت له صفة بذلك (16).
[
الفرع ] السابع : اتّفقوا ـ إلاّ أبا الحسين الخيّاط ـ على أنّ
الذوات المعدومة لا توصف بكونها أجساما. وجوّزه الخيّاط (17).
[
الفرع ] الثامن : اختلفوا في أنّ من علم للعالم صانعا قادرا حكيما
مرسلا للرسل ، هل يشكّ في كونه موجودا ويحتاج في ذلك إلى دليل ؛ بناء منهم على
جواز اتّصاف المعدوم بالصفات المتغايرة ، أم لا (18)؟
والعقلاء كافّة منعوا من ذلك ، وأوجبوا وجود الموصوف بالصفة
الموجودة ؛ لأنّ ثبوت الشيء لغيره فرع على ثبوت ذلك الغير في نفسه.
قال
: ( وقسمة الحال إلى المعلّل وغيره ، وتعليل الاختلاف بها ، وغير ذلك ممّا لا
فائدة بذكره).
أقول
: لمّا ذكر تفريع القول بثبوت المعدوم شرع في
تفاريع القول بثبوت الحال ، وذكر منها فرعين :
الأوّل
: قسمة الحال إلى المعلّل وغيره.
قالوا : ثبوت الحال للشيء إمّا أن يكون معلّلا بموجود قائم بذلك
الشيء ، كالعالميّة المعلّلة بالعلم، أولا يكون كذلك ، كسواديّة السواد ، وقسّموا
الحال إلى المعلّل وغيره.
الثاني
: اتّفقوا على أنّ الذوات كلّها متساوية في
الماهيّة ، وإنّما تختلف بأحوال تضاف إليها ، فالاختلاف معلول لها.
واتّفق أكثر العقلاء على بطلان هذا القول ؛ للزوم انتفاء
المتخالفين في اللوازم
الذاتيّة ، فيجوز على القديم الانقلاب إلى الحدوث وبالعكس.
ولأنّ التخصيص لا بدّ له من مرجّح، وليس ذاتا ؛ لتساوي الذوات على هذا القول ، ولا
صفة ذات وإلاّ تسلسلت الصفات؛ لاحتياج ثبوت تلك الصفة لذات دون ذات إلى مرجّح آخر
وهي الصفة الأخرى ، وهكذا.
وترك سائر الفروع ؛ لعدم الفائدة في ذكرها.
والإنصاف أنّه لا فائدة في الاشتغال بأمثال ذلك بعد ظهور
بطلان أصلها.
__________________
(1)
انظر : « محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين » : 163 ؛ « نهاية المرام » 1 : 80 ؛
«شوارق الإلهام » المسألة العاشرة من الفصل الأوّل.
(2)
كذا في جميع النسخ ، وفي « كشف المراد » : 35 : « على ».
(3)
في « ج » : « الأشخاص ».
(4)
الحال ـ كما عليه المتكلّمون ـ : وسط بين الموجود والمعدوم ، وهو صفة غير موجودة
بذاتها وغير معدومة.
(5)
في جميع النسخ : « مخلص » وهو غلط ، وما أثبتناه موافق لـ « كشف المراد » : 36.
(6)
« محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين » : 167 ـ 168.
(7)
انظر : حول هذا المبحث « شرح المقاصد » 1 : 374 وما بعدها.
(8)
هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن عيّاش من كبار أئمّة المعتزلة ، له مؤلّفات
كثيرة في علم المنطق والكلام ، منها : نقض كتاب ابن أبي بشر في إيضاح البرهان.
انظر : « الفهرست» لابن النديم : 221.
(9)
« شرح المقاصد » 1 : 376.
(10)
« شرح المقاصد » 1 : 376.
(11)
هو محمد بن عبد الوهاب بن سلام ، من معتزلة البصرة ومن أئمّة الكلام ، أخذ عن أبي
يعقوب الشحّام ، قصد بغداد وناظر المتكلّمين ثمّ عاد إلى العسكر وأوصى إلى ابنه
أبي هاشم أن يدفنه في العسكر ، توفّي سنة 303. انظر : « الفهرست » لابن النديم :
217.
(12)
هو عبد الرحيم بن محمّد بن عثمان الخيّاط أستاذ أبي القاسم البلخي ، وله كتب كثيرة
في الردّ على ابن الراوندي ، وكان فقيها صاحب حديث عارفا بمذاهب المتكلّمين ، من
كتبه الانتصار في الردّ على ابن الراوندي. كذا في « طبقات المعتزلة » : 85.
(13)
هو أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي ويعرف بالكعبي ، عالم متكلّم ،
توفّي أوّل يوم من شعبان سنة تسع وثلاثمائة ، له مصنّفات كثيرة ، منها كتاب
المقالات وكتاب الغرر والنوادر وكتاب التفسير الكبير للقرآن. انظر : « الفهرست »
لابن النديم : 219.
(14)
أي كونه قابلا للحصول في الحيّز.
(15)
« المحصّل » : 161 ـ 162 ؛ « شرح المقاصد » 1 : 376 ـ 377.
(16)
« المحصّل » : 162 ؛ « شرح المقاصد » : 377.
(17)
« المحصّل » : 162 ؛ « شرح المقاصد » : 377 ـ 378.
(18)
انظر : « المحصّل » : 162 ـ 163.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|