المدن اليونانية القديمة

حينما نشأت المدن القديمة على الأرض الفيضية، أخـذت تنتشر إلى حوض البحر المتوسط مع قيام دولة الإغريق. فنشأت في اليونان في منتصف الألف الثانية قبل الميلاد مجموعة كبيرة من المدن، وكانت تلك المدن تتصف بصفة الدولة، فقد كانت المدينة اليونانية عبارة عن دولة مستقلة City State.

ويقول أفلاطون الفيلسوف اليوناني الشهير: إن السور لا يخلق المدينة(2) فلكـل مدينة يونانية ساحة عامة تتقاطع فيها شوارع المدينة عمودياً. وتغطي نحو خمس المدينة، حيث تلتقي فيهـا التجمعات السياسية والاقتصادية والدينية، إلى جانب إجـراء الاحتفالات.

وبوجه عام، كانت المدينة اليونانية تعتمد في سد حاجتها من الغذاء، على رقعة زراعية خاصة بعد ظهور نوع من التخصص، في الإنتاج الزراعي وقيام تجارة واسعة في الحبوب. وكانت تصل المدينة إلى مرحلة الدولة، حينمـا يبلـغ عـدد سكانها حـداً معيناً، يسمح بقيام حياة سياسية ديمقراطية حسب مفهومها لدى اليونان, ومع الفتوحات اليونانية انتشرت الحضارة اليونانية في حوض البحر المتوسط الشرقي، وانتقل أثرها للبلاد التي خضعت لهم. فبعد أن نشأت عـدة مدن في اليونان من بينها مدينة أثينا وسبارطه، بدأت المدن اليونانية في الظهور على سواحل البحر المتوسط كالإسكندرونة شمـال سـورية، وعلى الساحل الجنوبي للبحر المتوسط کالاسكندرية وبرقة. وعلى سواحل شبه جزيرة الأناضول مثل مـالثوس وأورسـوس، وفي ايطاليا مدينة نيوبرلس (نابلي) وكانت تعتمد هذه المدن في غذائها إلى حد ما، على ما تستطيع أن تحصل عليه من وراء البحر. فكانت أثينا مثلاً تبيع الأواني الفخارية والمنتوجات المعدنية والزيوت والخمور في مقابل الحصول على الحبوب.

وتعتبر مدينة أثينا من أكثر المدن الأوروبية أثراً من الناحية الحضارية، فهي تقع في سهل أتيكا Attica الأوسط، وتحيط بها المرتفعات من كل ناحية فيما عدا الجنـوب الذي يتصل مع البحر على بعد نحو عشرة كيلو مترات. ويجري في هذا السهل نهـران هما نهر سيفسوس Cephissus ورافده ايلسوس lissus، ويقع بينهما تل ليكابيتوس Lycabetius. ويرتفع ذلك التل بنحو 270 متراً. وإلى الجنوب الغربي منه توجد أربع تلال صغيرة أهمها الأكروبوليس Acropolis الذي تحتله قلعة أثينا، والتي تشرف منـه على السهل من ارتفاع 100 متر. وتمتد هذه القلعة بطول 300 متر مـن الغـرب إلى الشرق، ونحو 150 متراً من الشمال إلى الجنوب. وكانت التلال التي تشرف على المدينة تجعل إمكانية رؤيتها كلها في نظرة واحدة أمراً ميسوراً. شكل (19).

أما مـن حيث أجزاء المدينة، فكانت تتكـون مـن ثلاثـة أجـزاء، أولهـا هـو الأكروبوليس وهي  القلعة أو المدينة الأصلية، وثانيهـا المدينة العليا، وثالثهـا الميناء. وكان يحيط بالميناء تحصينات قوية، ويربطها بالمدينة العليا أسوار طويلة. ويمكـن القـول إن أثينا كانت مكونة من مدينتين معاً، يصل محيط كل منهما إلى 12كم، ويربطهما طريق يصل طوله لنحو 7كم، وتتخلـل أسـوارها بوابـات عديدة. أمـا حجمها من السكان فقد في القرن الخامس قبل الميلاد ما بين 100 إلى 150 ألف نسمة, مدينـة الإسكندرية، لقـد تم إنشـاؤهـا مـن قبـل المهندس اليوناني الشهير هيبوداموس Hippodamus حسب خطة الزوايا القائمة. حيث تقوم فكرته على أساس تعامد الشوارع على بعضها وتقاطعها بزوايا قائمة . فبنى بجانب الإسكندرية مدينتي بيريه Pyree وميلية Milet عام 331 قبل الميلاد وقد نمت مدينة الإسكندرية بسرعة هائلة وازدهرت حتى أنها غطت ما مساحته 2200 فدان أو 8800 دونم عـام 100 قبل الميلاد وكان يحيط بالمدينـة سـور ضخم يمتد لمسافة 14 كم، وتتخللـه الأبراج. كما كان شارعها الرئيسي الذي يمتد من الغرب إلى الشرق يبلغ طوله نحو 6 كم، وهو الشارع الكانوبي (شارع أبو قير حالياً)، ويتعامد عليه في منتصفه شارع النبي دانيال الحالي في موضعه. وتتخذ المدينة خطة النمو المستطيلة موازية للبحر المتوسط. وقد بلغ عرض الشارع الرئيسي ينحو 30 متراً. أما بقية الشوارع المتعامدة عليـه فإنهـا تقدر بنحو 15 متراً. وكان الميدان يطلق عليه الأغورا Agora، ش كل.

وقد أنشأ المهندس سوستراتوس Sosteratus  منارة الإسكندرية الشهيرة إحـدى عجائب الدنيا السبع عام 280 قبل الميلاد. ويقال إنها كانت ترتفع لنحو 600 قدم (185 متراً) فوق جزيرة فاروس Pharos. وقد تعرضت للتخريب عـام 400 ميلادية، ثم دمرت تماماً من أثر الزلزال الذي ضرب المنطقة عام 1375م.

 وفي داخل المدينة كان يوجد مبنى المحكمة والمسرح الدائري، والاستاد والمكتبـة والمتحف وأكاديمية البحث العلمي ومساكن العلماء. ويذكر ديودور الصقلي أن عـدد سكان الاسكندرية قد بلغ نحو 300 ألف نسمة مـن الأحرار، وهـذا العـدد بـدون أسرهم. وربما يصل مع أسرهم لنحو مليون نسمة في القرن الأول قبل الميلاد شكل (20).