أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-7-2019
1741
التاريخ: 6-2-2018
1666
التاريخ: 12-5-2020
3204
التاريخ: 1-07-2015
2803
|
أكثر المتكلّمين دلائلهم على حدوث ما سوى الله ، وقد نقل أكثرها صاحب الأسفار في آخر إلهيات كتابه الأسفار ، وأجاب عنه حسب ما اقتضى تفكيره الفلسفي ، وهاهنا وجوه أُخر نذكرها نحن مع وجه واحد من تلك الدلائل ، فمنها ما في المواقف وغيرها (1) من أنّ العالَم فعل الفاعل المختار ، والقديم لا يستند إلى المختار ... ، فينتج من الشكل الثاني أنّ العالَم ليس بقديم .
أقول : الصغرى
برهانية عندنا كما ... في مبحث الاختيار ، وأمّا الكبرى فهي مسلّمة بين المتكلّمين
والفلاسفة ، فإنّ القصد لا يتعلّق إلاّ بالمعدوم بالضرورة ، لكن ... أنّ ما استدلّ
لتصحيحها غير تمام ...
ومنها : ما دلّ
على استحالة مطلق ما لا نهاية له في جانب الماضي ، من برهان التطبيق وغيره ... [و]
أنّه عندي غير تمام .
ومنها : ما
ذكره العلاّمة المجلسي قدّس سره (2) ، من أنّ الجعل لا يتصوّر في القديم ؛ لأنّ
تأثير العلّة إمّا إفاضة أصل الوجود ، وإمّا إفادة بقاء الوجود واستمرار الجعل
الأَوّل ، والأَوّل هي العلّة الموجِدة والثاني هي المبقية ، والموجود الدائمي
محال أن تكون له علّة موجودة ، كما تحكم به الفطرة السليمة ، سواء كان بالاختيار
أو بالإيجاب ، لكنّ الأَوّل أوضح وأظهر ، وممّا ينبّه عليه أنّ في الحوادث
المشاهدة في الآن الأَوّل تأثير العلّة ، هو إفاضة أصل الوجود، وفي كل آن بعده من
آنات زمان الوجود تأثير العلّة ، هو إبقاء الوجود واستمرار الجعل الأَوّل ، فلو
كان ممكن دائمي الوجود ، فكل آن يُفرض من آنات زمان وجوده غير المتناهي في طرف
الماضي فهو آن البقاء واستمرار الوجود ، ولا يتحقّق آن إفاضة أصل الوجود ، فجميع
زمان الوجود هو زمان البقاء ، ولا يتحقّق آن ولا زمان للإيجاد وأصل الوجود
قطعاً... لو كان ... قديماً لزم أن لا يحتاج إلى علّة أصلاً ، أمّا الموجِدة فلِما
مرّ، وأمّا المبقية فلأنّها فرع الموجِدة .
إنارة عقليّة :
لا ريب في أنّ
ما سوى الله تعالى ممكن كما تنطق به أدلة التوحيد ، وهذا ممّا اتّفق عليه الفريقان
، وكلّ ممكن فهو حادث لا محالة ، فالعالَم حادث وهذا هو المطلوب .
أمّا الكبرى
فنقول في تصحيحها : إنّ الممكن مفتقر في تحقّقه إلى مؤثّر بالضرورة ، ولا يعقل أن
يوجد حال وجوده ؛ فإنّه من تحصيل الحاصل المحال ، فلابدّ أن يوجد حال لا وجود له ،
فيكون وجوده مسبوقاً بلا وجوده ، وهذا هو معنى الحدوث .
وقرّره في
الأسفار هكذا (3) : تأثير المؤثّر إمّا حال عدمه ، أو حال حدوثه ، أو حال بقائه ،
والأَوّلان يفيدان الدعوى ، والثالث باطل ؛ لأنّه يلزم تحصيل الحاصل وهو محال .
ثمّ قال :
والجواب ، أنّا نختار أنّ التأثير في حال الوجود والبقاء ، قوله : ذلك إيجاد
للموجود أو إبقاء للباقي ، قلنا : ليس الأمر كذلك ، وإنّما كان كذلك لو كان الفاعل
يعطيه وجوداً ثانياً ، وبقاءً مستأنفاً وليس كذلك ، بل الفاعل يوجده بنفس هذا
الإيجاد ؛ لأنّ تأثير الفاعل في شيء عبارة عن كونه تابعاً له في الوجود ، واجب
الوجود بعلته .
ثمّ الذي يدلّ
على أنّ التأثير يجب أن يكون في حال الوجود وجوه :
أحدها : إنّه
لو بطل أن يكون التأثير في حال الوجود ، وجب أن يكون إمّا في حال العدم، ويلزم من
ذلك الجمع بين الوجود والعدم ، وذلك ممتنع ، أو لا في حال الوجود ولا في حال العدم
، فيلزم من ذلك ثبوت الواسطة بينهما ، وذلك أيضاً باطل .
ثانيها : إنّ
الإمكان ـ في كلّ ممكن ـ علّة تامّة للاحتياج ؛ لِما يحكم هذا العقل بأنّه أمكن
فاحتاج ، فلو لم يحتج حال البقاء لزم إمّا الانقلاب في الماهية ، أو تخلّف المعلول
عن العلّة التامّة .
ثالثها : ...
إنّ صفاته زائدة على ذاته ، قديمة موجودة بإيجاد الذات إيّاها عند الأشاعرة ، فهي
مادة النقض عليهم .
رابعها : إنّه
لو استغنى الممكن في حال بقائه عن المؤثّر ، فلزم أنّه لو فرض انعدام الباري لم
ينعدم العالّم ، ولزمهم أن لا ينعدم شيء من الحادث ، وذلك باطل قبيح شنيع ، لكن
بعضهم التزموه ... إلخ .
خامسها : إنّ
الدليل منقوض عليهم باحتياج الحوادث في الأعدام الأزلية إلى العلة ؛ إذ الممكن كما
لا يوجد بنفسه لا ينعدم بذاته ، فيلزم عليهم إعدام المعدوم ، انتهى كلامه .
أقول : هذا
الجواب بماله من الدلائل المذكورة لا يرجع إلى محصّل ، فإنّ ما اخترعه من عند نفسه
، من تفسير التأثير بكون المتأثّر تابعاً للمؤثّر في الوجود ، لا يرجع إلى معنى
معقول ، بل معنى التأثير هو الإصدار والإبداع والإيجاد وما شئت فسمِّه ، وهذا
الإيجاد إمّا بنحو الترشّح ، كما في النار والحرارة وغيرها من الأسباب الطبيعية ،
وإمّا بنحو التكوين لا من شيء ، كما في الحيوان وأفعاله الاختيارية .
وهذا التكوين
مستلزم لعدم الفعل قبله كما هو المحسوس ، وحيث إنّ الواجب فاعل مختار عند الملّيين
كما مرّ ، فتكون أفعاله ـ كأفعال الحيوان ـ مسبوقةً بالعدم ، بل ويمكن حينئذ دعوى
الضرورة على حدوث العالَم ، فإنّ أفاعيلنا المشاهدة مسبوقة بالعدم ، وإنّما توجد
بعد عدمها ، والتأثير في حال عدمها لا في حال وجودها ، فكذا أفعال الواجب ؛ إذ لا
فرق بين أفعالنا وأفعاله تعالى من هذه الناحية ، وليست للقصد الكائن فينا مدخلية
في هذا المعنى حتى يتفاوت الحال ، كما لا يخفى .
ولب المرام
وخلاصة المقال : أنّ الممكن إن كان موجوداً قبل الإيجاد فهو ترجّح بلا مرجّح ، وإن
كان معدوماً فهو الحدوث المدّعى ولا شق ثالث بالضرورة .
وبالجملة : لو
لم نقدر على دعوى أن كلّ ممكن يوجده المؤثّر حادث ، بدعوى أنّ تأثير العلل الموجبة
في معاليلها ، هو متابعة المعلول علته في الوجود وترشّحه عنه ـ كما ذكره المستدلّ
ـ وهو لا يستلزم حدوث المعلول إذا كانت علته قديمةً ، مع أنّ الدعوى المذكورة
منظور فيها ، فلا شك في قولنا : إنّ كل ممكن يوجده الفاعل المختار فهو حادث، وإلاّ
لزم تحصيل الحاصل ، بل ندّعي أنّه محسوس ، وحيث إنّ خالق الممكنات بأسرها هو الواجب
المختار ، فيثبت أنّ كلّ ممكن حادث فافهم واغتنم .
والمتحصّل :
أنّ حدوث العالم مبني على اختياره تعالى ، لا أنّ اختياره مستفاد من حدوث العالَم
، كما يزعم أكثر المتكلّمين أو جميعهم .
هذا ما يرجع
إلى نفس الجواب ، أمّا ما استدلّ به من الوجوه الخمسة ، فنقول :
إنّ الوجه
الأَوّل ، خلاف المحسوس في أفعالنا ، وتحليل المقام : إنّ العدم في قولنا :
الإيجاد حال العدم ، أُخذ على نحو الظرفية دون الشرطية ، فنفس الإيجاد يخرجه من
العدم ، فلا يجتمع السلب والإيجاب .
والوجه الثاني
عجيب ؛ إذ مَن يقول بأنّ الإمكان ليس بعلّة الاحتياج ؟ وما هو ربطه بالمقام ؟ وقد
سلف تحقيق افتقار الممكن في البقاء في محلّه فلاحظ .
وبالجملة :
علّية الإمكان للحاجة لا تنافي اشتراط العدم في المفعول ، كيف وإيجاد الموجود بوصف
كونه موجوداً محال ؟ لأنّه من تحصيل الحاصل ، مع أنّ الإمكان ثابت له مع وصف
الموجودية المذكورة .
وأمّا الوجه
الثالث ، فإن تمّ فهو نقض على مقلدي الأشعري وغيرهم ، كما أفاد المستدلّ .
وأمّا الوجه
الرابع ، فقد ظهر جوابه من جواب الثاني .
وبالجملة :
الدليل المتقدّم لا ينافي احتياج الممكن في بقائه حتى يلزم من إثباته بطلانه .
وأمّا الوجه
الأخير فجوابه : إنّ الممكن ما لا يقتضي الوجود ولا العدم بحسب ذاته عند العقل ،
وأمّا بحسب الخارج فإن تحقّق مؤثّره فهو موجود وإلاّ فهو معدوم ، فالإعدام غير
الإيجاد ؛ إذ الثاني أمر واقعي خارجي ؛ ولذا لا يمكن تعلّقه بالموجود كما دريت ،
وأمّا الإعدام فهو أمر عقلي محض ، وهو في الخارج عبارة عن عدم الإيجاد ، فلا معنى
للسؤال عن أنّ إعدام الممكن حال وجوده أو حال عدمه ؟ حتى يلزم من الشق الثاني
تحصيل الحاصل كما قصده المُورِد ، بل هو عدم فعل المؤثّر ، فلا تأثير ولا تأثّر .
وبالجملة : عدم
المعلول من جهة عدم الإيجاد لكن بالاستناد العقلي ، لا الخارجي كما في الإيجاد،
فالموردان مختلفان فلا معنى للنقض ، فافهم .
فإذن ، تحصّل
أنّ العقل حاكم والحس شاهد ، بأنّه يشترط في الفعل الاختياري تقدّم العدم عليه لا
تقدّماً رتبياً وحده كما زعمه السبزواري (4) ، بل تقدّماً فكياً واقعياً لا يجامع المتقدّم
المتأخّر أصلاً .
نعم ، إنّ صاحب
الأسفار عقد باباً في الأمور العامّة من كتاب أسفاره (5) ، وأورد فيه ثمانية أوجه
على عدم اشتراط العدم في الفعل ، وأصرّ على دلالتها على مطلوبه ، لكن يظهر من
كلامه في أَوّل هذا الباب ، أنّه كان حين تقرير الوجوه المذكورة وإيرادها ساخطاً
على المتكلّمين المخالفين له ، ولأقرانه في هذا الباب ، وكأنّ هذا السخط أوجب
انحرافه عن جادة الاعتدال ؛ فلذا لم يُصب في شيء من كلماته ، حيث إنّ الوجوه
المذكورة كلها ضعيفة سخيفة ، بل بعضها غير مربوط بالمقام ، وبعضها إن تمّ لتمّ في
خصوص العلّة الموجبة دون الفاعل المختار .
ولذا علّق
السبزواري على أصل عنوان الباب : وكفى في إبطاله ـ أي إبطال تقدّم العدم على الفعل
ـ لزوم تخلّف المعلول عن العلّة التامّة ، ولكنّنا برهنا على اختياره تعالى ، فلا
ربط للبحث المذكور بالمقام .
وحيث إنّ ذِكر
تلك الوجوه الثمانية وإبطالها يفيء إلى التطويل المملّ ، تركناها وأهملنا إيرادها،
والمنصف الفطِن إذا لاحظها بدقّة يعرف وجه الخلل فيها ، والله الهادي .
ولنا دليل ثانٍ
على حدوث ما سوى الله من الموجودات ، وهو ما برهنّا عليه من حدوث إرادته تعالى ،
فإنّ الأشياء مسبّبة عن إرادة الله تعالى اتّفاقاً ، ومن الضروري تأخّر المعلول عن
العلّة وتقدّمها عليه ، فإذا ثبت حدوث العلّة كان المعلول أَولى بالحدوث بالضرورة
، فالأشياء بأسرها حادثة لا محالة ، ومرجّح الإحداث والإرادة علمه تعالى بالأصلح ،
وكيفية قدرته أي كونه تعالى بحيث له أن يفعل وله أن يفعل .
لا يقال :
الثابت ممّا تقدّم هو حدوث الإرادة الشخصية لا النوعية ، فيمكن قِدمها بتعاقب
أفرادها بلا انقطاع من الطرف الأَوّل ، كما لا انقطاع لها من الجانب الآخر
اتّفاقاً.
قلت : إذا كان
كلّ فرد حادثاً لكان الجميع حادثاً بحكم الحدس القطعي ، وهذا نظير ما ذكروه في
برهان الحيثيات الدال على إبطال التسلسل ، فلاحظ .
قال السيد
الداماد في محكي القبسات (6) : والقانون الضابط أنّ الحكم المستوعب الشمولي لكلّ
واحد واحد ، إذا صحّ على جميع تقادير الوجود لكلّ من الآحاد مطلقاً ، منفرداً كان
عن غيره ، أو ملحوظاً على الاجتماع ، كالحكم بالإمكان على كلّ ممكن ، كان ينسحب
ذيله على المجموع الجملي أيضاً من غير امتراء ، وإن اختصّ بكلّ واحد واحد بشرط
الانفراد ، كان حكم الجملة غير حكم الآحاد ( كالحكم على كل إنسان بإشباع رغيف
إيّاه ) .
أقول : والمقام
من قبيل الأَوّل كما لا يخفى ، فحدوث إرادته تعالى كما يترتّب عليها اختياره تعالى
، كذا يترتّب عليها حدوث العالَم ، فتدبّر .
_____________________________
(1) شرح
المواقف 2 / 494.
(2) السماء
والعالَم / 52.
(3) لاحظ أواخر
فن ربوبياتها .
(4) الأسفار 2
/ 390، الحاشية.
(5) الأسفار 2
/ 383.
(6) شرح
المنظومة / 130.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|