أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-2-2022
2133
التاريخ: 22-10-2016
2288
التاريخ: 23-3-2017
2573
التاريخ: 6-10-2016
1863
|
الملاحظة :
لقد سبق أن ذكرنا في موضع سابق، أن المعرفة تبدأ بظهور مشكلة، وهذه المشكلة - في الواقع - تنشأ عن الملاحظة، والجغرافية، في منحاها الوصفي، تعد علم ملاحظة. ويمكن تعريف الملاحظة بأنها المشاهدة الدقيقة لظاهرة ما، مع الاستعانة بأساليب البحث والدراسة التي تتلاءم مع طبيعة هذه الظاهرة.
ومن الأمور المتفق عليها، من الناحية المنهجية، أن الملاحظة تعد من العمليات الضرورية للبحوث العلمية كلها، سواء في مجال الظواهر الطبيعية أو البشرية. ولم تكتسب الملاحظة تلك الأهمية على اعتبار أنها من أقدم الوسائل التي عرفها الإنسان، خلال سعيه نحو الحقيقة منذ أقدم الأزمنة، وإنما اكتسبت الملاحظة مكانتها تلك باعتبارها ركيزة البحث العلمي في الكشف عن مختلف جوانب الظاهرة المبحوثة.
نفهم من هذا التعريف أن الملاحظة تمثل إحدى وسائل البحث في الجغرافية ، فهي تتطلب من الباحث أن يوجه حواسه وعقله إلى طائفة خاصة من الظواهر لا لمجرد مشاهدتها، بل لمعرفة صفاتها وخواصها وعلاقاتها. وبهذا المعنى، لا تكون الملاحظة مجرد عملية حسية، بل تتضمن تدخلا إيجابياً من جانب العقل الذي يقوم بنصيب كبير في إدراك الصلات الخفية بين الظواهر الجغرافية.
إذن فمن الضروري أن تهدف الملاحظة إلى غرض عقلي واضح، هو الكشف عن بعض الحقائق التي يمكن استخدام ها لاستنباط معرفة جديدة. ويمكن القول: إن العقل الإنساني إذا لاحظ ظاهرة ما، فإنه يتدخل في هذه الملاحظة تدخلا كلياً حتى يعمل ، ما استطاع، على تنسيق عناصرها التي تبدو مبعثرة ومنفصلة بحسب ظاهرها، وهذا هو ما تسعى إليه الجغرافية.
وقد تكون مساهمة العقل هنا على هيئة الابتكار الذي يتجلى في عملية التعميم أو الحدس بالقانون، كما تكون هذه المساهمة على صورة استخدام المعلومات والنظريات، التي سبق اكتسابها في فهم وتفسير جميع تفاصيل الظاهرة التي يراد ملاحظتها، وفي هذه الحال أيضاً، تلقي تلك المعلومات ضوءا ساطعاً يتيح الكشف عن بعض المعلومات الجديدة.
ولما كانت قدرة العقل على تحصيل المعلومات وتنسيقها والاحتفاظ بها تختلف باختلاف الأفراد ، ولما كانت القدرة على الابتكار لا توجد على نمط واحد لدى كل إنسان، فمن الطبيعي أن يتدخل العقل بدرجات متفاوتة في عملية الملاحظة، فإذا كان نصيبه ضئيلاً، كانت الملاحظة فجة، وإذا كان تدخله فيها مثمراً وفعالاً، كانت الملاحظة عملية بمعنى الكلمة.
وشتان ما بين الملاحظتين، فالملاحظة الفجة تطلق على كل ملاحظة سريعة يقوم بها الإنسان في ظروف الحياة العادية. ويمكن التمثيل لهذا النوع بملاحظة الرجل العامي الذي يوجه نظره إلى مختلف الأطوار التي يمر بها القمر، فيرى أنه يبدأ هلالاً ، ثم يكبر شيئاً فشيئاً حتى يكتمل بدراً ، ثم يتطرق إليه النقصان بالتدريج فيصير هلالاً مرة أخرى، ثم يختفي لكي يعود من جديد. لكن ملاحظاته السابقة لا تحدد له السبب في اختلاف أوجه القمر، أضف إلى هذا ملاحظاته لا ترمي إلى تحقيق غاية نظرية، أو الكشف عن حقيقة علمية.
إذن ليست العبرة هنا بتسجيل الملاحظات وتكديسها، بل بالقدرة على تنسيقها وربطها وتأويلها تأويلاً صحيحاً، والاستفادة منها في الكشف عن بعض الحقائق العامة. ويرجع قصور الملاحظة الفجة في الكشف عن هذه الحقائق، إلى أن الإنسان العادي يرى أن الظاهرة التي يلاحظها منفصلة تماماً عما عداها من الظواهر، أما الباحث الجغرافي فيرى أن الظاهرة التي يدرسها لابد ان تكون على صلة ببعض الظواهر الأخرى.
وتطلق الملاحظة العلمية على كل ملاحظة منهجية، يقوم بها الباحث بصبر وأناة للكشف عن تفاصيل الظواهر المدروسة، وعن العلاقات الخفية التي توجد بين عناصرها، أو بينها وبين الظواهر الأخرى. وهي تتميز عن الملاحظة الفجة بالدقة ووضوح الهدف الذي تريد تحقيقه.
وينبغي لنا، أن نشير إلى أن الملاحظة العلمية ليست مجرد تسجيل لما يطرأ على الظواهر من تحول أو تطور، فقد رأينا أن كل ملاحظة تنطوي على عنصر عقلي، وأنها تعد محاولة أولى لتفسير الظواهر وفهمها إلى حد ما؛ فليس العقل إذن لوحة ملساء تنطبع فيها تفاصيل الظواهر في أثناء الملاحظة، بل يتدخل تدخلاً فعلياً، ويقوم بدور إيجابي، لأنه يعزل الظاهرة التي تقع تحت الحواس عما عداها من الظواهر، حتى يمكن وصفها وتحليلها، والوقوف على العلاقات التي تربط العناصر الداخلة في تركيبها.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|