أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-1-2022
2002
التاريخ: 20-1-2022
1509
التاريخ: 25-1-2016
2606
التاريخ: 25-1-2016
2413
|
الحدود السياسية والقوى القومية والتكتلات الإقليمية
إذا عدنا إلى ما سبق أن ذكرناه من أن التصنيف النوعي يقسم الحدود إلى حدود الاتصال وحدود الانفصال، فإننا نرى أن هذا التقسيم ينطبق على كافة أشكال الحدود في أزمنة مختلفة، فغي عهود السلام يمكن أن تصبح أشد أنواع الحدود وعورة وتباعدا حدود اتصال، وتنقلب الآية فتصبح أكثر الحدود وصال وتقريبا حدود انفصال مانعة خلال فترات العداء والحروب، فالفصل أو الوصل إذن عمل إرادي متعلق بإرادة الدول، ولئن علينا ألا نتناسى أن هناك فعلا مناطق وتخوما تساعد بطبيعتها على الفصل، وهي إذا فركت على حالها دون إنشاء الطرق النني سير عليها الحركة فإنها تصبح طبيعيا وبشريا نطاقات فاصلة، وهذه مرحلة من مراحل وظائف الحدود، وترتبط بتوجيه الدولة، ويتضح هذا جليا في حدود الانفصال القائمة بين البرازيل وجيرانها مثل كولمبيا وبيرو حيث تعمل الغابات الشاسعة في أمازونيا على إقامة تخوم عازلة، ويساعدها في ذلك سلاسل الأند الوعرة المرتفعة التي تقيم نطاقا آخر من العزلة بين الجيران، ومن ثم فإن البرازيل تتجه صوب مناطق الحركة والموارد السهلة على الشاطئ الشرقي، بينما تدير بيرو وكولمبيا ظهرها للبرازيل متجهة بثقلها إلى سواحلها على المحيط الهادئ ووديانها العليا المنتجة لموارد صادراتها الأولية النباتية والمعدنية، لكن التنمية الاقتصادية والضغط السكاني يؤديان ببطء إلى اتجاه مركز ثقل الدولة إلى نطاقات العزلة الداخلية، ولعل نقل عاصمة البرازيل من الساحل إلى الداخل تعبير عن هذا التحول في توجيه الدولة، وفي المستقبل تتوقع أن تتحول سهول أمازونيا البرازيلية وامتداداتها في بيرو وكولمبيا إلى مناطق اتصال وحركة بدلا من وظيفتها الحاجزة الآن، وإذا كانت هناك الآن بعض مشكلات على الحدود في أمريكا الجنوبية عامة، فإن المستقبل سوف يشهد مشكلات أكبر حينما يصبح الاحتكاك أكثر على مناطق غنية بمواردها غير المعروفة الآن.
وهذا المثال هو الذي تكرر المرات تلو المرات في تاريخ العالم منذ العصور الحجرية وتصارع المجتمعات على مناطق الصيد الوفير أو تصارع القبائل على المراعي الغنية، أو تصارع الدول المبكرة على موارد الخامات اللازمة لاقتصاديات الزراعة واحتياجات حياة المدينة، والسيطرة على طرق التجارة الرئيسية، أو صراع القوميات الحديثة على السيادة الإقليمية والمجالات الحيوية ومصادر الخامات وأسواق الاستهلاك وطرق التجارة، وفي كل هذه الحالات - قديمة ومعاصرة - تتحرك الصراعات نتيجة النمو والضغط السكاني، والنمو والضغط الاقتصادي، وكلاهما يؤدي إلى تحريك الحدود عبر نطاقات الحجز والتخوم الفاصلة نتيجة لظروفها الطبيعية أو لأن الناس هجروها لأسباب مختلفة سياسية أو اقتصادية أو استراتيجية.
وبما أن نطاقات الفصل والعزل محدودة المساحة، فإن الوقت الذي تقف فيه القوى المتوسطة وجها لوجه عبر خط حاد يفصلها عن بعضها سياتي دون شك، صحيح أن القوى المتوسعة من مركزين أو أكثر ليس محتوما أن تلتقي لتتصارع في كل نقاط التماس، لكن أكثر نقط التماس حساسية - لأسباب استراتيجية أو اقتصادية - هي مثار المشكلات الرئيسية بين الدول، ومن الأمثلة على ذلك وادي الراين الأوسط كمنطقة مماس بين القوى الجرمانية المتوسعة غربا والقوى الفرنسية المتوسعة شرقا؛ إذ سببت حروبا طويلة بين الدولتين، بينما استقرت منطقة التماس الجرمانية الفرنسية في النطاق الجبلي في سويسرا دون أن تسبب أزمات خطيرة.
في الماضي البعيد كان هناك متسع من الأرض تنتقل فيه الجماعات من مكان لآخر في صورة هجرات واسعة حينما كان التماس بين مجتمعين يهدد بمواجهات مميتة، وفي الماضي غير البعيد كان الصراع بين دولتين أو أكثر يؤدي إلى تسلط الغالب على المغلوب باحتلال عسكري - أو حضاري - وسلب للحريات.
وفي الوقت الحاضر لم يعد في الإمكان الالتجاء إلى ممارسات الماضي البعيد والقريب، فلم تعد هناك أراضة تتحرك فيها الجماعات بعيدا عن مكامن الحظر، ولم تعد حدود الدول مفتوحة لحرية الحركة القديمة، فقد نتم اقتسام أراضي اليابس إلى آخر شبر، وتم تحديد الحدود وأحكم إغلاقها إلا لمن تسمح له القوانين الدولية بالدخول والخروج، فقد نضجت المشاعر القومية خلال القرن الماضي والحالي نضوجا لا مزيد عليه، فكل حفنة من التراب القومي استحالت إلى كم معنوي مشحون بالعواطف وطنية متأججة ملتهبة، حتى لو كانت هذه المعاني خالية من المحتوى النفعي، وبذلك استحالت في عالمنا الدولي المعاصر فكرة الاحتلال بالقوة، برغم استخدام القوة الغاشمة من جانب القوى المتوسعة، وبرغم هزيمة مادية ملموسة حاقت بشعب ما، ولهذا لا يكتسب الاحتلال أية صبغة شرعية طالما قاوم المهزوم مشيئة الغالب بكل أشكال المقاومة.
ويبدو أن القومية بمعناها الراهن قد نشأت في أوروبا خلال تبلور العصر الصناعي ومقدماته، وارتبطت ارتباطا وثيقا بالنمو الاستعماري وظهور أفكار وكتابات عن (المحدد) القومي، والتوسع والسيادة لتحقيق (مهمة حضارية) في العالم، وقد أدى التطور الصناعي والقومي بأوروبا إلى اشتباكات دامية، ويكاد تاريخ أحداث أوروبا الحديثة أن يكون سلسلة من الحروب والدمار والتوسع وتعديلات الحدود، بحيث إن كل دولة تحاربت في وقت ما مع كل دولة أخرى، وتحالفت في وقت آخر مع كل دولة أخرى، تحاربت النمسا وبروسيا، وتحاربت فرنسا وإنجلترا أكثر من مرة، وتحاربت النمسا وبروسيا وروسيا على بولندا، وتحاربت الدانمرك والسويد، وتحارب السويسريون مع النمساويين، وحارب نابوليون كل أوروبا، وحاربت ألمانيا كل أوروبا مرتين، وفي المرتين يكاد أن يكون كل العالم قد جر إلى الحرب، وفي كل مرة تنتهي الحرب بغالب ومغلوب ومعاهدات واتفاقيات وحدود جديدة أو تعود إلى حدود قديمة وتغير جذري لحياة السكان في مناطق الحدود، وتغيير للأوطان والجنسيات والتوجيه الاقتصادي والثقافي واللغوي والحضاري.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|