عوامل توطن الصناعة الحديثة

إن نجاح أية صناعة تحويلية في أي بلد ما، يعزى إلى عدة عوامل أهمها: المواد الخام، والقوة المحركة، والوقود، والأيدي العاملة، والنقل ورأس المال. كما أن هناك عوامل أخرى لابد من توفرها لنجاح صناعات معينة بالذات، يجب أخذها بالحسبان عند اختيار أماكن قيامها. وتتمثل في خصائص الموضع الجغرافي (المكان)، ونوع الخدمات فيه من مرافق عامة وموارد المياه، ونوعية المناخ، والسياسات الحكومية. ولذلك فالصناعة الحديثة، تشمل طائفة كبيرة من الصناعات الحديثة المرتبطة اشد الارتباط ببيئة المدينة.

فهي صناعات تحويلية بالمعنى الصحيح، وليس مجرد نصف تصنيع للسلعة، بل تصنيع كامل يعتمد على أكثر من مادة خام واحدة. وعلى استخدام الآلة والطاقة معا، وعلى نطاق واسع. هذا فضلا عن كبر وحدة الإنتاج، وظهور المصنع الضخم الذي تساهم فيه رؤوس أموال طائلة. ويستخدم عدد كبير من الأيدي العاملة على كافة مستويات الخبرة. ويكون الإنتاج في المعتاد بالجملة وبكميات ضخمة بهدف التصدير، وليس لسد الحاجة المحلية.

ومثل هذه الصناعات الحديثة، تنشأ عند توفر رأس المال والخبرة الفنية، والخامات والأسواق، مثل النطاق الصناعي في الشمال الشرقي، والنطاق الصناعي في شمال غرب القارة الأمريكية الشمالية.

ولكن التطور التقني الحديث والتقدم الصناعي لكثير من الدول، أدى إلى تشتيت أو تفريق هذه الصناعات، بعد أن أصبحت الصناعة أهم وسائل رفع مستوى المعيشة، وامتصاص الزيادة السكانية، التي باتت تهدد جهات عديدة من العالم. فكانت دولة اليابان السباقة في هذا الميدان، ثم تلتها دول آسيوية كثيرة مثل كوريا والصين وتايوان والهند....

ولكن عند توقيع الصناعة الحديثة في مكان معين، يجب أن يؤخذ بالحسبان استبعاد هذا النشاط عن المناطق السكنية في المدينة. فللنشاط الصناعي آثار ضارة، بجانب فوائده، بالرغم من أن المدينة تعتمد عليه أحيانا في حياتها الحضرية. فانبعاث الروائح والدخان والبخار، والغبار والضوضاء والاهتزاز، والنفايات وازدحام الطرق، هي من مضار الصناعة الحديثة في البيئة الحضرية، بالرغم من ايجابياتها في رفع مستوى المعيشة، بالعائدات الناجمة عن بيع المنتجات الصناعية..

ومن الأهمية بمكان مراعاة اختيار مواقع الصناعة الحديثة قرب شرايين النقل، سواء أكانت طرقاً برية للسيارات، أو سككاً حديدية أو طرقاً مائية (نهرية وبحرية). كما يؤخذ في الاعتبار توقيعها في مساحات واسعة، خاصة في الحواف الخارجية للمدينة، مما يمكن من توسيعها مستقبلا.

كما لا ينسى المخطط لهذا الاستخدام الصناعي توافر المخازن الضخمة، بالقرب من شبكات الصرف الصحي للتخلص من النفايات الصناعية. بالإضافة إلى توافر مصادر المياه والطاقة اللازمين لقيامها ونموها، بجانب إنشاء محطات تنقية قرب مواقع تلك الصناعات.