اهمية جغرافية الانتخابات:

تعد جغرافية الانتخابات من أهم فروع الجغرافيا السياسية لأنها تفسر السلوك الانتخابي من جانب، ومن جانب آخر إن أغلب دول العالم الثالث تمتلك معظم مقومات قوة الدولة السياسية أو بإمكانها الحصول عليها, وقسم منها يملك جميع عناصر القوة الجغرافية الطبيعية والبشرية والاقتصادية ولكن مشكلتها هي في نظام الحكم والكيفية التي يتم بها الوصول إلى السلطة، وعدم تمثيل هذه السلطة لإرادة الشعب مما يجعل وجود هوة كبيرة بين السياسة التي تنتهجها السلطات وبين ما تطمح إليه الشعوب , وهذا ما ينعكس سلبا على سياستها تجاه القضايا الداخلية والخارجية والتي أصبحت سببا مهما في تخلفها وعدم سيرها في ركب الحضارة والتطور العالمي وبالتالي افقدها ثقلها في ميزان القوى العالمي, وان إقامة حكومات ديمقراطية في هذه الدول من شانه أن يعيد هذه الدول إلى سكة سير التطور والتقدم.

والمعروف إن أهم ركائز الحكومات الديمقراطية هي الانتخابات، وهذه تحتاج إلى مجتمع يمتلك الأرضية المناسبة والوعي السياسي والثقافة الانتخابية، وهذه من الأهداف التي تعمل على إرساءها جغرافية الانتخابات. وحتى لا يسمح للسلطات الحاكمة بالعودة إلى الدكتاتورية المنظمة عن طريق الانتخابات الغير نزيهة من خلال استغلال توزيع الدوائر الانتخابية بالصورة التي تتلاءم ومصلحة الحزب الحاكم والتي تعرف بظاهرة (الجريماندرينج) والتي ممكن أن تتحول مع مرور الزمن إلى دكتاتورية الحزب الواحد. فلهذا على جغرافيا الانتخابات أن تأخذ دورها في رسم الدوائر الانتخابية وتوزيعها، ولان الديمقراطية هي احد المحاور المهمة والمؤثرة في قوة الدولة لذلك تهتم بها جغرافيا الانتخابات.

وتعد الانتخابات الأداة التي توفر الفرصة التطبيقية في الاختيار الإنساني لمن يقوم بإدارة ومسؤولية وصناعة القرارات المتعلقة في تقرير المستقبل السياسي للبلد، من خلال تشريع القوانين الملائمة في تنظيم حياة الإنسان وضمان حقوقه، حيث أنها تعبر عن شرعة فتح فرص مشاركة الرأي العام في إسناد المسؤوليات القيادية، وبهذا تعمل جغرافيا الانتخابات على إرساء الأسس اللازمة لكفالة عنصر الشرعية للقوة السياسية.

وتوجد ثلاث عناصر رئيسة تعتمدها الجغرافيا السياسية والتي يمكن من خلالها تقييم وزن الدولة السياسي وهي (الأرض، السكان، النظام السياسي)، وان اتحاد العناصر الثلاثة وقوة العلاقة فيما بينها يعطي للدولة وزن اكبر, ويبقى شكل وطبيعة النظام السياسي هو باكورة العلاقة بين هذه العناصر الثلاث. وان السلطات المنتخبة الموضوعة تحت الرقابة المنظمة لجميع أفراد المجتمع تؤدي إلى منح جميع قوى البلاد الحية حقها في الإعراب عن رأيها وفي امتداد نفوذها، لان حق الاختيار حق إنساني مشروع يرتبط بنوعية حياة الإنسان، وجغرافيا الانتخابات هي الفرصة الملائمة في تحقيق حق الاختيار والمساهمة في بناء قوة الدولة من الداخل.

ومما لا شك فيه أن جغرافية الانتخابات بما تحتويها من دراسات في الأنماط الانتخابية والسلوك الانتخابي، قد أضافت بعدا جديدا للجغرافيا السياسية بشكل خاص وللجغرافيا بشكل عام، فجغرافية الانتخابات هي جزء من الجغرافيا السياسية، وذلك لأنها تهتم بدراسة تباين الأنماط الانتخابية من مكان إلى أخر، وتحديد أسباب هذه الاختلافات، وهذه يعد من صميم اهتمام الجغرافيا كما تستطيع الاستفادة من البيانات والاحصائيات الانتخابية المتاحة في إثراء الجغرافيا بأبحاث ودراسات متميزة على اعتبار أن ظاهرة الانتخابات هي ظاهرة مستمرة ومتغيرة من فترة إلى أخرى، وأن تتبع هذه الظاهرة ومتغيراتها يحقق هذا الإثراء.

من هذا المنطلق فإن جغرافية الانتخابات هي جوهر الجغرافيا السياسية خاصة وأن الهدف النهائي للجغرافية السياسية هو توضيح المسببات والنتائج المكانية للعمليات السياسية, وفي هذا المجال بالذات - دراسة العمليات المكانية واختلافاتها - تستطيع جغرافية الانتخابات أن تضيف بعدا جديدا للدراسات الجغرافية.