أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-7-2016
1767
التاريخ: 17-2-2022
2016
التاريخ: 2023-03-26
1305
التاريخ: 6/12/2022
2345
|
{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]
في النفس الانسانية عجائب من الاسرار الخفية ، بما تحمله من أهواء متشعبة مادية ومعنوية، وطموحات عريضة؛ لتحقيق متطلبات الهوى.
هذا من جانب ومن جانب آخر تحتوي على جنبة خير، وهي الجنبة العقلية التي تصارع تلك الأهواء، يقول تعالى : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7 - 10]
فغريزة حب الظهور، والتسلط، والتملك، وحب الجاه، والسمعة وغيرها من الغرائز الاخرى مما يشمله حب الذات بكل ابعادها غرائز مخفية في طيات النفس، ولا يمكن التحكم بها إلا (بتركيز التفسير الواقعي للحياة ، وإشاعة فهمها في لونها الصحيح، كمقدمة تمهيدية إلى حياة اخروية يكسب الإنسان فيها من السعادة على مقدار ما يسعى في حياته المحدودة هذه.
في سبيل تحصيل رضا الله. فالمقياس الخلقي – او رضا الله تعالى – يضمن المصلحة الشخصية ، في نفس الوقت يحقق فيه اهدافه الاجتماعية الكبرى. فالدين يأخذ بيد الإنسان إلى المشاركة في إقامة المجتمع السعيد ، والمحافظة على قضايا العدالة فيه التي تحقق رضا الله تعالى؛ لأن ذلك يدخل في حساب ربحه الشخصي ما دام كل عمل ونشاط في هذا الميدان يعوض عنه بأعظم العوض وأجله)(1).
إن الإسلام العظيم بكل متبنياته الفكرية ، والاخلاقية ، والاقتصادية والسياسية يهدف إلى صياغة إنسان متحكم في اهوائه النفسية، وموجه لها نحو سلم الكمال، والسمو من خلال المفاهيم التي يحملها؛ ليصرف طاقاته النفسية في سبيل تجسيد تلك المفاهيم كواقع موضوعي حي من خلال سلوكه المتمثل بالأعمال الصالحة التي ترتقي به رويداً رويداً إلى لقاء الله { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } [الكهف: 110]
ولقاء الله – وهو اسمى تطلعات المؤمن وأرقى امنياته – لابد له من مقدمات تمهيدية واعداد تكاملي يهيأ الإنسان نفسه بها؛ ليكون لائقاً للحضور في ساحة القدس الاعظم وهذه المقدمات بعد الإيمان الصحيح، والاعتقاد السليم، هي العمل الصالح ومضمونه وجوهره هو التحرك في طريق الله؛ لنيل رضاه تعالى بتحقيق ارادته فقط، ولا يكون العمل صالحاً بكل ما للكلمة من معنى إلا إذا كان مجرداً عن اي دافع آخر غير طلب رضا الله ، والتقرب منه.
اي ان لا يشرك في القصد والعمل احداً مع الله، فقيمة العمل إذن تكتسب من خلال الدوافع التي يكمن ورائه ، وذلك لأن (الإسلام يريد ان يصنع الإنسان نفسه صنعاً إسلامياً فهو يتبنى لأجل ذلك تربية هذا الإنسان ، ويستهدف قبل كل شيء محتواه الداخلي والروحي وفقاً لمفهومه)(2) كما يتعهد (بتربية اخلاقية خاصة، تعني بتغذية الإنسان روحياً وتنمية العواطف الإنسانية ، والمشاعر الخلقية فيه.
فإن في طبيعة الإنسان – كما المعنى سابقاً – طاقات واستعدادات لميول متنوعة، بعضها ميول مادية تتفتح شهواتها بصورة طبيعية كشهوات الطعام والشراب والجنس، وبعضها ميول معنوية تتفتح وتنمو بالتربية والتعاهد ، ولأجل ذلك كان من الطبيعي للإنسان – إذا ترك لنفسه – ان تسيطر عليه الميول المادية؛ لأنها تتفتح بصورة طبيعية وتظل الميول المعنوية واستعداداتها الكامنة في النفس مستترة.
والدين باعتباره يؤمن بقيادة معصومة مسددة من الله، فهو يوكل امر تربية الإنسان وتنمية الميول المعنوية فيها إلى هذه القيادة وفروعها، فتنشأ بسبب ذلك مجموعة من العواطف والمشاعر النبيلة، ويصبح الإنسان يحب القيم الخلقية والمثل التي يربيه الدين على احترامها، ويستبسل في سبيلها ، ويزيح عن طريقها ما يقف أمامها من مصالحه ومنافعة)(3).
إذن هدف الإسلام بناء نفسية سليمة زكية، ولكن هذا البناء لا يتم إلا من خلال العمل وهو تطبيق الإنسان أحكام الله على نفسه، وتجسيدها في سلوكه في سبيل الله .
هذا مع العلم ان الابحاث الفكرية والعلوم النفسية والاخلاقية قد اثبتت ان للأعمال الخارجية تأثير على المحتوى الداخلي للإنسان يقول تعالى : { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [المطففين: 14]
يقول العلامة الطباطبائي (قدس سره) : (ويظهر من الآية:
أولاً : ان للأعمال السيئة نقوشاً وصوراً في النفس تنتقش وتتصور بها.
ثانياً : ان هذ النقوش والصور تمنع النفس ان تدرك الحق كما هو، وتحول بينها وبينه.
ثالثاً : ان النفس بحسب طبعها الأولي صفاء وجلاء تدرك بها الحق، وتميز بينه وبين الباطل، وتفرق بين التقوى والفجور، قال تعالى : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7، 8] (4).
وقد دلت روايات كثيرة على تأثير الاعمال السيئة على محتوى الإنسان الداخلي لما تتركه من آثار سيئة وظلمات يتراكم بعضها على بعض حتى تكون حجاباً عن رؤية الحق، وقبول الفيض الإلهي ، وقد ورد عن الإمام الباقي (عليه السلام) انه قال : (ما من عبد إلا وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا اذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء فإن تاب ذهب ذلك السواد ، وان تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض فإذا تغطي البياض لم يرجع صاحبه إلى خير ابداً وهو قول الله عز وجل : { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [المطففين: 14] (5).
إذن اتضح لنا ان العمل له تأثير على المحتوى الداخلي للإنسان سلباً أو إيجابياً فإذا كان سيئاً انعكس على النفس كدورات وظلمات تجعل القلب قاسياً فظاً غليظاً محجوباً عن قبول النور والفيض الإلهي ، وان كان صالحاً كان اثره صلاحاً وصفاء ونورانية وشفافية ، يقول الإمام الخميني : (إخلاص العمل موجباً لخلوص القلب فإذا صار العمل خالصاً تظهر على مرآة القلب انوار الجلال والجمال)(6)
ولذلك حدد الإسلام في برنامجه التربوي الاخلاقي بل في جميع مبادئه واحكامه الاعمال الصالحة ، والاعمال الطالحة ، وترك للإنسان حرية الاختيار في سلوك اي السبيلين ، قال تعالى :
{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } [الإنسان: 3]
{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10]
وقال امير المؤمنين (عليه السلام) : (إن الله سبحانه وتعالى أنزل كتاباً هادياً بين فيه الخير والشر، فخذوا نهج الخير تهتدوا ، واصدفوا عن سمت الشر تقصدوا.
إلى ان قال (عليه السلام) : اتقوا الله في عباده وبلاده ، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاء والبهائم ، اطيعوا الله ، ولا تعصوه ، وإذا رأيتم الخير فخذوا به، وإذا رأيتم الشر فاعرضوا عنه)(7).
ولما كان لكل من السبيلين عوامل مساعدة في داخل نفس الإنسان فالإسلام يهدف إلى صياغة إنسان تنتصر فيه قوى الخير والتقوى على قوى الشر والفجور .
وهذا لا يتم إلا بتصفية الإنسان نفسه من اوضار الاهواء (المادية والمعنوية) وهذه هي المرحلة الأولى من مراحل السمو والكمال الروحي وبذلك تصبح النفس مهيأة لقبول النور الإلهي، وصالحة لتطبيق مبادئ السماء على ذاتها وعلى المجتمع تطبيقاً سليماً، ويكون دافعها الامتثال لأمر الله تعالى لتحقيق إرادته في الارض من دون طلب اي مكسب مادي او معنوي سوى وجه الله ، يقول الشهيد الثاني (قدس سره) : (والأمر الجامع للإخلاص تصفية السر عن ملاحظة ما سوى الله تعالى بالعبادة؛ قال الله تعالى : {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 2، 3] (8)
وهذا هو الاخلاص التام لله تعالى، وبهذا المعنى يصح قول أصحاب القلوب السليمة : إن الإخلاص هو (ستر العمل عن الخلائق وتصفيته عن العلائق) يقول امير المؤمنين (عليه السلام) : (طوبى لمن اخلص لله عمله وعلمه، وبغضه وحبه ، واخذه، وتركه، وكلامه، وصمته ، وفعله ، وقوله )(9).
ويقول (عليه السلام) : (تصفية العمل اشد من العمل ، وتخليص النية عن الفساد اشد على العاملين من طول الجهاد)(10).
فالإخلاص إذن هو : التحرر المطلق من قيود الاهواء النفسية المادية والمعنوية، والتحرك الجدي الفاعل في طريق الله تعالى ؛ لتحقيق إرادته عز وجل من دون طلب شيء سوى رضاه تعالى .
والإخلاص يشمل جميع جوانب حياة الإنسان : الفكرية ، والاخلاقية والسياسية ، والاجتماعية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشهيد الصدر، فلسفتنا : 46: ط/دار التعارف بيروت.
(2) من مقال للسيد الشهيد الصدر ، مجلة الاضواء السنة الخامسة العدد الثالث.
(3) الشهيد الصدر: فلسفتنا : 48.
(4) العلامة الطباطبائي ، الميزان في تفسير القرآن : 20/234 .
(5) ثقة الإسلام الكليني ، الاصول من الكافي : 2/273.
(6) الإمام الخميني ، الآداب المعنوية للصلاة : 372، ترجمة السيد احمد الفهري.
(7) نهج البلاغة خطبة : 167.
(8) الشهيد الثاني ، منية المريد : 132.
(9) المحدث المجلسي، بحار الانوار : 77/291.
(10) المصدر نفسه : 290 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|